Skip to main content

معرفة الخلاص الكامل الأبدي

هي الأساس للتسبيح

وهل هناك مسيحي يعتبر الحياة المسيحية شيئاً آخر غير هذا المعنى؟ نعم للأسف، هناك ممن يسمون مسيحيين يرون في الحياة المسيحية معنى مختلفاً، بل ومما يحزن يشاركهم في هذا النظر بعضٌ من المؤمنين. إن التسبيح في كل قلب مخلص تقي. لكن هناك أولويات ينبغي أن تُعرف قبل أن تكون الحياة ما يجب أن تكون عليه. في مقدمة هذه الأولويات- (التي بدونها لا يكون الله معروفاً معرفة صحيحة) هو الخلاص- الخلاص الكامل الأبدي. وإن لم تُعرف هذه الحقيقة، وإن لم تمتلك النفس هذا الخلاص، فلن تستطيع النفس أن تحيا لله مهما كانت متدينة بل رغم تدينها تحيا للذات وليس لله. بدون امتلاك هذا الخلاص، فإن الخوف هو الذي يمتلكها و "الخوف له عذاب"- يحل الخوف محل المحبة التي بها وحدها يعمل وينشط الإيمان. لأنه كيف يمكن أن تكون الحياة ذبيحة تسبيح وشكر لله الديان الذي أمام عرشه يحتمل أن تسمع النفس حكم الدينونة؟- كلا إن العبد الأجير ليس له بالضرورة مكان في وليمة الفصح، بل ينبغي أن تعرف النفس قيمة عمل المسيح إن كان لابد أن تكون حياتها ذبيحة شكر على مذبح البخور، لأن تلك الذبيحة المقربة على هذا المذبح هي اعتراف باسمه وكرامة هذا الاسم ولا شيء آخر.

والآن نعود مرة أخرى إلى هذا التحريض الذي يستحث به الرسول أولئك المسيحيين العبرانيين إذ يقول "فلنخرج إذاً إليه خارج المحلة". هل لهذا التحريض تطبيق علينا؟ قد يقول قائل: إذا كانت المحلة هي الديانة اليهودية فنحن لسنا يهوداً. نعم صحيح إن اليهودية ليس لها أية جاذبية علينا ومن ثم لا نخشى خطرها. لكن كم يكون التصرف تافهاً لو أننا في أمر جليل الأهمية كهذا أقفلنا باب المناقشة على هذه الصورة. فقد تكون اليهودية بجوهرها موجودة. مع أنه قد لا توجد بالمرة طقوسها ومراسمها. وحتى عندما نقول اليهودية بجوهرها، ليس شرطاً أن يُفترض أن يكون رفض المسيح عنصراً في هذا الجوهر. إن رفض المسيح هو خطية اليهود الخصوصية وليس هو خطأ الطقوس والمراسم- هذه الطقوس والإجراءات الرمزية التي وضعها الله لهم في البداءة هي التي يحرّضهم الرسول أن يتركوها.

لقد مر بنا ما هو جوهر الديانة اليهودية. إنه امتحان الإنسان، وقد وضع الامتحان بترتيب دقيق، وكان لازماً. ولم يكن الامتحان للإنسان فقط بل كان امتحاناً لطرقه أيضاً. ونحن نعرف بكل وضوح أن الله لم يكن يلزمه لأجل نفسه، أن يضع مثل هذا الامتحان. لأنه عرف الإنسان وحكم عليه من قبل أن يعطيه الناموس بزمان طويل. لكن الإنسان لم يعرف نفسه ولم يرد أن يقبل حكم الله عليه الواضح والصريح. وإذ هو لم يعرف نفسه ولا عجزه عن أن يقف أمام الله، اتجه بفكره دائماً إلى صورة ما من صور حفظ الناموس. وإن كانت هاجر هي صورة رمزية للناموس كما يقول بولس، فإن الله وجد هاجر في خيمة إبراهيم. إن الله لم يضع هاجر أولاً في خيمة إبراهيم لكنه وجدها هناك في علاقة مع رجل الإيمان وإذ وجدها هناك طردها حتى تتم عملية الامتحان. ويكون لإبراهيم منها إسماعيل، وكان ذلك لكي يتحقق إبراهيم أن إسماعيل ليس هو النسل، وأن هاجر ليست هي التي منها يتكاثر إبراهيم.

المسيحية اليوم هي محلة أخرى!!

وكل ديانة بشرية هي في الواقع صورة للناموس في شكل أو في آخر. أما النعمة فهي فكر الله الأصلي، الفكر الذي ما تصوره الإنسان قط. بل وبكل أسف عندما أعلن الله هذا الفكر أشاح الإنسان بوجهه عنه، كما حدث في كنيسة غلاطية، لكي يتعاملوا أيضاً مع الناموس. فإن كان الإنسان لا ينكر صراحة المسيح، لكنه يلحق بالإيمان به وصايا ناموسية وطقوساً وأساليب جسدية تجعل للجسد ثمراً أياً كان هذا الثمر. إنه يعترف بالمسيح لكنه يعود به إلى المحلة مرة أخرى، وهذه هي حال المسيحية اليوم. وإذا نحن تطلعنا إلى ما حولنا لوجدنا كل مقومات اليهودية في كل مكان في الشكل الظاهري وفي التعليم تحت أسماء مسيحية لا تُغير من طبيعتها ولا تَحّد من تأثيرها.

تأملوا الديانات التقليدية إنها تعترف بأن المسيح قد جاء وأنه قد مات لكنها إلى هذا الحد فقط وتُصّر على أن عمله ليس كافياً وحده للخلاص. وقيمة ذبيحته الواحدة هي أنها تُضفي كرامة قدسية على نظام يهودي ذي قرابين بلا عدد، تحجب هذه الذبيحة الواحدة وتكسف نورها. وفي الواقع هذه الذبيحة الواحدة الكافية هي الظل وتلك الطقوس هي الحقيقة في كل ديانة تقليدية. لأن التقليديين يعتبرون أنهم يكررون تقديم الذبيحة في الطقوس وبذلك يساوون بين المسيح وبين الذبائح الحيوانية، التي يقول الرسول عن تكرارها إنه بسبب عدم نفعها وبسبب إن تلك الذبائح لا تستطيع البتة أن تنـزع الخطية. والخلاص، كنتيجة حتمية، لن يقول كل هؤلاء أن الخطية قد رُفعت أو نُـزعت. وكثيرون من هؤلاء ينكرون يقينية الخلاص بل وآخرون غيرهم ينـزلوا بغفران الخطايا إلى مجرد غفران شرطي لا يمكن أن يحقق للنفس التعيسة المثقلة سلاماً مع الله. ومتى كانت هذه هي الحال فإن النعمة لا تُعرف في تلك الدوائر. وحيث لا تُعرف النعمة فهناك يحل محلها شكل ما من الأعمال- أي شكل ما من أشكال الناموس- وهذان هما الأمران اللذان يقرر الرسول تعارضهما حين يقول "فإن كان بالنعمة فليس بعد بالأعمال وإلا فليست النعمة بعد نعمة. وإن كان بالأعمال فليس بعد نعمة. وإلا فالعمل لا يكون بعد عملاً".

وحيث توجد هذه الأنظمة والتقاليد فلابد أن تكون هناك "محلة". جماعة من المتدينين على أساس ناموسي لا يقين عندهم من جهة نتيجة امتحانهم ولا نستطيع أن نقرر من جهتهم ما إذا كانوا مؤمنين حقيقيين أم لا، وطبعاً لا يمكن للمؤمنين منهم أن يعتـزلوا عن غير المؤمنين، وحجتهم كما يقولون "أن الزوان والحنطة ينميان معاً إلى وقت الحصاد"- لكن كلا فإن الغالب هو أن العالم يتجمع هناك ويتشكل بالشكل المسيحي ومن ثم تأخذ الخدمة المسيحية شكلاً متوائماً مع روح العالم.

عند ذاك تُجتذب الأذن والعين وكل الحواس كما كان قديماً في اليهودية بلا أدنى اعتبار لصليب المسيح الذي يتضمن أن الإنسان ليس فقط فاجراً وضعيفاً بل أيضاً أن فكر الجسد هو عداوة لله. وهذه هي الحقيقة الخطيرة والرهيبة. لو أنها جهالة في الإنسان فالتعليم كفيل بمحو هذه الجهالة- كما يزعم البعض إلى يومنا هذا. ولو خرجنا إلى المسيح خارج المحلة لرفضنا هذا الزعم. وإذا تحققنا الإدانة الكاملة للإنسان كله يصبح المسيح وروحه القدوس فقط هو الموئل الوحيد.

  • عدد الزيارات: 3647