Skip to main content

الفم والشفتان

بعدما اطلعنا على أقوال الكتاب عن اللسان في الجسد كأداة صالحة أو شريرة، وكيف يجب أن يكون الاستعمال يرضي الله، نريد الآن الاطلاع على ما يقول الكتاب أيضا عن الفم والشفتين. من البديهي إن هذه الأعضاء، أي اللسان والفم والشفاه، هي كلها عائلة واحدة في الرأس القائم في الجسد الذي للمسيح، لان لهذه الأعضاء أعمالاً متقاربة كآلات في جهاز واحد تعمل بما يطلب منها من أجل النطق والتعبير عما في فكر الإنسان.

الرسول بطرس عندما ظهرت له الرؤيا في يافا وقيل له: ((قم. . . اذبح وكل)) اعتذر بقوله ((كلا يا رب لأنه لم يدخل فمي قط دنس أو نجس)) (أعمال13:10،14- 7:11، 8 ). وتمشياً على قاعدة الرسول بطرس ينبغي أن نحافظ على أفواهنا ولا نسمح لأي شيء دنس أن يدخلها ويضر بصحة الجسم الذي هو ملك المسيح. فالفم لم يخلق لتجرع كاسات المسكرات أو سموم المخدرات من أي نوع كانت. إنما لأخذ الفيتامين المادي أو الروحي الذي يعطي القوة للجسد والنفس ويبني خلايا الجسم لتكون الروح أيضا سليمة ونشيطة.

وكما يجب أن نحترس من السماح لأي شيء يضر أن يدخل في أفواهنا،يجب أن نحترس أكثر بأن لا نسمح لأي شيء نجس أن يخرج من أفواهنا. فمن الإنجيل نعلم أن الرب أوضح للسامعين بأمثاله أن أكل الخبز بأيد غير مغسولة، حسب تقليد الفريسيين، لا ينجس الإنسان. ففي (مرقس14:7و15) نقرأ ((ثم دعا كل الجمع وقال لهم اسمعوا مني كلكم وافهموا. ليس شيء من خارج الإنسان إذا دخل فيه يقدر أن ينجسه. لكن الأشياء التي تخرج منه وهي التي تنجس الإنسان)). وفي عدد 20-23 ذكر الأشياء التي تخرج من الإنسان وتنجسه ((ثم قال إن الذي يخرج من الإنسان ذلك ينجس الإنسان. لأنه من الداخل من قلوب الناس نخرج الأفكار الشريرة زنى فسق قتل سرقة طمع خبث مكر عهارة عين شريرة تجديف كبرياء جهل. جميع هذه الشرور تخرج من الداخل وتنجس الإنسان)). وبما أن هذه حالة الفم والشفتين فلنقل مع المرنم : ((اجعل يا رب حارساً لفمي. احفظ باب شفتيَّ)). (3:141).

ففي درسنا عن الفم من الضروري أن نعرف ما هي الوظائف التي يقوم بها. من هذه الوظائف:

أولاً – المذاقة:

عندما نتأمل في المقابلة بين الفم الطبيعي والفم الرمزي فينا نعلم أن المذاقة هي اختصاص الفم. وكما نذوق بالفم الجسدي كذلك نذوق بفم نفوسنا. وقد قالت الكلمة في ( أيوب3:34و4) ((الأذن تمتحن الأقوال كما أن الحنك يذوق طعاماً. لنمتحن لأنفسنا الحق ونعرف بين أنفسنا ما هو طيب)). وهذه العبارة بقول الكتاب توضح لنا وظيفة الفم الطبيعي والفم الروحي. ولذا يمكننا أن نتساءل ماذا نذوق في أفواهنا. طبعاً نذوق الأطعمة التي نأكلها بأنواعها.

على أن أفواهنا الروحية لها مذاقة أخرى أيضاً ينبغي أن نستطعم بها. ومما نذوق حسب قول المرنم : الرب ففي ( مزمور8:24) يقول: ((ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب. طوبى للرجل المتوكل عليه)). وهذا يعني أن نفوسنا تجد لذة عظمى بالرب حينما نأخذه متكلاً لنا ونختبر قوة محبته وفضل خلاصه برحمته ونعمته.

ثم نجد شيئاً آخر تتلذذ به نفوسنا أكثر مما تتلذذ أفواهنا بالطعام المادي الشهي. وهذا هو كلمة الله حينما نتذوق حلاوتها في نفوسنا. فالمرنم الذي اختبر في نفسه كلمة الله لم يقتصر على وصفها بأنها تفرح القلب وتنير العين وان قيمتها ثمينة أكثر من الذهب والإبريز الكثير، بل نراه في ( زمور10:19و11) يتابع كلامه بقوله عنها ((أحلى من العسل وقطر الشهد. . . وفي حفظها ثواب عظيم)).

فكما نتذوق الأطعمة ونسرّ بمضغها بالفم يجب أن نتذوق الطعم الروحي اللذيذ بكلمة الرب في درسها العميق المدقق.

كلنا نعلم أن الطعام الذي يتغذى به الجسم ويتقوى يجب أن نلوكه جيداً حتى تهضمه المعدة بسهولة. وهكذا بدرسنا لكلمة الله يجب أن نتفهمها جيداً أيضا حتى يكون باستطاعة جهاز الهضم في معدة معرفتنا الروحية أن يأخذ المقويات للحياة لكي ننمو في النعمة وفي معرفة الرب.

وحينما نتأمل بالكلمة المقدسة كطعام ينبهنا الرسول بطرس إلى لزوم اتخاذ الطعام الخالي من الغش إذ قال: ((كأطفال مولودين الآن اشتهوا اللبن العقلي العديم الغش لكي تنموا به إن كنتم قد ذقتم أن الرب صالح)) (1بطرس2:2و3).

قيل عن رجل إرلندي زاره مرة صديق له وأهداه العهد الجديد. وقد سر الرجل بمطالعته، وكان يصرف معظم أوقات فراغه بدرسه لأنه وجد فيه تعاليم لم يطلع عليها من قبل. وحدث مرة أن زاره كاهن الرعية وإذ وجده مولعا بدرس الكتاب بكل اهتمام، كغذاء لنفسه، نصحه بان يتركه،لأنه لا يستطيع أن يأخذ اللبن المغذي بذاته إلا عن طرق الكاهن،لأنه هو اللبّان، أي الذي يقدم اللبن للشعب. فقال الرجل: أرجوك أن تسمع لقصتي يا حضرة الكاهن. أنا اقتنيت بقرة وكنت احلبها بيدي وآخذ حليبها نقيا، ولكن حينما مرضت اضطررت أن اسلم العمل لرجل آخر فكان يحلب البقرة ويعطيني اللبن لغذائي ممزوجا بالماء. ولكني عندما شفيت صرت احلب بقرتي بيدي وآخذ لبنها سليما من كل غش. وتابع الرجل كلامه للكاهن: نعم انتم لبّانون، ولكنكم لا تعكون اللبن للشعب نقيا بل تمزجونه بمواد أخرى.

فإن كان الناس يريدون أن يأخذوا الأطعمة الجيدة ويخافون من الفاسدة لئلا يتسمموا بها، فكم يجب أن نخشى من التسمم الروحي بقراءة الكتب والروايات المفسدة للأخلاق والإيمان. وكم يجب أن نحذر من التعاليم غير المأخوذة من الكتاب المقدس أو الممزوجة بتعاليم بشرية.

ثم من واجبنا أن تجوع نفوسنا وتعطش دائما إلى البر لكي ننال الشبع. فليت الله يجعل بالوقت الذي قال عنه في نبوة عاموس: ((هو ذا أيامٌ تأتي يقول السيد الرب أَرسل جوعا في الأرض لا جوعا للخبز ولا عطشا للماء بل لاستماع كلمات الرب فيجولون من بحر إلى بجر ومن الشمال إلى المشرق يتطوحون ليطلبوا كلمة الرب فلا يجدونها)) (عاموس11:8و12).

و كمؤمنين يجب أن تشتاق نفوسنا إلى الخبز الحي النازل من السماء والماء المروي من حياة المخلص المجيد فنتقدم لمائدة الرب ونتناول الخبز والكأس الممثلين لجسد الرب الكسر على الصليب ودمه الذي سفك من جسده وبذلك نأخذ الرب يسوع بالإيمان لقلوبنا مميزين جسده لئلا نأخذ الدينونة.

ثانياً:

من وظيفة الفم أن يعرف حالته التي هو فيها كمدنَّس بالخطية ويعترف بذلك بحضرة الإله القدوس. أن اشعيا عندما عرف انه نجس الفم والشفتين واعترف للرب بذلك نسمعه يحدثنا عما حصل له قائلاً: ((طار إليَّ من السرافيم وبيده جمرة قد أخذها بملقط من على المذبح ومسّ بها فمي وقال إن هذه قد مسّت شفتيك فانتزع إثمك وكفِّر عن خطيتك)) (اشعيا6:6). ونقرأ أيضا أن ارميا اعتذر لله بأنه ليس أهلا للرسالة التي كلفه الله بحملها وقال ((آه يا سيد الرب إني لا اعرف أن أتكلم لأني ولد)) (ارميا6:1)، وفي عدد 8 نجد الرب يشجعه بقوله ((لا تخف من وجوههم لأني أنا معك لأنقذك يقول الرب))، وفي عدد 9 يخبرنا عما فعل الرب به حتى أهّله لحمل الرسالة إذ قال ((مدَّ الرب يده ولمس فمي وقال الرب لي ها قد جعلت كلامي في فمك)).

فما أعظم فائدة هذه التعاليم من كلمة الرب لنا لأنها ليس تحثنا على حمل الرسالة بإنجيل الخلاص للآخرين فحسب إنما ترينا كيف يطهر ويكرس الرب فينا. فهل يقول الواحد منَّا كما قال اشعيا: ((هاأنذا أرسلني)) (اشعيا8:6).

ثالثاً:

من وظيفة الفم انه يحسن الاستعمال بحيث يكون أحياناً مفتوحاً وأحياناً مغلقاً. يجب أن يكون مفتوحاً لكي يضع الله فيه ما يشاء من ذاته لأنه في (مزمور10:81) يقول ((أفغر فاك فأملأهُ)) أي اجعله مفتوحاً على سعته لتأخذ الهبة السماوية المالئة التي تجعل الفم مفتوح يأخذ من الرب كما نقرأ في (رؤيا9:10و10) ((فقال لي خذ – السفر الصغير – وكله. . . فأخذت السفر. . . وأكلته فكان في فمي حلواً كالعسل)). ثم أن الفم المفتوح ليس فقط يأخذ إنما يعطي أي انه يعطي الشمر بأفواه معترفة باسمه وتفيض بحمده وبالصلوات التي نرفعها إلى عرش النعمة مع الشهادة للرب كعبارة عن امتلائنا من روح الله. وقد أشار الرب إلى ذلك في (يوحنا 38:7و39) بقوله ((من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حي. قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه)).

أما الحين الآخر الذي نجعل الفم فيه مغلقاً فهو احتراسنا من استعمال الفم للكلام القبيح والألفاظ الردية والكذب وغير ذلك مما يدنس الحياة. ففي (افيي29:4) تأمرنا كلمة الله قائلة ((لا تخرج كلمة ردية من أفواهكم بل كل ما كان صالحاً للبنيان حسب الحاجة لكي يعطي نعمة للسامعين)). وفي (كولوسي8:3-10) تقول ((وأما الآن فاطرحوا عنكم أنتم أيضا الكل الغضب السخط الخبث التجديف الكلام القبيح من أفواهكم. لا تكذبوا بعضكم على بعض إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله ولبستم الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه)). والنبي داود ينبهنا للتمثل به بقوله ( مزمور1:39) ((أحفظ لفمي كمامة فيم الشرير مقابلي))، وفي اللغة العبرانية ((كمامة)) تعني لجاماً. ذلك لأن العدو في المرصاد ينتهز الفرصة ليوقع الإنسان في خطية الكلام. ويجدر بنا أن نصغي لأقوال الحكيم في (امثال24:4) ((أنزع عنك التواء الفم وأبعد عنك انحراف الشفتين)).

و كلمة الله أيضا من المراآة في العبادة الخارجة من الشفاه والفم. وقد وردت الآية في (اشعيا13:29) قائلة ((هذا الشعب قد اقترب إليَّ بفمه وأكرمني بشفتيه وأما قلبه فأبعده عني وصارت مخافتهم مني وصيَّة الناس معلَّمة)). ونظراً لأهمية التحذير بهذا الصدد قد كرر الرب يسوع القول في (متى7:15و8) إذ انه حسب مثل ذلك التعبد غير مقبول عند الله.

رابعاً:

من الوظائف المكلف بها الفم والشفاه بالقيام بها هي أن تكون كآلات موسيقية لتبيح الرب بأنغام مقدسة تليق به. والمرنم في (مزمور1:34) يقول ((أبارك الرب كل حين. دائماً تسبيحه في فمي)). وعندما قدم داود توبته لله طلب منه كما في (مزمور15:51) أن يجعل شفتيه وفمه مكرسة للتسبيح والشهادة له إذ قال (( يا رب افتح شفتيَّ فيخبر فمي بتسبيحك)). وما أحسن أن نذخر في نفوسنا ما أشار إليه الرسول بولس في (كولوسي16:3) حيث يقول ((لتسكن فيكم كلمة المسيح وأغاني روحية بنعمة مترنمين في قلوبكم للرب)).

 فالشفتان لم تخلقا لمصّ السيجارة والغليون أو لمصاصة ((نربيش الأركيلة)) إنما لتسبيح اسم الرب والتغني بمجده.

خامساً:

من وظائف الشفاه أن تحتفظ بزينة خاصة كعروس للمسيح، لأننا نجد الرب يسوع يصف عروسه الرمزية المحبوبة هكذا ((شفتاك كسلكة من القرمز)) (النشد3:4) أي أن تكون حمراء كالقرمز. وأي شيء يجعل شفاه المؤمنين ملونة بلون أحمر إلا بان تكون مصبوغة روحيا بدم الفادي. كم تستعمل النساء المواد المسماة ((أحمر الشفاه)) لكي تظهر جميلة بنظر الناس، ولكن مطلب الرب، لا من النساء فقط بل من الرجال أيضا. نحن اللذين منا تكون عروس المسيح الروحية المحبوبة الجميلة، بان يكون على شفاهنا دم المخلص حيث تنطق بفعل التقديس بكامل نواحي الحياة. فهل نزين شفاهنا بصبغة الدم لتكون معبرة عن فعل الفداء في النفس كعلامة للخليقة الجديدة.

  • عدد الزيارات: 8733