Skip to main content

التآلف بين اليهود والأمم

(2: 19- 22)

عدد 19 :

19فَلَسْتُمْ إِذاً بَعْدُ غُرَبَاءَ وَنُزُلاً، بَلْ رَعِيَّةٌ مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَأَهْلِ بَيْتِ اللهِ

-أ-ما كانوا عليه بالطبيعة: "فلستم إذاً بعد غرباء ونزلاً" عاد الرسول على استعارته المدنية, فاستعمل تعبيراً مفهوماً لدى عقلية اليونان المستوطنين أفسس وغيرها من سائر البلدان اليونانية "فالغرباء" هم الأجانب عموماً الذين يحلّون بالديار ويقطنونها ويتمتعون ببعض "امتيازاتها" لكنهم يظلون مطبوعين بطابع الاغتراب. "والنزُلُ" هم الغرباء الرحّل المؤقتون الذين يتنقلون بين هنا وهنالك من حين إلى حين. فالغرباء والنزُل كانوا يتمتعون ببعض المزايا الوطنية –ولكن على سبيل "السماح والنعمة", لا بحسبان أنها حق.فالسكن كان ممنوحاً لهم, لكن حق الرعوية كان ممنوعاً عنهم, فكانوا منه محرومين.

هذا هو الموقف الطبيعي الذي كان يجب أن يكون عليه الأمميون –ومنهم الأفسسيون- الذين اعتنقوا المسيحية,إذ كانوا بالنسبة لليهود غرباء ونزلاً, لكن النعمة خوّلتهم حق امتياز الرعوية فأصبحوا متمتعين بكامل حقوق الرعوية المسيحية مع كونهم غرباء, وأضحوا من أهل البيت على رغم كونهم نزلاً, وأمسوا من أصل الكرمة حال كونهم أغصاناً غريبة طُعمّت فيها.

-ب-ما صاروا إليه بالنعمة: "بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله". إن كلمة "قدّيسين" تصف شعب الله القديم الذي أفرزه الله وخصصه لذاته وعبادته. ولما أسست المسيحية احتلت المكانة التي كانت للشعب اليهودي في برنامج الفداء. وعلى هذا الاعتبار –كما يقول الأسقف ليتَفوت- قد آلت إليها كل الحقوق والامتيازات الروحية التي كانت من حق الشعب اليهودي. لأن الكنيسة المسيحية –كما يصفها بطرس الرسول- "جنس مختار", وكهنوت ملوكي, أمة مقدسة, شعب اقتناء" (1بطرس 2: 9). فكل الذين دخلوا الكنيسة في عهد النعمة أضحوا "قدّيسين" بالدعوة, والتكريس, والتقديس, فالأمميون الذين انضموا إلى زمرة اليهود المنتصرين, أصبحوا مع القديسين في كل شيء لأنهم لا ينقصون عنهم في شيء. وقد خلع عليهم الرسول –في هذا العدد وفي الأعداد التي تليه- خمسة أوصاف تعبّر عن متانة اتحادهم مع المؤمنين الذين سبقوهم من أصل يهودي:

(1)رعية واحدة: "رعية مع القديسين". (2)عائلة واحدة: "أهل بيت الله" (عدد 19). (3)بناء واحد: "مبنيين على أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية" (عدد 20). (4)هيكل واحد: "الذي فيه كل البناء مركباً معاً ينمو هيكلاً مقدساً للرب" (عدد 21). (5)مسكن واحد: " مبنيون معاً مسكناً لله في الروح" (عدد 21).

غير خافٍ, أن الثالوث الأقدس ذُكر بوضوح وجلاء في هذه الأوصاف التي هي استعارات ومجازات متجمعة ومتراكمة فوق بعضها البعض, مما ينمّ عن بصيرة الرسول النيرة, وروحه المحلقة في سماء الوحي, وعقله الخصيب الذي تتزاحم فيه المعاني فيلبسها من الاستعارات والكنايات أجمل الحلل وأبهاها. فالأقنوم الأول: الله الآب –ذُكر في عدد 19: "وأهل بيت الله". والأقنوم الثاني: الله الابن –ذُكر في عدد 20- "ويسوع المسيح نفسه". والأقنوم الثالث: الروح القدس –ذُكر في عدد 22- "مسكناً لله في الروح".

إن كلام الرسول في هذا الفصل الموجز (2: 19- 22) مرتبط بعضه ببعض ارتباط الحلقات المكينة, في سلسلة متينة. فعباراته كدرجات متصاعدة في سلم واحدة. فالكلام في عدد 19 تناول "فكرة" البيت المعنوي. وطبيعي أن الكلام عن البيت, يرجع بالفكر إلى الكلام عن "بناء" البيت –هذا ما عالجه الرسول في عدد 20. وطبيعي أيضاً أن الكلام عن البيت المبني, يؤدي إلى الكلام عن "الهيكل" الذي هو أقدس بيت- هذا ما أوضحه الرسول في عدد 21. ومنطقي أن الكلام عن الهيكل, ينتقل بالفكر إلى "المسكن" الذي هو "قدس" الهيكل –هذا ما بينه الرسول في عدد 22.

(1)الوصف الأول- رعية واحدة: "رعية مع القديسين".

من الملاحظ أن بولس الرسول استعمل التشبيهات سالفة الذكر, بحسب الصور المختلفة التي ارتسمت في ذهنه عن حقيقة كنيسة المسيح. وبحسب وصف الكنيسة, يكون وصف المؤمنين الداخلين إلى أحضانها. فقال عن المؤمنين أنهم "رعية واحدة", باعتبار كون الكنيسة ملكوتاً روحياً, والمسيح ملكه. وقال عنهم أنهم "أهل بيت واحد" باعتبار كون الكنيسة عائلة واحدة, والمسيح ربها. وقال أنهم "بناء واحد" على اعتبار أن الكنيسة بيت مبني, والمسيح نفسه حجر الزاوية. وقال إنهم "مسكن واحد" باعتبار كون الكنيسة هيكل الله الحي, والمسيح كاهنه الأعلى وربه.

(2)الوصف الثاني-عائلة واحدة: "أهل بيت الله".

إنه لمشجع حقاً أن الأممي الذي كان غريباً ونزيلاً حسب الطبيعة مستحقاً الطرد في أي وقت, والحرمان من كل الحقوق, يصبح ابناً في بيت الله. متمتعاً بكامل حقوق البنوة, هانئاً, ناعم البال.

عدد 20:

20مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ،

(3)الوصف الثالث-بناء واحد: "مبنيين على أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية".

إن كلام الرسول في العدد السابق عن "البيت" يرجع بالفكر إلى بناء هذا البيت. فالعدد السابق يتناول الكلام عن أهل البيت, وهذا العدد يتناول الكلام عن البيت ذاته. فقال الرسول عن الأمم أنهم مبنيون على الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية. فأبان لنا في هذا العدد ثلاث حقائق:

-أ-أحجار البناء: "مبنيين" –أعني المؤمنين من الأمم, ومن اليهود الذين سبقوهم إلى الإيمان المسيحي. هؤلاء هم الأحجار الحية في هذا البناء. إن كلمة. "مبنيين" تعين حالة استقرت وتمت في الماضي يوماً ما, بيد الفادي المجيد. على أن الرسول أوضح أن المؤمنين من الأمم واليهود ليسوا أول أحجار في البناء, لكنهم مبنيون على أساس قائم.

-ب-أساس البناء: "على أساس الرسل والأنبياء". إن الرسل والأنبياء المعنيين هنا, هم رسل العهد الجديد وأنبياؤه. أما "الرسل" فهم الاثنا عشر المعروفون. وأما "الأنبياء" فهم الذين وإن كانوا لم يشاطروا الرسل وظيفتهم الفريدة إلا أنهم استنيروا وأُلهموا بطريق مباشر فأنبأوا بالمستقبل حيناً (أعمال 11: 28), ونادوا بحقائق روحية راسخة (أعمال 3: 5, 1كو 14), لأنهم كانوا مكلفين بإبلاغ الحقائق التي أُودعوا إياها –أمثال يهوذا وسيلا (أعمال 15: 32).

ويجدر بنا أن نلاحظ أن "الرسل والأنبياء" معتبرين أساس البناء لا في أشخاصهم بل بالنظر إلى التعاليم والمبادئ التي وضعوها بإلهام الروح, وبها صار للأمم حق الدخول إلى ملكوت النعمة, والتمتع بالنعم والمزايا التي يتمتع بها اليهود.

في رسالة سابقة, استعمل الرسول استعارة البناء والأساس, حيث قال: "فإنه لا يستطيع أحد أن يضع أساساً آخر غير الذي وُضع الذي هو يسوع المسيح" (1كو 3: 11) ولكن كلام الرسول في رسالة كورنثوس الأولى يختلف عنه في رسالة أفسس. في أولاهما تكلم عن الرسل باعتبار كونهم بنائين, لكنه تكلم عنهم في أفسس باعتبار كونهم أحجاراً حية في أساس البناء. في أولاهما –المسيح حجر الزاوية, وفي الثانية –المسيح أساس البناء.

-ج-حجر الزاوية: "ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية".

إذ اعتبرنا الكنيسة جسداً حياً, فإن المسيح هو رأس هذا الجسد وبالتالي هو العنصر الرئيسي في الجسد, لأن الرأس متمم للجسد. وإذ اعتبرنا الكنيسة بناء حياً, فإن المسيح هو حجر الزاوية في هذا البناء, وهو بالتالي الركن الركين في هذا البناء. ولعل بولس عندما استعمل هذه الاستعارة, كان يردد في ذهنه الكلمات الواردة في إشعياء 28: 16 "لذلك هكذا يقول السيد الرب: هأنذا أؤسس في صهيون حجراً –حجر امتحان حجر زاوية, كريماً أساساً مؤسساً" هذا يذكرنا بكلام المسيح لبطرس: "وأنا أقول لك أيضاً أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي" (متى 16: 18).

الكلمة المترجمة هنا "حجر الزاوية", هي في الأصل كلمة واحدة. وهي تعني الحجر الرئيسي الذي يُوضع فوق الأساس ليربط جدارين معاً في بناء واحد. أليس لنا أن نستنتج من هذا, أن المسيح باعتبار كونه حجر الزاوية في بناء الكنيسة, قد ربط اليهود والأمم معاً في هذا البناء المعنوي, فحفظ البناء كله من التفكك والانهيار؟

وجدير بالملاحظة: أن وضع حجر الزاوية في البناء لم يكن مألوفاً لدى اليونان بقدر ما كان معروفاً ومألوفاً لدى الشرقيين سيما العبرانيين. وقد اكتشف السر هنري ليارد في حفريات نينوى بعض أحجار ضخمة, منحوتة على شكل زوايا قائمة, كانت مستعملة قديماً لربط جدارين متجاورين في بناء واحد, مما دلَّ على أن أهل نينوى كانوا يضعون "أحجار زاوية" في أبنيتهم.

إن كلمة "نفسه" الواردة بعد اسم المخلص المجيد, تنمّ عما لفادينا العظيم من مجد وجلال ممتازين. لا يشاطره إياهما الرسل والأنبياء. فإذا كانت مهمة الأنبياء, إذاعة الحق الإلهي, فإن المسيح هو أساس هذا الحق بل هو الحق نفسه.

عدد 21:

21الَّذِي فِيهِ كُلُّ الْبِنَاءِ مُرَكَّباً مَعاً يَنْمُو هَيْكَلاً مُقَدَّساً فِي الرَّبِّ.

(4)الوصف الرابع –هيكل واحد: "الذي في كل البناء مركباً معاً ينمو هيكلاً مقدساً في الرب".

يحدثنا الرسول في هذا العدد عن أربعة أمور: أولاً: تعاون عناصر البناء في النمو: "كل البناء مركباً معاً". ثانياً: عنصر النمو في هذا التعاون: "ينمو" ثالثاً: الغاية التي يبلغها هذا النمو: "ينمو هيكلاً مقدساً" رابعاً: العامل الحي في هذا النمو: "في الرب".

أولاً: تعاون عناصر البناء في النمو: "الذي فيه كل البناء مركباً معاً ينمو". مما لا جدال فيه, أن بولس الرسول, وهو يكتب هذا العدد, كان واضعاَ نصب عينيه هيكل أرطاميس الذي كان مفخرة أفسس في هاتيك العصور. أفلا يجوز لنا أن نعتقد أن الرسول أراد أن يوجد مقارنة بين هيكل أرطاميس –الذي هو مفخرة, حسب الظاهر, ومعرّة في الواقع- وبين الهيكل العظيم الذي أقامه المسيح على الأرض بنشره ملكوته في المعمور؟ فكلاهما هيكل, وكلاهما هيكل ذو بناء, وكلاهما هيكل عظيم. إلى هنا تنتهي أوجه الشبه بين الهيكلين, وتبتدئ أوجه الخلاف. فلئن اقترب الهيكلان حيناً إلا أنهما يتباعدان إلى الأبد تباعد الظلام عن النور, والجحيم عن النعيم. فهيكل أرطاميس بناء مادي, لكن هيكل المسيح بناء روحي. هيكل أرطاميس بناء ميت لأنه مقام من أحجار جامدة ميتة, لكن هيكل المسيح بناء حي نامٍ لأنه مُقام من أحجار حية معنوية. هيكل أرطاميس هيكل نجس كانت تُرتكب فيه الموبقات باسم العبادة, لكن هيكل المسيح مقدس تسمو فيه النفس فوق الدنايا. هيكل أرطاميس كان مكرساً ل"ديانا" آلهة الصيد لكن هيكل المسيح مكرس للفادي المجيد.

ثانياً: عنصر النمو في هذا التعاون: هذا التعاون عملية نامية: "ينمو". غير خافٍ أن بولس, اليهودي الأصل والثقافة, لا يمكن أن يخط كلمة عن هيكل ما, من غير أن يحضر في ذهنه هيكل سليمان. والمستفاد من قوله: "كل البناء مركباً معاً ينمو هيكلاً", إن الرسول –وقت كتابة هذه العبارة- كان متفكراً بالأروقة الكثيرة المنوعة, التي تركّب منها هيكل سليمان, فقد كان كل رواق منها متوَّجاً بقبة, وكانت كل القباب متصلة معاً ومتماسكة, لتكوّن هيكلاً واحداً رئيسياً. فالأبنية كثيرة ومنوّعة, لكنها متعاونة كلها ومتساندة في تأليف هيكل واحد. وبما أن هيكل سليمان لم يكن بناء ساعته بل كان مرتباً ومنظماً وفق تصميم خاص, لدرجة لم يُسمع فيها صوت وقت بنائه, لذلك كان من السهل على من يراقب بناء الهيكل, أن يرى كل بنائه نامياً يوماً فيوماً, ومتقارباً عند سقفه نحو سائر الأبنية, لتكوّن كلها مجتمعاً واحداً رئيسياً ينتهي إلى قبة الهيكل الرئيسية التي كانت مفخرة فن البناء في تلك العصور.

إن تآلف الأروقة الكثيرة المتضمنة في الهيكل لتكوّن هيكلاً واحداً, لهو رمز إلى تآلف الأجناس المختلفة التي تتألف منها كنيسة المسيح –لا فرق بين بربري وسكيني, عبد وحر, يهودي ويوناني, بل الجميع يؤلفون هيئة واحدة.

هذا رأي بعض المفسرين في معنى قول الرسول: "كل البناء" –أي كل العناصر أو الأروقة التي يتألف منها الهيكل. ويرى البعض الآخر –وبينهم الدكتور ارمتاج روبنسون- أن بولس الرسول نظر إلى البناء نظرته إلى جسم حي نامٍ مدة عملية بنائه, وإن كل حجر فيه يقوم بقسط من هذا النمو. ونميل نحن على ترجيح الرأي الثاني كما يتبين من معنى كلمة "هيكل" فيما يلي:

ثالثاً: الغاية التي يبلغها هذا النمو: "ينمو هيكلاً مقدساً". في اللغة اليونانية كلمتان تعنيان "هيكلاً" –الأولى: "ناؤس". والثانية: "هيرون".فالكلمة الأولى: "ناؤس" –المستعملة في هذا العدد- تعني, بحصر اللفظ, ذلك البناء المقدس المكوّن من "القدس وقدس الأقداس" والكلمة الثانية: "هيرون" تعني الهيكل بكل أروقته الخارجية التي اجتمع فيها كل الشعب للعبادة. ويلاحظ هذا الفرق في المعنى المراد من الكلمتين في كتابات يوسيفوس المؤرخ اليهودي, وفي رسائل كتبة العهد الجديد. فالهيكل –كما تدل عليه الكلمة الثانية- هو المكان الذي وقف فيه الفريسي والعشار مُصلين, وهو المكان الذي طالما علم فيه ربنا وفادينا, ومنه طرد التجار. لكن الهيكل –كما تدل الكلمة الأولى- هو المكان الذي ظهر فيه الملاك لزكريا الكاهن, وهو المسكن الذي انشق حجابه وقت الصلب. وبين هذا المكان وبين المذبح, قتل زكريا بن برخيا.

رابعاً: العامل الحي في هذا النمو: "في الرب". هذه أول مرة استعمل فيها الرسول هذه العبارة الجليلة في هذه الرسالة. ومن الملاحظ أن بولس –حينما يريد وصف الصلة العلوية الفائقة الكائنة بين المسيح والمؤمنين- التي على أساسها يقبلون أمام الله- يعبر عنها بقوله: "في المسيح". ولكنه عندما يريد أن يصف نتائج هذه الصلة التي تظهر في الحياة العملية, يعبر عنها بقوله: "في الرب". قارن بين قوله: "مخلوقين في المسيح يسوع" (أفسس 2: 10) وقوله: "تقوّوا في الرب" (أفسس 6: 10). "في المسيح" –نحن في السماء- من حيث المركز والمقام. "في الرب" –نحن في هذه الحياة- من حيث التصرف والسلوك.

أورد بولس هذه العبارة القدسية "في الرب", ليبين لنا أن الرب هو العامل الحي الفعال في هذه الوحدانية. وأنه هو سر النمو والتقديس.

عدد 22 :

22الَّذِي فِيهِ أَنْتُمْ أَيْضاً مَبْنِيُّونَ مَعاً، مَسْكَناً لِلَّهِ فِي الرُّوحِ.

 

(5)الوصف الخامس-مسكن واحد: "الذي فيه أنتم أيضاً مبنيون معاً مسكناً لله في الروح".

في هذا العدد ذُكر الثالوث الأقدس بجلاء ووضوح: "فيه" –في المسيح الأقنوم الثاني. "الله" –الأقنوم الأول. "في الروح" –الأقنوم الثالث.

-أ-أساس البناء وروحه: "الذي فيه" –في المسيح- "أنتم أيضاً" -أيها الأمم باعتبار كونكم شركاء اليهود في تدبير الفداء وفي عهد النعمة- فأصبحتم وإياهم رعية واحدة.

-ب-التآلف بين عناصر البناء: "مبنيون معاً". هذه العبارة تنمّ عن عملية حالية مستمرة, ومتجددة في كل آونةٍ يُقبل فيها أعضاء أحياء إلى كنيسة المسيح. لأن قبولهم يكون بمثابة إضافة أحجار إلى البناء النامي القائم. وكلمة "معاً" تشير إلى التعاون المتبادل, والتساند الكائن بين عناصر البناء الواحد.

-ج-غاية البناء المتآلفة عناصره: "مسكناً لله". الكلمة اليونانية المترجمة: "مسكن" لم ترد في العهد الجديد سوى مرة أخرى (رؤيا 18: 2). وهي تعني بالذات "البناء الدائم المقيم". فالإشارة فيها منصرفة إلى اعتبار الكنيسة مسكن الله الدائم. ولا شك أن هذه الفكرة ستتم كمالياً في الكنيسة الممجدة بعد أن تتحقق جزئياً في الكنيسة المجاهدة على الأرض. وغاية الغايات من هذا البناء, أن ينمو مسكناً "لله", الذي إليه مآب الجميع, ليكون "هو الكل في الكل" (1كو 15: 28).

-د-واسطة تآلف عناصر هذا البناء: "في الروح". إن الروح القدس هو العامل في إحياء عناصر البناء, وفي إبلاغ كل غايته المثلى التي وُضع لها, ووضعت هي له. هذه إشارة أخرى واضحة إلى عمل الروح القدس في الكنيسة.

بمراجعة الأعداد القليلة, التي مرت بنا, يتضح لنا أن عناصر البناء مؤسسة على المسيح, تنمو هيكلاً مقدساً لله, بواسطة الروح القدس.

إن قوله: "في الروح", الذي به يختتم هذا الأصحاح, يعتبر عبارة وصفية للهيكل الجديد المقدس. فليس هو بالهيكل المادي المبني من لبنٍ, وأحجار, ورمال. لكنه هيكل روحي, قوامه "أحجار" حية من نساء ورجال (1بطرس 2: 5). ولعل هذه العبارة تنطوي على إشارة ضمنية إلى نبوة المسيح, التي تخطت عقول من وقعت على مسمعهم لأول مرة: "انقضوا هذا الهيكل, وفي ثلاثة أيام أقيمه". فلئن فسرها أعداؤه وحسبوها منصبة على الهيكل المادي الذهبي الذاهب, إلا أن تلاميذه الروحيين يفهمون مغزاها الحقيقي. فهيكل سليمان عبثت بسه عوامل الهدم والفناء, لكن هذا الهيكل الروحي باقٍ ما بقي رب الأرض والسماء.

  • عدد الزيارات: 4762