هبات الله ومسؤولية الإنسان
هل تدرى أيها القارئ العزيز بأن هناك أزمة عالمية تتعلق بالموارد الطبيعية؟ ماذا أعني بهذا السؤال؟ هناك أزمة عالمية الأبعاد فيما يتعلق بالماء والهواء. أهذا ممكن أهناك أكثر من الهواء وأرخص من الماء؟! قد يندر الماء في العديد من الاماكن الصحراوية ولكن التقنية المعاصرة تساعدنا على استخراج الماء العذب من البحر، فأين المشكلة المائية التي يكتب عنها صاحب الكتاب؟
لنبدأ أولاً بالهواء. من المعلوم بأن الهواء هو خليط من عدة عناصر غازية أهمها الآزوت أو النيتروجين ومولد الحموضة أو الأوكسجين. الإنسان والحيوان والنبات بحاجة ماسة إلى الأوكسجين إذ بدون هذا الغاز لا حياة على الاطلاق. مثلاً عندما يخرج الإنسان من نطاق الكرة الأرضية (حيث يوجد الأوكسجين). يترتب عليه أن يأخذ معه كمية كافية من هذا الغاز الهام وهذا بالفعل ما يقوم به ملاحوالفضاء ورواد القمر. لكن هل هناك أكثر من الهواء في دنيانا هذه فلم الكلام عن أزمة في هذا المورد الطبيعي؟
لقد صار جو نا الأرضي ملوثا، نعم ملوثا بغازات عديدة مضرة بالحياة البشرية والحيوانية والنباتية. كلما يبدأ محرك سيارة أو طائرة أو سفينة بالدوران يتلوث الجو الأرضي بغازات متعددة وخاصة بغاز أو ل أكسيد الفحم السام. ونظرا لكثرة السيارات في العالم ونظرا لتكاثر الطائرات والسفن فأن الجو أصبح ملوثا بالغازات المضرة وان كانت درجة الخطر لم تحدث بعد الا في بعض أماكن قليلة وفي أيام معينة من السنة.
وليست الغازات المتعددة والمنبعثة من المحروقات الملوثة الوحيدة لجو الكرة الأرضية. هناك أيضاً تلوث الجو الأرضي بالإشعاعات المنبعثة من التفجرات الذرية والهيدروجينية. مثلاً كلما حدث انفجار نووى فان الإشعاع يذهب أولاً إلى طبقات الجو العليا ثم يبدأ بالنـزول على الأرض متبعا التيارات الهوائية المعينة. وفي النهاية يدخل الإشعاع الذرى سطح الأرض عندما تهطل الامطار وتروى مزروعاتها ليس فقط بالماء المحيي بل أيضاً بالإشعاع الذرى المضر.
لنبحث الان في موضوع تلوث المياه. نسمع من أن إلى آخر عن تلوث مياه البحر بالزيت أو البترول المتدفق من ناقلة بترول محطمة أو من بئر بترولي كائن تحت مياه البحر. وإذ ذاك نرى بصورة مأساوية الاسماك المائتة والطيور المنقرضة والناس الذين حرموا متعة السباحة في الحر ونقول : لماذا لماذا جرى ما جرى؟! ولكن هذه الحوادث هي نادرة جدا أي تلوث مياه البحر والمحيطات بالبترول المتدفق من ناقلة بترولية محطمة أو بئر بترولي تحت سطح البحر. أن مياه العالم تلوث بصورة دائمة من قبل الصناعات الكبيرة وسكان المدن والقرى التي تحيط بالموارد المائية. فالإنسان الذي يحتاج إلى الماء من أجل حياته الصناعية والمنـزلية يستعمل كميات هائلة من الماء ولكنه يرجع إلى الموارد المائية مواد غريبة وغير قابلة للتفسخ وهكذا تتلوث موارد العالم المائية. وصار ينظر إلى بعض البحيرات وكأنها بحيرات ميتة لان الحياة المائية فيها أصبحت شبه معدو مة.
وعلى الغالب فأن الناس لا يعبأون بهذه المشكلة لانهم مشغولون جدا بمشاكل أخرى تظهر أكثر أهمية من مشكلة تلوث الموارد الطبيعية بمواد غريبة ومضرة. ولكن ما أن تبدأ الاسماك المائتة تعوم على سطح المياه كما حدث منذ مدة غير بعيدة في نهر أوروبي كبير حتى يبدأ الناس يستفيقون من سباتهم ويرون الاخطار الكامنة في حضارة اليوم. فخطأ بسيط حدث بصورة عفوية فيما يتعلق ببعض المواد الكيماوية الساقطة في ماء النهر جلب الموت للالاف من الاسماك وحرم البعض من مواردهم الطبيعية لماء الشرب لمدة ما! وهكذا يعود الناس ويتكلمون عن الاخطار الكامنة في عالم اليوم – العالم الذي أصبحت موارده الطبيعية ملوثة بشكل محزن!
وقد تبدو هذه المشكلة مشكلة علمية بحتة. ولكننا إذا ما تمعنا في هذا الموضوع لابد لنا من الاقرار بأن الإنسان هو المسؤول الوحيد عن بروز هذه المشكلة. طبعا نحن لا ننكر بأن تلوث مياه العالم وجو العالم بمواد ضارة هذا التلوث له أبعاد وعوامل علمية معروفة. ولكن وراء هذه العوامل العلمية هناك العامل الروحي لهذه المشكلة. وماذا نعني بذلك؟ نقول أن الإنسان المعاصر الذي لم يعد يحيا في جو الإيمان بالله لم يعد ينظر إلى نفسه كوكيل أؤتمن من الله للاعتناء بشؤون هذا العالم. على العكس، إنسان العصر الحاضر صار ينظر إلى نفسه وكأنه المالك المطلق لهذه الدنيا ولجميع مواردها وطاقاتها. وإذ يتصرف الإنسان ويخطط ويعمل بمقتضى هذا المعتقد الدنيوى الدهرى فإنه لا يعود يهتم بما يحدث لمحيطه الأرضي. أليس هو صاحب الأرض وكنوزها؟
كلا! ليس الإنسان صاحب الأرض وكنوزها. الكون بأسره بما في ذلك أرضنا الصغيرة هذه، الكل هو لله. وكما ذكرنا في حديث سابق هذا هو عالم الله وللإنسان. لذلك يتوجب على الإنسان أن يتصرف كوكيل أمين لله وعليه أن يبدر موارد الطبيعة وألا يلوث جو ها ومياها.
وإذا ما تمادى الإنسان في استغلال موارد الدنيا بدون الاهتمام بنتائج أعماله هذه فإنه سيعرض البشرية بأسرها لاخطار هائلة لم تعرف في الماضي. فلنذكر إذن بأن هذا هو عالم الله وقد وضعنا البارى على سطح الكرة الأرضية لنخدمه ونعبده وذلك في حياة متجانسة كل التجانس مع القوانين الحياتية التي أو جدها تعالى اسمه. أن تصرف الإنسان كالمالك المطلق لكل موارد الأرض وتمادى في نسيانه لله ولقوانين وشرائع الله، أن لم ينظر الإنسان إلى نفسه كوكيل لله على هذه الأرض فان المستقبل سيكون قاتما للغاية وقد تستفيق البشرية في يوم ما وتجد نفسها بأنها قد فرطت بجميع مواهب الله وما أشد ذلك الافلاس العالمي! وقانا الله من هكذا نهاية!
- عدد الزيارات: 3236