Skip to main content

كيف تنجز المزيد؟ - فكّر بالأهداف لا بالموانع

الصفحة 4 من 4: فكّر بالأهداف لا بالموانع

فكّر بالأهداف لا بالموانع

هل تريد إنجاز المزيد؟ اجعل قاعدتك الأولى: "اعمل في الحال". أما القاعدة الثانية فهي أن تثق بالله لكي يزوِّدك بالمساعدة التي تحتاج إليها. وهناك قاعدة ثالثة تتعلق بتركيز انتباهك على تحديد ما ترغب فيه- وبطريقة ما يبدو أننا كثيراً ما نفكر بشكل سلبي. إذ من السهل أن نركز انتباهنا على المشاكل المرتبطة بالواجب- وغالباً ما يتوقع بعض الناس، حدوث الأسوأ فمثلاً يتسلّم رجل وزوجته برقية في وقت متأخر من الليل:

"افتحيها لنرى ما فيها".

"لا. افتحها أنت".

وكلاهما يخشى أنها تتضمّن أخباراً سيئة، ويرنّ الهاتف ليلاً، فما هو أول ما يخطر ببالك؟ خاطر تشاؤم أم تفاؤل؟

إن الموقف السلبي التشاؤمي قد يظل يلقي بظلّه علينا ونحن نقوم بعملنا، فننشغل بالمشاكل بدل أن ننشغل بالأهداف. نظلّ ننظر إلى الصعوبات وكل همنا في التفاصيل، وكيف سنتمكّن من القيام بهذا العمل أو ذاك.

وقع موسى في هذا الفخ. كان طعام الشعب المن وحده، وبدأوا يتذمّرون لأنهم لم يأكلوا لحماً. "واللفيف الذي في وسطهم اشتهى شهوة فعاد بنو إسرائيل أيضاً، وبكوا وقالوا من يطعمنا لحماً؟ قد تذكرنا السمك الذي كنا نأكله في مصر مجاناً، والقثاء والبطيخ والكراث والبصل والثوم. والآن قد يبست أنفسنا. ليس شيء غير أن أعيننا إلى هذا المن" (عدد 11: 4- 6).

بدأ موسى أيضاً يتشكى إلى الرب من ثقل عمله مع الشعب. "فقال موسى للرب لماذا أسأت إلى عبدك ولماذا لم أجد نعمة في عينيك حتى أنك وضعت ثقل جميع هذا الشعب عليّ؟..... لا أقدر أنا وحدي أن أحمل جميع هذا الشعب لأنه ثقيلٌ عليّ" (عدد 11: 11 و14).

وكان أول ما عمله الله أنه وفر لموسى مساعدة. "فقال الرب لموسى اجمع إليّ سبعين رجلاً من شيوخ إسرائيل الذين تعلم أنهم شيوخ الشعب وعرفاؤه.... وآخذ من الروح الذي عليك وأضع عليهم فيحملون معك ثقل الشعب فلا تحمل أنت وحدك" (عدد 11: 16- 17).

عندئذ وعد الرب أن يعطي الشعب لحماً ليأكلوا، لوناً جديداً من الطعام، وسيعطيهم إياه بوفرة. (انظر عدد 11: 18- 20).

لم يكن موسى يتصوَّر كيف يتم ذلك. إذ من أين يأتي الله بلحم يكفي لإطعام كل ذلك الشعب؟ "فقال موسى: ستمئة ألف ماشٍ هو الشعب الذي أنا في وسطه. وأنت قلت أعطيهم لحماً ليأكلوا شهراً من الزمان. أَيُذبح لهم غنمٌ وبقرٌ ليكفيهم، أم يُجمع لهم كلّ سمك البحر ليكفيهم؟" (عدد 11: 21- 22). وهكذا أشغل موسى نفسه بالتفاصيل. كان همُّه الوسيلة التي بها يعمل الله العمل. نجد هنا أن الله أعطى وعداً وباللغة العبريّة الواضحة. كان ذلك وعداً من خالق الكون. ولم يصدّق موسى إمكان ذلك. لماذا؟ هل لأنه في الحقيقة لم يكن يعرف الله؟ كلاّ. فهو قد تكلم مع الله وعرف مقدرته. لكن مشكلة موسى كانت مثل مشكلتنا نحن الآن، وهي التفاصيل والوسيلة، وكيف سيفعل الله ذلك؟

كان لله في ذلك وسيلته الخاصة. "فقال الرب لموسى هل تقصر يد الرب؟ الآن ترى أيوافيك كلامي أم لا. فخرجت ريح من قِبَل الرب وساقت سلوى من البحر وألقتها على المحلّة مسيرة يوم من هنا ومسيرة يوم من هناك حوالي المحلّة ونحو ذراعين فوق وجه الأرض" (عدد 11: 23- 31).

ونجد مثلاً آخر على شك الإنسان في قدرة الله ما قاله التلاميذ عندما أظهر يسوع اهتماماً بالجمع الجائع الذي كان يتبعه. "في تلك الأيام، إذ كان الجمع كثيراً جداً ولم يكن لهم ما يأكلون، دعا يسوع تلاميذه وقال لهم: إني أشفق على الجمع لأن الآن لهم ثلاثة أيام يمكثون معي وليس لهم ما يأكلون. فأجابه تلاميذه: من أين يستطيع أحدٌ أن يُشبع هؤلاء خبزاً هنا في البرية" (مرقس 8: 1- 2، 4). لكن يسوع استطاع ذلك، فقد أطعمهم فشبعوا من سبعة أرغفة وقليل من صغار السمك.

وعلى سبيل المفارقة لننظر في أمر أولئك النسوة اللواتي رغبنَ في تحنيط جسد يسوع المصلوب. "وباكراً جداً في أول الأسبوع أتين إلى القبر إذ طلعت الشمس وكنَّ يقُلن فيما بينهنَّ: من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر؟ فتطلعن ورأين أن الحجر قد دُحرج، لأنه كان عظيماً جداً" (مرقس 16: 2- 4).

لم يكن تفكيرهنَّ في الحجر ولكن في الهدف. لقد أفقنَ مع الرغبة في عمل شيء لأجل الرب، ولم يخشين الموانع. فوجود الحجر أو الحرس على القبر لم يمنعهنَّ من تحقيق عزمهنَّ. ولقد تلاشت أمامهنَّ المصاعب عندما صممن على التقدم بثقة وإيمان واضعات نصب أعينهنَّ الهدف.

إني أتصور أن معظمنا قد يصل إلى منتصف الطريق، ثم يتبيّن له عدم جدوى الفكرة فيعود إلى فراشه الدافئ لينام بضع ساعات براحة وهدوء.

ثم انظروا إلى أولئك الرجال الإثني عشر الذي أرسلهم موسى ليكتشفوا أوضاع أرض الموعد. فالتقارير التي عادوا بها تثبت كونهم متحريّن مقتدرين. لقد اجتهدوا في القيام بواجبهم. إنما المهمّ هو ملاحظة اختلاف نتائج تقاربهم. فإن عشرة منهم لاحظوا الصعوبات، أما الاثنان الباقيان فلاحظا الفرص السانحة.

وكان التقرير كالآتي: "قد ذهبنا إلى الأرض التي أرسلتنا إليها، وحقاً أنها تفيض لبناً وعسلاً وهذا ثمرها. غير أن الشعب الساكن في الأرض معتزّ والمدن حصينة عظيمة جداً" (عدد 13: 27- 28).

وقال الاثنان معلّقين: "نصعد ونمتلكها لأننا قادرون عليها" (عدد 13: 3).

أما العشرة فقالوا "لا نقدر أن نصعد إلى الشعب لأنهم أشد منا" (عدد 13: 31).

كان الشعب في تلك الأرض شديداً وذلك باعتراف الجميع. وبالطبع لن تكون المسألة مثل نزهة في الريف لمدرسة الأحد. لقد كان سكان الأرض أشداء منحطّي الأخلاق. لم يكن شعوب كنعان متوحّشين بل ذوي رقيّ متحضّرين، ولكنهم كانوا منغمسين في الرذائل حتى قال عنهم أحد المؤرخين: "كانت إبادتهم عملاً خيرياً بالنسبة للعالم. وكانت سعادة الجنس البشري تتوقف على ذلك."

لقد رأى كالب ذلك بوضوح كالآخرين، ولكن لاحظوا كلماته. لم يقل "نصعد ونفتحها" بل قال: "نصعد ونمتلكها". نمتلك ما سوف يعطينا إياه الله.

رأى كالب ذلك من وجهة نظر الله. أنهم كانوا بالطبع أقوياء، ولكن هل كانوا أقوى من الله؟ ألم يكن الله مع شعبه؟ ألم يسرْ أمامهم؟ هل هناك شيء عسير عليه؟ بالطبع كانت مدن كنعان محصنة بأسوار، ولكن هل تقوى تلك الأسوار على الله؟ أليس الله قادراً أن يرتفع فوقها؟ هل هي أعلى منه فيعجز عنها؟

لقد أوضح الكتاب المقدس مشكلتهم "ورذلوا الأرض الشهية. لم يؤمنوا بكلمته، بل تمردوا في خيامهم. لم يسمعوا لصوت الرب" (مزمور 106: 24- 25). إنهم لم يؤمنوا بالله بل بما يرونه. لقد حوَّلوا أبصارهم عن الله. كان في الأرض جبابرة ذوو أجسام ضخمة. ولكن عندما نفكّر في ذلك نجد أن الفارق بين الجبار والرجل العادي ليس أكثر من 35 سنتمتراً. لكن فكّر كيف الاثنان يبدوان في نظر الله.

لي صديق يدعى بوب بوردمان يسكن في طوكيو، اليابان، ويعمل في البحرية، وهو ضخم الجثة، يزيد طوله على ستة أقدام، وعندما يسير في طوكيو يبدو هائلاً. ولكنك لو كنت في أعلى برج طوكيو ونظرت إلى أسفل حيث يقف بوب مع بعض أصدقائه، فإنك لن تلاحظ أي فارق بينه وبينهم. والآن إذا كان الأمر كذلك فلنفكّر كيف يبدون جميعاً من وجهة نظر الله. إذن يتوقف كل شيء على المكان الذي ينظر منه الإنسان وما هي وجهة نظره وكيف يتطلع إلى الأشياء. فهل ننظر إلى الأشياء من خلال المشاكل المتوقّعة أم من خلال وعود الله؟

وهناك شيء آخر هامّ تجب ملاحظته. لم تكن الحقائق الواقعة كما كان الشعب يراها. قال الرجال العشرة أنهم بدوا في نظر السكان صغاراً كالجراد. "وقد رأينا هناك الجبابرة بني عناق من الجبابرة، فكنا في أعيننا كالجراد، وهكذا كنا في أعينهم" (عدد 13: 33).

ولكن كيف كان هذا الشعب يراهم فعلاً؟ لقد عبّرت عن ذلك راحاب فقالت: "علمت أن الرب قد أعطاكم الأرض، وأن رعبكم قد وقع علينا، وإن جميع سكان الأرض قد ذابوا من أجلكم. لأننا سمعنا كيف يبَّس الله مياه بحر سوف قدامكم عند خروجكم من مصر، وما عملتموه بملكي الأموريين الذين في عبر الأردن، سيحون وعوج اللذين حرَّمتموهما. سمعنا فذابت قلوبنا ولم تبقَ بعد روح في إنسان بسببكم. لأن الرب إلهكم هو الله في السماء من فوق وعلى الأرض من تحت" (يشوع 2: 9- 11).

أوليس هذا شيئاً هاماً؟ لقد كان شعب الأرض يعيشون في رعب لعلمهم بأنه قد حُكم عليهم. لقد سمعوا بالخروج من مصر، وأعجوبة البحر الأحمر، وكانوا منذ ذلك الوقت يخشون اليوم الذي سوف يواجهون فيه ذلك الشعب الذي يحارب الله معهم ويُجري عجائب من أجلهم. لقد ذابت قلوبهم بالفعل واختفت الشجاعة من قلب كل إنسان.

ومع ذلك فقد كان شعب الله أيضاً خائفاً، وقالوا في قلوبهم أن الله لم يعد قادراً على الوفاء بوعده. ولعله تجاوز حدود مقدرته وحمّل نفسه فوق طاقتها.

لقد رأوا العقبات، ولكنهم تعاموا عن رؤية الله. يظن البعض أن القدرة على رؤية العقبات برهان على النضج والتبصّر. والواقع هو أنها أسهل طرق النظر. أما الله فيريد أُناساً ينظرون إلى ما وراء الصعاب ويبثّون الشجاعة في قلوب شعبه.

ماذا كانت نتيجة تقرير الرجال العشرة؟ "فرفعت كل الجماعة صوتها وصرخت، وبكى الشعب تلك الليلة" (عدد 14: 1).

كانت النتيجة الحتمية انهيار معنويات الشعب إذ صدّقوا ما قاله العشرة ونظروا إلى الظروف بدلاً من أن ينظروا إلى الله بإيمان. أما كالب ويشوع فكان تقريرهما: "الأرض التي مررنا فيها... جيدة جداً جداً. إن سُرَّ بنا الرب يُدخلنا إلى هذه الأرض ويعطينا إياها، أيضاً تفيض لبناً وعسلاً، إنما لا تتمرّدوا على الرب ولا تخافوا من شعب الأرض لأنهم خبزنا. قد زال عنهم ظلُّهم والرب معنا. لا تخافوهم" (عدد 14: 7- 9).

أخيراً، وبعد فترة التيه الطويلة، دخل فقط يشوع وكالب إلى الأرض دون رفاقهما. بل لم يدخلها أيضاً جميع الذين خرجوا من مصر مع موسى. إن أولئك المتذمّرين والمشكّكين والسلبيّين ماتوا في البرية وبيّضت عظامهم أشعة الشمس المحرقة.

يجب أن تظل أعيننا متطلّعة إلى أهدافنا، وليس إلى العوائق. فللمراجعة، يجب علينا عندما نتعهّد بواجب أمام الله أن نتذكَّر ثلاثة أشياء:

أولاً- اتجه رأساً نحو الواجب.

ثانياً- ثق بالله للمساعدة اللازمة.

ثالثاً- ركّز نظرك على الأهداف وليس على العوائق.

بالطبع قد تكون العوائق والصعوبات جدّية وحقيقية. وليس من المعقول أن تضمحل بمجرد تفكيرنا إيجابياً. وفي الفصل التالي سنناقش كيف نذلّل الصعوبات.

الصفحة
  • عدد الزيارات: 8376