مواجهة احتياجات المجموعة - وقت شخصي
وقت شخصي
النقطة الثانية في برنامجك لجعل المهتمّين في المجموعة ينمون نحو النضج الروحي هي مشابهة للنقطة الأولى ولكنها أكثر تركيزاً.
كانت النقطة الأولى ترتيب مجموعة دراسية طوعية لدرس الكتاب المقدس والصلاة. وبعد أن درست مع أفراد المجموعة لبضعة أشهر لابدّ أنه اتضح لك أن واحداً أو اثنين من المجموعة ينمون أسرع من الباقين ولهم جوع روحي أعظم. إن هذا ما كنت تنتظره. فإن الله يعدّ هؤلاء القليلين المهتمين ليستخدمهم في ملكوته. كلّم هؤلاء شخصياً واسألهم أن يجتمعوا معك على أساس فردي شخصي، أي واحد لواحد، للقيام بتدريب خاص. أخبر من تجتمع به عن الرغبة في تناول طعام الغداء معه لتفسر بوضوح وبشكل كامل الفكرة التي لديك.
لقد كلّمني الله عن هذه الناحية من خدمة قيادة الآخرين وذلك عن طريق الآية في أشعياء 58: 10 "إن أنفقت نفسك للجائع وأشبعت النفس الذليلة يُشرق في الظلمة نورك ويكون ظلامك الدامس مثل الظهر". عندما أرى شخصاً يحسّ بجوع خاص ليتعلّم آيات الكتاب المقدس وينمو في النعمة أجد أن عليّ أن أقدم نفسي لأخدمه فيمرّ في تلك الأشياء التي مررت بها فيتعلّمها.
تكلّم بولس عن هذا أيضاً عندما قال: "أنتم شهود والله كيف بطهارة وببرّ وبلا لوم كنا بينكم أنتم المؤمنين، كما تعلمون كيف كنا نعظ كل واحد منكم كالأب لأولاده ونشجّعكم" (1 تسالونيكي 2: 10- 11).
لاحظوا عبارة "الأب لأولاده"، كيف يعلّم الأب أولاده؟ يعلّمهم دائماً على أساس فردي، أي كل واحد بمفرده. إن ابنتي التي هي في الثالثة والعشرين من عمرها لها اهتمامات وحاجات تختلف تماماً عن تلك التي لابني الذي هو في السابعة عشرة من عمره. عليّ أن أخصّص وقتاً أمضيه مع كل واحد من ولديّ هذين كي أبحث معه الشؤون التي يواجهها في حياته في الوقت الحاضر.
إن الفكرة القائلة بأن على القائد أن يمضي وقتاً بشكل شخصي مع الفرد الذي عليه الاعتماد عليه في المجموعة لهي فكرة قديمة قدم فكرة القيادة ذاتها. صلى موسى فطلب من الله رجلاً يصبح فيما بعد خليفته. "فكلّم موسى الرب قائلاً: ليوكّل الرب إله أرواح جميع البشر رجلاً على الجماعة يخرج أمامهم ويدخل أمامهم ويخرجهم ويدخلهم لكيلا تكون جماعة الرب كالغنم التي لا راعي لها" (عدد 27: 15- 17).
وقال الرب لموسى فيما بعد: "وأما يشوع فأوصِهِ وشدّده وشجّعه لأنه هو يعبر أمام هذا الشعب وهو يقسم لهم الأرض التي تراها" (تثنية 3: 28). لاحظوا أن الله طلب من موسى أن يوصي يشوع ويشدّده ويشجّعه. إن هذه خدمة رجل لرجل. عند مقارنة تعليمات الرب لموسى هنا بما جاء في 1 تسالونيكي 2: 11 (نعظ ونشجّع ونُشهد)، وما جاء في 1 كورنثوس 14: 3 (بنيان ووعظ وتسلية)، يتكون لدينا مثال جميل لما يجب أن يعمله القائد. نستطيع أن نسترشد بهذا فيما يجب أن نعمله مع من نجتمع بهم في شكل فردي. أريد ذكر أربعة أشياء تتعلق بذلك:
1- بنيان: قدّم لرفيقك أشياء تبنيه وتقوّيه في الإيمان. ليكن تدريبك إياه إيجابياً. خذ الأشياء التي هو قويّ فيها وأضف إليها. شجّعه لينمّي مواهبه.
2- وعظ: إن هذا يعني أنك من حين إلى حين توجّه انتباه صاحبك إلى نواحٍ في حياته لتقويمها بموجب كلمة الله.
3- تعزية، تسلية: ساعده ليتغلّب على الأشياء التي تضايقه، إن كان خوفاً أو حزناً أو حيرة. شجّعه لينهض من كبْوَتِهِ. ساعده كي يستطيع مواجهة مشاكله.
4- تكليف، إشهاد، إيصاء (من كلّف وأشهد وأوصى): كلفه بالقيام بمشاريع خاصة التي تسدّ حاجات في حياته أو تبني مواهبه وقدراته. تعرّف بكتيّبات تعبديّة وكتب أدلة التي يمكنك أن تعطيه إياها وتوصيهِ ليقرأها ويتعلّم منها ثم تبحث معه عنها فيما بعد.
إن حياة هذا الشخص لا شك ستتأثَّر بحياتك بقدر كبير. ثم يحدث شيء آخر. فسوف يلاحظ آخرون في المجموعة نمو هذا الشخص وتكريسه للرب ومعرفته المتزايدة للكتاب المقدس. وسيشعرون بجوع روحي ورغبة في الحصول على ما حصل عليه الأخ المذكور.
دعيت قبل بضع سنين لحمل مسؤولية مجموعة من الشبيبة كانت تجتمع في الكنيسة مساء كل أحد. بدأت بإخبارهم عن مبادئ النمو الروحي والنضج المسيحي.
وبعد حوالي شهرين صار لدى شاب اسمه "جَري" جوع حقيقي لأُمور الله. فكان يدعوني إلى ناحية من وقت لآخر ويوجّه إليّ أسئلة، فتبيّن أن قلبه كان متأثراً جداً بالنسبة للرب.
اقترحت على جري أن نجتمع للصلاة ولدرس الكتاب المقدس كل صباح أحد قبل موعد مدرسة الأحد. كانت عليه مهمّة يقوم بها (إيصال جريدة صباحية إلى أصحابها) وكان ينتهي منها حوالي الثامنة والنصف، وهذا كان الوقت الذي رتّبناه لاجتماعنا. شجعته على دراسة خاصة للكتاب المقدس وعلى خطة لحفظ الآيات غيباً، وبدأ بتمضية فترة تأمل فردي يومياً مع الرب.
لقد تقدّم جري بسرعة، ولاحظ نموّه عدد من أفراد الصف وصاروا يتساءلون عما يحدث في حياة جري. وعندما أوضحت ما كان يجري أبدى البعض الرغبة في عمل ما عمله زميلهم. ولم يمض وقت طويل حتى صارت لدينا مجموعة قوية من الشبان الذين كانوا يتحلّون بالكثير من مميّزات التلمذة الحقيقية.
لقد ساعد جري شاباً آخر، وتضاعف العدد مرات ومرات في المجموعة. إن الفكرة التي نحن بصددها ضمّنها بولس عندما كتب في 2 تيموثاوس 2 "وما سمعته مني بشهود كثيرين أودعه أناساً أمناء يكونون أكفاء أن يعلّموا آخرين أيضاً". فكان التعليم الذي انتقل من بولس إلى تيموثاوس يراد له أن يواصل الانتقال إلى أناس أمناء يكونون أكفاء ليوصلوه إلى آخرين أيضاً.
عندما أبدأ بالاجتماع بشخص لأُدرّبه في الحياة المسيحية المنتصرة وأشجّعه ليرشد آخرين فهل أفرح عندما يخبرني يوماً أنه أرشد شخصاً إلى طريق الخلاص؟
لا. إني أفرح ولكن لا أكتفي. أحب أن صديقي هذا يواصل اتّصاله بصاحبه ذاك حتى يستخدمه الله هو أيضاً ليرشد شخصاً ثالثاً إلى المسيح. هل هذا الآن يكفيني؟
لا، بل أحب أن ذلك الثالث بدوره ينجح بإرشاد رابع إلى المسيح.
هل أكتفي الآن؟ نعم. لأني أجد أن لديّ ما يثبت أن ذلك الذي أرشدته في البداية قد تبنى الفكرة الصحيحة وأخذ يطبّقها.
أريد أن أقدّم مثلاً. لنفترض أني ساعدت "ناجي" في حياته المسيحية وناجي هو بدوره قاد صديقاً له اسمه يوسف إلى المسيح. أنا عالمٌ الآن أن ناجي قد نضج حتى أنه أتى بشاب إلى المسيح، ولكني لا أعرف إن كان ناجي سيواصل العمل مع يوسف وسيتمكّن من مواصلة تقديم الإرشاد له.
سأبقى في شكّي من جهة ناجي إلى أن أراه يدرّب يوسف على الإتيان بالآخرين إلى المسيح ومواصلة العمل معهم حتى هؤلاء أيضاً يذهبون ويعملون العمل ذاته. وهكذا عندما أرى يوسف يقصّ على ناجي كيف قاد شخصاً إلى المسيح أشعر بالاطمئنان إلى أن تدريبي لناجي كان تدريباً ناجحاً.
في هذه الحال نرى العملية المسيحية قد سارت من لروي إلى ناجي إلى يوسف إلى سامي وهكذا. وعندما أرى سامي وكيف يؤمن ويعمل بالفكرة ذاتها أتأكد أكثر أن عملي مع ناجي كان ناجحاً. إن كنت تقدر أن تدرك الفكرة فإن عملك كقائد يُنتج أكثر مما يخطر لك حتى في الأحلام. تأمل من جديد في الآية 2 تيموثاوس 2: 2. اطلب من الله في الصلاة أن يضاعف حياتك في الآخرين.
- عدد الزيارات: 9137