الدرس الثامن عشر
"26وَكَذَلِكَ الرُّوحُ أَيْضاً يُعِينُ ضَعَفَاتِنَا لأَنَّنَا لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لأَجْلِهِ كَمَا يَنْبَغِي. وَلَكِنَّ الرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا. 27وَلَكِنَّ الَّذِي يَفْحَصُ الْقُلُوبَ يَعْلَمُ مَا هُوَ اهْتِمَامُ الرُّوحِ لأَنَّهُ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ يَشْفَعُ فِي الْقِدِّيسِينَ. 28وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعاً لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ. 29لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ لِيَكُونَ هُوَ بِكْراً بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ. 30وَالَّذِينَ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ فَهَؤُلاَءِ دَعَاهُمْ أَيْضاً. وَالَّذِينَ دَعَاهُمْ فَهَؤُلاَءِ بَرَّرَهُمْ أَيْضاً. وَالَّذِينَ بَرَّرَهُمْ فَهَؤُلاَءِ مَجَّدَهُمْ أَيْضاً. 31فَمَاذَا نَقُولُ لِهَذَا؟ إِنْ كَانَ اللهُ مَعَنَا فَمَنْ عَلَيْنَا! 32اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا أَيْضاً مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ؟ 33مَنْ سَيَشْتَكِي عَلَى مُخْتَارِي اللهِ؟ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يُبَرِّرُ! 34مَنْ هُوَ الَّذِي يَدِينُ؟ الْمَسِيحُ هُوَ الَّذِي مَاتَ بَلْ بِالْحَرِيِّ قَامَ أَيْضاً الَّذِي هُوَ أَيْضاً عَنْ يَمِينِ اللهِ الَّذِي أَيْضاً يَشْفَعُ فِينَا! 35مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضَِيْقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ؟ 36كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ «إِنَّنَا مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ كُلَّ النَّهَارِ. قَدْ حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ لِلذَّبْحِ». 37وَلَكِنَّنَا فِي هَذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا. 38فَإِنِّي مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ لاَ مَوْتَ وَلاَ حَيَاةَ وَلاَ مَلاَئِكَةَ وَلاَ رُؤَسَاءَ وَلاَ قُوَّاتِ وَلاَ أُمُورَ حَاضِرَةً وَلاَ مُسْتَقْبَلَةً 39وَلاَ عُلْوَ وَلاَ عُمْقَ وَلاَ خَلِيقَةَ أُخْرَى تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا. " (رومية 8: 26-39).
بوصولنا إلى نهاية الفصل الثامن من رسالة الرسول بولس إلى الكنيسة المسيحية في رومية نكون قد انتهينا من البحث في العقيدة الإنجيلية الأساسية المختصة بخلاص الإنسان من الخطية والتي تدعى في الكتاب بعقيدة التبرير بالإيمان بدون أعمال الناموس أو الشريعة. وقبل معالجة بعض الأمور الخاصة والتطرق إلى الكلام عن الأمور العملية التي يجب أن تنبثق في حياة المتبررين لابد للرسول من تلخيص الموضوع بأسره وإعطائنا نظرة عامة وشاملة لكل ما يتعلق بخلاص الإنسان. وسنسعى حسب طاقتنا للكلام عن هذه الأمور الهامة متكلين على الروح القدس الذي أوحى بهذه الرسالة لكي نختبر هذه الحقائق الروحية في قلوبنا.
تركنا الرسول في درسنا السابق وهو يتكلم عن موضوع الرجاء المسيحي في حياة المتبرر. وقد رأينا ضرورة التمسك بالرجاء وكيفية إثمار ذلك في حصول المؤمن على الصبر اللازم للعيش في هذه الحياة بانتظار حلول الخلاص التام والكامل متى عاد المخلص إلى الأرض في نهاية التاريخ البشري. ونبدأ الآن بحثنا بالكلام عن الروح القدس الذي يساعدنا الآن ونحن نحيا حياة الرجاء والصبر وذلك بواسطة صلواتنا المتصاعدة إلى عرض الله.
نظراً لمساعدة الروح القدس في حياتنا ولأنه يشفع فينا أمام العرض الإلهي ويساعدنا على الصلاة كما يجب لأننا من أنفسنا غير قادرين على ممارسة هذا الامتياز العظيم فإننا نأتي إلى هذا اليقين التام الذي يمكّننا من القول مع الرسول: ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله، الذين هم مدعوون حسب قصده.
ويجدر بنا أن نلاحظ الأمور التالية:
1. كان خلاص المؤمن ضمن تدبير الله الأزلي حتى قبل مجيء المؤمن إلى الوجود. لقد علّمنا الرسول حتى الآن بأن نتّكل على الله من أجل خلاصنا وألا نخاف من الدينونة إذ أنه لا شيء من الدينونة على كل من هو في المسيح يسوع. وكذلك علّمنا الرسول بأن نحيا حياة الرجاء منتظرين بكل صبر حلول ميعاد إعلان الخلاص التام في يوم القيامة. لكن الرسول لا يكتفي بذلك عند اقترابه من نهاية البحث في موضوع التبرير بالإيمان. انه يأخذنا إلى ما قبل العالم وما قبل التاريخ إلى تلك الأزلية التي لا تعرف بداية عندما صمم الله (على) إنقاذ عدد لا يعد ولا يحصى من الناس من الخطية والموت وقام برسم تدبير الخلاص بواسطة يسوع المسيح. خلاص المؤمن الحقيقي أكيد ليس فقط بسبب الأمور الحاضرة التي يختبرها والأمور المستقبلة التي يتوقعها بالرجاء ولكنه أكيد نظراً لتدبير الله الأزلي الذي شمله حتى قبل أن يولد في العالم. ونظراً لهذه الحقيقة الأساسية للديانة الكتابية يعلن الرسول المبدأ العظيم الذي تبنى عليه حياة المتبرر: كل الأشياء تعمل معا للخير. ويتعذر علينا سبر غور هذه الفكرة العميقة ولكنها مع ذلك سارية المفعول في حياة كل مؤمن.
2. هناك سلسلة ذهبية للخلاص بدايتها في الأزل ونهايتها في الأبد. وهذه تتضمن الحلقات الآتية:
أ: معرفة الله لمختاريه معرفة أزلية ناتجة عن انتخابه لهم.
ب: تعيينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه في القداسة والطهارة.
ج: دعوتهم دعوة فعالة من عالم الخطية والموت إلى ملكوته المقدس.
د: تبريرهم بنعمته المجانية وبواسطة الإيمان.
ه: تمجيدهم في المستقبل لدى اكتمال الملكوت وعودة المسيح يسوع إلى العالم.
3. ينتج عن هذه الحقائق أن المؤمن لا يخاف المستقبل المجهول ولا الحاضر المليء بالآلام والمشقات. إن كان الله قد قام بتحضير جميع حلقات تدبير الخلاص هكذا بشكل محكم وإن كانت كلمته لا تفشل فأي شيء يستطيع أن يقضي على فرح المؤمن أو على يقينه التام بالحصول على كل مواعيد الله؟ من يقدر أن يشتكي على مختاري الله؟ الله هو الذي يبرر. من سيكون الديان في نهاية الزمان؟ يسوع المسيح، لكن المؤمن ينظر إلى المخلص لا كديان بل كفادٍ محب وشفوق.
أهناك إذاً أي شيء في الوجود يستطيع أن يفصل المؤمن عن محبة الله بيسوع المسيح؟ لم ينكر بولس الصعوبات العديدة التي ستغمر حياة المؤمنين من اضطهادات إلى حروب ومجاعات وعداوات بشرية وشيطانية، لكن جميع هذه الأمور لا تحدث بدون معرفة الله الذي أخذها جميعاً بعين الاعتبار وجعلها تعمل جميعاً معاً من أجل خير المؤمن ومن أجل إيصاله في النهاية إلى شاطيء الأبدية المجيد بأمان وسلام. ليفرح ويتهلل كل مؤمن لأن في جميع أمور هذه الحياة المتعبة يعظم انتصاره بواسطة يسوع المسيح، ملك الملوك ورب الأرباب.
- عدد الزيارات: 7066