مواجهة احتياجات المجموعة
إن من أهم أهداف القائد المسيحي أن يعمل على تعميق الحياة الروحية في الناس الذين يقودهم. إنهم في حاجة لأن ينموا في النعمة وفي معرفة المسيح، وأن يتقدّموا في الخبرة والدراية في العمل وفي التعمق في الشركة مع الرب. فإن رغبة الله هي أن تظهر في حياة هؤلاء اليومية المزايا الخلفية المسيحية.
في الكتاب المقدس أمثلة عديدة على هذا. من هذه الأمثلة داود ورجاله. فقد أحرز أولئك الرجال بقيادة داود انتصارات متتالية فحافظوا على المملكة من الأعداء. لكن الإنجاز الأعظم الذي صار مع أولئك الرجال كان في حياتهم الشخصية.
كيف كان أولئك الرجال عندما اتصلوا لأول مرة بداود؟ يصفهم الكتاب: "واجتمع إليه كل رجل متضايق، وكل من كان عليه دين، وكل رجل مرّ النفس، فكان عليهم رئيساً، وكان معه نحو أربعمئة رجل" (1 صموئيل 22: 2).
بعد مرور سنين من مرافقة أولئك الرجال لداود تغيّروا وصاروا رجالاً أشدّاء، ذوي ولاء وشجاعة. يصف الكتاب المقدس أحدهم، وكان اسمه ألعازر، فيقول عنه: "أحد الثلاثة الأبطال الذين كانوا مع داود حينما عيّروا الفلسطينيين الذين اجتمعوا هناك للحرب وصعد رجال إسرائيل. أما هو فأقام وضرب الفلسطينيين حتى كلّت يده ولصقت يده بالسيف وصنع الرب خلاصاً عظيماً في ذلك اليوم ورجع الشعب وراءه للنهب فقط" (2 صموئيل 23: 9- 10).
يلزم بطل لصنع بطل
إن تأثير القادة على زملائهم والعاملين معهم شيء واضح في الكتاب المقدس ويدعو للإهتمام. فمثلاً كم كان عدد الأبطال في جيش الملك شاول؟ لم يكن واحد. وعندما تحدّى جليات الجبار جيوش الله ارتعدوا من الخوف (انظر 1 صموئيل 17: 11). أما داود، الذي ذهب حاملاً الطعام إلى إخوته في جيش شاول، رأى حيرة الملك شاول ورجاله. ففكّر في الوضع، وخرج بإيمان وقتل الجبّار.
وداود قاتل الجبار صار بعد هذا ملكاً وله جيش. كم كان في ذلك الجيش من الأبطال قاتلي الجبابرة؟ كانوا عدداً لا بأس به. كان وجودهم شيئاً عادياً في الجيش بقيادة داود. "حينئذ سبكاي الحوشي قتل سفّاي من أولاد رافا فذلّوا.... ثم كانت أيضاً حرب في جت وكان رجل طويل القامة أعنش أصابعه أربعٌ وعشرون وهو أيضاً وُلد لرافا. ولما عيّر إسرائيل ضربه يهوناثان بن شمعا أخي داود. هؤلاء ولدوا لرافا في جت وسقطوا بيد داود وبيد عبيده" (1 أخبار الأيام 20: 4- 8).
لماذا تظن السبب في عدم وجود أبطال قاتلي جبابرة في جيش شاول؟ هناك سبب أنا واثق منه وهو أن شاول نفسه لم يكن بطلاً. لكن تحت قيادة داود كثر عدد الأبطال. لماذا؟ لأن داود كان بطلاً. نرى هنا مبدأ للقيادة، مبدأ يتخلل الكتاب المقدس كله. "يلزم بطل لصنع بطل".
كانت وصية المسيح الأخيرة "فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم". طبعاً لم يُعطِ الرب هذه الوصية للجموع بل أعطاها للأحد عشر، أي تلاميذه. لماذا؟ لأنه يلزم بطل لصنع بطل. لذلك إن كنت تأمل أن ترى تلاميذ المسيح ينشأون تحت رعايتك ويكونون أقوياء مكرّسين فيجب أن تكون أنت أولاً التلميذ القويّ المكرَّس. لأنه يلزم تلميذ مكرّس لصنع تلميذ مكرّس.
سنتكلم على هذا أكثر فيما بعد. يكفي الآن أن نسأل: كيف نقوم بهذا العمل؟ ماذا نفعل كي نرى رجالاً ونساء يتكرّسون ليخدموا الله.
سوف ترى وأنت تقود مجموعة من المؤمنين أن ليس لجميعهم الرغبة ذاتها في التكريس والتشوّق للنموّ. تلاحظ أن للبعض رغبة في تكريس ذواتهم أكثر مما للآخرين. إن هذا يتطلب منك أن تجد طريقة لإثارة الاهتمام والدافع في كل شخص على أن تساعد في الوقت ذاته الأفراد الملتهبين غيرة لكي ينموا إلى أعلى ما يمكنهم. أريد أن أقترح هنا برنامجاً مؤلفاً من نقطتين:
مجموعات الدراسة التطوّعية
أولاً، رتّب أن تجتمع مجموعة تطوّع بشكل خاص لدرس الكتاب المقدس والصلاة. لقد وجدت أن برنامجاً كهذا هو ذو قيمة رفيعة. فيما يلي ملاحظات بسيطة قد تساعدك لتبدأ بالعمل مع المجموعة.
إذا لاحظت أن لدى البعض جوعاً واهتماماً اتّصل بهم شخصياً واقترح أن يحضروا اجتماعاً لدرس الكتاب المقدس والصلاة في ساعة مبكّرة من أحد الأيام في كل أسبوع.
إن للاجتماع في ساعة مبكّرة صباحاً فائدتين. الفائدة الأولى أنه يُغني عن استخدام إحدى الأمسيات. فالناس عموماً لا يحبّون أن يخسروا مساءً إضافياً. فقد يحبون قضاءه مع عائلاتهم إذ تبعدهم أشغالهم عن البيت في كثير من الأيام. أما الفائدة الثانية فهي أن في الاجتماع في الصباح الباكر يكون الفكر مستريحاً فيكون تركيز في الدرس والصلاة أفضل مما لو كان الاجتماع بعد عناء النهار. إن المؤمن المكرّس هو الذي لا يصعب عليه أن يخصّص للعبادة ساعتين في يوم من كل أسبوع. بعد أن يتعهد ثلاثة أو أربعة بالحضور أعلن عن درس الكتاب الخاص هذا لباقي الجماعة. ادعُ كل واحد يرغب في الحضور. بعد هذا لا يبقى سبب ليظن البعض أنك مهتم بأفراد معينين دون سواهم. لتكن دعوتك "ليأت واحد، ليأت الكل، أهلاً وسهلاً بالجميع."
في الواقع ستتعجّب من حضور البعض الذين لم تتوقع حضورهم. فكثيراً ما تتّقد جمرة في أعماق نفس بينما لا يظهر من ذلك غير القليل. قل لهم أن القاعدة أو الخطة التي سيسير عليها الاجتماع سيتّخذ قرارٌ بها في اجتماع للإفطار الأسبوع القادم. إن ذلك أمرٌ هام، إذ لا بدّ من البحث معاً والتصميم على الكيفية التي سيجري بها الاجتماع، وطبعاً سيكون ذلك ضمن إطار مبادئ عملية تضعها لهم بشكل يتفق مع أهدافك.
عند الاجتماع بالمؤمنين وتناول الفطور معاً ابدأ بإطلاعهم على الغاية التي تحملها في فكرك. يمكنك أن تذكر بضع آيات مختارة تساعد على إيضاح بعض الأهداف المعيّنة، كما أن كلمتك تكتسب قوة وسلطاناً. سأورد فيما يلي بعض المقاطع التي وجدتها مفيدة. وكنت قد قدّمت بعضاً منها لمجموعات مختلفة، وطبعاً ذلك يعتمد على مستوى النضج والاهتمام لدى تلك المجموعات.
رومية 8: 29:
"لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعيَّنهم ليكونوا متشابهين صورة ابنه ليكون هو بكراً بين أخوة كثيرين". الهدف: أن نصبح أكثر شبهاً بيسوع.
يوحنا 5: 39
"فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية وهي التي تشهد لي". الهدف: أن نتعلّم أكثر عن يسوع.
أعمال 20: 32
"والآن استودعكم يا أخوتي لله ولكلمة نعمته القادرة أن تبنيكم وتعطيكم ميراثاً مع جميع المقدَّسين". الهدف: كي نُبنى في كلمة الله.
متى 9: 36، 38
"ولما رأى الجموع تحنّن عليهم إذ كانوا منزعجين ومنطرحين كغنم لا راعي لها. حينئذ قال لتلاميذه: الحصاد كثيرٌ ولكن الفعلة قليلون. فاطلبوا من ربّ الحصاد أن يرسل فعلة إلى حصاده". الهدف: قضاء وقت الصلاة كي يرسل فعلة للحصاد في حقول العالم.
مزامير 119: 9، 11
"بِمَ يزكي الشباب طريقَه؟ بحفظِهِ إياه حسب كلامك. خبأت كلامك في قلبي لكيلا أخطئ إليك". الهدف: حفظ الكتاب المقدس –لتكون لنا حياة نظيفة.
مزامير 119: 105
"سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي". الهدف: تطبيق الكتاب المقدس بصفته نوراً وسراجاً – لنسترشد به.
ارميا 33: 3 "ادعني فأجيبك وأخبرك بعظائم وعوائص لم تعرفها". الهدف: الصلاة من أجل احتياجات معيّنة في حياتنا.
عبرانيين 11: 6
"ولكن بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه. لأنه يجب أن الذي يأتي إلى الله يؤمن بأنه موجود وأنه يُجازي الذين يطلبونه". الهدف: تعميق إيماننا.
انتخب برنامجاً لدراسة الكتاب المقدس كي تستعمله المجموعة. هناك برنامج قد استعمل بفائدة كبيرة لعدد كبير من المجموعات حول العالم وهو "تخطيط التلمذة". إنه مجموعة من 6 كتيبات لبرنامج دراسة الكتاب المقدس موضَّح لاستعمال المجموعات أو الأفراد. ويمكن طلبه والحصول عليه من "الملاحين" ص. ب. 1659 كولورادو سبرنغر كولو 80901، الولايات المتحدة الأمريكية.
كما أنه هناك الكثير من كتب الأدلّة لدراسة الكتاب المقدس في المكتبات المسيحيّة وهذه لائحة ببعضها.
الطرق الرابحة- بقلمي أنا. ويمكن استعماله لدراسة تقديم الشهادة. التلامذة يُصنعون ولا يُولدون- بقلم والت هنريكسون.
اعرف لماذا تؤمن واعرف بماذا تؤمن- بقلم بول ليتل.
ماذا قال يسوع عن ذلك- بقلم ستانلي سي بلدوين.
عيّن إصحاحاً للبحث في الأسبوع التالي، وليقم كل واحد بدراسة هذا الإصحاح قبل الحضور إلى اجتماع المجموعة. إن هذا يضمن أن يكون اجتماعكم حيوياً عندما تجتمعون للدرس. ربما تحب أن تتصل تلفونياً بأفراد المجموعة في خلال الأسبوع لترى كيف يعمل كل منهم فيما يختص بالدرس. فإن اتصالك بهم على هذا النحو والصلاة من أجلهم في مخدعك سيؤدّيان بمعونة الله إلى إثارة الإخلاص والرغبة الروحية فيهم.
وعندما تجتمع بهم خصّص وقتاً كافياً للصلاة. كنت أقود مجموعة في اجتماع صباحيّ مبكّر مرة كل أسبوع، واستمرّ ذلك طوال سنة، وكان من الأهداف فيه تقديم الشهادة الشخصية بقوة. إن هذا جعلنا نصلي في موضوع التبشير. وكنا نركّز في وقت الصلاة على المقاطع التالية:
كولوسي 4: 2- 4:
"واظبوا على الصلاة ساهرين فيها بالشكر، مصلّين في ذلك لأجلنا نحن أيضاً ليفتح الرب لنا باباً للكلام لنتكلم بسرّ المسيح الذي من أجله أنا موثقٌ أيضاً كي أظهره كما يجب أن أتكلم". في هذا المقطع يصلي بولس طالباً أن يفتح له الرب باباً ليتكلم بسرّ المسيح. وفي المجموعة كتبنا قائمة بأسماء أشخاص، وصرنا نصلي ليهيئ لنا الرب فرصة لنشهد لهم. لقد صار أولئك مواضيع صلواتنا الشخصية اليومية كما في صلوات المجموعة.
أعمال 16: 14:
يتكلم كاتب أعمال الرسل عن ليديا فيقول "ففتح الرب قلبها لتصغي". كتبنا قائمة بأسماء الذين شهدنا لهم والذين أظهروا اهتماماً وصلينا طالبين أن يفتح الرب قلوبهم.
كولوسي 1: 9- 10:
" من أجل ذلك نحن أيضاً منذ يوم سمعنا لم نزل مصلين وطالبين لأجلكم أن تمتلئوا من معرفة مشيئته في كل حكمة وفهم روحي لتسلكوا كما يحق للرب في كل رضىً مثمرين في كل عمل صالح ونامين في معرفة الله". كتبنا قائمة بأسماء الذين قبلوا المسيح مخلّصاً لهم عن طريق سماعهم الشهادة منا، وصرنا نصلي لأجل نموّهم ونضجهم في المسيح.
متى 9: 36- 38
" ولما رأى الجموع تحنّن عليهم إذ كانوا منزعجين ومنطرحين كغنم لا راعي لها. حينئذ قال لتلاميذه: الحصاد كثير ولكن الفَعَلة قليلون. فاطلبوا من ربّ الحصاد أن يرسل فعلةً إلى حصاده". هنا لم نكتب أيّة قائمة ولكننا صلينا ليقيم الرب فعَلة وسطنا. وأريد القول أن ثلاثة من بين الخمسة الذين منهم تشكلت المجموعة هم اليوم يخدمون الرب كمرسلين- في الأرجنتين واندونيسيا، ولبنان.
إذا كان لدى المجموعة رغبة في تعلّم كلمة الله فيمكن اتّباع خطّة لحفظ الآيات غيباً. قرّر كم عدد الآيات التي تريد أن يجري استظهارها كل أسبوع، وابذل حوالي خمس دقائق من وقتك مع المجموعة لكي تسمّعوا الواحد للآخر تلك الآيات التي تحفظونها. يمكن أن تقسموا المجموعة اثنين اثنين حتى أن كل واحد يسمّع آيته لرفيقه. أحفظ المرجع، أي السفر والإصحاح والآية، مع حفظك الآية نفسها، وابذل كل جهد ليكون هذا كاملاً بلا خطأ. أَعَدَّ "الملاحون" ما يسمى "نظام حفظ الآيات الموضوعي للملاحين" ويستعمله المؤمنون في كل أنحاء العالم. يمكن الحصول عليه من الملاحين.
وقت شخصي
النقطة الثانية في برنامجك لجعل المهتمّين في المجموعة ينمون نحو النضج الروحي هي مشابهة للنقطة الأولى ولكنها أكثر تركيزاً.
كانت النقطة الأولى ترتيب مجموعة دراسية طوعية لدرس الكتاب المقدس والصلاة. وبعد أن درست مع أفراد المجموعة لبضعة أشهر لابدّ أنه اتضح لك أن واحداً أو اثنين من المجموعة ينمون أسرع من الباقين ولهم جوع روحي أعظم. إن هذا ما كنت تنتظره. فإن الله يعدّ هؤلاء القليلين المهتمين ليستخدمهم في ملكوته. كلّم هؤلاء شخصياً واسألهم أن يجتمعوا معك على أساس فردي شخصي، أي واحد لواحد، للقيام بتدريب خاص. أخبر من تجتمع به عن الرغبة في تناول طعام الغداء معه لتفسر بوضوح وبشكل كامل الفكرة التي لديك.
لقد كلّمني الله عن هذه الناحية من خدمة قيادة الآخرين وذلك عن طريق الآية في أشعياء 58: 10 "إن أنفقت نفسك للجائع وأشبعت النفس الذليلة يُشرق في الظلمة نورك ويكون ظلامك الدامس مثل الظهر". عندما أرى شخصاً يحسّ بجوع خاص ليتعلّم آيات الكتاب المقدس وينمو في النعمة أجد أن عليّ أن أقدم نفسي لأخدمه فيمرّ في تلك الأشياء التي مررت بها فيتعلّمها.
تكلّم بولس عن هذا أيضاً عندما قال: "أنتم شهود والله كيف بطهارة وببرّ وبلا لوم كنا بينكم أنتم المؤمنين، كما تعلمون كيف كنا نعظ كل واحد منكم كالأب لأولاده ونشجّعكم" (1 تسالونيكي 2: 10- 11).
لاحظوا عبارة "الأب لأولاده"، كيف يعلّم الأب أولاده؟ يعلّمهم دائماً على أساس فردي، أي كل واحد بمفرده. إن ابنتي التي هي في الثالثة والعشرين من عمرها لها اهتمامات وحاجات تختلف تماماً عن تلك التي لابني الذي هو في السابعة عشرة من عمره. عليّ أن أخصّص وقتاً أمضيه مع كل واحد من ولديّ هذين كي أبحث معه الشؤون التي يواجهها في حياته في الوقت الحاضر.
إن الفكرة القائلة بأن على القائد أن يمضي وقتاً بشكل شخصي مع الفرد الذي عليه الاعتماد عليه في المجموعة لهي فكرة قديمة قدم فكرة القيادة ذاتها. صلى موسى فطلب من الله رجلاً يصبح فيما بعد خليفته. "فكلّم موسى الرب قائلاً: ليوكّل الرب إله أرواح جميع البشر رجلاً على الجماعة يخرج أمامهم ويدخل أمامهم ويخرجهم ويدخلهم لكيلا تكون جماعة الرب كالغنم التي لا راعي لها" (عدد 27: 15- 17).
وقال الرب لموسى فيما بعد: "وأما يشوع فأوصِهِ وشدّده وشجّعه لأنه هو يعبر أمام هذا الشعب وهو يقسم لهم الأرض التي تراها" (تثنية 3: 28). لاحظوا أن الله طلب من موسى أن يوصي يشوع ويشدّده ويشجّعه. إن هذه خدمة رجل لرجل. عند مقارنة تعليمات الرب لموسى هنا بما جاء في 1 تسالونيكي 2: 11 (نعظ ونشجّع ونُشهد)، وما جاء في 1 كورنثوس 14: 3 (بنيان ووعظ وتسلية)، يتكون لدينا مثال جميل لما يجب أن يعمله القائد. نستطيع أن نسترشد بهذا فيما يجب أن نعمله مع من نجتمع بهم في شكل فردي. أريد ذكر أربعة أشياء تتعلق بذلك:
1- بنيان: قدّم لرفيقك أشياء تبنيه وتقوّيه في الإيمان. ليكن تدريبك إياه إيجابياً. خذ الأشياء التي هو قويّ فيها وأضف إليها. شجّعه لينمّي مواهبه.
2- وعظ: إن هذا يعني أنك من حين إلى حين توجّه انتباه صاحبك إلى نواحٍ في حياته لتقويمها بموجب كلمة الله.
3- تعزية، تسلية: ساعده ليتغلّب على الأشياء التي تضايقه، إن كان خوفاً أو حزناً أو حيرة. شجّعه لينهض من كبْوَتِهِ. ساعده كي يستطيع مواجهة مشاكله.
4- تكليف، إشهاد، إيصاء (من كلّف وأشهد وأوصى): كلفه بالقيام بمشاريع خاصة التي تسدّ حاجات في حياته أو تبني مواهبه وقدراته. تعرّف بكتيّبات تعبديّة وكتب أدلة التي يمكنك أن تعطيه إياها وتوصيهِ ليقرأها ويتعلّم منها ثم تبحث معه عنها فيما بعد.
إن حياة هذا الشخص لا شك ستتأثَّر بحياتك بقدر كبير. ثم يحدث شيء آخر. فسوف يلاحظ آخرون في المجموعة نمو هذا الشخص وتكريسه للرب ومعرفته المتزايدة للكتاب المقدس. وسيشعرون بجوع روحي ورغبة في الحصول على ما حصل عليه الأخ المذكور.
دعيت قبل بضع سنين لحمل مسؤولية مجموعة من الشبيبة كانت تجتمع في الكنيسة مساء كل أحد. بدأت بإخبارهم عن مبادئ النمو الروحي والنضج المسيحي.
وبعد حوالي شهرين صار لدى شاب اسمه "جَري" جوع حقيقي لأُمور الله. فكان يدعوني إلى ناحية من وقت لآخر ويوجّه إليّ أسئلة، فتبيّن أن قلبه كان متأثراً جداً بالنسبة للرب.
اقترحت على جري أن نجتمع للصلاة ولدرس الكتاب المقدس كل صباح أحد قبل موعد مدرسة الأحد. كانت عليه مهمّة يقوم بها (إيصال جريدة صباحية إلى أصحابها) وكان ينتهي منها حوالي الثامنة والنصف، وهذا كان الوقت الذي رتّبناه لاجتماعنا. شجعته على دراسة خاصة للكتاب المقدس وعلى خطة لحفظ الآيات غيباً، وبدأ بتمضية فترة تأمل فردي يومياً مع الرب.
لقد تقدّم جري بسرعة، ولاحظ نموّه عدد من أفراد الصف وصاروا يتساءلون عما يحدث في حياة جري. وعندما أوضحت ما كان يجري أبدى البعض الرغبة في عمل ما عمله زميلهم. ولم يمض وقت طويل حتى صارت لدينا مجموعة قوية من الشبان الذين كانوا يتحلّون بالكثير من مميّزات التلمذة الحقيقية.
لقد ساعد جري شاباً آخر، وتضاعف العدد مرات ومرات في المجموعة. إن الفكرة التي نحن بصددها ضمّنها بولس عندما كتب في 2 تيموثاوس 2 "وما سمعته مني بشهود كثيرين أودعه أناساً أمناء يكونون أكفاء أن يعلّموا آخرين أيضاً". فكان التعليم الذي انتقل من بولس إلى تيموثاوس يراد له أن يواصل الانتقال إلى أناس أمناء يكونون أكفاء ليوصلوه إلى آخرين أيضاً.
عندما أبدأ بالاجتماع بشخص لأُدرّبه في الحياة المسيحية المنتصرة وأشجّعه ليرشد آخرين فهل أفرح عندما يخبرني يوماً أنه أرشد شخصاً إلى طريق الخلاص؟
لا. إني أفرح ولكن لا أكتفي. أحب أن صديقي هذا يواصل اتّصاله بصاحبه ذاك حتى يستخدمه الله هو أيضاً ليرشد شخصاً ثالثاً إلى المسيح. هل هذا الآن يكفيني؟
لا، بل أحب أن ذلك الثالث بدوره ينجح بإرشاد رابع إلى المسيح.
هل أكتفي الآن؟ نعم. لأني أجد أن لديّ ما يثبت أن ذلك الذي أرشدته في البداية قد تبنى الفكرة الصحيحة وأخذ يطبّقها.
أريد أن أقدّم مثلاً. لنفترض أني ساعدت "ناجي" في حياته المسيحية وناجي هو بدوره قاد صديقاً له اسمه يوسف إلى المسيح. أنا عالمٌ الآن أن ناجي قد نضج حتى أنه أتى بشاب إلى المسيح، ولكني لا أعرف إن كان ناجي سيواصل العمل مع يوسف وسيتمكّن من مواصلة تقديم الإرشاد له.
سأبقى في شكّي من جهة ناجي إلى أن أراه يدرّب يوسف على الإتيان بالآخرين إلى المسيح ومواصلة العمل معهم حتى هؤلاء أيضاً يذهبون ويعملون العمل ذاته. وهكذا عندما أرى يوسف يقصّ على ناجي كيف قاد شخصاً إلى المسيح أشعر بالاطمئنان إلى أن تدريبي لناجي كان تدريباً ناجحاً.
في هذه الحال نرى العملية المسيحية قد سارت من لروي إلى ناجي إلى يوسف إلى سامي وهكذا. وعندما أرى سامي وكيف يؤمن ويعمل بالفكرة ذاتها أتأكد أكثر أن عملي مع ناجي كان ناجحاً. إن كنت تقدر أن تدرك الفكرة فإن عملك كقائد يُنتج أكثر مما يخطر لك حتى في الأحلام. تأمل من جديد في الآية 2 تيموثاوس 2: 2. اطلب من الله في الصلاة أن يضاعف حياتك في الآخرين.
- عدد الزيارات: 9147