الدرس الرابع والعشرون
"1وَمَنْ هُوَ ضَعِيفٌ فِي الإيمان فَاقْبَلُوهُ لاَ لِمُحَاكَمَةِ الأَفْكَارِ. 2وَاحِدٌ يُؤْمِنُ أَنْ يَأْكُلَ كُلَّ شَيْءٍ وَأَمَّا الضَّعِيفُ فَيَأْكُلُ بُقُولاً. 3لاَ يَزْدَرِ مَنْ يَأْكُلُ بِمَنْ لاَ يَأْكُلُ وَلاَ يَدِنْ مَنْ لاَ يَأْكُلُ مَنْ يَأْكُلُ - لأَنَّ اللهَ قَبِلَهُ. 4مَنْ أَنْتَ الَّذِي تَدِينُ عَبْدَ غَيْرِكَ؟ هُوَ لِمَوْلاَهُ يَثْبُتُ أَوْ يَسْقُطُ. وَلَكِنَّهُ سَيُثَبَّتُ لأَنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يُثَبِّتَهُ. 5وَاحِدٌ يَعْتَبِرُ يَوْماً دُونَ يَوْمٍ وَآخَرُ يَعْتَبِرُ كُلَّ يَوْمٍ - فَلْيَتَيَقَّنْ كُلُّ وَاحِدٍ فِي عَقْلِهِ: 6الَّذِي يَهْتَمُّ بِالْيَوْمِ فَلِلرَّبِّ يَهْتَمُّ وَالَّذِي لاَ يَهْتَمُّ بِالْيَوْمِ فَلِلرَّبِّ لاَ يَهْتَمُّ. وَالَّذِي يَأْكُلُ فَلِلرَّبِّ يَأْكُلُ لأَنَّهُ يَشْكُرُ اللهَ وَالَّذِي لاَ يَأْكُلُ فَلِلرَّبِّ لاَ يَأْكُلُ وَيَشْكُرُ اللهَ. 7لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَّا يَعِيشُ لِذَاتِهِ وَلاَ أَحَدٌ يَمُوتُ لِذَاتِهِ. 8لأَنَّنَا إِنْ عِشْنَا فَلِلرَّبِّ نَعِيشُ وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَمُوتُ. فَإِنْ عِشْنَا وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَحْنُ. 9لأَنَّهُ لِهَذَا مَاتَ الْمَسِيحُ وَقَامَ وَعَاشَ لِكَيْ يَسُودَ عَلَى الأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ. 10وَأَمَّا أَنْتَ فَلِمَاذَا تَدِينُ أَخَاكَ؟ أَوْ أَنْتَ أَيْضاً لِمَاذَا تَزْدَرِي بِأَخِيكَ؟ لأَنَّنَا جَمِيعاً سَوْفَ نَقِفُ أَمَامَ كُرْسِيِّ الْمَسِيحِ 11لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «أَنَا حَيٌّ يَقُولُ الرَّبُّ إِنَّهُ لِي سَتَجْثُو كُلُّ رُكْبَةٍ وَكُلُّ لِسَانٍ سَيَحْمَدُ اللهَ». 12فَإِذاً كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا سَيُعْطِي عَنْ نَفْسِهِ حِسَاباً لِلَّهِ. 13فَلاَ نُحَاكِمْ أَيْضاً بَعْضُنَا بَعْضاً بَلْ بِالْحَرِيِّ احْكُمُوا بِهَذَا: أَنْ لاَ يُوضَعَ لِلأَخِ مَصْدَمَةٌ أَوْ مَعْثَرَةٌ. 14إِنِّي عَالِمٌ وَمُتَيَقِّنٌ فِي الرَّبِّ يَسُوعَ أَنْ لَيْسَ شَيْءٌ نَجِساً بِذَاتِهِ إِلاَّ مَنْ يَحْسِبُ شَيْئاً نَجِساً فَلَهُ هُوَ نَجِسٌ. 15فَإِنْ كَانَ أَخُوكَ بِسَبَبِ طَعَامِكَ يُحْزَنُ فَلَسْتَ تَسْلُكُ بَعْدُ حَسَبَ الْمَحَبَّةِ. لاَ تُهْلِكْ بِطَعَامِكَ ذَلِكَ الَّذِي مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِهِ. 16فَلاَ يُفْتَرَ عَلَى صَلاَحِكُمْ 17لأَنْ لَيْسَ مَلَكُوتُ اللهِ أَكْلاً وَشُرْباً بَلْ هُوَ بِرٌّ وَسَلاَمٌ وَفَرَحٌ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ. 18لأَنَّ مَنْ خَدَمَ الْمَسِيحَ فِي هَذِهِ فَهُوَ مَرْضِيٌّ عِنْدَ اللهِ وَمُزَكًّى عِنْدَ النَّاسِ. 19فَلْنَعْكُفْ إِذاً عَلَى مَا هُوَ لِلسَّلاَمِ وَمَا هُوَ لِلْبُنْيَانِ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ. 20لاَ تَنْقُضْ لأَجْلِ الطَّعَامِ عَمَلَ اللهِ. كُلُّ الأَشْيَاءِ طَاهِرَةٌ لَكِنَّهُ شَرٌّ لِلإنسان الَّذِي يَأْكُلُ بِعَثْرَةٍ. 21حَسَنٌ أَنْ لاَ تَأْكُلَ لَحْماً وَلاَ تَشْرَبَ خَمْراً وَلاَ شَيْئاً يَصْطَدِمُ بِهِ أَخُوكَ أَوْ يَعْثُرُ أَوْ يَضْعُفُ. 22أَلَكَ إيمان؟ فَلْيَكُنْ لَكَ بِنَفْسِكَ أَمَامَ اللهِ! طُوبَى لِمَنْ لاَ يَدِينُ نَفْسَهُ فِي مَا يَسْتَحْسِنُهُ. 23وَأَمَّا الَّذِي يَرْتَابُ فَإِنْ أَكَلَ يُدَانُ لأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنَ الإيمان وَكُلُّ مَا لَيْسَ مِنَ الإيمان فَهُوَ خَطِيَّةٌ " (رومية 14)
يوجه الرسول بولس كلماته في الفصل الرابع عشر من رسالته إلى رومية إلى أعضاء الكنيسة ويذكر العلاقات الودية التي يجب أن تسود بينهم وأهمية العيش حسب مبدأ التسامح وعدم الانتقاد فيما يتعلق بالأمور الثانوية التي ليس لها أهمية كبرى. وهذه التعاليم الرسولية ذات قيمة دائمة لأنها تعطينا المباديء اللازمة لمعالجة جميع الأمور التي تواجهنا ضمن جماعة الإيمان والتي يتكلم عنها الرسول هي ثانوية في حد ذاتها إلا أنها قد تسبب الانقسام والخصام ولذلك يجب معالجتها حسب تعاليم الرسول ونصائحه.
يبدأ الرسول بالكلام عن الشخص الضعيف الإيمان ووجوب قبوله بدون تردد. وهو لا يشير إلى المبدأ الإنجيلي المتعلق بكيفية التبرير كما يظهر لنا من بقية الفصل. لا يعلمنا الرسول بأن نتساهل في أمور العقائد الأساسية للديانة الكتابية. والفصول الأولى من الرسالة تثبت بأن الإيمان شرط أساسي للخلاص لأن البار إنما بالإيمان يحيا. فما يشير إليه الرسول هو إذن الأمور التي تتعلق بالحياة المادية وببعض العادات الاجتماعية التي كان قد ورثها الأعضاء من البيئات التي خرجوا منها. فجماعة الإيمان في رومية وفي مدن الإمبراطورية الأخرى لم تكن متألفة من شعب واحد أو من جنس واحد بل من عدة شعوب وأجناس. كان لابد إذن من وجود الاختلاف في العادات وفي النظر إلى أمور الحياة الأرضية. المهم إذن أن يضع المؤمنون نصب أعينهم مبدأ التسامح لكي لا ينقلبوا إلى منتقدي أخوتهم في الكنيسة.
كان البعض من المؤمنين يأكلون جميع المآكل بدون تردد بينما ذهب آخرون إلى النقيض إذ أنهم امتنعوا عن أكل اللحوم بصورة تامة مكتفين بالخضار والبقول. المبدأ الرسولي هو: إن كنت من الذين يأكلون جميع المآكل لا تحتقر أولئك الذين لا يأكلون إلا البقول والخضار، وإن كنت من الممتنعين عن أكل اللحوم فلا تنتقد آكلي اللحوم. المؤمن حر ضمن حياته الخاصة بأن يأكل ما يشاء أو أن يمتنع عن أكل ما يشاء. لكن لا يجوز للذي حرم نفسه أكل اللحوم بأن يجعل من موقفه قاعدة عامة يجب أن يتبعها جميع المؤمنين. إن سار على ذلك الطريق فإنه يكون بذلك قد تجرأ على اغتصاب مكان الله الفريد في حياة المؤمنين إذ أن الله وحده هو صاحب السلطة التشريعية المتعلقة بكيفية الحياة.
على المؤمنين أن يذكروا دوماً أن ملكوت الله الذي دخلوه بالإيمان ونظراً لعمل يسوع الفدائي على الصليب لا يتكون من الأمور المتعلقة بالمأكولات والمشروبات بل إنه بر وسلام وفرح في الروح القدس. إن الأمور المتعلقة بالحياة الأرضية فقط هي أمور تافهة عندما تقارن بأمور الحياة الأبدية وبواجبات المؤمن ضمن ملكوت الله. لابد للمؤمنين من أن ينشغلوا في أمور الملكوت وأن لا يبذروا أوقاتهم في النقاش في أمور الحياة الأرضية التي ليست ذات أهمية كبيرة.
عمل الله كل شيء جيداً منذ البدء ولذلك لا نستطيع أن ننتقد مخلوقاته ولا الأطعمة التي يعطينا إياها في الطبيعة. هناك البعض من الذين يعتقدون بأن كل شيء في الطبيعة هو صالح للأكل فمن واجب الذين يؤمنون بكونها جائزة أن لا يتصرفوا بطريقة تعثر أخوتهم الذين ليس لهم ذلك المعتقد. المبدأ الذي يتركه لنا الرسول هو: حسن أن لا تأكل لحماً ولا تشرب خمراً ولا شيئاً يصطدم به أخوك أو يعثر به أو يضعف. لتكن المحبة الأخوية رائد الجميع وإذ ذاك تتلاشى هذه الخلافات التافهة ويعمل الجميع على الاجتهاد في أمور الحياة الروحية وعلى نشر الإيمان في كل مكان.
وما هو واجب الإنسان الذي لا يقدر أن يتخلص من الخوف بأنه يخطيء ضد الشريعة الإلهية أن أقدم على عمل ما؟ جواب الرسول هو: كل ما ليس من الإيمان فهو خطية. الإيمان لازم في كل قرار يتخذه الإنسان وعلى الضمير أن يبكت الإنسان إن لم يكيف حياته حسب إيمانه. لكن هل يعني هذا بأن المؤمن يصبح مصدر القوانين أو المباديء التي تسود حياته؟ كلا، تبقى كلمة الله مصدر جميع الشرائع ولذلك يجدر بالجميع أن يخضعوا معتقداتهم والعادات المبنية عليها لتعاليم كلمة الله المحررة.
- عدد الزيارات: 6163