ما الضرر في ذلك؟
مثلاً هل يخطيء المسيحي عندما يجمع أو يكنز الثروات؟ أول شيء هو خطأ لأن الكتاب المقدس يقول ذلك في (متى19:6) وهذا في حد ذاته سبب كافٍ. لماذا كان خطأ على آدم وحواء أن يأكلا من ثمر شجرة معرفة الخير والشر؟ لأن الله قال ذلك، وهذا القول يحسم كل امورنا.
ثانيا إنه خطأ لأنه يتغاضى ولا يبالي بالحالة الروحية الملحة التي يحتاجها العالم اليوم (امثال11:24-12)، فهناك الملايين من الرجال والنساء، والفتيان والفتيات لم يسبق لهم أن سمعوا انجيل نعمة الله. ملايين ليس لديهم الكتاب المقدس الذي يجدون فيه الطريق الصحيح الى الله والتعليم السليم للحياة المسيحية، فيموتون بدون علاقة صحيحة مع الله، وبدون المسيح وبلا رجاء.
إن إمتلاك وسائل نشر الانجيل وعدم استخدامها لهو شكل من اشكال الموت الروحي (حزقيال6:33).
ما هذا إلا شهادة علنية واضحة عن عدم وجود محبة للرب، في قلب كل من يكنز ثروات هذا العالم! لأنه مكتوب "لأن من كان له معيشة العالم ونظر اخاه محتاجا واغلق احشاءه عنه فكيف تثبت محبة الله فيه؟" (1يوحنا17:3).
فعندما عثر الرجال الاربعة البرص الذين كانوا يتضورون جوعا على كمية وافرة من الغذاء، اشبعوا جوعهم ثم اسرعوا ليشاركوا إكتشافهم مع الاخرين فيما عثروا عليه وشبعوا منه (2ملوك9:7). فهل يكون المسيحيون في عهد النعمة اقل عطفا من البرص الذين عاشوا في عهد الناموس ؟ ثالثا: انه لمن الخطأ تكديس الاموال، لأن ذلك ينم عن قساوة القلب تجاه الاحتياجات الطبيعية أو الضرورية الهائلة للعالم (امثال27:3-28؛ 26:11). إن الرجل الغني المذكور في (لوقا16) لم يُبدِ أي اهتمام للمستعطي المطروح عند بابه، ولم يتجه نحو نافذته ليزيح الستارة جانبا ليرى رجلا في احتياج حقيقي، إنسانا جديرا بأن يُنفق عليه بعضاَ من نقوده. ولكنه لم يهتم بذلك.
العالم اليوم مليء بأمثال لعازر، مطروحون أمام أبوابنا. والرب يسوع يقول لنا "تحب قريبك كنفسك" (متى39:22). فإن رفضنا أن نُصغي اليه الأن قد نسمعه يوما ما يقول لنا "جُعت فلم تطعموني. عطشت فلم تسقوني، بما انكم لم تفعلوه بأحد هؤلاء الأصاغر، فبي لم تفعلوه" (متى42:25-45).
رابعا: إنه لمن الخطأ على المسيحي أن يكنز له كنوزاً على الارض لان هذا يكون سبب تجديف غير المسيحيين على اسم الله (رومية24:2). فقد قال فولتير "يعبد الإنسان المال، عندما يتعلق به". فالعديد من غير المخلّصين على دراية بتعاليم يسوع المسيح، ويعرفون أنه علينا أن نحب قريبنا، لكنهم يلاحظون التناقض الواضح بين سلوكنا وبين اقوال الرب، عندما يرون أن المعترفين بإتباعهم للمسيح يترفهون في بيوت ضخمة، وسيارات فخمة، اطعمة شهية وثياب غالية الثمن.
إنه وقت لكي تصحو الكنيسة! فنتحدث مع الشباب المتعلم في كل ارجاء العالم ونصغي لانتقادهم للمسيحية! فهؤلاء لا يعارضون مباديء يسوع المسيح، لكنهم يقاومون بشدة غنى الكنيسة والمسيحيين في عالم مسحوق بالفقر.
نحن نهتم ليس بغير المؤمنين فقط ولكننا نهتم بالمؤمنين الاحداث أيضاً. فهم يراقبون شيوخهم ويتخذونهم قدوة لهم، فطريقة حياتنا أهم من تعليمنا الكلمة، فإحساسنا بالقيَم والمبادئ لا يكون بحسب الموعظة الحماسية التي نلقيها يوم الأحد، إنما بالهدف الذي نسعى خلفه من يوم الاثنين حتى السبت.
يحكُم الشباب على حقيقة عيشتنا كغرباء في العالم بما يرونه في تقييمنا للامور الزمنية. إنهم لا يتأثرون بالصلوات المؤثرة التي تطلب المال لأجل عمل الرب، بينما عندهم المال اللازم لتسديد احتياجات الخدمة بمجرد جرة قلم.
فإن صرفنا حياتنا في جمع الثروة، فيجب أن نستغرب عندما يتبع الشباب مثالنا. ليتنا لا ننسى إنذار الرب يسوع: "لا يمكن إلا ان تأتي العثرات، ولكن ويلٌ للذين تأتي بواستطه. خير له لو طوق عنقه بحجر رحي وطُرح في البحر، من ان يُعثر أحد هؤلاء الصغار" (لوقا1:17-2).
يُعتبر جمع الثروة خطية لسبب آخر، وهو لأنها تسلب الله (ملاخي8:3). سبق وعرفنا ان كل ما لنا هو له. فإذا كنا لا نقدر ان نستخدم كل ذلك في تقدم الأمورالإلهية، فليتنا نساعد به أولئك الذين يعرفون أن يستخدموه في عمل الرب. فلا عذر لنا في اخفائه في منديل (لوقا20:19-26). فشلنا في طاعة الرب بما يختص بالوكالة على الأموال، يغلق مقاطع من الكتاب عن فهمنا (متى21:6-23)، فتُعمى عيوننا أمام الأجزاء الكتابية التي في غاية البساطة في ظاهرها وواضحة جدا في وجوههم.
وما هذا الا مظهر واقعي لطبيعتنا الساقطة المنحرفة، كلما ابعدنا تعليم الكلمة من مركز حياتنا ومسئولياتنا - كما يحصل مع قانون الفيزياء- كلما قلَّ ضغط طبيعتنا الخاطئة على استنتاجنا. والجدير بالذكر أنه كلما تعمقنا في دراسة الكلمة وازددنا قربا لخالقنا، كلما زاد نشاط الطبيعة الساقطة فينا، لتعمي اذهاننا عن الحق الذي لا نريد أن نؤمن به، ولكي تشجعنا على التمسك بفرضية تبدو انها ستعفينا من مسؤليتنا.
كتب هارننجتون س. ليز في هذا المجال Harrington c. Lees الجزء الأكثر حساسية عند الانسان المتحضر هو جيبه، وإن الصراع الاكثر قساوة الذي يشنه الواعظ من على المنبر هو عندما يلمس جيوب سامعية".
فالاجزاء الكتابية التي تتكلم عن انكار الذات، عديمة التاثير عندما نعيش حياة رخاء. وبالتاكيد لا يمكننا أن نُعلم اي مقطع كتابي بفاعلية إن لم نكن قد عشناه بانفسنا. فواحدة من لعنات عدم الطاعة في هذا الأمر كما هي في باقي الأمور الأخرى، كتاب مقطَّع الاوصال (متى14:13-15).
إن تجميع الثروات يجعل حياة الإيمان العملي مستحيلة. لماذ؟ لأنه يستحيل عليك أن تجمع ثروة دون ان تتكل عليها. فالرجل ذو الأموال لا يعرف مقدار اعتماده عليها. "ثروة الغنيّ مدينته الحصينة، ومثل سور عال في تصوره" (امثال11:18).
انه يعتمد على المال في حل جميع مشاكله لتمنحه سعادة في الحاضر وأماناً للمستقبل، فإذا ما خسر كل ثروته فجأة، يفقد متكله وكل ومعتمده، ويصبح في حالة من الارتباك.
والحقيقة هي اننا نثق في حساب البنك الذي نراه بدل ما نثق بالله الذي لا نراه. ففكرة أن لا يكون اعتمادنا على أي شيء أو شخص آخر سوى الله كفيلة بالتسبب لنا بانهيار عصبيً.
لا نشعر بالامان بين يديه، لكننا نشعر مطمئنين إذا كانت لدينا كنوز هذا العالم، التي تحمينا من المصادفات والتغيّرات المفاجئة، فنشعر بالأمان اكثر. وهذا بالتاكيد شعور عام . "كلنا نكون في خطر الإنزلاق الى حالة الانزعاج وعدم الثقة بتدبير الله الابوي" (صموئيل كوكس Samuel cox)
فإرادة الله هي أن تكون حياتنا في ازمة دائمة لكي يكون الأعتماد الكلي والدائم عليه، أما عندما نكنز كنوزا على الارض، فاننا نناقض مشيئته لحياتنا.
حياة الايمان هي الحياة الوحيدة التي ترضي الله: "لانه بدون ايمان لا يمكن ارضاؤه". (عبرانيين6:11). حياة الايمان هي الوحيدة التي تضمن لنا الامان الحقيقي، "فهو من الايمان... ليكون الوعد وطيداً" (رومية16:4) لذلك ليس شيء مؤكد أكثر من وعد الله الذي ينتج حياة الإيمان التي لا يشوبها القلق. تنشأ الاضطرابات العاطفية والعصيبة من الاعتماد على الماديات وليس من المسير مع الله بالإيمان. فحياة الايمان هي الوحيدة التي تجلب المجد لله. أما اذا سلكنا بالعيان فنحن نُمجد البراعة والذكاء البشريين.
حياة الإيمان تتكلم بصوت اعلىٍ لغير مؤمنين وللمؤمنين الآخرين. إنها تشهد عن وجود الله الذي يسمع الصلاة. الايمان بعكس العيان؛ فعندما ترى بالعين فلا يمكنك السير بالايمان. وهكذا عندما تكنز ثروة تجعل حياة الإيمان مستحيلة.
عندما يصبح الشخص مؤمناً مسيحياً، لا تاتي حياة الإيمان بطريقة تلقائية، لكنها تتطلب قرارا مقصوداً من جانبة. خصوصا في المجتمعات الثريّة. يجب أن يضع المؤمن نفسه في وضع يكون فيه مرغما على الثقة بالله. يمكنه عمل ذلك ببيع كل ما يملك واعطائه للفقراء. وكانه يتخلص من كل الفائض الذي بحوزته وموارد الضمان الكاذبة، لكي فعلا يستطيع الابحار في العمق.
ليس هذا فقط بل من سبيل التحقير للرب أن نعيش كملوك في عالم ما زال يرفضه، وخدامه يُضطهدون فيه. لقد شبّه بولس الكورنثيين كمن هم جالسون على أغلى مقاعد في الملعب واضعين تيجاناً على رؤسهم ويرتدون افخر الملابس. وفي نفس الوقت صور الرسل في الميدان وهم جاهزون لتلتهمهم الوحوش الضارية. يقول في 1كورنثوس8:4-13 "انكم قد شبعتم، قد استغنيتم، ملكتم بدوننا. وليتكم ملكتم لنملك نحن ايضا معكم. فاني ارى ان الله ابرزنا نحن الرسل آخرين كأننا محكوم علينا بالموت. لاننا صرنا منظرا للعالم، للملائكة والناس. نحن جهال من اجل المسيح وأما انتم فحكماء في المسيح. نجوع ونعطش ونُعرى ونُلكم وليس لنا إقامة. ونتعب عاملين بأيدينا. نُشتم فنبارك. نُضطهد فنحتمل.يُفترى علينا فنعظ. صرنا كأقذار ووسخ كل شيء الى الآن".
لقد ملك أهل كورنتوس قبل أن يملك المسيح نفسه. فان تتويج واحد من رعايا الملك قبل تتويج الملك نفسه اولا يعتبر تحقيراً فاضحاً للملك. فتجميع الثروة هو عكس المثال الذي قدمه الرب يسوع. فقد كان غنياً بلا حدود، لكنه افتقر بكامل ارادته لكي يُغنينا نحن بفقره. (2كورنثوس9:8). يوجد في لغة العهد الجديد الاصلية كلمتان ترجمتا بمعنى فقير. احداها تعني حالة رجل عامل ليس لديه اكثر من قوته اليومي والثانية تعني فقيراً معدماً أو مجرداً من الغنى. وهذه هي الكلمة الثانية التي استعملها الرسول بولس لوصف الرب يسوع. كم منا يرغب أن يتبع الرب يسوع الى النهاية؟ احد الشرور الاخرى للغنى هو انه يضرّ بحياة الصلاة. فعندما يكون كل شيء متوفرا فلماذا نصلي؟ والاخطر من ذلك، الخجل عندما نسأل الله ليفعل اشياء نستطيع نحن ان نفعلها بانفسنا. على سبيل المثال، كم مرة نسأل الله أن يزودنا اموالاً من اجل مشاريع معينة نستطيع ان ناتي بها نحن بدون تأخير. ما اكثر المرات التي نبخل في اعطاء الرب من ماله الذي له.
اخيرا، من الخطأ على المؤمنين ان يهتموا بجمع المال، لأن ذلك يشجع الاخرين ليصبحوا مسيحيين بهدف الحصول على المال. لقد كان فقر المؤمنين الاوائل ذخراً لهم وليس ديناًً عليهم.
العقيدة التي قلبت العالم رأساً على عقب، كان دعاتها الاوائل رجالاً فقراء، سددت احتياجاتهم الاساسية من السماء. فلو امتلك الرسل نقوداً ليمنحوها لسامعيهم أو كان وراءهم جيوش لإخافة الجموع، لأنكر المتشككون أن وراء نجاحهم كان شيئا رائعاً. لكن فقر تلاميذ الرب سحب البساط من تحت اقدام هؤلاء الكفار. ولكن مع تعليم غير مرغوب به في القلب الطبيعي، وبدون وجود ما يمكن استعماله للرشوة وفرض الطاعة- فتن عدد من رجال جليليين فقراء المسكونة وغيروا وجه الامبراطورية الرومانية. وكان السبب الفريد في ذلك النجاح هو ايمانهم بإنجيل المسيح، بانه كلمة الله.
كتب جيلمور المنغولي (Gilmour of Mongolia) "اذا ذهبت اليهم غنيا لاستمروا بالتوسل الي واعتبروني ليس اكثر من هبة لهم. ولكن إن ذهبت بدون شيء سوى الانجيل لن يعطل أي شيء اهتمامهم عن العطية التي لا يعبر عنها".
التقى بطرس ويوحنا بالاعرج عند باب الهيكل، عندما سألهم ليأخذ صدقة اجابه بطرس: "ليس لي فضة ولا ذهب ولكن الذي لي فإياه اعطيك باسم يسوع المسيح الناصري قم وامشٍ" (اعمال الرسل6:3).
ربما يقول بعضهم: يجب ان يكون الواعظون فقراء، ولكن ليس بالضرورة كل المسيحيين؟ لكن في اي مكان في الكتاب المقدس نجد هذا التعليم عن معايير اقتصادية مختلفة تختص بالمبشرين والمرسلين، وغيرهم الذين يبقون في البيوت؟
- عدد الزيارات: 3734