الفصل الخامس: المسيحيون، رواد العصر الذهبي
"تحيا الأمم بآدابها لأن الآداب ترقي المرء فوق الحياة المادية وتسمو به إلى المدارك الشريفة وتقربه إلى عالم الأرواح وإلى الجمال الإلهي الذي منه يستعير كل مخلوق جماله. وعليه فإن أراد العاقل أن يعرف درجة التمدن التي بلغها شعب من الشعوب يبحث عن انتشار الآداب بين أهله" (الأب لويس شيخو).
البداية
خطت النهضة العربية خطواتها البدائية في ظل حكم الأمويين حين دعا خالد بن يزيد بن معاوية إلى ترجمة كتب الكيمياء من اللغة اليونانية والقبطية إلى العربية، كما وتتلمذ هو نفسه على يدي الراهب والعالم مريانوس آخذاً عنه علوم الطب والكيمياء. فيذكر ابن خلكان، أن خالد "كان بصيرا بهذين العلمين، متقنا عمله، واخذ الصنعة على رجل من الرهبان اسمه مريانوس".[228] واستكمل هذا الجهد الخليفة عمر بن عبد العزيز، فأمر الطبيب السرياني اليهودي من البصرة ماسرجويه بترجمة كناش في الطب للقس أهرن بن أعين من السريانية.كما وأمر بنقل معاهد الطب من الإسكندرية إلى إنطاكيا وحران.[229]
لكن العرب المسلمون لم يلتفتوا كاملا إلى العلوم إلا في منتصف القرن الثاني للهجرة لانشغالهم بالغزو والفتوحات، فلمّا استراحوا ونسوا البداوة واستولى عليهم الترف والرفاهية شرعوا في طلبها زمن الخلفاء العباسيين ابتدءا من 750م فصاعدا،إثر انتقال إدارة الدولة الإسلامية من دمشق إلى العراق. فتألقت بغداد بحركة الترجمة التي قام بها المسيحيون في عهد الخليفة المهدي بن أبي جعفر المنصور، وفي عهد المأمون، مؤسس "بيت الحكمة".
أما مساهمة المسيحيين الشرقيين في نهضة الفكر العربي فتتشكل من صنفين:
أ - المعارف المدونة. أي ما تم تأليفه من قبل عرب أقحاح وعرب مستعربين باللغة العربية، في شتى المجالات وسائر العلوم المتداولة.
ب - المعارف المترجمة. أي ما ترجموه إلى العربية عن لغاتهم الأم. فلا يخف على أحد، أن الحضارة العربية قد تكونت من علوم الأمم القديمة. وأن الدولة العباسية حين كرست جهودها في نقل هذه العلوم من لغاتها الأصلية إلى اللغة العربية، كان للمسيحيين حصة الأسد في نقلها وتوطينها في العالم العربي.
يقول ابن العبري،[230] أن في زمانه وجد زهاء مائة كتاب للطبيب الإسكندري جالينوس، وهذه ترجم معظمها إلى
العربية من اليونانية والسريانية بواسطة المسيحيين، جلهم من بلاد ما بين النهرين. إضافة إلى هذه ترجم المسيحيون في
--------------------------------
228 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، ابن خلقكان، ج 2 ص224
229 - تاريخ مختصر الدول، ابن العبري، ص 157 و 192، العرب- تاريخ موجز، فيليب حتي، ص 113
230 - تاريخ مختصر الدول، ابن العبري، ص 122
مصر وبلاد الشام والعراق مختلف كتب الفلسفة والمنطق والبيان وسائر العلوم. وأقاموا أجيالا من الأطباء وعملوا على تأسيس البيمارستانات، ودكاكين الصيدلة.
طائفة من العلماء والأدباء والمفكرين
أنتجت المراكز المسيحية طائفة من الأدباء والعلماء والمفكرين والتراجمة، من الصعوبة بمكان تصنيفهم بحسب فروع المعارف، إذ أن معظمهم أبدعوا في مجالات عدة. هنا عدد منهم:
1- آل بختيشوع،
وهم الذين خدموا الخلفاء العباسيين بالترجمة والتطبيب، ومنهم جبرائيل بن بختيشوع رئيس مدرسة جنديسابور وأولاده. قيل فيهم: "أجمل أهل زمانهم بما خصهم اللَّه به من شرف النفوس ونبل الهمم ومن البر والمعروف والأفضال والصدقات". ويبرز ابن العبري شأنهم في قصور الخلفاء، فيخبرنا أن المنصور اتخذ جيورجيس طبيبا خاصا له، وفي آخر أيامه دعاه الخلفية المنصور إلى الإسلام. فقال له: "أنا على دين آبائي أموت". فأجابه المنصور:" إنني منذ رأيتك وجدت راحة من الأمراض".[231]
2 - يوحنا بن ماسويه.
أديب وطبيب وصيدلي وكبير المترجمين في عهد هارون الرشيد، وهو الذي نصحه بإقامة دار للكتب، التي شيدت في عهد المأمون على مثال مكتبة الإسكندرية، وسميت "بيت الحكمة"، وكان يوحنا رئيسا عليها. "ولاّه الرشيد ترجمة الكتب الطبية القديمة، وخدم الرشيد ومن بعده إلى أيام المتوكل، وكان معظّماً ببغداد جليل القدر وله تصانيف جميلة".وفيه اجتمع "كل صنف من أصناف أهل الأدب". [232] من مؤلفاته: "البرهان"، "البصيرة"، "الكمال والتمام"، "الحميات"، "الأغذية"، "المنجح في الصفات والعلاجات"، "تركيب الأدوية المسهلة وإصلاحها"، "كتاب دفع مضار الأغذية"، "السموم وعلاجها"، "الصداع وعلله"، "لم امتنع الأطباء من علاج الحوامل في بعض شهور حملهن"، "كتاب في علاج العاقر"، "المعدة"، "التشريح"، وغيرها.
3 - آل حنين،
ومنهم حنين ابن اسحق وأولاده اسحق وداود، وابن اخته حبيش بن الأعسم، وقد برعوا في النقل والفلسفة والطب. كان حنين طبيبا للخليفة المتوكل، ولمّا سأله الخليفة أن يصنع له السم لقتل الأعداء، امتنع معللا بالقول: "شيئان هما، الدين والصناعة. أما الدين فأنه يأمرنا باصطناع الجميل مع أعداءنا فكيف ظنك بالأصدقاء. وأما الصناعة فهي موضوعة لنفع أبناء الجنس". [233]
أتقن حنين ببراعة العربية والسريانية والفارسية واليونانية واشتهر بدقته في الترجمة. ترجم 95 كتابا طبياً من اليونانية إلى السريانية وأربعين كتابا إلى العربية. وأعاد النظر في أكثر من مائة ترجمة بواسطة سرجيس الرأس عيني وأيوب الرهاوي وغيرهم من أطباء. [234] هو الشخص الذي أحدث نقطة تحول في تاريخ بيت الحكمة الذي أسسه المأمون في بغداد. من مؤلفاته: كتاب "الأغذية، "علاج العين"، "تقاسيم علل العين"، "أدوية علل العين"، "علاج أمراض العين بالحديد"، "الأسنان واللثة"، "معرفة أوجاع المعدة وعلاجها"، "مقالة في البول"، "المولودين لثمانية أشهر"، "اختيار الأدوية المحرقة"، وغيرها. وله أيضا كتاب "المد والجزر"، وباللغة العربية كتاب "أحكام الإعراب على مذهب اليونانيين"، "النحو"، "النقط"، و"كتاب في مسائلة العربية".[235]
--------------------------------
231 - تاريخ مختصر الدول، ابن العبري، ص 213 – 215، وأيضا: طبقات الأطباء، الباب الثامن
232 - ابن عبري، ص 227، طبقات، الباب الثامن
233 - ابن العبري، 250 و 252
234 - المسيحية والحضارة العربية، الأب الدكتور جورج شحاته قنواتي، ص 103
235 - الفهرست، ابن النديم ص 298 وأيضا طبقات الأطباء، الباب التاسع
4 - قسطا بن لوقا البعلبكي،
المتوفي سنة 912. "وقسطا هذا فيلسوف نصراني في الدولة الإسلامية".[236] له أكثر من 60 مؤلف في مختلف العلوم. برع في ترجمة "عناصر" اقليدس إلى العربية، فكان له الفضل في خلق مصطلحات الرياضيات، التي ما زلنا نستعملها اليوم. له مصنفات عديدة، في علم الفلك، وعلم الحيل (أي الميكانيك). هو أحد الذين قصدوا بلاد الروم وجاءوا بكتب العلوم لترجمتها. يصفه ابن النديم: "بارعا في علوم كثيرة منها الطب والفلسفة والهندسة والأعداد والموسيقى، لا مطعن عليه فصيحا باللغة اليونانية جيد العبارة بالعربية". [237]
5 ـ سلمويه بن بنان.
قال فيه الخليفة المعتصم بالله: "سلمويه طبيبي أكبر عندي من قاضي القضاة لأن هذا يحكم في نفسي". وقيل بأنه "أعلم أهل زمانه بصناعة الطب وكان المعتصم يسميه "أبي".[238]
6 - يوحنا بن حيلان.
حكيم حران المسيحي السرياني. "قال القاضي صاعد بن أحمد: "إن الفارابي أخذ صناعة المنطق عن يوحنا بن حيلان".[239]
7 - أبو بشر متى بن يونان:
وصف بأنه "عالم بالمنطق، شارحا له، مكثر وطى الكلام، قصده التعليم والتفهيم وهو من أهل دير قنى ممن نشأ في أسكول (مدرسة) مار ماري". هو أيضا ممن أخذ الفارابي المعرفة عنهم.[240]
8 - أبو يحيى المروزي.
طبيب وفيلسوف سرياني ومعلم أبو بشر متى بن يونان.[241]
9 - أبو زكريا يحيى بن حميد بن زكريا.
فيلسوف وناقل من السريانية إلى العربية.
10 - سابور بن سهل.
صاحب كتاب "الترياق". وقد اشتهرا بالطب وتركيب الأدوية، ومات نصرانيا على دين آبائه.[242]
11 - عيسى بن يحيى
بن إبراهيم. كان أيضاً تلميذاً لحنين بن إسحاق، وهو من الأطباء النقلة.
12 - يحيى بن عدي التكريتي،
مفكر وأديب وفيلسوف من القرن العاشر ميلادي. له جملة من المؤلفات القيمة. "اشتهر يحيى بن عدي بن حميد بن زكريا التكريتي، المنطقي نزيل بغداد. إليه انتهت رئاسة أهل المنطق في زمانه".[243]
13 - أبو علي بن زرعة.
أحد المتقدمين في علم المنطق وعلوم الفلسفة والنقلة المجودين، وكان كثير الصحبة والملازمة ليحيى بن عدي.
14 - أبو رائطة حبيب
بن خدمة التكريتي، الناقل والفيلسوف. وصفه ديونوسيوس التلمحري بأنه متبسط في علم المنطق والفلسفة.
15 - أبو نصر
يحيى بن جرير التكريتي، هو تلميذ بن زرعة، تلميذ يحيى بن عدي. طبيب ومؤرخ، صاحب "كتاب المرشد". كان أخاه سعد الفضل بن جرير طبيب الأمير ناصر الدولة بن مروان.
------------------------------
236 - ابن العبري، ص 259
237 - الفهرست، ابن النديم، ص 247 و 298
238 - طبقات، الباب الثامن، وأيضا ابن العبري 243
239 - طبقات، الباب 15، و ابن العبري، ص 295 296
240 - ابن العبري ص 285 ، أيضا: طبقات، الباب العاشر
241 - الفهرست، ص 267، طبقات، الباب العاشر
242 - ابن العبري، ص 255
243 - الفهرست، ص 267، طبقات، الباب العاشر
16 - آل عسال،
وهم من كبار علماء الأقباط في القرن الثالث عشر. تبحروا في علم اللغات واشتهر منهم بشكل خاص مؤتمن الدولة أبو اسحق بن العسال صاحب مجموعة كبيرة من المؤلفات اللاهوتية، لعل أهمها "مجموع أصول الدين ومحصول اليقين"، وهي موسوعة لاهوتية قيمة. اشتهر أيضا الصفي بن العسال، وهو من كبار آباء الكنيسة القبطية وصاحب مجموع القوانين "المجموع الصفوي"، وهو أهم مرجع قانوني مسيحي حتى اليوم. [244]
17 - يوحنا الدمشقي،
منصور بن سرجون، من مواليد سنة 660. من مؤلّفاته المعرّبة كتاب في الفلسفة والمنطق وفي علم الكلام. تتلمذ على يده ثاودورس أبو قرة.
18- ثاودورس ابو قرة،
من مدينة الرها. درس الطب والمنطق والفلسفة، وتضلّع في اللغة العربية والعلوم اليونانيّة القديمة واللاهوت المسيحي والإسلاميات.
19 - منصور بن المقشر.
"من الأطباء المتقدمين بالديار المصرية منصور بن مقشر أبو الفتح المصري النصراني وله منزلة سامية من أصحاب القصر". [245]
20 - أوتيخيوس سعيد بن البطريق.
طبيب ومؤرخ مسيحي مصري من القرن التاسع. أبدع في الطب، وعين بطريركا على الإسكندرية. له عدد من المصنفات أشهرها "نظم الجوهر"، المعروف أيضا بـ "تاريخ ابن البطريق"، الذي أخذ عنه ابن خلدون. كما له كنّاس في الطب.
21 ـ الحجاج بن يوسف
بن مطر الحاسب، وهو الذي ترجم كتاب المجسطي في الجغرافيا.
22 - إبراهيم بن عيسى.
تعلم الطب على يد يوحنا ابن ماسويه ببغداد وسافر مع الأمير ابن طولون إلى مصر حيث أقام وتوفى.
23 - سعيد بن توفيل.
كان في خدمة ابن طولون يصحبه في سفره.
24 – آل الجريح.
اسحاق ونسطاس ابنه، الذين خدموا حكام مصر بالطب.
25 - ابن العبري،
غريغوريوس أبو الفرج. مؤرخ وفيلسوف ولاهوتي وطبيب سرياني عاش زمن قيام دولة المغول في القرن الثالث عشر. أجاد السريانية واليونانية والعربية والأرمنية والفارسية. أشهر مؤلفاته كتاب "تاريخ الزمان" بالسريانية، وترجمته العربية بعنوان "تاريخ مختصر الدول". من مؤلفاته الباقية: "المفردات الطبية"، "الأدوية المفردة"، "منافع أعضاء الجسد"، "تجارة الفوائد"، "حديث الحكمة"، "النفس البشرية"، "الأضواء".
26 - شمعون الراهب
المعروف بطيبوبة الطبيب، وله كتاب في الطب مترجم إلى العربية وكان له أثر في تطور الطب الإسلامي.[246]
27 - ساويرس بن المقفع،
أسقف الأشمونين في صعيد مصر. كاتب ومؤرخ مصري من القرن العاشر. تمكن في اللغة العربية واليونانية والقبطية، وعليم في الفلسفة اليونانية والإسلامية. وضع "كتاب السير"، وهو تاريخ جامع للكنيسة بالدولة في مصر. [247]
------------------------------
244 - التراث العربي المسيحي القديم، المعهد الاكليريكي اللاتيني الاورشليمي، الفصل الخامس
245 - ابن العبري، ص 316
246 - المسيحية والحضارة العربية، ص 94 ، طبقات الأطباء، الباب السادس
247 - التراث العربي المسيحي القديم، المعهد الاكليريكي اللاتيني الاورشليمي، فصل 5
28 - بولس الاجانيطي.
طبيب مصري عاش زمن عمرو بن العاص. "كان خيراً خبيراً بعلل النساء كثير المعاناة لهنّ...وله كتاب في الطب...وكتاب في علل النساء".[248]
29 - ابن أثال.
من مشاهير الأطباء الدمشقيين. خدم معاوية بن أبي سفيان.
30 - أبو الحكم.
"كان طبيباً نصرانياً عالماً بأنواع العلاج والأدوية وله أعمال مذكورة وصفات مشهورة وكان يستطبه معاوية بن أبي سفيان ويعتمد عليه في تركيبات أدوية لأغراض قصدها منه". [249]
31 - عيسى بن الحكم،
المشهور بمسيح، له كناش في الطب و "كتاب "منافع الحيوان"، و"رسالة في الأعشّاب والعقاقير".
32 - تياذوق،
"كان طبيباً فاضلاً وله نوادر وألفاظ مستحسنة في صناعة الطب ... كان أعلم الناس وأحذق الأمة في وقته بالطب". [250]
-----------------------------------
248 - ابن العبري، ص 176
249 - طبقات، الباب السابع
250 - طبقات، الباب السابع
- عدد الزيارات: 332