Skip to main content

الدرس الثاني والعشرون

"1فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ. 2وَلاَ تُشَاكِلُوا هَذَا الدَّهْرَ بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ. 3فَإِنِّي أَقُولُ بِالنِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لِي لِكُلِّ مَنْ هُوَ بَيْنَكُمْ: أَنْ لاَ يَرْتَئِيَ فَوْقَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْتَئِيَ بَلْ يَرْتَئِيَ إِلَى التَّعَقُّلِ كَمَا قَسَمَ اللهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِقْدَاراً مِنَ الإيمان. 4فَإِنَّهُ كَمَا فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ لَنَا أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ وَلَكِنْ لَيْسَ جَمِيعُ الأَعْضَاءِ لَهَا عَمَلٌ وَاحِدٌ 5هَكَذَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ: جَسَدٌ وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ وَأَعْضَاءٌ بَعْضاً لِبَعْضٍ كُلُّ وَاحِدٍ لِلآخَرِ. 6وَلَكِنْ لَنَا مَوَاهِبُ مُخْتَلِفَةٌ بِحَسَبِ النِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لَنَا: أَنُبُوَّةٌ فَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الإيمان 7أَمْ خِدْمَةٌ فَفِي الْخِدْمَةِ أَمِ الْمُعَلِّمُ فَفِي التَّعْلِيمِ 8أَمِ الْوَاعِظُ فَفِي الْوَعْظِ الْمُعْطِي فَبِسَخَاءٍ الْمُدَبِّرُ فَبِاجْتِهَادٍ الرَّاحِمُ فَبِسُرُورٍ. 9اَلْمَحَبَّةُ فَلْتَكُنْ بِلاَ رِيَاءٍ. كُونُوا كَارِهِينَ الشَّرَّ مُلْتَصِقِينَ بِالْخَيْرِ 10وَادِّينَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً بِالْمَحَبَّةِ الأَخَوِيَّةِ مُقَدِّمِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فِي الْكَرَامَةِ 11غَيْرَ مُتَكَاسِلِينَ فِي الِاجْتِهَادِ حَارِّينَ فِي الرُّوحِ عَأبدينَ الرَّبَّ 12فَرِحِينَ فِي الرَّجَاءِ صَابِرِينَ فِي الضَِّيْقِ مُواظِبِينَ عَلَى الصَّلاَةِ 13مُشْتَرِكِينَ فِي احْتِيَاجَاتِ الْقِدِّيسِينَ عَاكِفِينَ عَلَى إِضَافَةِ الْغُرَبَاءِ. 14بَارِكُوا عَلَى الَّذِينَ يَضْطَهِدُونَكُمْ. بَارِكُوا وَلاَ تَلْعَنُوا. 15فَرَحاً مَعَ الْفَرِحِينَ وَبُكَاءً مَعَ الْبَاكِينَ. 16مُهْتَمِّينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ اهْتِمَاماً وَاحِداً غَيْرَ مُهْتَمِّينَ بِالأمور الْعَالِيَةِ بَلْ مُنْقَادِينَ إِلَى الْمُتَّضِعِينَ. لاَ تَكُونُوا حُكَمَاءَ عِنْدَ أَنْفُسِكُمْ. 17لاَ تُجَازُوا أَحَداً عَنْ شَرٍّ بِشَرٍّ. مُعْتَنِينَ بِأُمُورٍ حَسَنَةٍ قُدَّامَ جَمِيعِ النَّاسِ. 18إِنْ كَانَ مُمْكِناً فَحَسَبَ طَاقَتِكُمْ سَالِمُوا جَمِيعَ النَّاسِ. 19لاَ تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ بَلْ أَعْطُوا مَكَاناً لِلْغَضَبِ لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «لِيَ النَّقْمَةُ أَنَا أُجَازِي يَقُولُ الرَّبُّ. 20فَإِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ فَأَطْعِمْهُ. وَإِنْ عَطِشَ فَاسْقِهِ. لأَنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ هَذَا تَجْمَعْ جَمْرَ نَارٍ عَلَى رَأْسِهِ». 21لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ" (رومية 12).

انتهى الرسول بولس في الفصل الثامن من البحث في عقيدة التبرير بالإيمان والعقائد الأخرى التي تؤلف معها سلسلة تدبير الله لخلاص الإنسان من الخطية والشر والموت. وقد رأينا أيضاً أن الرسول بحث في الفصل التاسع والعاشر والحادي عشر في موضوع فشل اسرائيل وذلك لعدم إيمانهم بالمسيح يسوع. وبوصولنا إلى الفصل الاثني عشر نبدأ بالقسم الثالث والأخير من هذه الرسالة وهذا القسم يدعى بالقسم العملي نظراً لكثرة الأمور التي يجب على المؤمن أن يطبقها في حياته.

يجدر بنا أن نلاحظ بشكل عام أن طريقة الكتاب المقدس هي على هذا المنوال: أولاً الإيمان ثم الحياة المبنية على الإيمان إذ أن كلمة الله لا تعرف إيماناً غير عامل ولا عملاً غير مبني على الإيمان القويم. وكان من المنتظر أن يتطرق الرسول للكلام عن الأمور العملية بعد الكلام عن الأمور العقائدية لأنه كان قد أكد منذ البدء أن التبرير بالإيمان لا يجرى بمفرده بل أن الله يعطي المؤمن طبيعة جديدة تساعده على العيش حسب شريعته المقدسة.

ويمكن النظر إلى نصنا الكتابي كمجموعة من التعليمات التي وجهها الرسول إلى المؤمنين في رومية وفي سائر العصور والأقطار والتي تتعلق جميعها بالطريقة التي يجب أن يسلك فيها المؤمنون.

1. يتطرق الرسول إلى الكلام عن وجوب تقديم الحياة بأسرها كذبيحة مقدسة لله وذلك بواسطة العبادة العقلية الخالية من كل رياء أو خداع. وبعبارة أخرى يسعى المؤمن لإرضاء الله في سائر نواحي حياته. لا يتم هذا إلا إذا جاهد المؤمن في سبيل عدم مشاكلة هذا الدهر أي الحياة الحاضرة السائرة خارج نطاق مشيئة الله. وإذا امتنع المؤمن عن تكييف حياته حسب مباديء هذا العالم الفاني فأنه إذ ذاك ينجح في الوصول إلى معرفة إرادة الله الصالحة والكاملة فيما يتعلق بجميع تفاصيل الحياة.

2. يطلب الرسول من المؤمن ألا ينظر إلى نفسه نظرة ملؤها الإعجاب بل أن ينظر إلى نفسه من وجهة نظر تدبير الله وذلك يقتضي أن يرى المؤمن نفسه كعضو حي ضمن جسد الكنيسة المتعدد الأعضاء. الحياة المسيحية العملية غير ممكنة في العزلة والانكماش إذ أنها لا تزدهر ولا تصل إلى الغاية التي رسمها لها الله إلا ضمن العضوية في الكنيسة الحية العاملة. الله هو الذي يهبنا الإيمان والخلاص وهو الذي يهبنا أيضاً المواهب المختلفة من أجل خير الكنيسة بأسرها. وإذا أخذنا ذلك بعين الاعتبار فإننا نسعى على العمل حسب مواهبنا المختلفة عالمين أن الله لم يشأ أن يعطينا جميعاً المواهب بشكل واحد.

3. أن الاعتقاد بأن الله هو صانع الخلاص وأنه هو الذي يبرر الخاطيء لا يعني أن حياة الإيمان هي حياة تقاعس وخمول وكسل. ينتظر الله من المؤمنين أن يكونوا جادين في العمل على إظهار جميع ثمار الحياة الجديدة في علاقتهم مع بعضهم البعض وكذلك في موقفهم منه الذين لا يزالون خارج نطاق الملكوت. وهكذا على المؤمن أن يُظهر محبته للجميع بدون رياء وأن يكره الشر من أعماق قلبه ويلتصق بالخير. على المؤمن أن يجتهد في سبيل ربه ومخلصه وأن يفرح في الرجاء المسيحي الذي يعلّمه بأن النصر النهائي هو لملكوت الله لا لملكوت الشر والشيطان.

4. يأتي الرسول إلى الكلام عن موقف المؤمن من الذين ينصبون أنفسهم أعداء له ولربه ومخلصه. هل يعاملهم بالمثل كما تتطلب ذلك الجبلة البشرية أم هل يتمثل بمن أنقذه من سلطان الخطية والشر؟ الجواب طبعاً هو عدم مكافحة الشر بالشر بل اللجوء دوماً إلى التغلب على الشر بالخير. هذه طريقة الله وهذه الطريقة يجب أن تستعمل من قبل الذين ذاقوا خلاص الرب. إن مجازاة الشرير هي للرب وهكذا يأمر الرسولُ الجميعَ بألا ينتقموا لأنفسهم تاركين ذلك للرب الذي سيجازي كل إنسان حسب أعماله في يوم الدين.

من البديهي أن المؤمن لا يستطيع القيام بجميع ما يطلب منه إن اتكل على قواه الخاصة ولذلك فإن الهدف السامي الذي وضعه الرسول أمام عينيه لابد من أن يدفعه إلى اللجوء إلى المخلص وإلى روحه القدوس طالباً النعمة الكافية لتمكينه من تقديم كل حياته كذبيحة مقدسة ومرضية عند الله.

  • عدد الزيارات: 6155