الفصل الخامس: هل المعمودية تغفر الخطايا؟
هناك آيتان في أعمال الرسل يمكن للقارئ العابر أن يفهم منهما بأن المعمودية هي لغفران الخطايا ولكن عندما نقارن الروحيات بالروحيات وكلمة الله بكلمة الله نجد ما يلي:
الآية الأولى مذكورة في أعمال الرسل 2: 37 _ 38 "فلما سمعوا نخسوا في قلوبهم وقالوا لبطرس ولسائر الرسل ماذا نصنع أيها الرجال الأخوة. فقال لهم بطرس توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا..."
والآية الثانية ذكرت في أعمال الرسل، عندما ذهب حنانيا لكي يرى شاول الذي كان قد فقد بصره بعدما رأى الرب وهو في طريقه إلى دمشق. فلما رأى حنانيا شاول قال له: "أيها الأخ شاول أبصر. ففي تلك الساعة نظرت إليه فقال إله آبائنا انتخبك لتعلم مشيئته وتبصر البار وتسمع صوتاً من فمه. لأنك ستكون له شاهداً لجميع الناس بما رأيت وسمعت. والآن لماذا تتوانى، قم واعتمد واغسل خطاياك داعياً باسم الرب". (أعمال 22: 13 _ 16).
فلأول وهلة يظن القارئ من قراءته لهاتين الآتين بأن غفران الخطايا متعلق بالمعمودية ولكن عندما ندرس الآيتين بأن غفران الخطايا مرتبط باسم يسوع وليس بالمعمودية. "فقال لهم بطرس توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع" الذي يغفر الخطايا. وفي الآية الثانية يقول حنانيا لشاول: "قم واعتمد واغسل خطاياك داعياً باسم الرب". فإنه أيضاً مكتوب "لأن كل من يدعو باسم الرب يخلص". (رومية 10: 13). فغسل الخطايا هنا لا يرتبط بالمعمودية بل باسم الرب يسوع الذي يغفر الخطايا. وإليك المزيد من الآيات التي تدعم هذا المفهوم:
"أكتب إليكم أيها الأولاد لأنه قد غفرت لكم الخطايثا من أجل اسمه". (1 يوجنا 2: 12).
"له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا" (أعمال 10: 43).
"وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث. وأن يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم مبتدأً من أورشليم" (لوقا 24: 46 _ 47).
"الذي أحبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه" (رؤيا 1: 5).
"الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا" (أفسس 1: 7).
"بدون سفك دم لا تحصل مغفرة" (عبرانيين 9: 22).
"ولكن إن سلكنا في النور كما هو في النور، فلنا شركة بعضنا مع بعض ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية" (1 يوحنا 1: 7).
"إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم" (1 يوحنا 1: 9).
"متبررين مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح". (رومية 3: 24).
والآن يأتي سؤال لا بد منه وهو :إذا كانت المعمودية تغسل الخطايا، فماذا عن الخطايا التي يرتكبها المؤمن بعد معموديته؟
إن الخلاص مرتبط بالإيمان بالمخلص ولا يوجد خلاص بدون المخلص "وتدعو اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم" (متى 1: 21) فإن لم تؤمن بالرب يسوع فلن تخلص أبداً. "وليس بأحد غيره الخلاص. لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص". (أعمال 4: 12).
والماء يغسل ما في الثوب من دنس
وليس يغسل قلب المذنب الماء.
إن الخطية متغلغلة في الداخل وتحتاج إلى غسل جذري لا إلى غسل خارجي "لا لإزالة وسخ الجسد بل سؤال ضمير صالح عن الله بقيامة يسوع المسيح". (1 بطرس 3: 21). فلو كانت المعمودية تغسل الخطايا فلا يمكن لبولس الرسول أن يقول "أشكر الله أني لم أعمّد أحداً منكم إلا كريسبس وغايس...وعمّدت أيضاً بيت استفانوس..." (1 كورنثوس 1: 14: 16). ثم هناك أيضاً بيت كورنيليوس الذين غفرت خطاياهم بالإيمان بعمل المسيح الكفاري على الصليب إذ حلّ الروح القدس عليهم وتكلموا بالسنة قبل معموديتهم (أعمال 10: 34 _ 46). وأيضاً اللص التائب فإنه ذهب إلى الفردوس بدون معمودية حسب وعد الرب له (لوقا 23: 43). والسؤال الذي يخطر على البال هو: إن كانت المعمودية تغسل الخطية، فماذا يحدث للخطايا التي يقترفها المعتمد بعد معموديته؟
ما معنى "الذي مثاله يخلصنا نحن الآن أي المعمودية؟"
يكتب بطرس الرسول: "فإن المسيح أيضاً تألم مرة واحدة من أجل الخطايا، البار من أجل الأثمة لكي يقربنا إلى الله مماتاً في الجسد ولكن محيي في الروح. الذي فيه أيضاً ذهب فكرز للأرواح التي في السجن. إذ عصت قديماً حين كانت أناة الله تنتظر مرة في أيام نوح إذ كان الفلك يبنى. الذي فيه خلص قليلون أي ثماني أنفس بالماء. الذي مثاله يخلصنا نحن الآن أي المعمودية لا إزالة وسخ الجسد بل سؤال ضمير صالح عن الله بقيامة يسوع المسيح". (1 بطرس 3: 18 _ 21).
لقد كانت الوسيلة الوحيدة لنجاة نوح وعائلته من الموت أنهم دخلوا الفلك. وإن هذا الفلك لم يكن إلا مثالاً لدخول المؤمنين في فلك النجاة الذي هو شخص المسيح المبارك وإيمانهم بموته النيابي على الصليب ودفنه وقيامته.
فمعمودية المؤمن بالماء بالتغطيس ما هو إلا إعلان واضح وصريح بأن معموديته هي رمز لموت المسيح ودفنه وقيامته ليسلك في جدة الحياة لكي يحيا حياة جديدة مباركة للمسيح الذي مات من أجله. فالمعمودية كما قال بطرس الرسول: "لا لإزالة وسخ الجسد بل سؤال ضمير صالح عن الله بقيامة يسوع المسيح من الأموات".
ما معنى كلمات بولس الرسول في كورنثوس الأولى 15: 29: "وإلا فماذا يصنع الذين يعتمدون من أجل الأموات إن كان الأموات لا يقومون البتة فلماذا يعتمدون من أجل الأموات؟
لقد كان بولس الرسول يتكلم ويفند أهمية القيامة من الأموات لوجود هراطقة في ذلك الوقت يعلمون هذا التعليم. فبولس الرسول كان يأخذ مما عندهم لكي يبرهن لهم على القيامة من الأموات. فسألهم إن كان الموتى لا يقومون فلماذا إذاً تعتمدون من أجل الأموات؟
عندما وقف بولس في وسط أريوس باغوس وقال: "أيها الرجال الأثينيون، أراكم من كل وجه كأنكم متدينون كثيراً، لأنني بينما كنت أجتاز وأنظر إلى معبوداتكم وجدت أيضاً مذبحاً مكتوباً عليه لإله مجهول. فالذي تتقونه وأنتم تجهلونه هذا أنا أنادي لكم به" (أعمال 17: 22 _ 23).
لقد سخر بولس فكرة الإله المجهول الذي يؤمنون به ليقودهم إلى الإله الحي الذي خلق السموات والأرض. فهل كان بولس الرسول يؤمن أن هذا المذبح المكتوب عليه لإله مجهول هو الإله الحي؟ الجواب كلا. لكنه استفاد مما عندهم وحوّل أنظارهم إلى الله الحي خالق السموات والأرض. فبولس الرسول عندما يقول إن كان الموتى لا يقومون البتة فلماذا يعتمدون من أجل الأموات؟ مع أنه لا يؤمن بها إلا أنه استخدمها كحجة معروفة لكي يدافع بها عن القيامة من الأموات. فقال: "صرت لليهود كيهودي لا ربح اليهود. وللذين بلا ناموس كأني بلا ناموس. مع أني لست بلا ناموس لله بل تحت ناموس المسيح. لا ربح الذين بلا ناموس. صرت للضعفاء كضعيف لا ربح الضعفاء. صرت للكل كل شيء لا خلّص على كل حال قوما". (1 كورنثوس 9: 20 _ 22) فكان بولس بهذه الطريقة يأخذ مما عندهم ويقدم لهم المسيح.
- عدد الزيارات: 4273