Skip to main content

التغلّب على الأخطار - الطمع

الصفحة 2 من 4: الطمع

الطمع

إن الطمع هو إحدى الخطايا التي يندّد بها بولس الرسول بشدة. "فإننا لم نكن قط في كلام تملق كما تعلمون، ولا في علّة طمع. الله شاهد" (أفسس 2: 5). فالكسب الشخصي لم يكن مطلبه في خدمته. وإلا لما كان الله استخدمه في ذلك العمل العظيم إذ نشأت على يده كنائس مسيحية زاهرة.

كان بولس ضد الطمع والتعلّق بالملاذ الفانية. فها هو يقول: "فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله. اهتموا بما فوق لا بما على الأرض. لأنكم قد مُتُّم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله. متى أظهر المسيح حياتنا فحينئذ تُظْهَرون أنتم أيضاً معه في المجد. فأميتوا أعضاءكم التي على الأرض: الزنا، النجاسة، الهوى، الشهوة الرديئة، الطمع الذي هو عبادة الأوثان" (كولوسي 3: 1- 5).

لاحظوا أن الطمع هو عبادة الأوثان. والرسول يوحنا أيضاً كتب "أيها الأولاد احفظوا أنفسكم من الأصنام" (1 يوحنا 5: 21).

ما الذي يجعل الطمع خطراً مميتاً إلى هذا الحد على القائد الروحي؟ هناك على الأقل سببان. الأول- هو أن الطمع يجعل القائد يفقد الرؤية، فتصبح حياته مركّزة على هذه الدنيا وقد قال يسوع "مملكتي ليست من هذا العالم" (يوحنا 18: 36). فإذا اهتم القائد بأشياء هذه الدنيا يتحوّل فكره إلى اتجاهات لا نفع فيها فيعيش لا لما هو أبديّ بل لما هو زائل.

لقد عاش يسوع ومات لكي يعطي الحياة الأبدية للعالم. ولذا يجب على القائد ألا يحيا بقصد جمع الفوائد الشخصية. واتقاءً لهذا الخطر، على القائد أن يكون دائم الحذر. وليذكر تحذير يوحنا: "لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم. إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب. لأن كل ما في العالم شهوة الجسد، وشهوة العيون، وتعظُّم المعيشة. ليس من الآب بل من العالم. والعالم يمضي وشهوته، وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد" (1 يوحنا 2: 15- 17).

سمعت مرة أحد الوعاظ يتبجّح بالقول أن بإمكانه أن يعظ يومياً لمدة أسبوعين دون أن يرتدي البدلة ذاتها مرتين (أي كان لديه أكثر من أربع عشرة بدلة.) كيف يعظ هذا الواعظ بكلمة الله ويكدّس كل تلك الملابس؟ إن انصراف خدام الله لجمع المال يسيء لسمعة الخدمة ويضرّ بها.

إن هذا لا يعني أن عمل المسيح لا يحتاج للمال. إننا نعرف من أسفار العهد الجديد أن الرسل الأولين كان لديهم مالٌ كاف. فقد حدث لفترة أن باع أفراد من الكنيسة أملاكهم لكي يؤازروا تقدُّم البشارة. فإن برنابا "إذ كان له حقل باعه واتى بالدراهم ووضعها عند أرجل الرسل" (أعمال 4: 37). لكن تلك الأموال لم تُستخدم لجمع ثروة شخصية لأيّ من الرسل. لقد قال بطرس: "ليس لي فضة ولا ذهب" (أعمال 3: 6).

والسبب الثاني الذي يجعلنا نعتبر الطمع خطراً مميتاً هو أنه عندما يهتم الإنسان بالمال أولاً ويعطي الله المقام الثاني، فإنه لا يلبث أن يبعد الله من حياته ولا يعطيه أي مقام. إن الطمع خطيئة خبيثة تعشِّش في أعماق القلب. قال الله: "لا يكن لك آلهة أخرى أمامي" (خروج 2: 3). عبادة الأوثان هي أن تحب أي شيء أكثر من الله. في هذه الأيام لا يزال بعض الآلهة المصنوعة من الحجر أو جذوع الشجر. إلا أن أكثر آلهة هذا العالم مصنوع من الزجاج المزخرف والمعدن البرّاق أو من النايلون أو الصوف أو الحرير أو جلد التمساح.

أذكر حديثاً جرى لي مع شاب كان يتوق لأن يصبح قائداً في عمل المسيح. لقد التقينا في مدرسة للكتاب المقدس، حيث كان يدرس وعلى وشك أن يتخرّج، وجرى بيننا بحث في بعض القضايا. بدا لي أن الشاب كان ناجحاً في المدرسة من الناحية الأكاديمية وأن لديه طاقة كبيرة لخدمة الله. في ذلك اليوم سألته عما سيفعله بعد تخرُّجه. لم يجبني بسرعة، وكان يفكّر بعمق واهتمام. وتوقّعت أن يجيبني بأنه متشوّق لخدمة الرب. فقد يحبّ أن يصير مرسلاً فيسافر إلى بلد بعيد حيث يخدم بين سكان الأدغال. أو يغامر فيدخل أحد بلدان الستار الحديدي ليبشر بالإنجيل ولو كلّفه ذلك حياته ذاتها. لقد ذهبت بمخيِّلتي شتى المذاهب.

أخيراً تطلّع الشاب إليّ وأجاب برصانة وجدّ: "أظن أني سأشتري سيارة بويك."

دهشت من جوابه وارتبط لساني عن الكلام. هذا الرجل ذو طاقة كبيرة لخدمة الله لكن لا يشغل اهتمامه غير بريق هذه الحياة الزائلة. ويبدو أن وصية بولس لم تصل إلى العمق لتؤثّر في دوافعه الداخلية: "ولا تشاكلوا هذا الدهر بل تغيّروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضيّة الكاملة" (روميه 12: 2). ولم تكن محبة المسيح تحصره وتوجّهه إلى أهداف أعلى وأنبل (انظر 2 كورنثوس 5: 14- 15).

إن السؤال، بالطبع، ليس إن كنا أغنياء أم فقراء. إني أعرف رجالاً ونساء هم من أغنى الناس في هذه الحياة، وقد كرّسوا حياتهم لخدمة الله، ويشغلون مراكز قيادية هامّة في خدمة المسيح. إن الطمع وحب المال مسألة تتعلق بحالة القلب وليس بالرصيد في البنك. إن ما لدينا في هذه الحياة يمكن استخدامه للمسيح، وأموالنا تكون كعبد يطيعنا لا كسيد يأمرنا. هذه الأموال إما أن تأسرنا أو نسيطر عليها ونستخدمها. إن المؤمن الذي أعطاه الله مالاً يستطيع أن يستعمله بحكمة فيكون وسيلة خير وبركة لمئات من الناس.

أمّا الناس الذي يقعون في قبضة الطمع فإن حالهم تدعو إلى الشفقة، إذ لا يعرفون القناعة أو الراحة طوال طريقهم إلى الموت. "من يحب الفضّة لا يشبع من الفضّة، ومن يحب الثروة لا يشبع من دخل. هذا أيضاً باطل" (جامعة 5: 10).

يحذّر بولس فئتين من الناس، الأولى هم أولئك الذين يحيون ويعملون ليصبحوا أثرياء. "وأما الذين يريدون أن يكونوا أغنياء، فيسقطون في تجربة وفخ وشهوات كثيرة غبيّة ومضرّة تغرّق الناس في العطب والهلاك. لأن محبة المال أصل لكل الشرور، الذي إذا ابتغاه قومٌ ضلّوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة" (1 تيموثاوس 6: 9- 10).

إن شركاً كهذا يشكل تهديداً كبيراً، ولقد حدث قريباً لبولس نفسه بعدما تركه ديماس "إذ أحبّ العالم الحاضر" (2 تيموثاوس 4: 10). ومع أن ديماس كان مرافقاً للرسول نفسه فقد فاته الإصغاء إلى هذا التحذير وخاب نهائياً.

أما الفئة الثانية التي يشملها التحذير فهي فئة الأثرياء. "أوصِ الأغنياء في الدهر الحاضر أن لا يستكبروا ولا يلقوا رجاءهم على غير يقينيَّة الغنى، بل على الله الحي الذي يمنحنا كل شيء بغنى للتمتُّع. وأن يصنعوا صلاحاً، وأن يكونوا أغنياء في أعمال صالحة، وان يكونوا أسخياء في العطاء، كرماء في التوزيع، مدّخرين لأنفسهم أساساً حسناً للمستقبل لكي يمسكوا بالحياة الأبدية" (1 تيموثاوس 6: 17- 19). يتعرض الأغنياء للسقوط في تجربة التكبُّر فيُلقون رجاءهم على المال في هذه الدنيا وليس على الله. بينما يجب عليهم أن يحيوا مفكرين في الأبدية وأن يستعملوا ثروتهم وفقاً لذلك.

يسوع أيضاً تكلم على هذا الموضوع. فقد جاءه رجل يظن أن أخاه أخطأ إليه. قال: "يا معلّم قل لأخي أن يقاسمني الميراث. فقال له (يسوع) يا إنسان، من أقامني عليكما قاضياً أو مقسّماً؟ وقال لهم انظروا وتحفّظوا من الطمع.فإنه متى كان لأحدٍ كثيرٌ فليست حياته من أمواله" (لوقا 12: 3- 15). فهو لم يتعاطف مع الرجل الذي ادّعى بأن أخاه يسيء إليه، بل حاول أن ينشل جميع سامعيه من وهدة الطمع. هنا رجل لديه المال وآخر يطمع فيه. كلاهما واقع في براثن الطمع. وقال لهم يسوع المثل الذي يظهر غباء الإنسان الذي "يكنز لنفسه وليس هو غنياً لله".

يحسن إذن بالقائد أن يفحص قلبه حول هذا الموضوع حتى يتأكد من أنه لن ينزلق ويقع في ذلك الفخ المميت.

تمجيد الذات
الصفحة
  • عدد الزيارات: 11846