الفصل السابع: الخاتمة
خرجنا أنا وصديقاي من طريق الرمال المائية، وقد تمزَّقت أجسامنا وتلوَّثت ثيابنا، وأخذنا نحدث المحيطين بنا بما عمله فادينا معنا... لقد أنقذنا من سلطان الظلمة إلى سلطان ابن محبته. ونقلنا من الموت إلى الحياة. إنها معجزة اشتراها لنا بثمن غال جداً، "لا بفضة ولا ذهب ولا حجارة كريمة، لكن بدم نفسه". كانت رسالتنا طول الطريق. وقد عبرنا البواغير ووصلنا إلى مكدونية، ثم ذهبنا إلى أثينا وكورنثوس وتسالونيكي.
ثم أخذنا جولة طويلة انتهت بنا إلى روما. وكرزنا في روما، فآمن بالمسيح في روما عدد غفير، ولذلك قبضوا علينا، ولكنهم أطلقوا رفيقي وحكموا عليّ بالحرق بالنار.
إلى هنا وانتهت مذكرات نوسترداميس. وقد قام رفيقه الذي أطلقوا سراحه بتكملة القصة التي نوردها هنا:
حكموا على نوسترداميس بالإعدام حرقاً، وزجُّوا به في سجن كريه، وجعلوا يعذّبونه ليلاً ونهاراً. وفي يوم المهرجان جاءوا به مع جماعة من المسيحيين وقد ربطوا أيديهم خلف ظهورهم. كان بعضهم يسير متخاذلاً، لكن نوسترداميس سار بأقدام ثابتة حين وقف أمام الإمبراطور شامخاً، وبدت على وجهه سمات المهابة. وقد نظر القيصر إليهٍ بشيء من العطف وسأله: "من أي بلاد أقبلت، فانك تحمل سيماء غريبة عليّ".
أجابه: "لقد تركتُ أهلي منذ أربعين سنة أبحث عن الله، وقد.... "فقاطعه قيصر: "وقد وصلت إليه، فأنا الله". قال نوسترداميس: "إن الله الذي خرجتُ أبحث عنه هو الإله الحقيقي، الإله الذي أحب الناس، وقد... "وقاطعه قيصر: "إذن لابد أن يكون إلهاً ضعيفاً جداً، فان القوة في السلطان والسيف. وها أنت تراني آمر فتمزق الوحوش أجسام عبيدي... إن إلهك ضعيف أن يعبده أحد".
قال نوسترداميس" إن المحبة ليست ضعيفة. إنها أقوى من الموت. إن مياهاً كثيرة لا تستطيع أن تطفئها والسيول لا تستطيع أن تغرقها. إن المحبة نار ونور". فقال القيصر: "لعل حِلمي أطمعك. اسجُد لي قبل أن آمر أن تشويك النار". فقال: "إني لا أسجد إلا لإلهي الذي أحبَّني ومات من أجلي". وصاح القيصر: "أنت إذن من أتباع ذاك المُضلّ الذي يُدعى المسيح. خذوه وأشعلوا النار في جسده حتى لا يبقى له أثر". وجرّوه بعنف وأشعلوا النار عند قدميه.
وارتفع اللهب يحيط بجسد نوسترداميس، وسمعناه يتغنى" يا طيب ساعات بها أخلوا مع الحبيب... يجري حديثي معه سراً ولا رقيب". وظل يرنم إلى أن خنقت النار أنفاسه. فقال: "أيها الرب يسوع اقبل روحي". وسقط على الأرض كومة ملتهبة، لكننا سمعنا القيصر يصرخ: "ما هذا؟ لقد قامت الكومة وهي تضيء كمصباح، وقامت إلى جانبها من شدة ذلك البهاء. ولكننا قبل أن نسقط رأينا علامة النور في روما المدينة العظيمة، وفي بلدان أخرى في مختلف أنحاء العالم...
ومضى صديق نوسترداميس يقول في مذكراته:
عُدتُ إلى الغرفة التي كنا نقيم فيها، فلم أجد شيئاً ذا قيمة. كنت أعلم أنه خرج من بلاده ومعه ثروة طائلة من فضة وذهب وحجارة كريمة، ولكنه على ما يبدو وزَّع كل شيء قبل أن يُقبض عليه، والقليل الذي تركه قد طلب مني أن أعطيه لعائلات الشهداء الذين قُبض عليهم معه. لكني وجدت كثيراً من المذكرات كان قد كتبها بيده بعدة لغات... يؤسفني أنها لم تكن مرتَّبة تماماً. وقد حاولتُ أن أنظّمها... ها أنا أرسلها إليك يا صديقي. فأنت قد تستطيع تنظيمها، وقد تستطيع أن تجد فيها شيئاً نافعاً.
أما أنا فسأقيم في روما لأتمم خدمة الصديق الذي وجد المسيح وحمل عَلَمه... وتبع آثاره ومات من أجله.
صديق نوسترداميس
- عدد الزيارات: 2449