Skip to main content

كيف تُجري تأثيراً؟ - الروح المناضلة

الصفحة 4 من 4: الروح المناضلة

الروح المناضلة

بالإضافة إلى الإخلاص القلبي وثبات العزم عمل الملك حزقيا بروح مناضلة. لقد واجه صعوبات كثيرة لكنه جاهد متقدّماً بإيمان وحماسة بالغين. أرسل سعاة إلى المناطق فواجههم البعض بالسخرية. "فكان السعاة يعبرون من مدينة إلى مدينة في أرض افرايم ومنسَّى حتى زبولون، فكانوا يضحكون عليهم ويهزؤون بهم" (2 أيام 30: 10). لكن هذا لم يؤخّر العمل. "هكذا عمل حزقيا في كل يهوذا، وعمل ما هو صالحٌ ومستقيمٌ وحق أمام الرب إلهه" (2 أيام 31: 20).

هذه هي القاعدة الأساسية التي نراها في حياة القادة المذكورين في الكتاب المقدس. إليكم شهادة بولس: "من اليهود خمس مرات قبلت أربعين جلدة إلاّ واحدة، ثلاث مرات ضربت بالعصي، مرة رُجمت. ثلاث مرات انكسرت بي السفينة. ليلاً ونهاراً قضيّت في العمق، بأسفار مراراً كثيرة، بأخطار سيول، بأخطار لصوص، بأخطار من جنسي، بأخطار من الأمم، بأخطار من المدينة بأخطار في البرية، بأخطار في البحر، بأخطار من أخوة كذبة، في تعب وكدّ، في أسهار مراراً كثيرة، في جوع وعطش، في أصوام مراراً كثيرة، في بردٍ وعري، عدا ما هو دون ذلك. التراكم عليّ كل يوم، الاهتمام بجميع الكنائس" (2 كورنثوس 11: 24- 28).

ماذا كان موقف بولس وسط كل هذه الصعوبات؟ "لأنه قد وُهب لكم لأجل المسيح، لا أن تؤمنوا به فقط بل أيضاً أن تتألَّموا لأجله" (فيلبي 1: 29).

لقد واجه نحميا معارضة مستمرَّة من أعدائه. "ولما سمع سنبلَّط وطوبيا والعرب والعمونيون والأشدوديون أن أسوار أورشليم قد رمِّمت والثُغر ابتدأت تُسدّ غضبوا جداً وتآمروا جميعهم معاً أن يأتوا ويحاربوا أورشليم ويعملوا بها ضرراً" (نحميا 4: 7- 8). ولقد بدَت روح النضال في ردِّه "فصلَّينا إلى إلهنا، وأقمنا حرَّاساً ضدَّهم نهاراً وليلاً بسببهم" (نحميا 4: 9).

ومرة أخرى جهَّزت المعارضة هجوماً لكي يمنعوا نحميا من إتمام غايته، وفي كل مرة كان هو يفوز. "أرسل سنبلَّط وجشم إليّ قائلين: هلم نجتمع معاً في القرى في بقعة أونو، وكانا يفكران أن يعملا بي شرّاً. فأرسلت إليهما رسلاً قائلاً أني أنا عامل عملاً عظيماً فلا أقدر أن أنزل، لماذا يبطل العمل بينما أتركه وأنزل إليكما؟ وأرسلا إليّ بمثل هذا الكلام أربع مرّات وجاوبتهما بمثل هذا الجواب" (نحميا 6: 2- 4).

يستخدم بولس الرسول كأمثلة مجازية حياة الجندي والرياضي والزارع. "فاشترك أنت في احتمال المشقات كجندي صالح ليسوع المسيح. ليس أحد وهو يتجنَّد يرتبك بأعمال الحياة لكي يرضي من جنَّده. وأيضاً إن كان أحد يجاهد لا يكلّل إن لم يجاهد قانونياً. يجب أن الحرَّاث الذي يتعب يشترك هو أولاً في الإثمار" (2 تيموثاوس 2: 3- 6).

إن علامة الجندي الصالح هي أنه يربك العدو. إن أعداء إيمان المسيح كانوا يتضايقون من وجود بولس. وفي أفسس اعتقد ديمتريوس، صانع هياكل الفضة، أن صناعته ستتدمّر بسبب تعليم بولس (انظر أعمال 19: 23- 28). لقي بولس معارضة من قادة الديانات الزائفة ومن شياطين جهنّم لكنه لم يرهب أحداً. لقد برهن بولس أنه الجندي الصالح.

يتبارى الرياضي عادة مع منافسين، لكن صراعه الأول يكون مع نفسه. فعليه أن يتغلّب على شكوكه ومخاوفه وكسله، والرغبة في القعود والراحة. يخبر بولس الرسول عن معارك في حياته نفسها: "وكل من يجاهد يضبط نفسه في كل شيء. أما أولئك فلكي يأخذوا إكليلاً يفنى وأما نحن فإكليلاً لا يفنى. إذن أنا أركض هكذا كأنه ليس عن غير يقين. هكذا أضارب كأني لا أضرب الهواء، بل أقمع جسدي وأستعبده حتى بعدما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضاً" (1 كورنثوس 9: 25- 27). يواجه القائد باستمرار شتى أنواع المشاكل والصعوبات من الآخرين، لكن صراعاته الرئيسة تكون في الغالب مع نفسه.

والزارع يواجه في عمله قلة المطر حيناً والسيول الجارفة حيناً آخر، وتصاب زراعته بالأمراض من كل نوع. وإني لأذكر كيف أن إحدى مزارعنا في أيوا ضربتها عاصفة برد عاتية قبل عدة سنين، وكان طول نبتات الذرة في الحقل حوالي ستة أقدام، ولكن من يرى الحقل بعد العاصفة يصعب عليه أن يصدّق أن ذاك كان حقل ذرة. كانت تلك العاصفة بالغة الشدة حتى أنها هدمت جرسيّة الكنيسة وحطّمت عدة نوافذ. وعندما سمعت إحدى شركات البذور في مدينة شينادووا عن نكبتنا أرسلت بعض المساعدات. لقد جاءت منها شاحنة محمّلة بحبوب الصويا، وقالوا لنا أننا لو زرعناها فلربما نحصل على مؤونة لإطعام ماشيتنا في فصل الشتاء.

ولم نكن نعرف في ذلك الحين شيئاً عن حبوب الصويا. إنما كنا نعرف أن موسم زراعة الذرة قد فات أوانه. ولذا قمنا بمحاولة على أمل الحصول ولو على غذاء للماشية.

كانت صدمة أخي شديدة باعتباره المسؤول عن المزرعة، لكني لا أزال أذكر كيف شمَّر عن ساعديه وبدأ يجاهد. ما كان أسهل أن يقطع أخي الأمل ويجلس يندب سوء حظّه. إن أخي لم يفعل ذلك قط بل أظهر روح النضال الصحيح.

بعد أن ذهب والدرون وجوان سكوت وعائلتهما إلى الشرق الأوسط في أواخر الخمسينات ليخدموا المسيح ساءت الأمور معهم من كل ناحية. عن حالتهم المالية لم تسمح لهم بابتياع الأثاث اللازم. ولذا قامت الأخت جوان بعمل كيس قماش لتغطية حقيبة السفر واستعمالها كمقعد. وانفجر يوماً إناء غلي الماء فأصابها بعدة حروق. وخلال سلسلة من الأحداث أُدخل والدرون السجن وغرقوا في متاعب كثيرة، إلا أن روح النضال لم تفارق هذين العزيزين فإن ثقتهما بوعود الله قد ساعدتهما على الاستمرار في الجهاد. والآن يوجد في أنحاء الشرق الأوسط رجال ونساء ممن مسَّت حياتهم روح إنجيل المسيح التي وصلتهم بواسطة المرسلين والدرون وجوان سكوت. إن أولئك المسيحيين الأقوياء والجنود المخلصين للإيمان قد رأوا في والدرون المثل الصحيح للجندي الحقيقي للمسيح وهكذا تحوَّلت الظروف الصعبة لمصلحة ملكوت الله.

إن هذا ما تميّز به خدام المسيح في كنيسة العهد الجديد. لقد كان لديهم روح النضال الذي يتميّز به المحاربون المكرّسون لله. لقد كانوا كما جاء عن بولس وبرنابا أنهما كانا "رجلين قد بذلا أنفسهما لأجل اسم ربنا يسوع المسيح" (أعمال 15: 26).

هل بهذا يتصف القائمون على العمل المسيحي اليوم؟ في بعض الحالات نجد الجواب نعم، لكن كثيراً ما نعتبر حسنات الإنسان قدرته الفكرية وثقافته العالية. لقد سمعت مرة مديح رجل لكونه يملك مكتبة فيها عشرة آلاف مجلّد. من الواضح أنه ليس من الخطأ امتلاك أو قراءة كتب عديدة فمن واجبنا أن نعرف الله ونحبّه من كل فكرنا. ولكن على القائد ألا يقف عند هذا فالمطلوب ليس ذهناً متوقداً بل روح نضال تجعله يستمر في التقدم عندما ينهار كل شيء حوله.

في بدء حياة المسيحية عرف هذا الرسول ما كان سيتحمله من آلام. "فقال له الرب اذهب، لأن هذا إناء مختار ليحمل اسمي أمام أمم وملوك وبني إسرائيل. لأن سأريه كم ينبغي أن يتألّم من أجل اسمي" (أعمال 9: 15- 16). لقد عرف بولس المكافأة التي سيحصل عليها، لكنه عرف أيضاً كم ستكلّف. كان يعلم قيمة التتلمذ للمسيح، وقد قال فيما بعد "وأما من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح، الذي به قد صُلب العالم لي وأنا للعالم... في ما بعد لا يجلب أحدٌ عليّ أتعاباً لأني حامل في جسدي سمات الرب يسوع" (غلاطية 6: 14- 17). وعندما أراد الرسول أن يُسكت أولئك الذين حاولوا الطعن في رسوليّته أراهم آثار الاضطهاد في جسده. فقد كان المسيحيون الأولون يواجهون المخاطر والجلد والأسود. لقد كانوا أبطالاً بكل معنى الكلمة. أما نحن فنعيش في عصر الرفاهية، عصر الطيران والتلفزيون والنايلون. ليت الله يهبنا القوة ذاتها والإيمان اللذين تحلّى بهما وأظهرهما رجال الله في الماضي.

إذن، هذه هي الأشياء الثلاثة اللازمة في القائد لكي يُجري تأثيراً. إن علينا أن نكون ذوي قلوب مخلصة وعزم ثابت وأن يكون لنا روح النضال. قد تستمر البرامج الدينية دون هذا كلِّه، ولكن القائد الذي يريد أن يستخدمه الله فتثمر حياته ثمراً دائماً يحتاج أن يعمل لتكون فيه هذه الصفات الثلاث.

الصفحة
  • عدد الزيارات: 9883