الفصل الثالث عشر: أعداء المسيحي
"إن مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات" "أفسس6: 12"
الآن وقد اتخذت قرارك، الآن وقد ولدت من جديد، وتبررت، وأصبحت من أولاد الله، ماذا بقي عليك؟ هل ثمة خطوة جديدة ينبغي أن تخطوها أم هل انتهى كل شيء؟ - لستَ الآن إلا في البداية. أنت في عالم جديد، العالم الروحي، والكل فيه جديد لك. أنت طفل، وكالطفل أنت بحاجة إلى حنان وعناية وغذاء وحماية. ليس بوسعك أن تحيا الحياة المسيحية منفرداً، إذ لا بد لك من "عائلة" تجد فيها المساعدة والشركة، وهذا أحد الأسباب التي من أجلها أسس المسيح الكنيسة.
إن لك أعداءً ويا لهم من أعداء! يحاولون بشتى الوسائل أن يخنقوا الحياة المسيحية فيك. إذ كنت تتخذ قرارك الحاسم كانوا يزأرون ويدأبون محاولين أن يجرّوك إلى الخطية أو يزجوك في الانهيار واليأس.
ثلاثة أعداء عليك أن تحاربهم ما حييت، وعليك أن تعدّ العدة لكي تهزمهم وتغلبهم. فدعنا نتعرف إليهم ونكشف القناع عنهم. يعلمنا الكتاب المقدس أن أعداءنا هم الشيطان والعالم وشهوة الجسد.
أولاً: الشيطان. رأينا أن الشيطان شخص جبار دأبه مقاومة الله والتغرير بشعب الله. ورأينا أنه قد غُلب عند الصليب، ومع ذلك فما زالت عنده القوة للتأثير في البشر واستمالتهم إلى الشر. يدعوه الكتاب المقدس "الشرير"[1] "الشيطان"[2]"قتّال للناس" "كذاب وأبو الكذاب"[3] "أسد زائر يجول ملتمساً من يبتلعه"[4] "الحية القديمة" "المشتكي على أخوتنا"[5].
ومنذ أن اتخذت قرارك فأذعنت للمسيح مُنيَ ذلك العدو الغاشم بهزيمة نكراء، ولذلك فهو يرغي ويزبد ويحاول أن يوقعك في الخطية. ولكن لا تخف فإنه لن يستطيع أن يسلبك خلاصك أو يقينك أو انتصارك. سيسعى جهده ليبذر في نفسك بذور الشك في حقيقة تجديدك؛ فحذار من النقاش معه لأنه أمهر مناقش في كل العصور.
عند أول تجربة تعترض لك تذكّر أن المشاعر قُلَّبٌ لا يمكنك الاتكال أو الاعتماد عليها. سيسعى إبليس أن ينفخك بالكبرياء لكي ما تمتلئ ثقةً بمؤهلاتك وقواك ومطامعك ورغباتك. وفي أول سانحة سينفث في قلبك الكره والحقد أو يحملك على اغتياب الآخرين وتكديرهم، أو يغرس في قلبك الحسد والضجر والخبث، أو يوقعك في الرياء والكذب وما أشر الكذب من خطية! وما أسهل اقتراف الكذب بالفكر أو بالقول أو بالعمل! وكل ما من شأنه أن يخدع شخصاً آخر فهو كذب. سيحاول أيضاً أن يجعلك مصدمة ومعثرة لأخوتك المسيحيين، فإذا لم تأخذ حذرك منه فستضحي، دون علم منك، أحد أعوان الشيطان. يا له من مراوغ داهية مقتدر! يسميه الكتاب "إله هذا العالم"[6] "رئيس هذا العالم"[7] "رئيس سلطان الهواء"[8].
وتقول لي: كيف والحالة هذه أتغلب عليه؟ كيف السبيل للهرب منه؟ وهل ثمة منفذ؟- "لم تصبكم تجربة إلا بشرية. ولكن الله أمين الذي لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون بل سيجعل مع التجربة أيضاً المنفذ لتستطيعوا أن تحتملوا"[9]. إذاً المنفذ موجود. عليك أن تتذكر في كل الأحوال أنه إذا جربك الشيطان فليس ذلك دلالة على أنك لا تسير باستقامة مع الله، لكنه بالحقيقة يثبت العكس. تذكّر أن التجربة ليست خطيئة، وأن الله لا يجرب أولاده مطلقاً ولا يوقعهم في الشكوك؛ ولكن جميع الشكوك والتجارب مصدرها الشيطان. ولا تنس أن الشيطان يقدر أن يجرب ولكنه لا يقدر إجبارك على قبول التجربة. تذكر أخيراً أن المسيح قد قهر الشيطان ولذلك صارت قوته عديمة التأثير في أولئك الذين يحبون حياة الاتكال والاستسلام والاعتماد الكلي على الله.
يقول الكتاب المقدس: "قاوموا إبليس فيهرب منكم" لكنه يقول قبل ذلك "اخضعوا لله"[10]. فإذا ما خضعت للمسيح خضوعاً كلياً أصبح بوسعك أن تقاوم الشرير فينهزم- حسب وعد الكتاب_ مقهوراً مدحوراً. إن الشيطان يرتجف حين تصلي، ويرتد على أعقابه مهزوماً حينما تتلو آية من آيات الكتاب المقدس، ويولي الأدبار حين تقاومه. ضع اعتمادك كلياً على قوة المسيح فتأمن من إبليس ومكايده.
ثانياً: العالم. ونعني بذلك العالَم بكل ما فبه من أشياء تجذبنا نحو الخطيئة: الصحبة الشريرة، الأزياء الخليعة، الملذات والأفكار والمطامع العالمية الخ. إن المسيحي، أي الإنسان الذي اختبر الولادة الثانية، يعلم جيد العلم أن مسرة قلبه هي فوق، في الأجواء السامية الساطعة وفي الأمور النبيلة الطاهرة. أما الذين لم يختبروا الولادة الثانية فيتوهمون ويتهمون الحياة المسيحية أنها ليست سوى مجموعة قواعد وفرائض وأنظمة جامدة وسنن صارمة. هو الشيطان يدس هذا الوهم الكاذب في عقول البشر. ونحن نعلم أن الحياة المسيحية ليست سلسلة نواهي بل سلسلة أوامر إيجابية. المسيحي محور حياته، بل أساسها، بل غايتها المسيح. فكيف يهتم بالعالم وأموره!.
هب أن أحدهم يقدّم لك صحناً من المجدرة بعد أن تناولت طبقاً شهياً من الدجاج المحمر أفلا تشكره معتذراً لأن معدتك ممتلئة ولا تتسع المزيد؟! هكذا أيضاً في الحياة المسيحية؛ فأنت شبعان من لذائذ المسيح وطيباته حتى لم يعد في نفسك مكان لهذا العالم وملذاته الخاطئة الشريرة.
يقول الدكتور جريفث توماس (Griffith Thomas):"بين عناصر الحياة اليومية أمور ليست خطيئات بحد ذاتها، لكنها تغدو كذلك إذا ما أسيء استعمالها، أي إذا أُفرط في استعمالها. والإفراط في الأمور الشرعية أو الجائزة يضحي شراً. إن الفرح أمر شرعي إذا أستعمل بوجه صحيح لكنه يصبح غير شرعي إذا أفرط في استعماله. والطموح هو من دلائل العزم ومن مقومات الشخصية الصحيحة ولكن يجب أن يكون هدفه نبيلاً وينبغي أن يمارس بمقدار ملائم. كذلك أشغالنا اليومية والمطالعة والملابس وغيرها من مظاهر الحياة، كلها أمور شرعية وضرورية؛ ولكن ما أسهل ما تصبح أموراً ضارة غير شرعية لا لزوم لها. لا بد من الاهتمام بضروريات الحياة ولكن ما أسهل ما يتحول هذا الاهتمام إلى قلق! وعندئذ- كما قال المسيح- تخنق هموم هذه الحياة البذار الروحي في قلب المؤمن. المال ضروري في حياتنا اليومية ولكن الاهتمام بربح المال سرعان ما يتحول إلى محبة المال فيتسلل غرور الغنى إلى الحياة الروحية ويفسدها! .
" لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم"[11]. لأن " العالم يمضي وشهوته وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد"[12]. يسألني كثير من الشباب: " هل هذا الأمر خطأ؟ هل فعل ذاك الأمر خطيئة؟- يسهل جداً، في تسعين بالمئة من هذه الأسئلة، أن نجاوب عنها إذا وجهنا لأنفسنا بروح الصلاة السؤال على الوجه التالي: " ماذا يريد يسوع المسيح أن أفعل؟ هل أستطيع أن أطلب بركة المسيح على هذا الأمر؟ ما هي نظرة المسيح إلى كتبي ورفقائي وبرامج الإذاعة التي أصغي إليها ووسائل التسلية التي استعملها؟" عندئذ لا مجال للمساومة أو المناقشة إذ يجب أن نقف في جانب المسيح.
نرى كثيرين من المسيحيين يسيرون مع العالم يداً بيد بحيث لا نستطيع أن نميزهم عن أهل العالم. والحال أن المسيحي في مجتمعه يجب أن يتألق بالفضائل والخصال الحسنة كما تتألق الماسة الوهاجة، ويجب أن يتصف بالاتزان الخلقي، وبالحزم في ما يفعله أو يتجنبه. جدير به أن يكون مشرق الابتسامة، ولكن عليه أن لا يسمح للعالم أن يحطه إلى مستواه.
يقول الكتاب المقدس أن "كل ما ليس من الإيمان فهو خطية"[13]. ويقول أيضاً أنه لا يجوز لأحد أن يفعل شيئاً وهو في حالة الارتياب. ينبغي أن يتأكد من صحة الشيء ثم يقدم على فعله. وخير خطة نتبعها كلما شككنا في أمرٍ ما هي أن لا نفعله (طالع الرسالة إلى أهل رومية الاصحاح 14).
ثالثاً: شهوة الجسد. ويعني الجسد ذلك الاتجاه الشرير للذات الباطنية. فقد تعود إليك النزاعات القديمة أحياناً حتى بعد التحول؛ وتتملكك الدهشة من أين تعود هذه النزاعات. ويعلمنا الكتاب المقدس أن الطبيعة القديمة، بفسادها، ما تزال موجودة، وهي مصدر هذه التجارب الشريرة التي تهاجمك. وهكذا تنجلي لك حقيقة الصراع القائم في داخلك بين طبيعتين تتصارعان وكل منهما تسعى لإحراز الغلبة.
يقول الكتاب المقدس "إن الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد"[14]. فالطبيعة القديمة لا تستطيع أن ترضي الله ولا يمكن أن تُصلَح أو "ترقع"؛ ولكن شكراً لله لأن طبيعتنا قد صلبت مع المسيح. ولذلك يمكننا الآن أن نحسب أنفسنا "أمواتاً عن الخطية ولكن أحياءً لله بالمسيح يسوع ربنا"[15]. وهذا كله يتم بالإيمان.
هنا أيضاً ينبغي أن نميز بين استعمال الشيء والإفراط في استعماله، بين ما هو شرعي وما هو غير شرعي. بعض الرغبات فينا آثمة وبعضها جيدة. ويعرّف جريفث توماس الشهوة بقوله: "إنها الرغبة العارمة" الشديدة. فليس من الضروري أن تعني "الرغبة الآثمة" لأن ثمة شهوات فيزيولوجية نشارك بها الحيوان، كالعطش والجوع، ليست رغبات آثمة بحد ذاتها بل هي رغبات طبيعية؛ ولكن إساءة استعمال هذه الرغبات تجعلها آثمة شريرة. فالجوع مثلاً شهوة طبيعية لكن النهم شهوة آثمة. والعطش شهوة طبيعية لكن الإدمان شهوة آثمة. والزواج مطابق لإرادة الله ونواميس الطبيعة البشرية، أما الزنى فهو معاكس لإرادة الله وهو خطية. إلا هنالك رغبات أخرى كالحقد والبغضاء، هي بالأصل رغبات آثمة شريرة. إذاً ينبغي علينا أن نميز بالدقة بين الشهوة التي ليست إلا رغبة شديدة والشهوة التي هي رغبة آثمة. وتعتبر خطيئات الجسد من بعض النواحي أفظع الخطيئات لأنها تعبر عن حنين طبيعتنا البشرية إلى الشر. ولكن لا إبليس ولا العالم حتى ولا قلبنا الشرير يستطيع إرغامنا على الخطية. فهذه لا تحصل إلا عندما نختار الشر بملء المعرفة والإرادة. يقول بولس: "لا تصنعوا تدبيراً للجسد لأجل الشهوات"[16]. ويقول أيضاً: "اقمع جسدي"[17]. فينبغي علينا إذاً أن نسلم أنفسنا لله إلى هذا الحد أننا نستطيع أن نقول: أننا نحسب أن طبيعتنا القديمة قد ماتت عن الخطيئة.
فأعداؤنا الثلاثة هم: الشيطان والعالم والجسد؛ ويتلخص موقفنا منهم بكلمة واحدة هي: النبذ. لا مجال للمساومة أو المسايرة أو التردد. وإن نبذ هؤلاء الأعداء نبذاً مطلقاً هو سبيل المسيحي إلى النصرة الكاملة. أما الشيطان فلا نستطيع مقاومته ما لم نخضع لله خضوعاً كاملاً. أما العالم فنغلبه بإيماننا: "هذه هي الغلبة التي تغلب العالم إيماننا"[18]. أما عن الجسد فيقول لنا الكتاب المقدس: "اسلكوا بالروح فلا تكمّلوا شهوة الجسد"[19].
ولا ينبغي أن يتطرق إلى قلبك الفشل أمام خطورة هؤلاء الأعداء وشراستهم لأنك لست وحيداً في المعركة. إنك تستطيع - بمساعدة الروح - أن تميت أعمال الجسد (رومية 8: 13). تذكر أن يسوع قد وعدنا بأنه لن يتركنا وبأنه سيرسل معزياً (ومعناه الذي يساعد ويعين ويهتم بنا) ليمكث معنا إلى الأبد: " لا أترككم يتامى. إني آتي إليكم"[20]. فكأنه يقول: إني آتي إليكم في شخص المعزي، الروح القدس الذي أنا مرسله إليكم.
إن الروح القدس هو أقوى كائن في عالمنا اليوم. لقد كان زمن العهد القديم عصر الله الآب، وكان زمن وجود الرب يسوع المسيح على الأرض عصر الله الابن؛ ونحن- منذ يوم الخمسين - نعيش في عصر الله الروح القدس.
يتخذ الروح القدس مقره في قلبك حالما تقبل الرب يسوع مخلصاً لك فيصبح جسدك هيكلاً للروح القدس[21]. وإذا كنا نملك روح المسيح فنحن لسنا لأنفسنا: "إن كان أحد ليس له روح المسيح فذلك ليس له"[22].
لكنك تقول: "إنني لا أشعر بشيء في قلبي. إنني لا أشعر بالروح القدس فيّ" فأجيبك: دع المشاعر جانباً ولا تعتمد عليها. فأنت لم تخلص بالمشاعر بل بالإيمان. فسواء شعرت أم لم تشعر بوجود الروح القدس في داخلك، فاقبل ذلك بالإيمان كحقيقة ثابتة مسلّم بها. فالروح القدس هو فيك يعينك لتحيا الحياة المسيحية. وهو فيك لكي يتعظم ويتمجد المسيح في حياتك، ولكي تستطيع أن تحيا حياة سعيدة منتصرة مجيدة.
يأمرنا الكتاب قائلاً: "امتلئوا بالروح"[23]. إذا كنت ممتلئاً بالروح القدس فستأتي بثمر الروح الذي هو محبة فرح سلام طول أناة لطف صلاح إيمان وداعة تعفف[24]. ليس الامتلاء بالروح مسألة اختيارية. لقد أُمرنا بذلك أمراً، فينبغي أن نمتثل هذا الأمر.
ولكن كيف تعرف أنك ممتلئ بالروح القدس؟ كيف السبيل إلى الامتلاء؟ وهل ثمة اختبارات عاطفية بها يجب أن تمر؟- كلا. ولكنك، عندما تتطهر من كل خطية معروفة وتستسلم تمتماً للمسيح، فآنئذ يمكنك أن تقبل بالإيمان أنك قد امتلأت بروح الله. الامتلاء بالروح معناه أنك تتسلّم له كل شيء وأنه لا يوجد شيء آخر في قلبك سواه. إن التكريس هو الاستسلام التام، المطلق: " أطلب إليكم أيها الأخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله"[25].
لا يستطيع أن يحرز غلبة كاملة على العالم والجسد والشيطان إلا المسيحي المكرّس تكريساً تاماً والممتلئ بالروح القدس، لأن الروح القدس هو الذي سيقاتل عنه: " إن مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات"[26]. فحربنا إذاً حرب روحية لا نستطيع أن نخوضها ضد أعدائنا الأقوياء بأسلحتنا الجسدية الضعيفة؛ لكننا عندما نصبح أدوات طيعة في يد الروح القدس وندَعُه يقاتل عنا فسوف نحرز النصر الكامل. فسلّم المسيح أمورك وحياتك وذاتك تسليماً كاملاً، وليكن هو السيد والرب في حياتك كما قال: "أنتم تدعونني معلماً وسيداً وحسناً تقولون لأني أنا كذلك"[27].
كان صبي ذات يوم يلهو بمزهرية غالية الثمن. وإذ كان عنقها ضيقاً علقت يده فيها ولم يتمكن من إخراجها. وحاول والده أن يساعده فلم ينجح. فكر الوالد في كسر المزهرية، ولكنه فضّل أن يقوم ابنه بمحاولة أخيرة فقال لابنه: أبسط يدك هكذا ثم اسحبها برفق. لكن الطفل احتج قائلاً: كلا يا والدي لأنني إذا بسطت يدي سقط منها القرش.
ربما تبتسم الآن من تصرف الطفل، ولكنه أليس هذا بالضبط ما نفعله نحن؟ نرفض أن نتخلى عن قرش الدنيا العديمة القيمة وننال التحرر الكامل! ألق القرش إذاً، واستسلم كلياً للمسيح، ودع الله يملك في قلبك فترى أي تغيير رائع وأي تدبير إلهي حكيم سيوجه حياتك كلها.
واعلم أنك إذا سلّمت قيادة كل شيء للمسيح فلن يرفضك المسيح: " من يُقبل إليّ لا أخرجه خارجاً"[28].
إن حياتك الموقوفة للمسيح والممتلئة بالروح تتصف بجرأة وشجاعة لم تعهد لهما مثيلاً من قبل. الرجل الممتلئ بالروح يعرف مخافة الله، ولا يعرف سواها. وهو يقف إلى جانب المسيح مناضلاً في سبيله بجرأة وشجاعة خارقتين. تصفّح سفر "أعمال الرسل" وتأمل في شجاعة الرسل وجرأتهم!
الرجل الممتلئ بالروح يحمل ثمر الروح. قلتُ ثمر الروح لأن هذه الأثمار هي للروح وليست أثمارك. ستكون هناك المحبة ملكة الفضائل كلها، تلك المحبة التي أمرنا بها يسوع إذ قال: "هذه هي وصيتي أن تحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم"[29].
بهذه المحبة الفائقة الطبيعية ستحب قريبك أياً كان دونما نظر إلى الجنس أو المذهب أو المعتقد السياسي. تزول المرارة والخصام والحسد وتسيطر بدلاً منها المحبة الأخوية.
وسيكون هناك الفرح وهو إحدى الصفات المميزة للمسيحي. مهما عبست الظروف يظل هناك قلب فرح ووجه مشرق. لكن كثيرين من المسيحيين يطلعون على الآخرين بوجوه كئيبة واجمة، وواضح أن وجوه هؤلاء لا تعكس إشراق مجد الله. ومن السهل أن تميز المسيحي الحقيقي المنتصر بمجرد رؤيتك له. لذلك وجب على المسيحي الحقيقي أن يكون متألق الوجه بشراً وفرحاً بحيث يشيع البهجة فيمن يحيطون به. أما يقول الكتاب المقدس "فرح الرب هو قوّتكم"[30].
وسيكون هناك سلام. قال بولس الرسول بالوحي: " مكتئبين في كل شيء لكن غير متضايقين. متحيرين لكن غير يائسين. مضطهدين لكن غير متروكين. مطروحين لكن غير هالكين"[31]. وبوسعنا أن نمضي في سرد الفضائل المذكورة في غلاطية (5: 23، 23) - طول الأناة اللطف الصلاح الإيمان الوداعة التعفف- ونرى كيف تزدهر كل هذه الصفات الرائعة في حياة أولئك الذين استسلموا استسلاماً تاماً وامتلأوا حقاً بالروح القدس.
هلا علمت أيها الأخ الحبيب أن الانتصار هو لك، وأنه من حقوقك البنوية! ليس لك عذر بعد اليوم إن مُنيتَ بأية هزيمة، وبوسعك أن تحيا حياة هنيئة عزيزة جميلة. ستفرح بالنهوض كل صباح لتستقبل يوماً جديداً تعيشه للمسيح. لأن كل يوم سيكون ممتعاً منيراً مليئاً بفرض للخدمة وبساعات لذيذة تقضيها مع الله، ومليئاً أيضاً بمعرفتك أنك بصحبة المسيح آمن مطمئن سعيد.
[1]- متى 13: 19
[2]- لوقا 4: 33
[3]- يوحنا 8: 44
[4]- 1 بطرس 5: 8
[5]- رؤيا 12: 9-10
[6]- 2 كورنثوس 4:4
[7]- يوحنا 12: 31
[8]- أفسس 2: 2
[9]- 1 كورنثوس 10: 13
[10]- يعقوب 4: 7
[11]- يوحنا 2: 15
[12]- 1 يوحنا 2: 17
[13]- رومية 14: 23
[14]- غلاطية 5: 17
[15]- رومية 6: 11
[16]- رومية 13: 14
[17]- 1 كورنثوس 9: 27
[18]- 1 يوحنا 5: 4
[19]- غلاطية 5: 16
[20]- يوحنا 14: 16 - 18
[21]- 1 كورنثوس 6: 19
[22]- رومية 8: 9
[23]- أفسس 5: 18
[24]- غلاطية 5: 22 - 23
[25]- رومية 12: 1
[26]- أفسس 6: 12
[27]- يوحنا 13: 13
[28]- يوحنا 6: 37
[29]- يوحنا 15: 12
[30]- نحميا 8: 10
[31]- 2 كورنثوس 4: 8 - 9
- عدد الزيارات: 3684