Skip to main content

الاتصال

إن إيصال كلمة الحق إلى الناس جزء هامّ في عمل القائد. إنه يقف كثيراً أمام سامعيه ليكلّمهم. عليه أن يقدّم إعلانات ويعلّم الدروس، ويقدّم المتكلمين للجمهور، ويلقى عظات قصيرة. فهو في كل من هذه الأوضاع يُطلب منه أن يقول شيئاً، أن يوصل الكلمة إلى سامعيه.

كيف تقوم بالاستعداد؟ ماذا تفعل لتجميع أفكارك ولتعطي سامعيك حقائق واضحة؟ هل من قواعد يمكن إتباعها كي تبلغ الهدف؟ اسمح لي أن أبدأ بذكر اختبار شخصي.

كنت أسير مع زوجتي يوماً في أحد شوارع بلدة صغيرة في ولاية أيوا قبل حوالي عشرين سنة وكان ذلك صباح يوم أحد. كنت أعمل يومها في السكة الحديدية، وكان عملي يقضي بأن أنتقل من مدينة إلى أخرى على خط السكة بعيداً عن بيتي. وكانت زوجتي قد جاءت إليّ لنمضي معاً عطلة الأسبوع. كنا نسير بلا هدف في الطريق وفجأة سمعنا صوت جرس إحدى الكنائس

قلت وأنا أضحك: "لنذهب إلى الكنيسة".

استغربت زوجتي الاقتراح، إذ كنا غريبين هناك ولا نعرف أيّة كنيسة أو من يصلي فيها. وإذ كان لا يزال وقت لتناول طعام الغداء، ولا شيء علينا أن نفعله، اتفقنا فذهبنا إلى كنيسة قريبة من هناك.

دخلنا وجلسنا، وكنا نتساءل: كيف ستجري العبادة وماذا سنسمع ونرى؟ لقد جرى ما لم يخطر لنا وما سنذكره مدى الحياة. عندما بدأ الواعظ يلقي رسالته من على المنبر أثارت كلماته اهتمامنا الشديد. لم ننتبه للموضوع الذي بحث فيه ولكننا تأثرنا كثيراً بالكيفية التي عالج بها موضوعه. كان أمامنا والواعظ يتكلم أمران اثنان: كان يعرف تماماً الموضوع الذي يبحث فيه، ثم كان يعني ما يقوله.

كنت وزوجتي قد دخلنا كنائس قبل ذلك الحين وسمعنا عدة عظات. لكن كان واعظ هذه الكنيسة الأول الذي وجدنا أنه يتحلّى بالصفتين المذكورتين. كان بعض الذين سمعناهم من قبل يعرفون موضوعهم جيداً ولكنهم لم يتكلموا بقناعة وقوة وكأنهم لم يعنوا كل ما قالوه. بينما كان البعض الآخر يتكلمون وهم يعنون ما يقولونه لكنهم لم يكونوا يعرفون موضوعهم بإتقان.


ماذا يهم عند الكلام

عندما كنت أتذكَّر صباح ذلك الأحد عبر السنين كنت أرى بتأكيد أن هناك شرطين لا غنى عنهما عند الكلام أمام الجمهور.

أولاً، اعرف موضوعك. لكي يشعر سامعوك بالثّقة وأنت تكلّمهم من الضروري أن تحضّر كلمتك بعد القيام بالدراسة اللازمة. قم بما يجب القيام به مسبقاً. فعندما يحسّ جمهورك بأنك تتكلم في موضوع تعرفه وتتقنه، وأنك إنما تقدم لهم جزءاً يسيراً من الكثير الذي تعرفه في ذلك الموضوع، فإنهم سيشعرون بالثقة والارتياح ويؤمنون بما تقوله لهم.

ثانياً، قل وأنت تعني ما تقوله. بالطبع، إن كنت تعرف موضوعك جيداً فإنك ستقدّمه وأنت تعنيه تماماً. الأول يؤدي إلى الثاني يجب أن تكون أنت مقتنعاً أولاً قبل أن تتمكّن من إقناع الآخرين. كان هذا واحداً مما تميّز به تعليم يسوع. فقد قالوا عنه أنه "كان يعلّمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة" (متى 7: 29). كان الكتبة يعلّمون كما لو كانوا طالباً يسمّع درسه لمعلّمه، أما يسوع فكان يتكلّم بسلطان وقناعة أدهشت سامعيه.

وتشهد لهذه الحقيقة حادثة أخرى وردت في سفر أعمال الرسل. كان بولس وبرنابا يخدمان الكلمة في مدينة أيقونية ومكتوب أنهما " دخلا معاً إلى مجمع اليهود وتكلّما حتى آمن جمهور كثير من اليهود واليونانين" (أعمال 14: 1). ومما يلفت أن العبارة "وتكلّما حتى آمن جمهور كثير" لها معنى أعظم مما يبدو للوهلة الأولى. فقد وردت في الترجمة الكاثوليكية الحديثة (للأبوين صبحي حموي ويوسف قوشاقجي، 1969) كما يلي: "وأخذا يتكلّمان كلاماً جعل جمعاً كبيراً... يؤمنون". ووردت العبارة نفسها في الترجمة العربية الجديدة لجمعية الكتاب المقدس، 1978 كما يلي: "وتكلّما كلاماً جعل كثيراً... يؤمنون".

فكر بهذه الكلمات وتكلّما حتى أو تكلّما كلاماً جعل. بصراحة، لم أكن ألاحظ المغزى في كلمة "حتى" مع أني قرأت هذا الفصل مرات كثيرة. ولكن من الواضح أن الرسولين تكلّما في شكل مؤثّر جعل سامعيهم يؤمنون. كان مهمّاً ما قاله بولس وبرنابا، كان مهماً أيضاً كيف قالاه.

إن الروح القدس ينبّه أفكارنا إلى أن الطريقة التي بها نؤدي الرسالة لها تأثير في مدى قبول السامعين لها. عندما يلقي شخص كلمة بطريقة رتيبة آلية فإن سامعيه يميلون لأن يناموا. إن الواعظ الذي سمعته في تلك الكنيسة قبل عشرين سنة كان مؤثراً، فقد استحوذ على انتباهي لقد كان يعرف موضوعه جيداً وكان يعني كل كلمة تكلّم بها.


ماذا تحتويه الرسائل

قد تقول: حسناً، قد اقتنعت. لكن كيف أُحضّر عظة تثير اهتمام من يسمعها وتأتي بنتيجة؟ لقد تعلّمت من إصغائي للعديد من الوعاظ الناجحين أن هناك أمرين:

الأول،

قدّم الكلمة. والتشديد هنا على الكلمة. لا يكفي أن يكون كلامك مستنداً إلى الكتاب المقدس، بل ليكن من الكتاب بالذات. فبينما تدخل كلمة الكتاب في عظتك من البدء حتى النهاية فإن ذلك يُكسب رسالتك طعماً وحيوية وقوة. الروح القدس كسيف (انظر أفسس 6: 17) يوبّخ الضمائر ويفحص أعماق القلوب. "لأن كلمة الله حية وفعّالة وأمضى من كل سيف ذي حدّين وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ ومميزة أفكار القلب ونياته" (عبرانيين 4: 12).

إنّ الروح القدس يستخدم الكلمة ليحطّم كل جدار يقف عقبة ضد الطاعة والإيمان. "أليست هكذا كلمتي كنار يقول الرب وكمطرقة تحطّم الصخر" (ارميا 23: 29). إذن اهتم بأن تتضمّن كلمتك بسخاء آيات من كلمة الله.

الثاني،

استخدم أمثلة أو قصصاً. تلك كانت الطريقة التي استخدمها يسوع. استخدم أمثلة. كان يسوع خير من قصّ القصص.

"لم يتكلم قط إنسان هكذا مثل هذا الإنسان".

"هوذا الزارع قد خرج ليزرع".

"أيّة امرأة لها عشرة دراهم..."

"إنسان كان له ابنان.."

"يشبه ملكوت السماوات..."

لتكن القصة أو المثل الذي تستخدمه وسيلة لإفهام السامعين النقطة التي تقدّمها أو الآية التي تستخدمها.

طُلب مني مؤخراً أن أتكلم في موضوع كيف ندخل كلمة الله في حياتنا، فكانت إحدى النقاط أن علينا أن نتعلم كيف نتأمَّل في الآية: "كم أَحببت شريعتك. اليوم كله هي لهجي" (مزمور 119: 97). وقدَّمت هذا المثل:

لو جئت إلى بيتنا لتزورنا في المساء فقد نجلس ونتكلّم قليلاً، ثم قد أسألك إن كنت تحب أن ترى باقي أقسام البيت. فتنزل لرؤية القسم الأرضي. وقد لا أضيء المصباح الكهربائي، وأكتفي بدلاً من ذلك بإعطائك شمعة صغيرة مضاءة، وأتركك تجوب القسم الأرضي وأنت تحمل تلك الشمعة. وبعد أن تنتقل في الظلام من غرفة إلى أخرى تصعد أخيراً إلى الطابق العلوي.

هناك ألتقي بك وأسألك: ماذا رأيت؟

فتجيب: رأيت غرفة فيها طاولة لكرة الطاولة. وأخرى للعائلة، وغرفة ثالثة للنوم في آخر الممشى، ورابعة وقد بدت كأنها غرفة مطالعة أو مكتبة.

فأقول لك: حسناً، هذا هو بيتنا في الطابق الأرضي.

ثم بعد هذا ننزل نحن الاثنين معاً فأضيء جميع المصابيح الكهربائية. ندخل غرفة العائلة ونجلس ونتأمل في جوانبها. وحالاً يتبيّن أن فنياً ماهراً نسَّق هذه الغرفة وجمَّلها. فإنك سترى التوازن الدقيق في الألوان والأثاث. سترى أن اللوحات والصور المعلّقة على الجدران موزَّعة ومرتَّبة بشكل ينسجم مع الألوان في البساط والأثاث.

وأسأل الزائر: ألم ترَ غرفة العائلة على ضوء الشمعة؟

الجواب: نعم، رأيتها.

السؤال: لكن هل رأيتها كما هي في الحقيقة؟

لا. لقد رأيتها حقاً بعدما أضأنا المصابيح، وجلسنا، وأمضينا وقتاً في التأمل في جوانبها فأخذ جمالها يظهر لنا.

إن هذا يمثّل الفرق بين قراءة الكلمة والتأمُّل فيها. إن قراءة الكلمة كثيراً ما يكون كالسير بسرعة في أقسام البيت على ضوء شمعة والنظر الخاطف هنا وهناك ورؤية هذا وذاك. إلا أن غنى الكلمة- عمقها وجمالها وروعتها وجلالها- لا يبدو لنا إلا إذا قصدنا إلى تمضية وقت معها والتأمل فيها ورؤية مختلف جوانبها وإعطاء الروح القدس الفرصة ليكشف لنا مكنوناتها.

هذا، إذن، كان الأسلوب الذي اتَّبعته:

1- اذكر النقطة: تأمل في الكلمة

2- اذكر الآية: مزمور 119: 97.

3- قدّم المثل: مثل الشمعة الصغيرة- لتبيّن الفرق بين القراءة والتأمُّل.

إذا كانت لديك عظة مؤلفة من ثلاث أو أربع نقاط فإنك تقدر أن تتّبع الأسلوب ذاته في كل نقطة. فبعد أن تبدأ بمقدّمة لموضوعك تقدّم النقاط الواحدة بعد الأخرى. فمثلاً:


كيف نملأ حياتنا بالكلمة

1- ادرس الكلمة

(1) الآيات- أمثال 2: 1 – 5 وأعمال 17: 11

(2) المثل- إن من يبحث في الأرض عن كنز يجب عليه أن يحفر عميقاً، فالكنوز لا تكون مخبأة في أمكنة قريبة من السطح.

2- احفظ الكلمة

(1) الآيات- كولوسي 3: 16، أمثال 7: 1- 3، تثنية 6: 6- 7.

(2) المثل- عندما وقع عدد من المؤمنين أسرى في الحرب الفيتنامية، وكانوا يحفظون آيات كثيرة من الكتاب المقدس غيباً، ساعدهم ذلك على رفع معنويّاتهم وهم يحتملون آلام الأسر في زنزانات هانوي، فصبروا وساعدوا غيرهم على الصبر والاحتمال.

3- تأمًّل في الكلمة

(1) الآيات- مزمور 119: 97، مزمور 1: 2- 3، يشوع 1: 8.

(2) المثل- مثل الشمعة الصغيرة.

4- التطبيق الختامي

اذكر طريقة لحفظ الآيات أو لدرس الكتاب المقدس التي يمكن للسامعين أن يتَّبعوها وحدهم يوماً بعد يوم.

لاحظ أن آيات الكتاب تحتل الوسط في العظة. كلمة الله هي المركز. أما القصة أو المثل فيضيفان إلى الرسالة شيئاً كالشرارة أو الإنارة. وفي النهاية يبيّن التطبيق العملي للسامعين كيف يمكنهم العمل بما سمعوا. استخدم هذا الأسلوب كلما قدَّمت عظة أو رسالة. كثيراً ما نسمع عظات مؤثرة تجعلنا نتوق للعمل، لكن بعض الوعاظ يقفون في كلامهم عند هذا الحد ولا يخبروننا كيف نعمل. إن على القائد أن يكون عملياً ودائماً يبيّن الكيفية.

وعندما تستخدم قصة أو مثلاً اختر شيئاً له علاقة بسامعيك. فإن المزارع الذي يعيش في منطقة زراعية يرى الأمور بشكل مختلف عما يراها الذي يعمل في أحد المصانع. إن كل واحد منا يختلف عن الآخر، وكذلك المناطق.

وقعت في خطأ من هذا النوع عندما كنت أتكلم في سنغافورة. يومها قصصت على السامعين قصة رجلين كانا يستقلان سيارة في ولاية نيفادا الأميركية وعلقا في عاصفة ثلجية وجليد، وكادا يتجمّدان من البرد. لكن السامعين لم يسمعوا بتلك البقعة من العالم، ولا رأوا ثلجاً قط، ولا يستطيعون تصوّر إنسان يتجمّد من شدة البرد. في بلد حار كمدينة سنغافورة كان أفضل كثيراً لو أني قصصت قصة الفتيان الثلاثة الذين طرحوا في أتون النار وأنقذهم الله من الموت حرقاً.


التغلّب على الاضطراب النفسي

هناك صعوبة كبيرة يواجهها كل من يتكلم أمام جمهور، وتلك هي الشعور بالاضطراب والتهيُّب. أنا نفسي أحسّ بهذه الصعوبة. فعندما أقدّم شهادتي لشخص أو أمام جماعة أحسّ عادة بجفاف في حلقي، بينما يتصبّب العرق من يديّ. وكم أفضّل لو أن حلقي يترطّب في وضع كهذا تبقى يداي جافّتين. وإني أتعزّى وأتشجّع في مواجهة هذه المشكلة إذ أتذكّر ما قاله بطرس: "وأما خوفهم فلا تخافوه ولا تضطربوا، بل قدّسوا الرب الإله في قلوبكم مستعدين دائماً لمجاوبة كل من يسألكم عن سبب الرجاء الذي فيكم بوداعة وخوف" (1بطرس 3: 15).

لاحظ كلمات بطرس "بوداعة وخوف". فإذا شعرت وأنت تقدّم شهادتك ببعض الخوف فافرح. إنك في الوضع الصحيح. لو كان الله يريد أن نؤدي الشهادة ونتكلم بكلمته بخفّة ولدينا الشعور بالارتياح التام والاعتماد على أنفسنا وقدرتنا لقال لنا ذلك. أما إذا شعرنا ونحن نشهد بأن داخلنا ينقبض، وأيدينا ترتجف، وركبنا تصطكّ، وحناجرنا تجف، فذلك ما نشعر به عادة ونحن على ركبنا ساجدين أمام الله وطالبين نعمته وقوته. ذلك هو الوضع الذي يقدر فيه أن يستخدمنا.

"فقال لي: تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل. فبكل سرور أفتخر بالحري في ضعفاتي لكي تحلّ عليّ قوة المسيح. لذلك أُسرّ بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح، لأني حينما أنا ضعيف فحينئذ أنا قوي" (2 كورنثوس 12: 9- 10).

يحدث كثيراً أن أقف لأتكلم أمام جمهور مشاكس. قد يكون المستمعون طلاباً في قاعة نومهم في الكلية أو في غرفة الصف أو في اجتماع لإتحاد الطلبة. وبعض الطلاب يحضرون اجتماعاً كهذا ليثبتوا لي أني على خطأ، وواضح أنهم يعارضون رسالة الإنجيل. والمتكلم في موقف كهذا يشعر بالاضطراب النفسي. لقد تعلمت من خلال الصعوبات شيئين ساعداني للتغلب على الاضطراب النفسي.

أولاً، عندما تقدّم رسالتك وتكون الرسالة مؤيدة بكلمة الله فإن ذلك امتياز يمنحك جرأة دانيال. أما الامتياز فهو أن ما تقوله حق، سواء أصدّقه الناس أم لم يصدّقوه. قال يسوع "كلامك هو حق" (يوحنا 17: 17). ودعا بولس الكلمة "كلمة حق الإنجيل" (كولوسي 1: 5). إننا نعيش في عالم ليس فيه إلا شيء واحد ثابت، وهذا الشيء هو التغيير. إلا أن لنا كلمة الله، وهذه الكلمة هي الحق الأبدي. قال بطرس: "... مولودين ثانية، لا من زرع يفنى بل مما لا يفنى، بكلمة الله الحيّة الباقية إلى الأبد. لأن كل جسد كعشب وكل مجد إنسان كزهر عشب، العشب يبس وزهره سقط، أما كلمة الرب فتثبت إلى الأبد. وهذه هي الكلمة التي بشّرتم بها" (1 بطرس 1: 23- 15).

ثانياً، ابتسم، فالابتسام يساعدك. إن أقرب رابطة تصل بين شخصين هي الابتسامة التي تعبّر عن المودّة. الابتسامة تحدّ من اضطرابك ومن عداء سامعيك. إن هذه كما قلت هي أحد الأشياء التي تعلّمتها بعد اجتياز كثير من الصعوبات.

سافرت مع الزميلين لورن ساني ووالت هنريكسن في رحلة للخدمة إلى شمال غرب الولايات المتحدة. وعندما وصلنا جامعة أوريغون الحكومية دهشت لرؤية لافتات ضخمة معلّقة على جدران قاعات النوم في الجامعة وقد كتب عليها: "ليروي قادم إلينا". دبّ فيّ الخوف في الحال. فقد تخيّلت أننا إذ نجتمع بالطلاب ونكلّمهم سنواجه عصابة من الأشقياء تنتظر لتسلخ جلدي عن لحمي وأنا حي. فها قد جاء ليروي، إذن هم في انتظاري.

انعقد الاجتماع الأول في إحدى غرف الصف الضخمة، وكان الحضور كبيراً. وكنت أشعر بتوتّر واضطراب مفكّراً بما قد يحدث. وقف قائد الاجتماع وهو موظف في الجامعة فافتتح الاجتماع ثم دعاني للكلام. نظرت إلى جمهور الطلاب فلاحظت وجود مجموعة من المشاغبين بينهم. فبدأت كلمتي وأنا متجهّم الوجه، فقلت ما أردت قوله بصرامة ووضوح. واستغربت أنهم تقبّلوا كل ذلك بإصغاء واهتمام. وعندما انتهيت من كلمتي وعرضت أني مستعد للإجابة عن أيّة أسئلة يوجّهونها كانت الأسئلة جدّية وبإخلاص.

بعد انتهاء الاجتماع تقدّم عدد كبير من الطلاب إلى الأمام وصافحوني وقالوا: "شكراً للرب أيها الأخ. قدّمت إلينا الإنجيل واضحاً. شكراً لأجل مجيئك". وتلك كانت أول ليلة في حياتي أقضيها وأنا أبتسم كل الوقت.

وفي الطريق إلى مكان نومنا قال لي لورن ساني: "كان أفضل لو أنك كنت تبتسم من حين إلى آخر وأنت تلقي الكلمة. فذلك كان يضيف إلى الاجتماع بعض الدفء." أنا واثق أن لورن كان على حق، وتعلّمت من ذلك درساً ثميناً.


العنصر الرئيسي

الصلاة هي العنصر الجوهري الذي يدخل في تحضير الرسالة وفي تقديمها. عليك أن تصلي قبل بدئك بالتحضير وقبل شروعك في تقديم الرسالة. صلّ كي يعطيك الروح القدس الآيات والأمثلة المناسبة الصحيحة ولكي يمكّنك من إلقاء الرسالة مدعومة بقوّته.

هذا درس آخر تعلّمته من خلال الصعوبات. في أواسط الخمسينات عملت طوال سنتين مع فريق كان يقدّم البشارة إلى جمعيات للأخوة وأخرى للأخوات في جامعة بتسبرغ وفي معهد كارنجي. كنا نذهب مساء كل اثنين ونتكلم بالكلمة، ونخاطب الأفراد في مواعيد ننظّمها معهم خلال الأسبوع.

وكنا قد قرَّرنا في تلك الأثناء أن نصلي معاً قبل الذهاب إلى تلك الاجتماعات. في تلك الأيام كنا نعمل مع الحملة الجامعية للمسيح وكان الأخ بل برايت منشئ الحملة قد نصحنا بأن نمضي كثيراً من الوقت في الصلاة قبل الذهاب إلى أي من تلك الاجتماعات. وكان الرب قد وضع على قلوبنا أهمية الصلاة فكنا مواظبين على ذلك بأمانة. وكانت النتيجة أن بارك الرب جهودنا، وفي وقت قصير صمّم عدد كبير من الشبيبة أن يتبعوا المسيح، وكنا نقودهم في اجتماعات لدرس الكتاب المقدس. وانضم إلى فريقنا بعض منهم وصاروا يذهبون إلى الجمعيات ويقدّمون الشهادات عن اختبارهم الخلاص. وسار كل شيء سيراً حسناً.

ويبدو أننا شعرنا بالطمأنينة بعد هذا وتسلّلت إلينا الكبرياء أو ما يشبه ذلك، وفي الوقت ذاته قلّلنا من وقت الصلاة. وكانت ليلة هي الأولى من نوعها. كنا مشغولين، واجتمعنا بسرعة في المكان الذي سنتكلم فيه وصلّينا بعجلة. صلّى أحدنا عبارات قصيرة وأسرعنا إلى الاجتماع.

وأذكر أني شعرت من بداية الاجتماع أننا سنواجه الكارثة. بدأ قائد الاجتماع فلم يتمكّن من اجتذاب انتباه الحضور كما يجب. قدَّم البعض شهاداتهم فكانت آلية بلا حياة. وعندما وقفت لألقي الرسالة شعرت بفقدان عمل الروح في قلوب السامعين. وكلمتي كانت كطعام معلّب لا أكثر. انتهى الاجتماع فأسرع المسؤولون بتأدّب وتخلّصوا منا إذ غادرنا المكان.

بعدها تطلّعنا الواحد إلى الآخر وعرفنا ماذا كان علينا عمله. ركبنا سيارتنا وأمضينا فيها وقتاً مصلّين ومعترفين بخطيّتنا وطالبين من الله الغفران. تلك كانت المرة الأخيرة التي أهملنا فيها فترة الصلاة قبل الاجتماع. الرب سمع صلاتنا واستمرّ في مباركة عمله وكلمته. لقد تعلمنا جميعاً درساً من ذلك لن ننساه.

"ليس أننا كفاة من أنفسنا أن نفتكر شيئاً كأنه من أنفسنا بل كفايتنا من الله الذي جعلنا كفاة لأن نكون خدّام عهد جديد، لا الحرف بل الروح، لأن الحرف يقتل ولكن الروح يُحيي" (2 كورنثوس 3: 5- 6). "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقوّيني" (فيلبي 4: 13).

  • عدد الزيارات: 10117