Skip to main content

الفصل 2

وسار كلاهما على مهل نحو قطيع الذئاب وهما يغنيان ويهتفان ويعزفان على القيثارة.ولما اقتربا منهما تراجعت الوحوش الحذرة إلى الوراء. وتابعا المسير وزادا من سرعتهما شيئاً فشيئاً.

وأخيرا اختفت الذئاب تحت جنح الظلام إلى غير رجعة. وواصل تالوس وأورفيوس المسير ولكن... فجأة عثرا فهبطا من على حافة الجرف. ولما لم يتمكنا من الإمساك بشيء سقطا في منحدر ثلجي سحيق.

فصرخ تالوس فيما كانا يزدادان سرعة في الهبوط لا يكادان يتنفسان وسط غيوم الثلج المتناثر. وتدحرجا إلى أن بلغا حافة صخر في آخر المنحدر, ومنها سقطا على غير وعي واستقرا أخيراً في كومة عميقة من الثلج تسوقها الرياح.

على مقربة منهما كانت فرقة من الجنود تشتغل كل الليل لتفتح الطريق العسكرية التي سدتها الثلوج المنهارة قبل ذلك الوقت بقليل.

قال واحد من الجنود: "سقط شيء ما من على تلك الصخرة, وأعتقد أني سمعت نداء".

فأجابه الضابط القريب منه: "وأنا كذلك. دعنا نلقي نظرة".

وتركا باقي الجنود وأسرعا نحو الصخرة . ولما اقتربا من البقعة انحنى الجندي والتقط شيئاً ما من وسط الثلج ثم صاح: "قيثارة! في وسط الثلج. أيمكن أن تكون قد سقطت من ملاك؟".

فنادى الضابط رجاله المتخلفين: "أيها الرجال, هاتوا رفوشكم ومشاعلكم وتعالوا".

ولما وصل الجنود إلى المكان حذَّرهم بقوله: "أنقبوا بكل انتباه. فقد يكون أحدهم قد دُفن تحت الثلج".

وبعد وقت قصير رفعوا أورفيوس على ضوء المشعل وسط حيرة الجنود. وهتف واحد منهم متعجباً: "إنه رجل وفوق ذلك إنه عازف متجوِّل".

حسناً أيها الرجال. عودوا إلى الطريق" قال أحد الضباط آمراً.

ولكن أورفيوس, الذي غطَّى عينيه من نور المشعل الساطع, اعترض بقوله: "لا, لا. أنقُبوا بعد. صديقي مدفون هنا أيضاً".

وسرعان ما ظهر تالوس وتَم انتشاله من وسط الثلوج الكثيفة, وما هي إلا لحظات حتى كانوا جالسين يستدفئون حول النار ويرشفون شراباً ساخناً.

ولما التقط أورفيوس قيثارته ليعزف لحناً قال: "لم تُصَب قيثارتي بأية أضرار".

"عليك أن تشكر الآلهة على نجاتك" قال أحد الضباط الواقفين قرب النار مع القادمَين الجديدَين الملوثَيْن بالأوحال.

فرد عليه تالوس: "أشكرك أنت على انتشالنا. وأشكر الله الحقيقي الوحيد على استجابة صلاتي التي أرشَدَتكم إلينا".

"يبدو أنك مسيحي" قال جندي آخر برتبة عريف.

فأجابه تالوس بجرأة : "نعم, أنا مسيحي. وهذا هو سبب اجتيازي الجبال. إني متجه في طريقي شمالاً لأكرز بالمسيح إلى قبائل الفاندال".

فصرخ العريف: "أمجنون أنت؟ لقد خدمتُ على الحدود ثلاث سنوات وأعرف الفانداليين جيداً. إن أنت ذهبت إليهم فسيسلخون جلدك وأنت حيّ".

"قادر الله أن يحميني ويحافظ عليّ. ومتى سمعوا كلامه فسيرجعون عن طرقهم الردية".

وهنا تدخّل الضابط ثانية وقال: "العريف على حق. فلا تنتظر أن تحرز نجاحاً مع هذه القبائل".

إلا أن تالوس أصرّ: "مع ذلك يجب أن أجرب. المسيح بذل حياته لأجلنا. فهل أفعل ما هو دون ذلك؟".

ردّ العريف وقال: "سيكون حظك كبيراً إن استطعت بلوغ النهر". وأضاف: "منذ مدة والفانداليون يعبرون الدانوب ويغزون هذه المنطقة رغم كل جهودنا وقواتنا العسكرية".

فذكره الضابط ببرود: "قانونياً, كان من واجبنا أن نلقي عليك القبض لاعترافك بمسيحيتك ونرسلك إلى رومية لتطرح إلى الوحوش".

فجمد أورفيوس لا إرادياً في مكانه- فإلى أين هو صائر؟ واختلس نظرة إلى ما حوله وبدا وكأنه يفكر بهجوم سريع.

ولكن العريف عاد فطمأن الشابين المذعورين بقوله: "ولكننا لن نفعل, لأننا لسنا ممن يلتذّون برؤية الأبرياء يقدّمون طعاماً للوحوش المفترسة, فقط لأجل إرضاء الجماهير".

وكان لما أحسّا بالارتياح لنجاتهما المعجزية الثانية واستعادا نشاطهما في ضيافة الحرس الروماني, أنهما استأنفا المسير بالرغم من تحذيرات مضيفيهما.

  • عدد الزيارات: 2355