Skip to main content

اليأس والرجاء في العالم المعاصر

تعم عالمنا اليوم موجة قوية من اليأس. فالناس قد سئموا من مشاكل العصر الحاضر وضجروا من السماع عنها صباحا ومساء. وكلمة مشكلة أصبحت من الكلمات الاكثر ترددا على شفاه بني آدم فهذه مشكلة فردية وتلك مشكلة عائلية وأخرى مشكلة اجتماعية ورابعة مشكلة دولية. مشاكل حقيقية ومشاكل وهمية، مشاكل، مشاكل. فهل نلوم الناس أن يئسوا وضجروا وملوا من الحياة؟

والجدير بالذكر أن أيامنا هذه ليست بالأيام الوحيدة التي عرفت الضجر واليأس والقنوط. لقد مر عالمنا منذ القديم بمشاكل عديدة ذات أبعاد كبيرة ولم تكن حلولها خالية من القسوة والشر. ولكن عالم اليوم يتألم أكثر من عالم الأمس بسبب مشاكله. وهذا يعود إلى سببين رئيسين :

1. عالمنا اليوم هو عالم صغير جدا يكتظ فيه نحو ثلاثة مليارات ونصف من البشر وأفراد البشرية يعلمون الكثير عما يجرى في سائر أنحاء الكرة الأرضية بسبب الاختراعات العديدة التي سهلت المواصلات الجو ية والسلكية واللاسلكية. وبدون أن نبالغ نقول : كل سكان الأرض صاروا جيراننا!
2. عالمنا اليوم هو عالم تعرف على عدة نظريات حياتية (أوإيديولوجيات كما تدعى في اللغات الاجنبية). تطغوعليها صبغة مثالية دهرية ويوتوبية. وجميعها وعدت ولا تزال تعد الإنسان بالنعيم على الأرض. ولكن هذه النظريات الحياتية لم تجلب للإنسان المعاصر لا السلام ولا النعيم. ولذلك نرى إنسان اليوم يائسا وضجرانا من الحياة وقد اشمأزت نفسه من جراء تحطم أحلامه.
ومن المهم لنا أن نرى بكل وضوح أن اليأس متى عمل عمله في قلب الإنسان والمجتمع البشرى فإنه يشوه الحياة بأسرها وكذلك يجعلها تبتعد عن مواجهة الأمور مواجهة واقعية. اليأس أشبه بداء الشلل بل انه لمرض أخطر من داء الشلل لأنه يطغوليس فقط على البعد الجسماني لحياة الإنسان بل على البعد الروحاني من حياته أيضاً فيضحي اليائس أقل من إنسان!

وما جئنا على ذكره لا يعني أنه بمقدورنا تجاهل مشاكل الحياة التي تولد اليأس – وذلك أن أردنا التخلص من اليأس. مشاكل الحياة هي مشاكل حقيقية تقض مضجع الناس في كل مكان والتغلب عليها لا يتم بتجاهلها بل بمواجهتها بروح الواقعية.

وإذا ما صممنا بأن نكون واقعيين وأن نسمي الأشياء باسمائها وأن نعالج سائر المشاكل والمعضلات الحياتية بروح مجردة عن الأغراض الشخصية، فهل يكفينا ذلك لكي نتغلب على الشعور القوى باليأس؟ الجو اب هو كلا! فأبعاد الأزمة العالمية المعاصرة هي أكبر بكثير من أن نتغلب عليها بواسطة عزيمة فردية صادقة. والمشكلة العالمية المعاصرة بشتى فروعها وفي سائر حقول الحياة المتعددة وصفها أحد الكتاب في احدى المجلات العربية الاسبوعية بأنها قد وجدت لأن التقدم المادى لم يرافقه تقدم روحي وتقدم أخلاقي كافيان " الضلال لا يزال في انتشار، والدين في ضعف وهزال، والشر له مؤيدوه الكثر، والحياء والصدق والاستقامة تشكونكس حظها وباسم الحرية يرتكب الناس أكبر الجرائم والفظائع والمظالم "

واستطرد صاحب المقال قائلاً " يعيش الإنسان وسط عالم كشف له أسراره، ولكنه هو نفسه بقي متأرجحا أمام ذاته، يائسا من فشله وقدرته معا، مكبلا بالقيود التي تفرضها عليه حياته الاجتماعية وخاضعا حتميا لقوانين العلوم والتقنية اللا-قادرة على ارجاع الأمور إلى حدودها ومقاييسها ونصابها.

وأخيرا، إنسان اليوم، الإنسان التقني، هو غالبا بعيد وغريب عن المفاهيم والعناصر الروحية، غير قادر أن يسموإلى ما هو أعلى من المادة وأرفع. قلب القيم رأسا على عقب فأعطى الأولية للمادة على حساب الروح " (الاب أميل ادة ص 7 من الدستور – ملحق النهار ليوم الاحد في 27 تموز 1969 بيروت لبنان)..

معرفة وجود عالم اليوم في أزمة حادة وشديدة، هذه المعرفة لا تكفينا لكي نتغلب على اليأس. اننا بحاجة إلى دواء قوى يعطينا الغلبة لا على اليأس فقط بل على مسببات اليأس.

أين نجد الدواء؟ أين نجد الشفاء؟ أن كنا باحثين عنه ضمن عالمنا أو ضمن ما جاء به الإنسان من أدوية فأننا سنمنى بالفشل الذريع. الدواء ليس عندنا نحن المرضى، الدواء عند الله. الله تعالى اسمه وهو الذي خلقنا وأعطانا أن نعيش على هذه الأرض والذي شاهد ما قمنا به من ثورة وعصيان على مشيئته المقدسة. الله قام بعمل إنقاذى تام وكامل عندما أرسل السيد المسيح إلى الأرض. كانت رسالة المسيح فوق كل شيء رسالة خلاصية / إنقاذية / تحريرية. وقد أتمها له المجد في وسطة العالم وفي قلب الأرض المقدسة. لقد تغلب المسيح نيابة عنا على سائر قوى الشر والطغيان والعبودية وهو يمنحنا هذه الغلبة عندما ننضم إليه بالإيمان. فالمسيح المخلص هو رجاؤنا وهو دواؤنا وهو طبيب أرواحنا المريضة.

عوضا عن اليأس هناك رجاء. هناك رجاء عظيم وقوي لأنه مبني على ما قام به الله في المسيح ولصالحنا. لا تيأس إذن وأنت تسمع صباح كل يوم عن أزمة العالم المعاصر. لا تسمح للقنوط بأن يدب في شعورك ولا تصغي لأنبياء القرن العشرين الذين نسوا الله وبنوا عالما بدون الله. انخرط في جو قة الرجاء العظيم الذي يشع نوره في قلب كل مؤمن ومؤمنة. آمن بالله وبمسيحه وابدأ بنشر نور الرجاء والإيمان والمحبة بين الناس. فعالمنا هذا هو عالم الله ونهايته لن تكون حزينة ولا رهيبة الا للذين يرفضون الله وكلمته التحريرية وبرنامجه الإنقاذى. المستقبل باهر لجميع المؤمنين والمؤمناًت العاملين في سبيل الله ولصالح البشرية جمعاء.

وهكذا فنحن لا نقبل موجة اليأس الزاحفة على دنيانا وكأنها الجو الوحيد الذي علينا أن نعيش فيه – أن كنا واقعيين! كلا نحن نشير إلى الرجاء العظيم الذي يأتينا من الله الذي آمنا به ووضعنا جميع مقاليد حياتنا بين يديه. وعيوننا شاخصة الآن إلى المسيح الذي سيأتي في اليوم الأخير وإذ ذاك سيتحول رجاؤنا إلى عيان ويسود ملكوت الله وسلام الله عالمنا بأسره.

  • عدد الزيارات: 5981