الاختيار
واضح جداً في الكتاب المقدس أن الله بسلطانه المطلق، وكماله غير المحدود، وبحسب مسرة مشيئته، وحرية إرادته الصالحة في النعمة، اختار في الأزل أناساً من البشر، اختارهم في المسيح وعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه، ليكون الابن بكراً بين إخوة كثيرين. وهذا الاختيار لا يستند بالمرة على أي استحقاق أو امتياز بشري، بل هو من مجرد النعمة الإلهية المطلقة الفائقة الإدراك.
ونؤمن بأن الله في مطلق سلطانه وسيادته كالخالق، له كامل الحرية والسلطان أن يصنع إناء للكرامة وآخر للهوان. ولكنه لم يفعل ذلك، بل استعمل سلطانه للرحمة فقط. فقد اختار الله من البشر الساقطين أناساً للخلاص، ولكنه لم يختر أناساً للهلاك. أعد أواني للرحمة والمجد، ولكنه لم يُعد أواني للغضب، بل بالعكس يحتمل بأناة كثيرة الأواني التي هيأت نفسها للهلاك. أما غضب الله فإنما يختاره الإنسان ويذخره لنفسه بسبب قساوته وقلبه غير التائب (رو 2: 5).
ونؤمن بأن حقيقة الاختيار الأزلي لا تتصادم بالمرة مع مسئولية الإنسان، ولا مع دعوة النعمة المقدمة لجميع الناس، ولا مع إرادة الله أن جميع الناس يخلصون، ولا مع عدم مشيئة الله أن يهلك أحد . فالله وحده هو صاحب الفضل في خلاص المخلصين. والإنسان وحده هو المسئول، كمخلوق حر الإرادة، عن هلاك نفسه إذا ما أصر على شره وعناده، ولم يقبل دعوة النعمة. وليس للإنسان أي عذر في ذلك. ومن ثم تكون حقيقة الاختيار مادة شكر المخلصين إلى الأبد ولا تقف عثرة في طريق توجيه دعوة الإنجيل لجميع الناس. ولا تعطي حجة لرافض الدعوة، لأن الاختيار هو في علم الله ولا يعرفه الإنسان إلا بعد قبوله الدعوة بالإيمان القلبي "عالمين أيها الإخوة المحبوبون من الله اختياركم أن إنجيلنا لم يصر لكم بالكلام فقط بل بالقوة أيضاً وبالروح القدس وبيقين شديد" (1 تس 1: 4، 5).
- عدد الزيارات: 4803