Skip to main content

لماذا يتفوَّق بعض القادة؟ - التفوّق

الصفحة 2 من 4: التفوّق

التفوّق

إن الصفة الأولى الضرورية في القائد البارز هي روح التفوّق. فالذي يكافح للتفوق لا يمكن اعتباره عادياً. ولكن أين يبدأ الشخص لكي يتفوّق في هذه الصفة المميّزة؟ كيف يربّي القائد في نفسه روح التفوّق في زمن يعتبر فيه أي شيء متوسط حسناً وجيداً؟ والجواب: أن عليه أن يبدأ مع الله نفسه. عليه أن يتأمل تفوّق الله وصفاته المميّزة.

- اسم الرب مجيد وعال، إنه متفوّق:

"أيها الرب سيدنا ما أمجد اسمك في كل الأرض حيث جعلت جلالك فوق السموات" (مزمور 8: 1). "ليسبِّحوا اسم الرب لأنه قد تعالى اسمه وحده، مجده فوق الأرض والسماوات" (مزمور 148: 13).

- رحمة الله المحب متفوِّقة:

"ما أكرم رحمتك يا الله، فبنو البشر في ظل جناحيك يحتمون" (مزمور 36: 7).

- قوة الله متفوّقة:

"هللويا، سبحوا الله في قدسه، سبحوه في فلك قوته" (مزمور 150: 1).

- خلاص الله متفوِّق:

"هوذا الله خلاصي فأطمئن ولا أرتعب، لأن يَاهَ يَهْوَهَ قوتي وترنيمي وقد صار لي خلاصاً. فتستقون مياهاً بفرح من ينابيع الخلاص وتقولون في ذلك اليوم: احمدوا الرب، ادعوا باسمه، عرّفوا بين الشعوب بأفعاله، ذكِّروا بأن اسمه قد تعالى. رنِّموا للرب لأنه قد صنع مفتخراً. ليكن هذا معروفاً في كل الأرض" (أشعيا 12: 2- 5).

- عمل الله متفوِّق:

"أنصتي أيتها السموات فأتكلم، ولتسمع الأرض أقوال فمي. يهطل كالمطر تعليمي ويقطر كالندى كلامي. كالطل على الكلأ وكالوابل على العشب. إني باسم الرب أنادي، أعطوا عظمة لإلهنا. هو الصخر الكامل صنيعه، إن جميع سبله عدل. إله أمانة لا جور فيه، صديق وعادل هو" (تثنية 32: 1- 4).

- طريق الله متفوِّقة:

"الله طريقه كامل، وقول الرب نقيّ. ترس هو لجميع المحتمين به" (2 صموئيل 22: 31).

- إرادة الله متفوِّقة:

"فأطلب إليكم أيها الأخوة برأفة الله أن تقدّموا أجسادكم ذبيحة حية مقدَّسة مَرْضِيَّة عند الله عبادتكم العقلية. ولا تشاكلوا هذا الدهر بل تغيَّروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المَرضِيَّة الكاملة" (رومية 12: 1- 2). هناك آيات كثيرة في الكتاب المقدس تحمل هذه الفكرة. نلاحظ هذا بانتباه: إن روح التفوّق في حياة القائد هو انعكاس لإحدى مزايا الله.

كثيراً ما يسيء المؤمنون المسيحيون فهم هذا التشديد، ويخلطون بينه وبين الجهد الجسدي والطموح الدنيوي. لكن هذا ليس الواقع. نلاحظ في كل الكتاب المقدس تشديداً على ضرورة التشبه بالله والسعي لنكون مثله.

أصدر الملك داود في أواخر حياته بياناً هاماً يتعلق بالعمل في بناء الهيكل. "وقال داود إن سليمان ابني صغيرٌ وغضّ، والبيت الذي يُبنى للرب يكون عظيماً جداً في الاسم والمجد في جميع الأراضي فأنا أهيئ له. فهيأ داود كثيراً قبل وفاته" (أيام 22: 5). لماذا أَحسَّ داود بهذا الشعور القوي وصمَّم على أن يكون هيكل الله عظيماً جداً؟ لأنه كان يعكس اسم الله الذي هو متفوِّق في كل الأرض. لتكن هذه الآية مُذكّراً للقائد. إذا كان ما تعمله هو باسم الرب فتأكد من أنه يعكس جيداً ذلك الاسم، وبأنه فائق الفخامة.

إن الرغبة في عمل الأشياء بتفوق هي تشبُّه بالمسيح. جاء عنه في الإنجيل "أنه علم كل شيء حسناً" (مرقس 7: 37). إنه لمن المدهش أن نلاحظ أن القادة المسيحيين الذين يحبّون التشبُّه برأفة المسيح ومحبَّته يهملون تماماً ناحية التفوق في خلقه. رأيت على لوحة الإعلانات في إحدى الكنائس مرةً ملخَّصاً لموضوع عظة "التمثُّل أكثر فأكثر بالمسيح". لكن الكتابة كانت غير مرتبة والورقة نفسها قذرة مشوّهة. يا للتناقض الفظيع بين الكلام والعمل!

التقيت جون كروفورد، وهو ممثّل "الملاّحين" في نيوزيلاندا، وكان يتكلم عن مشروع بناء للجمعية في لوس أنجلوس وكان يشرف عليه. فقد كانت جمعية الملاحين تبني مكاتب لها، وكان المبنى على وشك الانتهاء والعمال يقومون بإتمام العمل في الباب الخلفي الذي يؤدي إلى ممرّ صغير خلف المبنى. كان داوسون تروتمان على وشك العودة إلى لوس أنجلوس، وحاول العمال الإسراع وإتمام العمل قبل وصوله.

كان داوسون تروتمان، مؤسس جمعية الملاحين، ذا مبادئ دقيقة، لذا تمّ العمل في المكاتب على هذا الأساس، لكن لضيق الوقت لم يتمكن العمال من إتقان العمل في الباب الخلفي، وكان المبرّر لذلك كون الممرّ الواقع خلف المبنى لا تمر به السيارات إلا نادراً.

عاد داوسون وكان مبتهجاً بمظهر المبنى، ورأى كل الأقسام وأبدى إعجابه بالعمل وأثنى على المسؤولين. ثم وصل إلى الباب الخلفي وصاح: "يا جون، يجب أن نغيّر هذا الباب". فأجابه جون كروفورد: لكنه باب خلفي لا يكاد يراه أحد". فأجابه: "أنا أعرف ذلك. لكننا عندما نقيم مبنى للرب فإن الباب الخلفي فيه يجب أن يكون متيناً جميلاً مثل الباب الأمامي".

فكّرت كثيراً فيما بعد في هذا القول، وكنت أسأل عما حدا بداوسون ليفكّر بتلك الطريقة. أظن أن سبب ذلك هو معرفته بأن الله يرى الباب الخلفي بالطريقة ذاتها التي يرى بها الباب الأمامي، بخلاف ما يفعله الإنسان.

يتحدث موظفو مكتب داوسون عن دقّته في كيف يجب أن تبدو الظروف والخطابات التي تصدر عن المكتب من حيث الأناقة. فكثيراً ما وصلت رسائل من رعاة الكنائس يخبرون بها عن تأثُّرهم بأناقة رسائل الملاحين. بل إن البعض ذكروا أنهم صمَّموا على استخدام مستوى الأناقة الرفيع ذاته عند إعدادهم نشرات كنائسهم التي تعلّق على لوحات الإعلانات.

عند حضوري المؤتمرات الصيفيّة التي تنعقد في المركز الرئيسي العالمي لجمعية الملاحين في غلين آيري كنت أسأل بعض الحضور، بعد انتهاء أسبوع حافل بالعمل: "ما هو أعظم تحدّ واجهته أثناء حضورك هذا المؤتمر؟" وكانت أغلب الإجابات لسؤالي هذا:

"إن أكثر ما أثّر في نفسي الاجتهاد الذي أبداه الشبان في تنظيفهم أرض الغرف." أو: "دهشت من الطريقة الرائعة التي بها اعتنى المسؤولون بأرض المؤتمر." أو: "دهشت كثيراً من اهتمام العمال بتنظيف وتلميع زجاج النوافذ". إن من يصر على القيام بأي عمل في شكل تام متفوّق يترك أثراً رائعاً في معارفه حتى بعد موته بزمن طويل.

نلاحظ في مثل الوزنات الذي قدّمه يسوع (في متى 25: 14- 30) أن السيد في القصة أثنى على العبد الصالح لأنه عمل باهتمام، لكنّه وبّخ العبد الكسلان بل اعتبر كسله نوعاً من الشر. لقد دعا العبد الصالح أميناً ودعا الكسلان شريراً. ولنذكر نصيحة بولس لأهل رومية: "غير متكاسلين في الاجتهاد، حارين في الروح، عابدين الرب." (رومية 12: 11).

يعمل الله في حياتنا بسبع طرق على الأقل لتكون لنا روح التفوّق:

1- يساعدنا لندرك مدى ضعفنا:

"فقال لي تكفيك نعمتي لأن قوّتي في الضعف تكمل. فبكل سرور أفتخر بالحري بضعفاتي لكي تحلّ عليّ قوة المسيح". (2 كورنثوس 12: 9).

2- من خلال صلاة الآخرين:

"يسلم عليكم أبو فراس الذي هو منكم عبد للمسيح، مجاهد كل حين لأجلكم بالصلوات لكي تثبتوا كاملين وممتلئين في كل مشيئة الله" (كولوسي 4: 12).

3- من خلال أناس يكلموننا بالكلمة:

"طالبين ليلاً ونهاراً أوفر طلب أن نرى وجوهكم ونكمل نقائص إيمانكم" (1 تسالونيكي 3: 10).

4- عندما ندرس الكتاب المقدس لأنفسنا:

"كل الكتاب هو موحىً به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البرّ، لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهباً لكل عمل صالح" (2 تيموثاوس 3: 16- 17).

5- من خلال الآلام:

"وإله كل نعمة الذي دعانا إلى مجده الأبدي في المسيح يسوع، بعدما تألمتم يسيراً هو يكمِّلكم ويثبِّتكم ويقويكم ويمكِّنكم" (1 بطرس 5: 10).

6- بإعطائنا تشوُّقاً للقداسة:

"فإذا لنا هذه المواعيد أيها الأحبّاء لنطهِّر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح، مكمِّلين القداسة في خوف الله" (2 كورنثوس 7: 1).

7- من خلال الرغبة في جعل ثمار حياتنا مثالية:

"الذي سقط بين الأشواك هم الذين يسمعون ثم يذهبون فيختنقون من هموم الحياة وغناها ولذّاتها ولا ينضجون ثمراً" (لوقا 8: 14).

لابد هنا من توجيه بعض كلمات التحذير. أولاً، نحتاج أن نفحص دوافعنا. ليس التفوّق في حدّ ذاته هو المستوى الذي نسعى إليه بل التفوّق من أجل المسيح.

لقد تزوَّجت منذ سبعة وعشرين سنة من فتاة رائعة، وأقرّ بخجل أني كنت أنسى أحياناً تاريخ عيد زواجنا، ولكن عندما تذكَّرته اشتريت باقة من الورد. والآن ماذا قد يكون موقفي لو دخلت إلى البيت يوم 21 حزيران- يونيو وقلت لزوجتي: هذه باقة أخرى لهذا العيد. لقد أهديتك باقات لسنوات خلت، واليوم باقة أخرى في الوقت المناسب. إني أشعر بأن من واجبي أن أفعل ذلك ولذا أقدِّمها لك كي تبتهجي بها.

أهذا هو الموقف الصحيح في المناسبة السعيدة؟ باقة الورد جميلة وأهديت في يوم عيد زواجنا بلا تأخير، لكن الكلمات ثقيلة والدافع لم يكن غير الواجب.

والآن دعونا نتصوّر إحدى السنوات التي نسيت فيها تاريخ الزواج، وبعد ذلك بثلاثة أو أربعة أيام تذكّرت فجأة، وشعرت بصدمة ندم لتلك الهفوة. فأسرعت إلى محل الزهور واخترت باقة، ثم اتجهت نحو المنزل، وعندما دخلت موارياً الباقة خلف ظهري، تقدمت نحو فرجينيا قائلاً: يا حبيبتي إني متأكد من أنك تلاحظين مدى خطأي. وما يحيّرني فعلاً هو كيف تتمكنين من تحمُّل أعباء الحياة مع شخص مقصّر مثلي، وهذا ما يسعدني في الوقت نفسه. ولكن، دعيني أقدم لك هذه الورود يا حبيبتي، وأضيف بأني أحبك بكل قلبي، وأطلب منك الصفح عن تقصيري، فهل أجد في قلبك الكبير مكاناً لصفح إضافي ولمرةٍ أخرى؟

إني أسألكم: كيف تجدون هذه الطريقة؟ في اعتقادي شخصياً أنها أشدّ تأثيراً من فرح طفل بلعبة جديدة. لماذا؟ مع أني لم أحضر في الوقت المناسب، ومع أني نسيت تماماً، ومع أني أخفقت فعلاً. ففي المرة الأولى قمت بالعمل المناسب في الوقت المناسب، إلا أنه لم يُكتب لي النجاح. وفي المرة الثانية رغم إخفاقي، تم الأمر على ما يرام، فلماذا؟ إن الدافع هو الفارق الكبير.

أما الشيء الثاني الذي ينبغي أن ينطبع في أذهاننا فهو أن هناك إنساناً واحداً فقط تمكن من عمل كل شيء حسناً. وهذا الإنسان هو يسوع. ومع هذا الانطباع اقرؤوا بانتباه (عبرانيين 13: 20- 21) "وإله السلام الذي أقام من الأموات راعي الخراف العظيم ربنا يسوع بدم العهد الأبدي، ليكملكم في كل عمل صالح لتصنعوا مشيئته، عاملاً فيكم ما يُرضي أمامه بيسوع المسيح الذي له المجد إلى أبد الآبدين آمين". يضع كاتب الرسالة لنا بهذا مستوىً عالياً: "يكمّلكم في كل عمل صالح لتصنعوا مشيئته".

كيف يمكن لأي إنسان أن يتمّم ذلك؟ "بواسطة يسوع المسيح". نعم كل لحظة من كل ساعة من كل يوم في حياته. إذن، أملي الوحيد في بلوغ مستوى عالٍ من الجودة والتفوّق متمثلاً بالمسيح هو أن أسلم له كياني مرتاحاً راحة كلية بين يديه وأن أدعه يحيا حياته من خلالي. إذ لا يتوقف الأمر على الجهد والعرق، ولا على العزم والتصميم مهما بلغت هذه أو صدقت. لا يمكن بلوغ ما نرجو بلوغه إلا "بيسوع المسيح".

إن "رئيس إيماننا ومكمله" ينتظر لكي يحمل على عاتقه خيبتنا وفشلنا ويحولهما إلى إنجاز يعطي المجد للرب. الواحد الذي يعمل كل شيء حسناً لا يزال على استعداد ليكملكم في كل عمل صالح عاملاً فيكم ما يرضي الله.

المبادرة
الصفحة
  • عدد الزيارات: 10946