Skip to main content

الشكر المسيحي

20شَاكِرِينَ كُلَّ حِينٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فِي اسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، لِلَّهِ وَالآبِ.

"شاكرين كل حين" (عدد 20)

(1)قيمة الشكر: إذا كان الترنيم خير معبِّر عن الفرح الذي يغمر القلب المتجدد, فإن الشكر من أظهر الأدلة على أن الإنسان مؤمن حقاً. لأن "الكافر" هو الإنسان الذي يلقي ستاراً من الجحود على نعم الله عليه, والمؤمن هو المرء الواثق بإلهه. الذي ينسب إليه تعالى كل النعم والخيرات

الشكر موجود في دائرة الطبيعة. فالسحاب يأخذ مياهه من البحر عن طريق التبخر, ليروي بها القفر. لكنه يعبّر عن امتنانه للبحر, بكلمات شكر يرسلها إلى البحر في شكل قطرات المطر!

والشكر من مزايا النفوس الشريفة الراقية. فالأمم المتبدية لا تعرف معنى الشكر, لأن كلمة "شكر" غير موجودة في معجم آدابها, حتى جاءت المسيحية وأدخلت هذه الكلمة على لغة تلك الأمم, بفضل ذبيحة المسيح الكفارية التي أصبح البشر مدينين لها بحياتهم. هذا هو المعنى الأساسي الذي ترمز إليه فريضة العشاء الرباني المعروفة ب"الإفخارستيا" –أي خدمة "الشكر". والشكر طابع خاص امتازت به حياة المسيح وخدمته. فأمام قبر لعازر وقف المسيح شاكراً, ولعازر لم يزل بعد ميتاً في قبره. وقبيل رفعه على الصليب "أخذ الكأس وشكر". فإذا كان فادينا قد شكر على الموت, أفلا نشكر نحن على الحياة؟. وإذا كان قد شكر هو على كأس الآلام, أفلا نشكر نحن على كأس الخلاص؟!

(2)أوان الشكر: "كل حين". إن أوان الشكر هو أنه لا يعرف أواناً خاصاً, لأنه في كل أوان –"في وقت مناسب وغير مناسب". في السراء والضراء. نشكره في ظلمة الليل ولو كنا في السجن مع بولس وسيلا. ونحمده في نور النهار, ونحن نخدم في باحة العالم الفسيح الأرجاء.

(3)موضوع الشكر: "على كل شيء". من واجبنا أن نشكر الله على أشواك الحياة, كما نشكره على ورودها. أن نحمده على دموع اليأس, كما على ابتسام الرجاء, أن نمجده على أوراق الخريف الصفراء, كما على أوراق الربيع الخضراء. أن نعظمه على البرية القاحلة, كما على الروض النضير. أن نحمد اسمه على الصلبان التي يرفعنا عليها, كما على التيجان التي ترفعها رؤوسنا. لأن كل هذه الأشياء لنا, لا علينا: "فإن كل شيء لكم. أبولس أم أبلّوس أم صفا أم العالم أم الحياة أم الموت أم الأشياء الحاضرة أم المستقبلة؟ كل شيء لكم" (1كو 3: 22). وفوق الكل, لنشكره على عطية المسيح, التي لا يعبر عنها!

من واجبنا, لا بل من أفضل امتياز لنا, أن نشكر الله على كل شيء لأن ما يختاره لنا الله, خير مما نختاره نحن لأنفسنا. بل إن نقمة يختارها الله لنا –سبحانه لا يختار لنا النقمات- خير من نعمة نختارها نحن لأنفسنا. "وكم نعمة في نقمة طُويت فلم تفطن لها الأنام"

نشكره "على كل شيء", لأن أقل خير نناله منه, هو فوق استحقاقنا الطبيعي. لأننا لا نستحق منه إلا الموت, فأقل نصيب لنا في الحياة هو خير كسب. وهل من حق لمجرم مقضي عليه بالإعدام, أم يلوم ملكاً جاد عليه بالعفو, بحجة أن الملك لم يهبه مزرعةً واسعة ينعم فيها هو أولاده, بعد أن نجا من حكم الإعدام؟!

فلنشكره ما دام في عروقنا دم يجري, وفي قلوبنا نبض يدق, وفي أفواهنا لسان يستطيع أن يقول: "أشكرك أيها الآب"!

(4)وسيط الشكر: "في اسم ربنا يسوع المسيح". "الإسم" هو الذات. فالشكر في اسم المسيح, هو الشكر الذي نرفعه إلى الآب ونحن متحدون بالمسيح, وثابتون فيه, وهو الثابت فينا, "في اسم ربنا يسوع المسيح", بشر الرسل, و"في اسمه", صنعوا المعجزات, و"في اسمه" يجب أن نقدم الشكر للآب. وكل شيء نعمله "في اسم المسيح" إنما نعمله بسلطانه, وقوة شفاعته, وحق كفارته, لأننا "في المسيح" وحده نستطيع أن نتقدم إلى الآب في روح واحد عن يقين وثقة. فالمسيح هو ضامن عهدنا, وهو رأس "الجسد" الذي صرنا فيه أعضاء.

(5)المال النهائي للشكر: "لله والآب" –أي لله الذي أعلن لنا في المسيح, أنه أبونا السماوي. ولولا المسيح لغابت عنا هذه الحقيقة المجيدة, وحُرمنا هذا الحق الجليل. فهو وحده الذي علمنا بحياته, وموته, وقيامته, وصعوده, أن نقول "يا أبانا"!! بهذا وحده ينتفي الخوف, وتزول عنا رهبة العبيد, ونتوشح بدالة البنين الحقيقيين.

  • عدد الزيارات: 23584