Skip to main content

كيف تنجز المزيد؟

لدينا من العمل أكثر بكثير مما لدينا من الوقت لإنجاز ذلك العمل. إنها حقاً مشكلة يواجهها جميع الناس الذين منهم ربَّة البيت، والعامل والمدير والطالب. الكل أمام هذه المشكلة سواء هناك مشاريع تنتظر الإتمام وتجارب تنتظر الدراسة، وتقارير متأخِّرة. وتمرّ الساعات وكذلك الأيام ويقول كلٌ منا: لو كان لديّ فقط مزيدٌ من الوقت.

دعني أكشف لك عن سرّ صغير فربما يكون عاملاً في تغيير حياتك.


قم بالعمل الآن

هناك فكرة واردة في العهد القديم في سفر العدد. ماذا نجد هناك؟ نجد شخصيّة هامّة، نجد رجلاً مشغولاً. لقد أُنيطت بموسى مهمة إخراج مئات ألوف بني إسرائيل من مصر عبر رمال صحراء سيناء الحارقة، إلى فلسطين. وكانوا طغمة من المزعجين يقومون باستمرار بأعمال طائشة تجلب عليهم غضب الله، وقد أصرّوا على العصيان مراراً وتكراراً. حاول موسى دائماً تسوية الأوضاع، فقد سعى باستمرار إلى تعليم الشعب دروساً في الإيمان، والقيام بالواجب، والطاعة، والشجاعة، وطهارة الحياة. لقد كان يقوم ببرنامج تدريبي للشعب في البرية.

وكان الشعب يتذمّر باستمرار من نقص في الغذاء والماء، ومن الرتابة وعدم التنوّع في أصناف الطعام. لقد تذمَّروا على موسى شخصياً. فكانوا يقولون أنه أخرجهم من مصر عن عمد لكي يقتلهم. لقد اعترضوا على تزوُّجه فتاة كوشيّة، واعتبروا تكلّمه عن الله ليس إلا طريقة ليجعل لشخصه صيتاً عظيماً. وأصبحت المشكلة تبدو كأن لا نهاية لها. وأصبح لدى موسى من المشاكل ما يصعب حمله.

وفي ذات يوم دعاه الله وحمَّله مسؤولية جديدة لم تكن بالحسبان. "وكلَّم الرب موسى في برية سيناء في خيمة الاجتماع في أول الشهر الثاني في السنة الثانية لخروجهم من أرض مصر قائلاً: أحصوا كل جماعة بني إسرائيل، بعشائرهم وبيوت آبائهم بعدد الأسماء، كل ذكر برأسه، من ابن عشرين سنة فصاعداً، كل خارج للحرب في إسرائيل، تحسبهم أنت وهرون حسب أجنادهم" (عدد 1: 1- 3).

لنذكر أن موسى مخلوق بشري مثلنا. ما الذي تفعله لو كنت في مكانه؟ أما أنا فأعترف أني لو كنت في مكان موسى لدهشت. "أتريد أن أحصي الشعب؟؟؟" يا لها من مصيبة! أتدري كم من الوقت يستلزم ذلك؟ وأنا غارق لأذُنيّ في العمل! تصوّر الأعمال التي أقوم بها. مسؤوليتي عن راحة هذا الشعب المادية والمعنوية. وهذا وحده فقط يقتضي للقيام به كل النهار من الصباح إلى المساء. علاوة على أن عليّ أن أقوم بكتابة أسفار التوراة. إني رجل مشغول بأكثر مما لديّ من الوقت للعمل. والآن تطلب مني أن أقوم بإحصاء الشعب؟

يبدو هذا الردّ طبيعياً ومعقولاً. ولكن اصبر قليلاً واسمع ما أجاب به موسى. "فأخذ موسى وهرون هؤلاء الرجال الذين تعيّنوا بأسمائهم وجمعا كل الجماعة في أول الشهر الثاني فانتسبوا إلى عشائرهم وبيوت آبائهم بعدد الأسماء من ابن عشرين سنة فصاعداً برؤوسهم" (عدد 1: 17- 18).

هل لاحظتم تاريخ البدء بالعمل؟ "لقد صدر الأمر في اليوم الأول من الشهر الثاني". ومتى بدأ موسى في العمل؟ "في اليوم الأول من الشهر الثاني". فما رأيكم بهذا؟ هناك سر هائل يمكن تلخيصه في ثلاث كلمات: قم بالعمل الآن. وخصوصاً إذا كان شيء آخر استجدّ أثناء قيامك بعمل آخر هامّ.

كنت في أوكلاند، كاليفورنيا، وذاهباً لأعظ في فورت أورد حيث ينزل فريق من الجيش. وكان القسيس قد خطَّط لي الاشتراك معهم في الإنجيل. كما كان عليَّ بعد ذلك الذهاب إلى جهة أخرى في المدينة للتحدث في حفل عشاء آندو حيث دعا بعض المسيحيين أصدقاءهم من غير المؤمنين لتناول الشطائر على أن يلي ذلك رسالة. كانت هناك صعوبة واحدة. فلكي أتمكّن من حضور الاجتماعين لم يكن وقت لتناول عشائي. وكان البرنامج ضيّقاً فعلاً. فقلت في نفسي: لا بأس، فالأمر سهل. ولكن بينما كنت أغادر المنزل جاءتني رسالة مستعجلة تطلب فيها رئاسة الجمعية أن أعبئ لهم نموذجاً يتعلّق بالموظفين. وتقول الرسالة أن الأمر هام ويجب ألا يتأخر، وكان زميلي ينتظرني وقد أدار محرك السيارة في مدخل المبنى.

فكّرت بسرعة: هل أحمل النموذج معي وأعبّئه في الغد؟ لا وقت هناك. فقد كان علينا أن نتوجه إلى هيوم لايك بقصد الزيارة وإتمام برنامج تدريب قد يدوم طول النهار.

ناديت زميلي وطلبت منه إيقاف المحرّك. ثم باشرت بتعبئة النموذج، واستغرق ذلك وقتاً، لكني أكملته وتركته كي يرسل بالبريد. ثم انطلقت بالسيارة وحضرت الاجتماع. فلو لم أعمل ذلك في الحال فلربما كنت حملت النموذج دون تعبئة عدة أيام.

إني مسؤول عن نوعين من العمل. النوع الذي أحب القيام به والنوع الذي عليَّ القيام به. وميلي بالطبع، هو البدء بالعمل الذي أحب القيام به وترك الآخر لوقت آخر. المشكلة في هذا الترتيب هي أن العمل غير المرضيّ والذي لم يتم بعد يبقى يضايقني ويذكّرني بنفسه باستمرار.

إني أستمتع حقاً بالتحدُّث إلى رجال الخدمة عن محبة الله التي أظهرها في يسوع المسيح. وإنها لنشوة يشعر بها المتكلم في "عشاء اندراوس"، عندما يشاهد الرجال يأتون بأصدقائهم إلى المسيح في فترة الشركة التي تلي العشاء. أما النموذج وتعبئته فأمرٌ غير ملذّ. كان بإمكاني تأجيل النموذج، وعندما تأتي المكالمة الهاتفية الخارجية من الرئاسة أستطيع إجابة المسؤولين بأني كنت مشغولاً جداً. إن أولئك المسؤولين في الرئاسة أناس يتفهّمون صعوبة الظروف ويسهل إقناعهم. ولكن كنت سأبقى طول الأسبوع الثاني حاملاً همّ ذلك النموذج. ففي كل مرة أفتح فيها حقيبتي لأخذ الكتاب المقدس، كان سيطلّ عليّ ذلك النموذج بنظرة العتاب. لذلك فضّلت العمل على طريقة قم بالعمل الآن. وهكذا كان وسرت بعد ذلك مرتاح الضمير.

عندما قرأنا قصة موسى وإحصائه الشعب وجدنا أنه لم يكن الرجل الذي يماطل ويتظاهر بالعمل. لقد دعاه الله "لتعبئة نموذج طويل جداً" فقام بذلك حالاً. لم يعتذر بعدم وجود وقت لديه، ولا قال أن أمامه عملاً آخر أهم، ولا اقترح تكليف شخص آخر بالعمل. لم يتردّد بل قام بالعمل في الحال.

ربما تقول: عن ذلك شيء حسن، وقد يكون مفيداً في بعض الأحيان، لكن أمامي مشكلة هي أن لدي من العمل ما يفوق طاقتي، وأنا بحاجة لمساعدة.

هذا صحيح، بل هو بالذات ما يواجهنا جميعاً من وقت لآخر. إن ناظر مدرسة الأحد بحاجة إلى معلّمين، والقسيس يحتاج إلى عاملين، والمبشر بحاجة لمعاونين يساعدون في النواحي الزمنية، والمسؤولون عن الأولاد بحاجة لسائقي سيارات، والشمامسة بحاجة للمساعدة في توزيع الطعام على المحتاجين، وسيدات لجنة العشاء السنوي للكنيسة بحاجة لمساعدة أيضاً. إن هذه مشكلة عالمية ونواجهها جميعاً بين حين وآخر.


ثق بالله ليساعدك قدر ما تحتاج

إن للمؤمن امتيازاً في أوضاع كهذه لا يخطر ببال من هو غير مؤمن. نجد هذا ممثلاً مرة أخرى في حياة رجل من رجال العهد القديم ويعتبر أكثر الناس انشغالاً في ذلك العصر. إنه هرون.

عندما تمَّ تعيينه رئيس كهنة، يمكن الافتراض أنه شعر كما كان لابد أن يشعر أيٌ منا لو تمّ له ذلك. الشعور بالشكر والبهجة والنشوة والامتنان وعدم الجدارة بالنسبة للامتياز بأن يكون رئيس كهنة الشعب. "وتُقدِّم هرون وبنيه إلى باب خيمة الاجتماع وتغسلهم بماء. وتُلبس هرون الثياب المقدسة وتمسحه وتقدسه ليكهن لي" (خروج 4: 12- 13).

أتصوَّر أن أهمية المركز الذي دعي هرون وبنوه للحصول عليه بهرت أبصارهم في أول الأمر. لقد فكّر هرون بالشرف العظيم الذي أولاه إياه الله بتعيينه رئيس كهنة وتعيين أبنائه ليكهنوا معه. فقد باركه الله بركة لم ينلها غيره.

لكن ما أن بدأ بالعمل حتى صار يشعر بثقل المسؤولية. إنه عمل صعب. فالناس يجيئون إليه باستمرار ومعهم حيوانات لتقديمها ذبائح، وإن عليه ذبحها وتقطيعها إلى قطع. كان بعض تلك القطع يُحرق على المذبح والبعض الآخر يحفظ والآخر يُدفن. وكان على هرون كذلك تنظيف المكان بعد القيام بكل تلك الأعمال. لقد كان عمله وعمل بنيه شاقاً. وكان يفكّر، ولا شك، أنه في حاجة لمساعدة.

لابدّ من أن هذا التفكير لازَمَ هرون وقتاً طويلاً. وربما تزايد تفكيره بعد موت ولديه الكبيرين، ناداب وأبيهو، أمام الرب، عندما قدّما ناراً غريبة. لم يبقَ له غير ولديه الصغيرين ألعازار وإيثامار. إن مسؤولياته التي كانت تبدو هائلة ضخمة في الماضي صارت تبدو الآن جبلاً عالياً. كيف يستطيع القيام بكل مسؤوليات عمله العظيم؟

جاء في العهد الجديد، "فيملأ إلهي كل احتياجكم بحسب غناه في المجد في المسيح يسوع" (فيلبي 4: 19). كان هرون في حاجة لمن يساعده. وأنا متأكد من أنه لم تكن لديه أية فكرة عن كيفية الحصول عليها. ولكن الله كان يعرف. فقد كان لديه تخطيط لكل شيء. كان لديه اثنان وعشرون ألفاً من اللاويين ينتظرون في الخارج وعلى استعداد للعمل.

"وكلّم الرب موسى قائلاً: قَدِّم سبط لاوي وأوقفهم قدام هرون الكاهن وليخدموه" (عدد 3: 5-6).

والآن، بالإضافة إلى ولدَي هرون الصغيرين أصبح لديه اثنان وعشرون ألف رجل بين الثلاثين والخمسين من العمر لكي يساعدوه. أفليس هذا من عمل الله؟ عندما تكون حاجة يواجهها الله ويسدّها، وبقوة!

وتحكي لنا آيات عديدة من الكتاب عن العلاقة التي أراد الله أن تربط هرون بأولئك الرجال. ولدينا من تلك الآيات اثنتان تحتويان على دروس جوهرية حيث يُعطى لنا أناسٌ كي يساعدونا في واجباتنا المعطاة لنا من الله.

عدد 8: 11،19:

"ويردِّد هرون اللاويين ترديداً أمام الرب من عند بني إسرائيل فيكونون ليخدموا خدمة الرب... ووهبتُ اللاويين هبة لهرون وبنيه من بين بني إسرائيل ليخدموا خدمة بني إسرائيل في خيمة الاجتماع".

إن العبارات التي تقول "ويردِّد هرون اللاويين ترديداً أمام الرب" "ووهبتُ اللاويين هبة لهرون" تعلِّمنا حقيقة هامة. فهنا يُقدِّم هرون اللاويين إلى الله. وبعدها يهبهم الله لهرون. إن هذا ما يجري، ليس فقط لمساعدينا الذين يساعدوننا على القيام بواجباتنا، بل أيضاً للذين يساعدوننا في تدبير بيوتنا وأعمالنا وأولادنا وحياتنا.

عدد 18: 6

"هأنذا قد أخذت أخوتكم اللاويين من بين بني إسرائيل عطية لكم مُعْطَيْن للرب ليخدموا خدمة خيمة الاجتماع".

فهل ترون الحقيقة المبيَّنة في تلك الكلمات "عطية لكم مُعْطَين للرب". كان أولئك المساعدون هبة من الله لأجل الله. ليس لكم بل للرب. إذا وجد أنه من المناسب استخدامهم في وظيفة أخرى أو عمل آخر فافرحوا، فأنتم لن تسبقوا الله في العطاء. ولاحظوا أيضاً أن الذين يساعدونكم في أعمالكم هم هبة من الله.

الدرس إذن في كل هذا هو الإيمان. ثِقُوا بالله فإنه قد وعد بأن يساعد، وهو سوف يفعل. ولكن، كما في كل ناحية من نواحي الحياة، يجب أن يكون لديك الإيمان وأن تمارسه عملياً. ثق بالله وهو سيقدّم لك النوع اللازم من المساعدة.

بالنسبة لهرون قدَّم الله له الرجال من سن الثلاثين حتى الخمسين، وهذا يعني رجالاً عاقلين متّزنين. وعندما دعي موسى ليحصي الشعب كان المطلوب إحصاء الذين هم "من ابن عشرين سنة فصاعداً كل خارج للحرب. وأما اللاويون حسب سبط آبائهم فلم يُعَدّوا بينهم" (عدد 1: 45، 47). كان اللاويون مدعوين لخوض غمار حرب روحية.

وهنا نتساءل: لماذا دعي اللاويون من سن الثلاثين حتى الخمسين بينما كان الجنود يدعون للخدمة في سن العشرين؟ لاحظوا في العهد الجديد أن المواصفات لخدام الكنيسة تتضمن "غير حديث الإيمان لئلا يتصلَّف فيسقط في دينونة إبليس" (1 تيموثاوس 3: 6) وأيضاً "وإنما هؤلاء أيضاً ليختبروا أولاً ثم يتشمسوا إن كانوا بلا لوم" (1 تيموثاوس 3: 10) فالأشخاص المناط بهم حمل مسؤولية عمل الله ينبغي ألا يكونوا حديثي العهد. ويجب أولاً اختبارهم.

وبالمناسبة فإن "اللاويين" كانوا يتركون الخدمة في الخمسين من العمر حتى لا يصابوا بإرهاق. وقد أعطى الله لهرون رجالاً مجربين لديهم الحيوية والنشاط اللازمان لكي يساعدوه في عمله والنضال الروحي.


فكّر بالأهداف لا بالموانع

هل تريد إنجاز المزيد؟ اجعل قاعدتك الأولى: "اعمل في الحال". أما القاعدة الثانية فهي أن تثق بالله لكي يزوِّدك بالمساعدة التي تحتاج إليها. وهناك قاعدة ثالثة تتعلق بتركيز انتباهك على تحديد ما ترغب فيه- وبطريقة ما يبدو أننا كثيراً ما نفكر بشكل سلبي. إذ من السهل أن نركز انتباهنا على المشاكل المرتبطة بالواجب- وغالباً ما يتوقع بعض الناس، حدوث الأسوأ فمثلاً يتسلّم رجل وزوجته برقية في وقت متأخر من الليل:

"افتحيها لنرى ما فيها".

"لا. افتحها أنت".

وكلاهما يخشى أنها تتضمّن أخباراً سيئة، ويرنّ الهاتف ليلاً، فما هو أول ما يخطر ببالك؟ خاطر تشاؤم أم تفاؤل؟

إن الموقف السلبي التشاؤمي قد يظل يلقي بظلّه علينا ونحن نقوم بعملنا، فننشغل بالمشاكل بدل أن ننشغل بالأهداف. نظلّ ننظر إلى الصعوبات وكل همنا في التفاصيل، وكيف سنتمكّن من القيام بهذا العمل أو ذاك.

وقع موسى في هذا الفخ. كان طعام الشعب المن وحده، وبدأوا يتذمّرون لأنهم لم يأكلوا لحماً. "واللفيف الذي في وسطهم اشتهى شهوة فعاد بنو إسرائيل أيضاً، وبكوا وقالوا من يطعمنا لحماً؟ قد تذكرنا السمك الذي كنا نأكله في مصر مجاناً، والقثاء والبطيخ والكراث والبصل والثوم. والآن قد يبست أنفسنا. ليس شيء غير أن أعيننا إلى هذا المن" (عدد 11: 4- 6).

بدأ موسى أيضاً يتشكى إلى الرب من ثقل عمله مع الشعب. "فقال موسى للرب لماذا أسأت إلى عبدك ولماذا لم أجد نعمة في عينيك حتى أنك وضعت ثقل جميع هذا الشعب عليّ؟..... لا أقدر أنا وحدي أن أحمل جميع هذا الشعب لأنه ثقيلٌ عليّ" (عدد 11: 11 و14).

وكان أول ما عمله الله أنه وفر لموسى مساعدة. "فقال الرب لموسى اجمع إليّ سبعين رجلاً من شيوخ إسرائيل الذين تعلم أنهم شيوخ الشعب وعرفاؤه.... وآخذ من الروح الذي عليك وأضع عليهم فيحملون معك ثقل الشعب فلا تحمل أنت وحدك" (عدد 11: 16- 17).

عندئذ وعد الرب أن يعطي الشعب لحماً ليأكلوا، لوناً جديداً من الطعام، وسيعطيهم إياه بوفرة. (انظر عدد 11: 18- 20).

لم يكن موسى يتصوَّر كيف يتم ذلك. إذ من أين يأتي الله بلحم يكفي لإطعام كل ذلك الشعب؟ "فقال موسى: ستمئة ألف ماشٍ هو الشعب الذي أنا في وسطه. وأنت قلت أعطيهم لحماً ليأكلوا شهراً من الزمان. أَيُذبح لهم غنمٌ وبقرٌ ليكفيهم، أم يُجمع لهم كلّ سمك البحر ليكفيهم؟" (عدد 11: 21- 22). وهكذا أشغل موسى نفسه بالتفاصيل. كان همُّه الوسيلة التي بها يعمل الله العمل. نجد هنا أن الله أعطى وعداً وباللغة العبريّة الواضحة. كان ذلك وعداً من خالق الكون. ولم يصدّق موسى إمكان ذلك. لماذا؟ هل لأنه في الحقيقة لم يكن يعرف الله؟ كلاّ. فهو قد تكلم مع الله وعرف مقدرته. لكن مشكلة موسى كانت مثل مشكلتنا نحن الآن، وهي التفاصيل والوسيلة، وكيف سيفعل الله ذلك؟

كان لله في ذلك وسيلته الخاصة. "فقال الرب لموسى هل تقصر يد الرب؟ الآن ترى أيوافيك كلامي أم لا. فخرجت ريح من قِبَل الرب وساقت سلوى من البحر وألقتها على المحلّة مسيرة يوم من هنا ومسيرة يوم من هناك حوالي المحلّة ونحو ذراعين فوق وجه الأرض" (عدد 11: 23- 31).

ونجد مثلاً آخر على شك الإنسان في قدرة الله ما قاله التلاميذ عندما أظهر يسوع اهتماماً بالجمع الجائع الذي كان يتبعه. "في تلك الأيام، إذ كان الجمع كثيراً جداً ولم يكن لهم ما يأكلون، دعا يسوع تلاميذه وقال لهم: إني أشفق على الجمع لأن الآن لهم ثلاثة أيام يمكثون معي وليس لهم ما يأكلون. فأجابه تلاميذه: من أين يستطيع أحدٌ أن يُشبع هؤلاء خبزاً هنا في البرية" (مرقس 8: 1- 2، 4). لكن يسوع استطاع ذلك، فقد أطعمهم فشبعوا من سبعة أرغفة وقليل من صغار السمك.

وعلى سبيل المفارقة لننظر في أمر أولئك النسوة اللواتي رغبنَ في تحنيط جسد يسوع المصلوب. "وباكراً جداً في أول الأسبوع أتين إلى القبر إذ طلعت الشمس وكنَّ يقُلن فيما بينهنَّ: من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر؟ فتطلعن ورأين أن الحجر قد دُحرج، لأنه كان عظيماً جداً" (مرقس 16: 2- 4).

لم يكن تفكيرهنَّ في الحجر ولكن في الهدف. لقد أفقنَ مع الرغبة في عمل شيء لأجل الرب، ولم يخشين الموانع. فوجود الحجر أو الحرس على القبر لم يمنعهنَّ من تحقيق عزمهنَّ. ولقد تلاشت أمامهنَّ المصاعب عندما صممن على التقدم بثقة وإيمان واضعات نصب أعينهنَّ الهدف.

إني أتصور أن معظمنا قد يصل إلى منتصف الطريق، ثم يتبيّن له عدم جدوى الفكرة فيعود إلى فراشه الدافئ لينام بضع ساعات براحة وهدوء.

ثم انظروا إلى أولئك الرجال الإثني عشر الذي أرسلهم موسى ليكتشفوا أوضاع أرض الموعد. فالتقارير التي عادوا بها تثبت كونهم متحريّن مقتدرين. لقد اجتهدوا في القيام بواجبهم. إنما المهمّ هو ملاحظة اختلاف نتائج تقاربهم. فإن عشرة منهم لاحظوا الصعوبات، أما الاثنان الباقيان فلاحظا الفرص السانحة.

وكان التقرير كالآتي: "قد ذهبنا إلى الأرض التي أرسلتنا إليها، وحقاً أنها تفيض لبناً وعسلاً وهذا ثمرها. غير أن الشعب الساكن في الأرض معتزّ والمدن حصينة عظيمة جداً" (عدد 13: 27- 28).

وقال الاثنان معلّقين: "نصعد ونمتلكها لأننا قادرون عليها" (عدد 13: 3).

أما العشرة فقالوا "لا نقدر أن نصعد إلى الشعب لأنهم أشد منا" (عدد 13: 31).

كان الشعب في تلك الأرض شديداً وذلك باعتراف الجميع. وبالطبع لن تكون المسألة مثل نزهة في الريف لمدرسة الأحد. لقد كان سكان الأرض أشداء منحطّي الأخلاق. لم يكن شعوب كنعان متوحّشين بل ذوي رقيّ متحضّرين، ولكنهم كانوا منغمسين في الرذائل حتى قال عنهم أحد المؤرخين: "كانت إبادتهم عملاً خيرياً بالنسبة للعالم. وكانت سعادة الجنس البشري تتوقف على ذلك."

لقد رأى كالب ذلك بوضوح كالآخرين، ولكن لاحظوا كلماته. لم يقل "نصعد ونفتحها" بل قال: "نصعد ونمتلكها". نمتلك ما سوف يعطينا إياه الله.

رأى كالب ذلك من وجهة نظر الله. أنهم كانوا بالطبع أقوياء، ولكن هل كانوا أقوى من الله؟ ألم يكن الله مع شعبه؟ ألم يسرْ أمامهم؟ هل هناك شيء عسير عليه؟ بالطبع كانت مدن كنعان محصنة بأسوار، ولكن هل تقوى تلك الأسوار على الله؟ أليس الله قادراً أن يرتفع فوقها؟ هل هي أعلى منه فيعجز عنها؟

لقد أوضح الكتاب المقدس مشكلتهم "ورذلوا الأرض الشهية. لم يؤمنوا بكلمته، بل تمردوا في خيامهم. لم يسمعوا لصوت الرب" (مزمور 106: 24- 25). إنهم لم يؤمنوا بالله بل بما يرونه. لقد حوَّلوا أبصارهم عن الله. كان في الأرض جبابرة ذوو أجسام ضخمة. ولكن عندما نفكّر في ذلك نجد أن الفارق بين الجبار والرجل العادي ليس أكثر من 35 سنتمتراً. لكن فكّر كيف الاثنان يبدوان في نظر الله.

لي صديق يدعى بوب بوردمان يسكن في طوكيو، اليابان، ويعمل في البحرية، وهو ضخم الجثة، يزيد طوله على ستة أقدام، وعندما يسير في طوكيو يبدو هائلاً. ولكنك لو كنت في أعلى برج طوكيو ونظرت إلى أسفل حيث يقف بوب مع بعض أصدقائه، فإنك لن تلاحظ أي فارق بينه وبينهم. والآن إذا كان الأمر كذلك فلنفكّر كيف يبدون جميعاً من وجهة نظر الله. إذن يتوقف كل شيء على المكان الذي ينظر منه الإنسان وما هي وجهة نظره وكيف يتطلع إلى الأشياء. فهل ننظر إلى الأشياء من خلال المشاكل المتوقّعة أم من خلال وعود الله؟

وهناك شيء آخر هامّ تجب ملاحظته. لم تكن الحقائق الواقعة كما كان الشعب يراها. قال الرجال العشرة أنهم بدوا في نظر السكان صغاراً كالجراد. "وقد رأينا هناك الجبابرة بني عناق من الجبابرة، فكنا في أعيننا كالجراد، وهكذا كنا في أعينهم" (عدد 13: 33).

ولكن كيف كان هذا الشعب يراهم فعلاً؟ لقد عبّرت عن ذلك راحاب فقالت: "علمت أن الرب قد أعطاكم الأرض، وأن رعبكم قد وقع علينا، وإن جميع سكان الأرض قد ذابوا من أجلكم. لأننا سمعنا كيف يبَّس الله مياه بحر سوف قدامكم عند خروجكم من مصر، وما عملتموه بملكي الأموريين الذين في عبر الأردن، سيحون وعوج اللذين حرَّمتموهما. سمعنا فذابت قلوبنا ولم تبقَ بعد روح في إنسان بسببكم. لأن الرب إلهكم هو الله في السماء من فوق وعلى الأرض من تحت" (يشوع 2: 9- 11).

أوليس هذا شيئاً هاماً؟ لقد كان شعب الأرض يعيشون في رعب لعلمهم بأنه قد حُكم عليهم. لقد سمعوا بالخروج من مصر، وأعجوبة البحر الأحمر، وكانوا منذ ذلك الوقت يخشون اليوم الذي سوف يواجهون فيه ذلك الشعب الذي يحارب الله معهم ويُجري عجائب من أجلهم. لقد ذابت قلوبهم بالفعل واختفت الشجاعة من قلب كل إنسان.

ومع ذلك فقد كان شعب الله أيضاً خائفاً، وقالوا في قلوبهم أن الله لم يعد قادراً على الوفاء بوعده. ولعله تجاوز حدود مقدرته وحمّل نفسه فوق طاقتها.

لقد رأوا العقبات، ولكنهم تعاموا عن رؤية الله. يظن البعض أن القدرة على رؤية العقبات برهان على النضج والتبصّر. والواقع هو أنها أسهل طرق النظر. أما الله فيريد أُناساً ينظرون إلى ما وراء الصعاب ويبثّون الشجاعة في قلوب شعبه.

ماذا كانت نتيجة تقرير الرجال العشرة؟ "فرفعت كل الجماعة صوتها وصرخت، وبكى الشعب تلك الليلة" (عدد 14: 1).

كانت النتيجة الحتمية انهيار معنويات الشعب إذ صدّقوا ما قاله العشرة ونظروا إلى الظروف بدلاً من أن ينظروا إلى الله بإيمان. أما كالب ويشوع فكان تقريرهما: "الأرض التي مررنا فيها... جيدة جداً جداً. إن سُرَّ بنا الرب يُدخلنا إلى هذه الأرض ويعطينا إياها، أيضاً تفيض لبناً وعسلاً، إنما لا تتمرّدوا على الرب ولا تخافوا من شعب الأرض لأنهم خبزنا. قد زال عنهم ظلُّهم والرب معنا. لا تخافوهم" (عدد 14: 7- 9).

أخيراً، وبعد فترة التيه الطويلة، دخل فقط يشوع وكالب إلى الأرض دون رفاقهما. بل لم يدخلها أيضاً جميع الذين خرجوا من مصر مع موسى. إن أولئك المتذمّرين والمشكّكين والسلبيّين ماتوا في البرية وبيّضت عظامهم أشعة الشمس المحرقة.

يجب أن تظل أعيننا متطلّعة إلى أهدافنا، وليس إلى العوائق. فللمراجعة، يجب علينا عندما نتعهّد بواجب أمام الله أن نتذكَّر ثلاثة أشياء:

أولاً- اتجه رأساً نحو الواجب.

ثانياً- ثق بالله للمساعدة اللازمة.

ثالثاً- ركّز نظرك على الأهداف وليس على العوائق.

بالطبع قد تكون العوائق والصعوبات جدّية وحقيقية. وليس من المعقول أن تضمحل بمجرد تفكيرنا إيجابياً. وفي الفصل التالي سنناقش كيف نذلّل الصعوبات.

  • عدد الزيارات: 8379