Skip to main content

التغلّب على الأخطار - الشعور بالفشل

الصفحة 4 من 4: الشعور بالفشل

الشعور بالفشل

الخطر الثالث المميت الذي يتعرَّض له القائد هو الشعور بالفشل. الشيطان ماهر في إدخال الفشل إلى النفوس. لقد سقط قادة كثيرون إلى أعماق اليأس. فإن أحوالهم تردَّت. وخططهم لم تنجح، والمنتقدون واصلوا تذكيرهم بعيوبهم. كان لهم أصدقاء يعتمدون عليهم، وإذا ببعض هؤلاء يتنكرون لهم بلا سبب، بل يقومون ضدهم ويهاجمونهم.

كيف يعالج القائد مشكلة كهذه؟ إننا جميعاً نواجه مثل هذا الوضع، ليس أحدٌ معفى. بل ندهش إذ نرى الكتاب المقدس يذكر عدداً من رجال الله علقوا في أحبولة الفشل.

في قصة إيليا نرى الفشل حلّ به رأساً بعد الانتصار العظيم. وهذا أمر معروف. يحدث الانتصار وغالباً يتبعه هبوط عاطفي أو فشل ما. إلتقى إيليا أنبياء البعل على جبل الكرمل فانتصر عليهم انتصاراً ساحقاً. وكان أنبياء البعل قد صلّوا وجرّحوا أنفسهم بالسكاكين وصاحوا كل النهار فلم يجبهم أحد. البعل لم يسمعهم ومذبحهم ظلَّ بلا نار لتحرق ذبيحتهم. ثم صلى إيليا صلاة الإيمان فدعا الرب ليقبل ذبيحته، فاستجاب الرب بنار أنزلها على الذبيحة فأحرقتها حتى أن الناس الذين شاهدوا ذلك خرُّوا على وجوههم وقالوا "الرب هو الله" (1 ملوك 18: 39).

بعد هذا أخذت الأوضاع تسوء. لقد علمت الملكة إيزابل بما جرى فغضبت، وأرسلت إلى إيليا تهدّده بالقتل. إذا سخطت امرأة على رجل فذلك صعب، وعلى الأخص إذا كانت المرأة شريرة وذات نفوذ مثل إيزابل. وهكذا خاف إيليا وهرب.

نجد في قصة إيليا أن هناك أربعة دروس نستخلصها من الشعور بالفشل. أولاً، الشعور بالفشل يولّد في الإنسان تقديراً زائفاً للقيم. "ثم سار في البرية مسيرة يوم حتى أتى وجلس تحت رتمة وطلب الموت لنفسه وقال: قد كفى الآن يا رب، خذ نفسي لأنني لست خيراً من آبائي" (1 ملوك 19: 4). وكأن إيليا أراد أن يقول: "جميعنا سنموت يوماً، إذن ما نفع الحياة ولماذا لا أموت الآن؟ لست أفضل من باقي الناس، وما دمت سأموت يوماً، فليكن الآن". لكن إيليا كان على خطأ. فإنه لم يمت أبداً لأن الله أراد له شيئاً آخر. كانت لله خطة خاصة فيما يخصّ إيليا. مرَّت عدة سنين، وجاء يوم كان إيليا يسير فيه مع اليشع، "وفيما هما يسيران ويتكلمان إذا مركبة من نار وخيل من نار ففصلت بينهما، فصعد إيليا في العاصفة إلى السماء" (2 ملوك 2: 11).

ثانياً، يستطيع الشعور بالفشل أن يجعل الإنسان يهرب من مسؤولياته. "ودخل هناك المغارة وبات فيها. وكان كلام الرب إليه يقول له: مالك ههنا يا إيليا" (1 ملوك 19: 9). قد يصل القائد إلى وضع فاشل حتى ليظنَّ، وهو يتطلَّع حوله، أن أحواله قد ساءت جداً، وأن أي تغيير سيكون حتماً أفضل له. وهنا قد يتخلى عن العمل الذي وضعه الله فيه. فإذا يئس واستسلم للفشل، وغدا مفلساً لا فائدة منه للناس الذين يعتمدون عليه لإرشادهم وتوجيههم، فإن الله هنا قد يقترب منه ليقول: "لماذا تفعل هذا؟ إن مكانك هو العمل الذي أعطيتك إياه".

ثالثاً، يجعل الشعور بالفشل الإنسان يضع اللوم على الآخرين كما لو كانوا السبب في فشله. يوجِّه إصبع اللوم إلى الذين حوله ويندِّد بهم على أنهم سبب مشاكله. ماذا قال إيليا؟ "قد غرت غيرة للرب إله الجنود لأن بني إسرائيل قد تركوا عهدك ونقضوا مذابحك وقتلوا أنبياءك بالسيف فبقيت أنا وحدي وهم يطلبون نفسي ليأخذوها" (1 ملوك 19: 1). وضع اللوم كله على الشعب.

رابعاً: الشعور بالفشل يجعل القائد يرى الأشياء أضخم كثيراً مما هي. لقد صاح إيليا وقال أنه الرجل الوحيد في كل المملكة الذي بقي أميناً لله. لكن الله قال له: لا. "قد أبقيت في إسرائيل 7000، كل الرُّكب التي لم تَجثُ للبعل وكل فم لم يقبّله" (1 ملوك 19: 18). كانت الأشياء تبدو لإيليا وكأنها معتمة كئيبة لأنه كان يراها من وهدة الفشل التي تردّى فيها. لكن الواقع كان غير ذلك بالكليّة. لقد كان الوضع أفضل 7000 مرة مما كان يظن.

يستطيع أكثرنا أن يشهد لحقيقة هذا الاختبار. إننا ونحن في وسط المشكلة لا نستطيع أن نرى أي شيء حسناً. لكن من النادر أن تكون الأشياء سيّئة فعلاً كما تبدو لنا في تلك الأيام الكئيبة. وعندما ينقشع الضباب وتزول العاصفة نصير نرى بوضوح أكثر، وتبدو الأشياء أفضل مما كانت تبدو بحوالي 7000 مرة.

مرَّ داود أيضاً في اختبار مشابه لهذا. لقد ترك مدينته دون أن يبقي فيها حامية تدافع عنها، وعندما رجع إليها بعد حين وجد أن العمالقة احرقوها بالنار وسبوا جميع النساء والأولاد (1 صموئيل 30: 3). وماذا كان ردّ فعل داود؟ عمل ككل الناس في مثل هذه الأحوال. "فرفع داود والشعب الذين معه أصواتهم وبكوا حتى لم تبقَ لهم قوة للبكاء" (1 صموئيل 30: 4). وهكذا نجد داود يقع في أحبولة الحزن واليأس.

لكن بعد هذا حدث ما يصعب تصديقه. ذلك أن رجال داود، رفاقه في السلاح الذين اتّبعوه في السرّاء والضرّاء، تآمروا فيما بينهم وهمّوا برجم داود. وهذا الولاء الذي أظهره رجال داود له، الولاء الذي كان داود يعوّل عليه أكثر من أي شيء آخر، بدا وكأنه سينهار دفعة واحدة. لقد خاطر أولئك الرجال أكثر من مرة وعرّضوا أنفسهم للموت من أجل داود. أما الآن فتطلّع داود وإذ بهم يصبحون ضده. شعر داود بأنه أصبح وحيداً.

اضطر داود أن يطلب العون، فتوجّه نحو الشخص الوحيد الذي يظلّ قريباً. "وأما داود فتشدّد بالرب إلهه" (1 صموئيل 30: 6). سأل الرب إن كان يشير عليه باللحاق بالغزاة. فأجابه: "ألحقهم، فإنك تدرك وتنقذ". وهكذا كان وأنقذ داود ورجاله بعد دحر العمالقة جميع النساء والأولاد "ولم يفقد لهم شيء لا صغير ولا كبير ولا بنون ولا بنات ولا غنيمة ولا شيء من جميع ما أخذوا لهم بل ردّ داود الجميع" (1 صموئيل 30: 19).

مع أن الأوضاع كانت تبدو على أسوأها تبيّن فيما بعد أن الأوضاع كانت على أحسن ما يمكن. أعيدت جميع النساء مع جميع الأولاد ولم يصب أحد بسوء. صحيح أن صقلع مدينة داود ورجاله قد أحرقت لكن داود لم يعد في حاجة إليها. لقد كانت المملكة في طريق الإعداد ليتسلّمها داود. لقد سقط الملك شاول قتيلاً في المعركة، وبعد وقت قصير سيُستدعَى داود ليدخل القصر ويتسلّم الملك. عندما كانت الأحوال تبدو على أسوأها لم يعرف داود ورجاله الحقيقة غير المنظورة، وإلا لكانوا فرحوا واحتفلوا ورفعوا لله أصوات الحمد بدل أن يبكوا "حتى لم تبقَ لهم قوة للبكاء".

إن الشعور بالفشل كثيراً ما يصل بصاحبه إلى هذه النتيجة. تتضخّم المشاكل كثيراً جداً، وبيوت الخلد الصغيرة تبدو كالجبال الضخمة. إن على القائد في حال كهذه أن يواصل السير بإيمان وينتظر وضوح الصورة. كان الرسول بولس مثالاً في هذا الأمر. فإنه، إذ وصل في رحلاته التبشيرية إلى مدينة فيلبي، واجه المشاكل والفشل عندما ضُرب بالعصي وسجن. لكن بعد مرور الزمن عندما ذكر ذلك الوضع استطاع أن يقول في رسالته إلى أهل فيلبي: "أريد أن تعلموا أيها الأخوة أن أموري قد آلت أكثر إلى تقدُّم الإنجيل" (فيلبي 1: 12).

هناك ثلاثة أشياء قد تتسبّب في سقوط القائد وهي: الطمع وشهوة تمجيد الذات، والشعور بالفشل. وكان عدو نفوسنا ولا يزال يستخدم هذه الأشياء في حياة بني البشر منذ سقوط آدم. وليس في طبيعة الإنسان قوة لصدّ هذه الأشياء. والشيطان عدوّنا يعرف كيف يحطّم كل وسائلنا الدفاعية.

لكن الله يريد أن ينقذنا وسينجح إن وضعنا فيه ثقتنا. بعد أن شاخ داود تطلَّع إلى السنين التي اختبر فيها الإنقاذ الإلهي، فبارك الرب أمام الشعب وقال: لك يا رب العظمة والجبروت، والجلال والبهاء والمجد، لأن لك كل ما في السماء والأرض، لك يا رب الملك وقد ارتفعت رأساً على الجميع.... والآن يا إلهنا نحمدك ونسبّح اسمك الجليل" (1 أخبار الأيام 29: 11- 13).

الصفحة
  • عدد الزيارات: 11847