شفاء الارواح البشرية
يمتاز عصرنا هذا بكثرة الادوية التي يستعملها الإنسان لشفاء أمراضه العديدة. ربما لم يحصل تقدم يضاهي هذا التقدم الباهر الذي جرى في مضمار العلوم الطبية والصيدلية!
وعلاوة على تقدمنا في مضمار العلوم الطبية المتعلقة بالجسد فأن عالمنا شهد منذ مطلع القرن الحالي تقدما كبيرا في حقل العلوم الطبية النفسية. هناك الان أطباء يختصون في معالجة الأمراض النفسية والعصبية والعقلية.
والحاجة اليهم بازدياد مستمر وخاصة في البلاد التي وصلت إلى درجة عالية من التقدم العلمي والتقني. وقد يظن البعض أن ما أتينا على ذكره لمليء بالمتناقضات أي كثرة الأمراض النفسية والعقلية والعصبية تتعلق بصورة مباشرة بالنسبة إلى التقدم العلمي والتقني. ولكن هذه حقيقة مستقاة من الاحصاءات التي أخذت في بلدان عديدة من العالم وهي لذلك واقعية وان صعب علينا فهمها لأول وهلة.
هل يعني ذلك بأن العلم هو عدو الإنسان وأن التقنية لأمر يجب التهرب منه؟ كلا وألف كلا! ليس العلم بعدو الإنسان والتقنية ليست الا تطبيق عملي لاكتشافات العلماء في سائر نواحي الحياة البشرية. ليس العلم بعدو للإنسان ولكن ما حدث في أيامنا هذه أيام النور والإشعاع هو أن الإنسان استسلم فكريا وعقائديا لفلسفات دنيوية دهرية ولم يعد يسلم بسيطرة الله على دنياه ولا بشرائع الله وأحكامه وبرنامجه الإنقاذى/ الخلاصي. وهذا التقدم العلمي والتقني حدث في نفس الوقت الذي طغت فيه هذه الموجة الهائلة من الدنيوية على عالمنا هذه الموجة التي جاءت بصنمية من طراز جديد. وقد حلت هذه الوثنية الحديثة مكان الجو الفكري والعقائدى الذي كان يعترف بالله وبوحيه وبنظامه الرائع لدنيانا هذه.
ومن جراء فقدان الإيمان بالله على الصعيد الفكري كثرت وتكاثرت الاضطرابات النفسية والعقلية في أيامنا هذه لأن الإنسان عندما يخسر إيمانه بالله يفقد في نفس الوقت المثل العليا والدوافع النبيلة التي تسير الحياة البشرية بطريقة سليمة ومنظمة ومؤاتية للصحة : الجسدية منها والنفسية. ومع أهمية المنتجات العلمية التي وضعها العلم المعاصر في متناول أيدينا الا أنها بمفردها وبمعزل عن الله تعالى لا تنعش الإنسان ولا تحييه ولا تشفي نفسه المريضة. وكما قال السيد المسيح مقتبسا من توراة موسى : " لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيا الإنسان بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللَّهِ "
قلنا منذ لحظات لقد كثرت وتكاثرت الاضطرابات النفسية.. أي أننا لم نعن بأنها أتت إلى الوجود في عصرنا الحالي. هذا غير صحيح أي أن ادعينا بأن جميع هذه الأمور التي تصيب الإنسان في روحه أو نفسه وحياته الغير جسدية هي وليدة عصرنا الحالي. فالإنسان منذ القديم جابه أمراضا ومشاكل نفسية محضة. ولكن عصرنا كثر منها وجعلها أكثر تعقيدا وتشابكا.
يعالج البعض هذه الاضطرابات النفسية التي يشكومنها الناس بالطلب منهم بأن يصرحوا بكل شيء أمام الطبيب! على المريض أو المضطرب نفسيا أن لا يخفي عن معالجه أي أمر مهما كان سريا : كل شيء يجب أن يدلى به من الشهوات الجامحة التي تنتابه إلى المخأوف المعقولة وغير المعقولة التي تقض مضجعه إلى الشعور بالجرم المبهم الذي لا يمكن التخلص منه! وفي هذه الطريقة قسط كبير من الصواب إذ أن مشكلة الإنسان الاساسية هي أنه لا يود الاعتراف بالحقيقة المتعلقة بنفسه أو بذاته. الإنسان منذ فجر التاريخ يبني حياته الفكرية والعقلية على محور الذات والانانية والكون بأسره يدور – باطنيا – على محور ذاته وأنانيته ومنافعه الشخصية.
وبما أن الإنسان لم يوجد نفسه بل أتي إلى الوجود نظرا لعمل الله في البدء فإنه يحمل ضمن تكوينه العقلي / النفسي انطباعات قوية للمسؤوليات الملقاة على عاتقه من قبل ربه وباريه. توجد إذن داخل كل إنسان، ضمن مركز وجود كل بشرى، حرب مستعرة نارها بين الميل القوى والدائم لبناء العالم بأسره على محور الذات وصدى الشريعة الإلهية المنقوشة على القلب والتي تأمر الإنسان بأن يحيا حياة التجانس مع قانون الوجود الذي أو جده الله.
من الحسن جدا إذن اظهار جميع العوامل النفسية الشعورية منها وتحت الشعورية واللاشعورية، من المهم جدا اظهارها لمن يشكومن مرض عصبي أو نفسي أو عقلي أولاًي إنسان غير راض عن نفسه وعن صحة حياته الداخلية : النفسية والعاطفية. ولكن هذا الكشف عن العوامل الخفية المكونة للشخصية البشرية هو غير كاف لان مجرد معرفة الداء لا يعني أن المريض يستطيع شفاء نفسه. تشخيص الطبيب مهم ولكن الشفاء هو الاهم والشفاء لا يتم بصورة حقيقية ونهائية عندما يطلب من المريض نسيان كل شيء يتعلق بالله وبأوامره وبوصاياه وبشرائعه!
الشفاء النفسي الذي نبحث عنه، شفاء الإنسان بأسره، شفاء شخصية الإنسان وانتهاء الحرب الداخلية المستعرة نارها في داخله، هذا الشفاء يتم عندما يرى الإنسان نفسه على حالتها الحقيقية : أي كما يراه الله خالقه! وعندما يتم هذا الاختبار الروحي الفريد فأن الله يرسل الإنسان إلى مسيحه الذي هو طبيب الارواح وشافيها. فلقد جاء المسيح إلى دنيانا هذه واختبر جميع اختباراتنا – بدون الوقوع في الخطية ومات عنا وقام من الأموات منتصرا لكي يصبح منقذنا ومحررنا ومخلصنا وفادينا من سائر الأمراض : أمراض النفس والروح. وعندما نأتي اليه مؤمنين تضحى حياتنا سليمة إذ أنها تدور آنئذ على محور محبة الله فوق كل شيء ومحبة الاخرين، أقراننا بني البشر، محبة خالية من الانانية والنفعية.
- عدد الزيارات: 3727