Skip to main content

أومن بالله القدير

لابد أننا قد اختبرنا – ولو مرة في حياتنا – معنى اليأس. لقد اختبرنا معنى اليأس والقنوط عندما تحطمت آمالنا على صخر الفشل في مشروع هام، أو عندما ألم بنا مرض عضال أو عندما خاننا أحد أصدقائنا الأوفياء. ويا له من عدو رهيب هذا اليأس الذي ينقض علينا كالضباب الكثيف! انه أشبه بحفرة مظلمة وعميقة نهبط فيها بمفردنا – حفرة مظلمة لا قعر لها ولا منفذ للخلاص منها!

وما أن يدب اليأس في قلوبنا حتى نبدأ بالتفكير بالموت، إذ يظهر الموت آنئذ وكأنه المنفذ الوحيد للخلاص لمن قد حطمه اليأس والقنوط. لكن الموت ليس بخلاص حقيقي لأنه ليس بنهاية ولا بسلام مضمون. بل قد يؤدى الموت إلى اليأس الأبدي في الظلمة الخارجية حيث البكاء وصرير الأسنان.

كيف يمكنني أنا الإنسان الذي أعذب من قبل اليأس، كيف يمكنني أنا الشقي أن احصل على لنصر؟ النصر على اليأس والخوف واللا معنى؟ ليس هناك من نصر سوى بالإيمان، لا بواسطة الإيمان المبهم بالإنسان أو بايديولوجية معينة، لا بواسطة الإيمان بالإنسان أو الإيمان بالإيمان، كلا بل بواسطة الإيمان بالله. أنا أنتصر، أنا أفوز، عندما أقول من أعماق قلبي وبعد اختبارى لعمل الله المنعش في حياتي، عندما أشهد هذه الشهادة الحسنة : أو من بالله القدير! عندما أشهد وسط عالم اليوم الذي سقط فريسة للخوف واليأس، عندما أشهد وسط عالم اليوم قائلاً : أو من بالله القادر على كل شيء، إيماني بالله القدير يعني غلبتي على العالم بأسره!

الشهادة بالإيمان بالله القدير هي نقيض شهادة الإيمان بالإنسان! أصغ معي إلى شهادة ملحد معاصرة " بعد ملايين السنين سيكون الجنس البشرى قد انقرض من وجه المعمورة! هذا بعد أن يكون الإنسان قد تغلب على جميع العراقيل التي اعترضت سبيله وبعد أن سافر إلى الأجرام السماوية البعيدة وبعد أن أبدع المادة وجاء بالسوبرمان (أي الإنسان المتفوق)..... وبالرغم من جميع مآثره هذه لن يكون الإنسان قد وصل إلى فهم نفسه ولا إلى حل معضلة حياته التي كان هو بطلها. وهكذا سيذهب الإنسان إلى العدم بدون أن يكون قد عرف نفسه، وغيابه عن مسرح الكون أشبه بأولئك الناس الذين يصابون بفقدان الذاكرة " هذه هي شهادة إيمان ملحد معاصر!

ولكن هذا الإيمان الدهرى، هذا الإيمان الإلحادى هذا العدم إيمان لا يشبع نفسي ولا يحييني أنا الإنسان الشقي المعذب. هناك إيمان آخر، إيمان بكل معنى الكلمة : أو من بالله القدير وليس فقط أو من... أو من بالله القدير... هذه هي شهادة كل إنسان قد تغلب بفضل الله على اليأس والقنوط واللا معنى وصار يعيش حياة الرجاء والإيمان والمحبة.

أؤمن بالله القدير أي انني أو من بمحبة الله تلك المحبة اللا محدودة التي اختبرتها أنا واختبرها قبلي الملايين من الناس. أو من بالله القدير : ليست هذه عبارة عن شهادة فردية محضة لأني لست الوحيد المؤمن بالله القدير إذ هناك الملايين من معاصرى والذين يؤمنون بالله القدير والذين يشكلون معي أخوية منتصرة وعاملة من أجل الخير والصلاح. ولذلك يمكنني القول وأنا أنضم إلى رفاقي المؤمنين ورفيقاتي المؤمناًت فنقول سوية : نؤمن بالله القدير المحب الشفوق ونرفض في نفس الوقت كل شيء معاكس لله ولمشيئته المقدسة.

من المستحيل لي بأن أقول لنفس : أؤمن بالله. هذه شهادة على أن أشهد بها، علي أن أتفوه بها أمام الملأ في كل فرصة مناسبة كانت أم لا. علي أن أنطق بكل شجاعة وتواضع بشهادتي هذه في عالم اليأس والهجرة الروحية والضياع واللا معنى، في عالم هجمت عليه صنميات معاصرة قوية. شهادتي للملأ هي : أو من بالله القدير.

أنا لا أستطيع إذن أن أقبل أية نظرة حياتية إلحادية، أنا لا أستطيع نظرا لإيماني بالله القدير قبول اية فكرة حتمية آلية تسود عالمنا ولن أرضى بلا أدرية مطلية بصبغة علمية. إذ أشهد بإيماني بالله أشهد بنفس الوقت بأن الله قد كشف ذاته (فأنا لم أجده بعد بحث مضني). بل هو تعالى اسمه وجدني وأعطاني الشهادة لأشهد بها. الشهادة بالإيمان هي شهادة كل من اختبر اختراق الوحي الإلهي لصميم حياته فأصبح صاحب هذا الاختبار غير قادر الا وان يتكلم بالحق والحق الكامل.

أنا أؤمن بالله القدير : هذه الشهادة القلبية تعني أني أنا أحيا حياة الطاعة. الإيمان بدون طاعة هو إيمان زائف والطاعة بدون إيمان بالله هي طاعة عمياء. ماذا يطلب مني ربي وإلهي؟

يطلب مني الله أن اقبل تفسيره هو لمعنى الحياة البشرية. يطلب مني الله أن اعترف بأن الإنسان هو ثائر على الله وانه يرغب في العيش بمقتضى نواميسه وشرائعه. ولكن الله لا يخبرني انه بمقدورى وبفضل جهودى الخاصة أقدر أن أمنح نفسي الحرية. يطلب مني الله أن أقبل طريقته الفعالة للانعتاق والتحرير. وبالحقيقة ينقذني الله من شرى وضياعي ويأسي وقنوطي، ينقذني الله بواسطة عمل المسيح الفدائي الذي تم منذ نحو ألفي سنة والذي يطبق الآن ضمن صميم حياتي. ينقذني الله من شرى ومن يأسي ومن أنانيتي ثم يطلب مني أن أطيعه، لا اطاعة العبيد لأسيادهم بل اطاعة الابن المحب لأبيه الرحيم.

في عالم هبطت عليه موجة عارمة من اليأس يطلب منك الله اليوم بل الآن في هذه اللحظة بأن تلقي بأسلحتك البشرية جانبا وأن تستسلم اليه استسلاما تاما. وهو يساعدك للقيام بذلك لأن مشيئته هي أن يقبل الناس إلى معرفة الحق وإلى اختبار الخلاص. وعندما تقوم بذلك – بفضل معونة الله فأنك تبدأ بالشهادة الجميلة قائلاً : أؤمن بالله القدير.

 

  • عدد الزيارات: 2659