الفصل الثاني: محطات في تاريخ المسيحية العربية
رزحت البلدان العربية من القرن العاشر وحتى بدايات القرن العشرين تحت حكم وغزوات السلاجقة والصليبين والمغول والعثمانيين. أثناء هذه الحقبة من التاريخ عاشت المنطقة بمختلف أوطانها وأديانها قلاقل واضطرابات وحروب مريرة، بعد الإستقرار النسبي الذي خلف الفتوحات الإسلامية.
ضعفت كنائس الشرق جراء هذه الحروب، لاسيما إبان الغزو المنغولي للمنطقة، الذي ابتدأ بالقرن الثالث عشر، وكان له الوقع الأكبر على مسيحيي الشرق عامة، والعراقيين منهم خاصة، إذ تألب المغول على الآشوريين ولاحقوهم، ولم ينجى من سيفهم سوى الذين لاذوا بالفرار إلى المناطق الجبلية.
جاءت الحملات الصليبية إلى الشرق ما بين 1096-1291م، ومع مجيئها انتهت سلطة بيزنطة وحلت قوة روما البابوية. [164] لكن هذه الحملات لم تقدم للمسيحيين في المشرق سوى المزيد من الأزمات في علاقتهم بمحيطهم الإسلامي. فعند دخول الصليبيين مدينة أنطاكية سنة 1098م، لتحريرها من السلاجقة الأتراك، قتلوا ما يقارب مائة ألف مواطن من بينهم مسيحيون كثر. كذلك فعلوا بالقدس في السنة التالية وقتلوا من أهاليها المسلمين والمسيحيين 70 الفاً. ولمّا احتل المماليك [165] إنطاكيا سنة 1268 كالوا للمسيحيين فيها الكيل أكيالاً. فقتل السلطان المملوكي الظاهر بيبرس من أهلها 17000 نسمة، وأسر مائة ألف، ثم تركها للحرق والنهب، وعلى هذا المنوال فعلوا ببقية المدن. كان هذا العصر مليئاً بالقلاقل والحروب وسيئاً للغاية على المسيحيين المشرقيين. فقلَّ شأنهم وخسروا مراكزهم الاجتماعية وتقوقعوا في الأحياء والقرى.
استولى العثمانيون على سوريا ومصر سنة 1516، لكن معاناة المسيحيين لم تنتهي بمجيئهم، إذ خضعوا لأمزجة الولاة، الذين منعوهم من السير على الأرصفة وأجبروهم على السير وسط الشارع مع الدواب والعربات، وألزموا نساءهم بوضع غطاء على الرأس.
نالت فرنسا حق حماية مسيحيي المشرق، [166] ومع وصول نابيليون إلى الشرق (1798 – 1801م) جاءت أفكار التنوير والتحرر، الأمر الذي استقطب بعض الإرساليات الكاثوليكية إلى الشام. فأنشأت مدارس اعتنت بتخريج عددا وافرا من الكهنة كانوا بمثابة البذرة للتجديد الروحي والثقافي الذي عايشه الشرق فيما بعد. وقد بلغ هذا التجديد ذروته مع انبثاق عصر التبشير في القرن السابع عشر، كما بقدوم الإرساليات البروتستانتية إلى الشرق.
--------------------------------
164 - نشأت الصراعات بين الإمبراطورية الرومانية الشرقية (البيزنطية بلغتها اليونانية) وبين الإمبراطورية الرومانية الغربية (بلغتها اللاتينية) على أثر الانشقاق الحاصل بينهما سنة 1054 حين أصدر كاردينال هوبرت قرارا بابويا بحرمان بطريرك القسطنطينية سيرولوريوس. ورد الآخر بالمثل يؤيده بطاركة الإسكندرية وإنطاكيا والقدس. تمثلت هذه الاختلافات، التي أدت إلى الانشقاق بين الكنائس الغربية والشرقية في منافسة بخصوص السلطة الكنسية بين بطريرك القسطنطينية يؤيده الإمبراطور البيزنطي، وبين باب روما في الغرب، الذي أصر على أن يكون الرئيس الأعلى لكافة كنائس الأرض. تعمق الانشقاق في الغزوة الصليبية سنة 1204 للقسطنطينية ونهبها. فشلت المحاولات التي اتخذها الجانبان للصلح بعد عودة الحكم البيزنطي إلى القسطنطينية سنة 1261، ولمّا عزم الأتراك على غزو القسطنطينية لم يحصل قسطنطين الحادي عشر على المعونة المرجوة من روما. فسقطت المدينة وقتل آخر إمبراطور بيزنطي وتحولت القسطنطينية إلى إستانبول.
165 - هم سلالة من الجنود كانوا عبيداً من أصول تركية في أسيا الوسطى. حكموا مصر وبلاد الشام والعراق والجزيرة العربية، وهزموا الصليبيين ثم تصدوا لتيمورلنك واستعادوا ما احتله التتار في بلاد الشام والعراق.
166- رغم أن الدستور الرسمي لا يخول فرنسا إلا بحماية رعاياها، لكنها اضطرت إلى فعل ذلك بعد تسرّب الضعف إلى الدولة العثمانية بحيث لم تعد قادرة على حماية المسيحيين من المظالم.
اخترقت الكاثوليكية كنيسة بلاد الشام من بابها الواسع والرحب بأن أوفدت روما بعثات دينية إليها للاتصال بالكنائس الشرقية والاعتناء بالتعليم من خلال إنشاء مدارس وأخويات. وقد "لاقى المرسلون الغربيون ترحيباً وقبولاً من السلطات الكنسية المحلية، وسمحوا لهم بالوعظ في كنائسهم".[167] أما في مصر فلم يلقى الكاثوليك نجاحا ملموسا كذاك الذي لقوه في فلسطين وسوريا ولبنان والعراق. فاعتنق الكثلكة عدد ضئيل من الأقباط خلال القرن الثامن عشر. ولم تنشئ لهم روما بطريركية إلا في أواخر القرن التاسع عشر.
وفي سائر الدول العربية بقي الشرع الإسلامي هو المصدر الأساسي للتشريع، بينما حافظت الطوائف المسيحية على كيانها القانوني ونظام الأحوال الشخصية الخاصة بها. بيد أن روحاً جديداً أخذ يهب، فانبعثت في القرن التاسع عشر فكرة القومية العربية، ومع انطلاق النهضة الأدبية راح العرب يطالبون بحرياتهم السياسية وكان للمسيحيين شأن هام في النهضة الأدبية وإيقاظ الروح القومية عند العرب.
أطيح بالسلطان عبد الحميد الثاني سنة 1908 وخرج من قصر يلدز، وثار العرب إبان الحرب العالمية الأولى على الأتراك بانضمامهم إلى صفوف الحلفاء. فكانت نتيجة الحرب انكسار العثمانيون وانسحابهم من المناطق العربية.
تجنباً للإطالة، أضع الأحداث المهمة من تاريخ المسيحية العربية في الجدول التالي:
642 - احتل العرب مصر وخرج البيزنطيين نهائيا من الإسكندرية.
680 - بداية مجمع القسطنطينية الخاص بالكنائس الخلقيدونية للنظر في العقيدة المونوثيلية. [168]
726 - بداية حرب الأيقونات[169] الأولى في القسطنطينية.
944 - استولى البيزنطيون على مدينة الرها.
969 - استولى البيزنطينيون على كيليكيا وانطاكية. [170]
1054 - استولى البيزنطيون على أرمينيا وحاولوا إلحاق الأرمن بالمذهب الرسمي.
1071 - الزحف السلجوقي الأول وسيطرة الأتراك على شمال سوريا والقضاء على النفوذ البيزنطي في شمالها، كما وإنهاء النفوذ العربي في بلاد الشام. وكان هؤلاء أقل تسامحاً من العرب مع المسيحيين. في السنة ذاتها سيطروا على أرمينيا، التي نزح بعض شعبها إلى أورفا وبعضهم إلى كيليكيا، حيث أسسوا أرمينيا الصغرى.
1095 - بداية الحملة الصليبية الأولى. [171]
1099 - تأسيس مملكة القدس الصليبية، وتعيين بطريرك لاتيني في القدس، فأصبح يوجد عليها بطريركين.
----------------------------
167 - الأرشمندريت اغناطيوس ديك، التأثير الأوربي على المسيحية في سوريّة خلال الحكم العثماني، والحضور المسيحي في حلب خلال الألفين المنصرمين ج2 مجلد1 ص 36-45
168 - في محاولة بيزنطية لتخفيف حدة الصراع بين الملكيين واليعاقبة دعا هرقل إلى المونوثيلية، وتقول صيغة المونوثيلية: "أن طبيعتي المسيح اتحدتا في مشيئة واحدة وطبيعة واحدة وقدرة واحدة". رفض الكاثوليك ومن ضمنهم الموارنة التعريف الجديد واعتبروه هرطقة، بينما قبل به أساقفة غير خلقيدونيين في أرمينيا ومصر.
169 - بدأت سنة 726 عندما حطم الإمبراطور ليون الثالث أيقونة للمسيح وجدت فوق باب قصره في القسطنطينية، ولم تهدأ هذه الحرب إلا سنة 843م ، حيث عاد الهدوء والسلام. كان بداية صراع فكري حول تكريم الصورة وتحريمها، ما لبث أن تحول إلى صراع دموي، وإلى إقصاء عدد من الرؤساء الروحيين وملاحقتهم مع من تبعهم من لاهوتيين ورهبان، وسميت تلك الحقبة "حرب الأيقونات".
170- قاد الاحتلال البيزنطي للرها وانطاكيا إلى تعميق الهوة بين الأرمن والسريان من جهة والملكيون أنصار الكنيسة البيزنطية من جهة أخرى بسبب الضغوط التي مارستها هذه لحمل الأرمن والسريان على قبول المجمع الخلقيدوني.
171 - نشأت فكرة الحملات الصليبية نتيجة مضايقات عاناها مسيحيو الشرق وبعض الحجاج المسيحيون، الذين قدموا من الغرب لزيارة الأماكن المقدسة في أورشليم. وكان التعسف السلجوقي أحد أسبابها. تحمّس الناس في الغرب لإنقاذ إخوانهم وعزموا على تحرير الأراضي المقدّسة. كان هدف الحملات في بادئ الأمر دينياً، ثم انقلب بسرعة سياسياً واقتصادياً وتوسّعياً على حساب الدولة الإسلامية وباستغلال مسيحي الشرق. كانت للحملات الصليبية آثار سيئة على علاقة المسيحيين المشرقيين بمسيحي الغرب، وهي العلاقة التي شابها دوما سؤ فهم وعداء. ولم تنجح المجامع الكنسية بعد ذلك في تضميد الجراح وإعادة العلاقة الروحية إلى نصابها.
1101 - تعيين بطريرك لاتيني على كرسي إنطاكية، فأصبح يوجد عليها أربعة بطاركة.
1182 - مفاوضات بين بطريرك القدس اللاتيني والموارنة لإلحاقهم بكرسي روما.
1187 - استعادة القدس من قبل المسلمين على يد صلاح الدين الأيوبي.
1213 - اعتراف البطريرك الماروني ارميا العمشيتي بسلطة روما في مجمع لاتران.
1268 - استعادة إنطاكية من قبل المسلمين وانتهاء بطريركية إنطاكية اللاتينية.
1375 - مماليك مصر يقضون على دولة أرمينية الصغرى في كيليكيا.
1437 - رسامة الجاثليق شمعون الباصيدي بطريركا على كنيسة المشرق الآشورية، وهو الذي سن قانون وراثة الكرسي البطريركي فيها.
1453 - سقوط القسطنطينية بيد محمد الفاتح وتحكم السلاطين بالبطاركة وتفويضهم هناك بالمسئولية على أرثوذكس العالم العربي.
1455 - إرسالية الأخ غريفون الفرنسيسكانية إلى الموارنة وبدء إدخال العقائد والعادات اللاتينية في كنيستهم.
1553 - انفصال كنيسة الكلدان عن كنيسة المشرق الآشورية والتحاقها بروما.
1659 - انفصال كنيسة السريان الكاثوليك عن كنيسة السريان والتحاقها بروما.
1729 - اعتراف البابا بكنيسة الروم الكاثوليك المنفصلة عن كنيسة الروم والمتحدة بروما.
1819 - بداية العمل المرسلي البروتستانتي في بلاد الشام.
1824 - تأسيس كنيسة الأقباط الكاثوليك في مصر.
1847 - إعادة إحياء كنيسة القدس اللاتينية.
1848 - صدور الفرمان السلطاني العثماني، الذي تضمن الاعتراف بالطائفة البروتستانتية في الشرق.[172]
1899 - تنصيب أول بطريرك على القبط الكاثوليك وهو كيرلس مقار.[173]
1930 - كاثوليكوس الأرمن في سيس يغادر تركيا مع من تبقى من شعبه ويقدم إلى لبنان. أما الكاثوليكوس الأعلى في اشميازين فخضع بعد الحرب العالمية الأولى للسوفيات.
1964 - انقسام كنيسة المشرق الآشورية نتيجة تغيير التقويم إلى كنيستين، أتباع التقويم الجديد وأتباع التقويم القديم.
1974 - تأسيس مجلس كنائس الشرق الأوسط للعائلة الأرثوذكسية والعائلة الأرثوذكسية المشرقية والعائلة الإنجيلية.
1990 - انضمام العائلة الكاثوليكية بكنائسها السبع الموجودة في المنطقة لمجلس كنائس الشرق الأوسط.
------------------------------
172 - كان حضور البروتستانت قبل ذلك يتمثل في الإرساليات التبشيرية، ولم يكن لهم كيان كنسي. بعد الاعتراف بهم ككنيسة ضمن نظام المِلل في الدولة العثمانية، تم تنظيم أول كنيسة إنجيلية في بيروت، تبعتها كنيسة في حاصبيا عام 1852، ثم كنيسة حلب عام 1853 ثم في حمص.
173 - تاريخ الكنيسة القبطية، القس منسى يوحنا، ص 548 . وتقول بعض المصادر برجوعه عن الكاثوليكية.
- عدد الزيارات: 364