المسيح في أرض اليهودية
3: 22 – 36
22وَبَعْدَ هَذَا جَاءَ يَسُوعُ وَتلاَمِيذُهُ إِلَى أَرْضِ الْيَهُودِيَّةِ
قضى المسيح أيام الفصح في أورشليم, فلم يقابل فيها من اليهود إلا بالصد والجفاء. فكان جو تلك المدينة مظلماً لولا كوكب واحد كان يسطع في سمائه – نعني به نيقوديموس. وبعد هذه الزيارة الموجزة, ترك المسيح عاصمة اليهود, فجاء وتلاميذه إلى ريف اليهودية "ومكث معهم هناك وكان يعمد" ليعد الطريق لنفسه, وليدرب تلاميذه على الخدمة.
ينقسم هذا الفصل إلى ثلاثة أقسام رئيسية: أولاً: صورة تاريخية (3: 22 - 26). ثانياً: خطاب يوحنا المعمدان عن نفسه "صديق العريس" – وموضوعه "أنا" (3: 27 - 30). ثالثاً: خطاب يوحنا المعمدان عن شخص المسيح – "العريس" – وموضوعه "هو" (3: 31 - 36).
عدد 22: أولاً: صورة تاريخية 3:22-26: "وبعد هذا" - هذه كلمة تربط ما يأتي بما مضى. "جاء يسوع وتلاميذه إلى أرض اليهودية". أي إلى خلاء اليهودية في الريف. "ومكث معهم وكان يعمد" – هذا دليل على أنه أقام بعض الوقت هناك. ويستنتج من مقابلة قوله: "وكان يعمد" بما جاء في 4 :2, إن المسيح كان يجري المعمودية بواسطة تلاميذه. أي أن المسؤولية الأدبية كانت ملقاة على المسيح لكن الممارسة المادية كان يقوم بها التلاميذ. فالمسيح هو الآمر والراسم, والتلاميذ هم المنفذون.
وَمَكَثَ مَعَهُمْ هُنَاكَ وَكَانَ يُعَمِّدُ. 23وَكَانَ يُوحَنَّا أَيْضاً يُعَمِّدُ فِي عَيْنِ نُونٍ بِقُرْبِ سَالِيمَ لأَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ مِيَاهٌ كَثِيرَةٌ وَكَانُوا يَأْتُونَ وَيَعْتَمِدُونَ - 24لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُوحَنَّا قَدْ أُلْقِيَ بَعْدُ فِي السِّجْنِ. 25وَحَدَثَتْ مُبَاحَثَةٌ مِنْ تلاَمِيذِ
كما في حادثة إشباع الآلاف, كان المسيح العامل الرئيسي في المعجزة, مع أن التوزيع تم على أيدي التلاميذ (6: 11).
ع23و24 كلمة تاريخية: "وكان يوحنا" – المعمدان - "أيضاً يعمد في عين نون" - ومعناها: نبع الحمامة - "بقرب ساليم" وهما غالباً جزء من البقاع القديمة التي وقعت من نصيب سبط يهوذا (يشوع 15: 31 و32). وكانتا معروفتين قديماً بـ "شلحيم وعين جنيم" فآلت بالاستعمال اللفظي إلى "ساليم وعين نون". أما السبب في اتخاذ يوحنا تلك البقاع مقراً لعمله فهو: "لأنه كان هناك مياه كثيرة" - وواضح أن معمودية المعمدان كانت تمارس بالتغطيس. إلى الآن كان يوحنا متمتعاً بحريته, "لأنه لم يكن يوحنا قد ألقي بعد في السجن" . هذه الإشارة لها قيمتها الخاصة إذا نظرنا إليها في ضوء الكلمات الواردة في (مت 4: 12 و13 و17, مرقس 1: 14) فهي تعين لنا بالضبط وقت ابتداء خدمة المسيح الجهرية. هذه حجة دامغة على اتفاق البشيرين.
عدد 25. ثانياً: خطاب يوحنا المعمدان عن نفسه – صديق العريس – وموضوعه "أنا" 3: 25 - 30 (أ) الظروف الذي استوحى يوحنا بهذا الخطاب
يُوحَنَّا مَعَ يَهُودٍ مِنْ جِهَةِ التَّطْهِيرِ. 26فَجَاءُوا إِلَى يُوحَنَّا وَقَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ هُوَذَا الَّذِي كَانَ مَعَكَ فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ
3: 25 و26. إن وجود المسيح ويوحنا المعمدان - أحدهما على مقربة من الآخر, وكلاهما يمارس عملاً واحداً - المعمودية, قد أثار شيئاً من الجدل والحوار بين تلاميذ يوحنا الحريصين على الدفاع عن كرامة سيدهم وخدمته, وبين بعض اليهود "من جهة التطهير". والمراد "بالتطهير", تلك الغسلات التي كان ينبغي على اليهود أن يمارسوها استعداداًً لدخولهم إلى ملكوت المسيح , والمعمودية هي أحد عناصر هذا التطهير. ولا يبعد أن هذا البعض من اليهود أظهروا أمام تلاميذ يوحنا تفضيلهم معمودية المسيح على معمودية سيدهم فكان من الطبيعي أن يلجأ المعمدان إلى معلمهم ليهدئ روعهم, ويخبرهم بحقيقة الأمر.
عدد 26 (ب) استجوابهم للمعمدان. "فجاءوا إلى يوحنا وقالوا له. يا معلم" هذه كلمات جارحة تقطر مرارة وسماً- ما أشبهها بالحية, لسعتها في ذنبها - "هو ذا الذي أنت شهدت له هو يعمد والجميع يأتون إليه" - والنبرات واقعة على الكلمتين: "أنت", "وهو". كأنهم قصدوا أن يقولوا له: "هذا جزاء شهادتك للمسيح يا يوحنا. لقد شهدت له, فقضيت على نفسك. لقد بنيته فهدمت نفسك. لذلك قد زاحمك في خدمتك الفذة الممتازة, وزاد عليك باجتذاب الجميع إليه, ومن بينهم بعض تلاميذك, وأخصهم يوحنا". هذه فرصة هيأها عدو الخير ليوقع فيها يوحنا في حبائله, وليثير في نفسه عوامل التمرد والانتقاض على المسيح, بحجة الدفاع عن النفس لكن يوحنا العظيم اقتنص هذه الفرصة لإرادته وأفسد على عدو الخير مكيدته,
الَّذِي أَنْتَ قَدْ شَهِدْتَ لَهُ هُوَ يُعَمِّدُ وَالْجَمِيعُ يَأْتُونَ إِلَيْهِ» 27فَقَالَ يُوحَنَّا: «لاَ يَقْدِرُ إِنْسَانٌ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئاً إِنْ لَمْ
وفاه بكلمات جليلة, اعتبرتها الأجيال المثل الأعلى للعظمة الحقيقية. لأن يوحنا في دفاعه عن نفسه نسي نفسه. وأمام الشمس يختفي كل سراج مهما كان "موقداً منيراً". بهذه الكلمات, وضع عدو الخير أمام يوحنا حجر عثرة لكي يصطدم به, لكن يوحنا انتفع بهذا الحجر فأقام منه تمثالاً خالداً للعظمة الحقيقية.
في كلام تلاميذ يوحنا مع معلمهم, برزت كلمتان, وهما: "أنت", "وهو" فأمسك يوحنا المعمدان بهاتين الكلمتين, وجعل أولاهما: "أنت" - وهي على لسان يوحنا: "أنا" -موضوع الجزء الأول من حديثه (3: 27 -30). والثانية: "هو"- موضوع الجزء الثاني من حديثه 3: 31 - 36.
الجزء الأول من حديث يوحنا 3: 27 - 30 وموضوعه: "أنا" تنطوي هذه الكلمات على (أ) مبدأ عام 27 (ب) تذكير ع 28 (ج) استعارة ع 29 (د) تطبيق ع 29 (ه) إقرار ع 30.
عدد 27. (أ) مبدأ عام: "لا يقدر إنسان أن يأخذ.." مع أن هذا مبدأ عام, إلا أنه ينطبق على يوحنا بنوع خاص. فهو بهذا المبدأ يقول لتلاميذه: "إن الله مقسم الأنصبة. أما من جهتي فأنا قانع بنصيبي الذي أعطانيه الله, ولن يمكنني أن أسمو فوق رتبتي لأكون معادلاً للمسيح الذي له رتبة ممتازة لا يدانيه فيها سواه. فهو المرسل وأنا الرسول. هو العريس يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ مِنَ السَّمَاءِ. 28أَنْتُمْ أَنْفُسُكُمْ تَشْهَدُونَ لِي أَنِّي قُلْتُ: لَسْتُ أَنَا الْمَسِيحَ بَلْ إِنِّي مُرْسَلٌ أَمَامَهُ. 29مَنْ لَهُ الْعَرُوسُ فَهُوَ الْعَرِيسُ وَأَمَّا صَدِيقُ الْعَرِيسِ الَّذِي يَقِفُ
وأنا صديق العريس. فالعروس له. والفرح لي. "ويجوز أن ينٍطبق هذا المبدأ على المسيح كفادٍٍٍٍٍٍٍٍٍ في ناسوته, لأن مقامه الممتاز لم يغتصبه لذاته اغتصاباً بل أعطيه من الآب.
عدد 28. (ب) تذكير: "أنتم أنفسكم تشهدون". في هذا العدد أحالهم يوحنا على أنفسهم ليكتشفوا لذواتهم حلاً لهذه المشكلة التي وقعوا فيها, واستشهدهم على شهادته السابقة: "تشهدون لي أني قلت", وذكرهم بمضمون هذه الشهادة: "أني لست أنا المسيح بل أني مرسل أمامه". انظر شرح 1: 20 و23 صفحة 51 و54).
عدد 29. (ج) استعارة: "من له العروس فهو العريس". هذه استعارة استقاها المعمدان من كتابات العهد القديم (هوشع 2: 19؛ أشعيا 62:5؛ مزمور 45: 9 و14), للتعبير عن الصلة التي تربط المسيح بكنيسته, وبها قرر نسبته إلى المسيح - فالمسيح عريس والمعمدان صديق العريس, الذي يعرف عند اليهود بـ "الشوشبين". ومنها "الإشبين" الذي كان من عمله أن يهيئ العروس للعريس "ويقف" منتظراً إياه, وقفة الاستعداد والانتظار – "فيفرح فرحاً من أجل صوت "العريس" عند قدومه, ويسلمه العروس".
(د) تطبيق: "إذاً فرحي هذا قد كمل". عوضاً عن أن يغضب يوحنا ويكتئب لمعرفته بأن الجميع يأتون إلى المسيح, نراه يفرح فرحاً كاملاً,
وَيَسْمَعُهُ فَيَفْرَحُ فَرَحاً مِنْ أَجْلِ صَوْتِ الْعَرِيسِ. إِذاً فَرَحِي هَذَا قَدْ كَمَلَ. 30يَنْبَغِي أَنَّ ذَلِكَ يَزِيدُ
لأنه وجد في اقتبال الناس إلى المسيح, علامة على أن العروس قد هيئت لعريسها,. إن عمله كصديق العريس قد كمل بتسليم العروس لعريسها. إذاً فقد تكللت جهوده بالنجاح, وكمل فرحه, بتسليمه تلاميذه إلى المسيح.
عدد 30. (هـ) إقرار: "ينبغي أن ذاك يزيد وأني أنقص". هنا بلغ يوحنا ذروة التضحية الشريفة. هذا هو الفناء بعينه, بل هذه هي المحبة في أسمى مراتبها - أن يفنى المحب في شخص من أحب. يستفاد من كلمة "ينبغي" أن يوحنا كان ينظر إلى نقصانه هو وازدياد ذاك, نظرته إلى نتيجة حتمية لناموس طبيعي ثابت. وهو أيضاً يعبر عن رغبة طبيعية تجيش في قلبه, طوعاً وحباً. ولقد تمت هذه الحقيقة بأكثر مما ظن يوحنا. لأنه بعد قليل سجن, وقطعت رأسه في السجن, وأضحى نسياً منسياً في وقت كان فيه اسم المسيح, يزداد ّذيوعاً ورفعة.
لا تنطبق هذه الكلمة على يوحنا وحده, لكنها تتناول أيضاً نظام العهد القديم الذي كان ممثلاً في يوحنا, ففي ذلك بدأ ظل اليهودية الطقسية يتقلص تدريجياً ويطوى, ليعطي مجالاً لنور المسيحية الذي بدأ ينشر في الأرجاء.
هذا إقرار مجيد يجب أن يكون شعار كل خادم, بل كل مؤمن. فينبغي أن تفنى الذات تدريجياً, ويمتلئ القلب بالمسيح, إلى أن، يصير المسيح الكل في الكل. في بدء حياة الإنسان يكون شعاره: "أنا, لا المسيح", وعند إيمانه يصير شعاره: "أنا, والمسيح". وإذ يتقدم في النعمة يصبح شعاره:
وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ. 31اَلَّذِي يَأْتِي مِنْ فَوْقُ هُوَ فَوْقَ الْجَمِيعِ وَالَّذِي مِنَ الأَرْضِ هُوَ أَرْضِيٌّ وَمِنَ الأَرْضِ يَتَكَلَّمُ. اَلَّذِي يَأْتِي مِنَ السَّمَاءِ
"المسيح, وأنا". وإذ يتكمل في النعمة يتمجد شعاره فيصير: "المسيح. لا أنا".
في هذا العدد جزءان - ما أشبههما بالعينين الباصرتين. بإحداهما: "ينبغي أن ذاك يزيد", ينظر إلى ما يأتي من الكلام (3: 31 - 36), وبالثانية: "وإني أنا أنقص", ينظر إلى ما مر من الكلام (3: 27 - 30).
الجزء الثاني من خطاب المعمدان – وموضوعه: "هو" 30: 31 - 36. في هذا الجزء يذكر يوحنا سمو العريس في: (أ) علو أصله (ع 31). (ب) كمال تعاليمه (ع32 - 34). (ج) رفعة بنوته (ع 35). ثم يختتم الحديث بمبدأ عام في ع 36 كما استهله بمبدأ عام في ع 27.
عدد 31. (أ) العريس في علو أصله: "الذي يأتي من فوق.." أراد يوحنا بـ"الجميع" كل الأنبياء بما فيهم شخصه. والعبارة: "من الأرض" ومشتقاتها, وردت ثلاث مرات في هذا العدد. في المرة الأولى, تشير إلى أصل الإنسان: "من الأرض". وفي الثانية تعني طبيعة الإنسان: "أرضي" - أي ترابي. وفي المرة الثالثة تصف مصدر التعليم "من الأرض يتكلم". وأما السماويات فقد أعطى للمسيح وحده أن يتكلم بها ع 13. بعد أن تكلم المعمدان عن "الجميع" - الأرضيين, عاد إلى الشخص السماوي
هُوَ فَوْقَ الْجَمِيعِ 32وَمَا رَآهُ وَسَمِعَهُ بِهِ يَشْهَدُ وَشَهَادَتُهُ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْبَلُهَا. 33وَمَنْ قَبِلَ شَهَادَتَهُ فَقَدْ خَتَمَ أَنَّ اللَّهَ صَادِقٌ 34لأَنَّ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللَّهُ يَتَكَلَّمُ بِكلاَمِ اللَّهِ. لأَنَّهُ لَيْسَ بِكَيْلٍ يُعْطِي اللَّهُ الرُّوحَ.
العجيب الذي هو موضوع كلامه: "الذي يأتي من السماء هو فوق الجميع" - في الأصل وفي الرتبة.
عدد 32 - 34 (ب) العريس في كمال تعليمه 3: 32 - 35. إن تعاليم المسيح كاملة, لأنها مستمدة من كنز قلبه. "ما رآه ما سمعه". ولا شيء أدل على أن اليهود من الأرض, أكثر من كونهم لم يقبلوا هذه الشهادة السماوية: "وشهادته ليس أحد يقبلها" - هذا صدى صوت المسيح في ع 11. ولئن سلم يوحنا بأن أفراداً قبلوا المسيح لكنه يقصد اليهود كمجموع سيما أعضاء مجمع السنهدريم. وأما كل "من قبل شهادته فقد ختم بأن الله صادق", لأن الإيمان هو تصديق كلام الله. ولعل الكلام هنا ينطوي على إشارة ضمنية إلى ختم الشهادة التي نطق بها الآب عن المسيح عند المعمودية.
فما أجلّ المقام الذي رفع إليه المؤمن إذ يعطى حق ختم شهادة الله واعتمادها!
ومن المحتمل أن يكون معنى هذه الكلمات, أن الذي يقبل المسيح يجد فيه ختماً
لكل النبوات والمواعيد.
إن تعاليم المسيح ذات قيمة جليلة ممتازة لأن المتكلم بها ممتلئ بروح الله. "ليس بكيل يعطى الله الروح". إن أولئك الجميع تكلموا بكلام الله ولهم
35اَلآبُ يُحِبُّ الاِبْنَ وَقَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي يَدِهِ. 36اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِالاِبْنِ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ
نصيب من روح الله, لكن المسيح وحده قد "سر أن يحل فيه كل الملء". فإن أخذ غيره نصيباً من الروح بكيل, إلا أن نصيب المسيح من الروح, نصيب غير محدود. لأن الروح القدس هو روح المسيح نفسه.
عدد 35 (ج) العريس في رفعة بنوته: "الآب يحب الابن. وقد دفع كل شيء في يده". هذا الكلام يعلل الحقيقة السابقة. فالروح أعطى للمسيح بدون كيل, لأنه ابن الله, وبحق بنوته قد دفع ليده كل شيء. والعلة الأساسي لكل هذا هي محبة الآب للابن وهي في الوقت نفسه علة طبيعية, فلا يمكن للآب إلا أن يحب الابن. ولا يمكن لمن يحب الابن إلا أن يدفع ليده كل شيء. إذا كان الآب في محبته للعالم بذل ابنه, فليس بعجيب أنه إذا أحب الابن, دفع كل شيء في يده. هذا صدى صوت الإعلان الذي سمعه المعمدان وقت معمودية المسيح: "هذا هو ابني الحبيب".
رأينا في العدد السابق أن الروح أعطي للمسيح, وفي هذا العدد نرى أن كل شيء أعطي للمسيح. بالروح يملك المسيح في قلوب المؤمنين, لكنه ليس ملك المؤمنين حسب. بل هو ملك على الجميع. "وأخضع كل شيء تحت قدميه وإياه جعل رأساً فوق كل شيء".
عدد 36. مبدأ عام: "الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية. والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله" ع 36. ما أشبه هذا العدد باليوم الكامل – نصفه نهار: "الذي يؤمن ...." ونصفه الآخر
وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ بِالاِبْنِ لَنْ يَرَى حَيَاةً بَلْ يَمْكُثُ عَلَيْهِ غَضَبُ اللَّهِ».
ليل: "والذي لا يؤمن ....". الجزء الأول منه يذكرنا بخدمة المسيح - حياة في حياة, والجزء الثاني هو صدى آخر صوت في العهد القديم. إنه يذكرنا بما جاء في ملاخي "لئلا آتي وأضرب الأرض بلعن" (4: 6). هذا دليل آخر على أن هذه كلمات المعمدان, آخر أنباء العهد القديم. بل هذه آخر كلمة نسمعها من المعمدان في هذه البشارة.
إن القول : "غضب الله" لا يفيد غيظ الله تعالى, وحنقه, بل يعني حجب وجه الله عن الخطاة, وتغاضيه عنهم, فتخلو حياتهم من بركته تعالى.
وجدير بنا أن نذكر في خاتمة هذا الأصحاح أن وعد الإيمان بالمسيح, وعد حاضر وبركاته حاضرة: "له حياة" - في الحال أولاً ثم في الاستقبال. لكن وعيد عدم الإيمان محفوظ إلى قتام ذلك اليوم الذي يحل بالفجار: "يمكث عيه غضب الله" فالغضب موجود لكنه محفوظ لينصب في حينه.
هل يقوى الإنسان على أن يعيش باستمرار تحت ظل سحابة, فيحرم نفسه من نور الشمس ويقضي أيامه في البؤس والكآبة. فكيف إذاً حال من يعيش تحت غضب الله!؟ إن السماء وحدها تعلم مقدار بؤس مثل هذه النفس.
ففي أي جانب أنت يا نفسي؟؟!!
الموقف: "الذي يؤمن بالابن" "الذي لا يؤمن بالابن"
الجزاء: "له حـياة" "لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله"
- عدد الزيارات: 5120