Skip to main content

الصعوبة الثالثة

أما ينبغي أن أنمو في النعمة حتى أخلص؟

بمعنى أن أنمو في النعمة حتى أكون أهلاً للسماء.

هذه الصعوبة تشبه كثيراً سابقتها. والجواب البسيط هو أن نتذكر من جديد أنه بسبب أن خلاصنا يرتكز أولاً وأخيراً على استحقاقات ما عمله المسيح لأجلنا على الصليب، لا يمكن أن يكون هناك نمو في ما يُعطى المؤمن ضماناً، ولا يمكن أن يكون في أمر الخلاص "من الغضب الآتي" لأنه لا يمكن أن يكون هناك تدرج في عمل تم فعلاً وتم كاملاً.

"ظهرت نعمة الله المُخلّصة لجميع الناس" (تي2: 11) "واليوم يوم خلاص" (2كو6: 2) و"اليوم حصل خلاص لهذا البيت" (لو19: 9) و"الذي خلَّصنا... بمقتضى القصد والنعمة التي أُعطيت لنا في المسيح يسوع قبل الأزمنة الأزلية" (2تي1: 9) "وبالنعمة أنتم مخلّصون" (أف2: 8).

ويجب أن نعرف أيضاً أنه إلى جانب هذا المفهوم عن الخلاص الحاضر، هناك أيضاً خلاص زمني مستقبل هو خلاص الجسد عند مجيء ربنا يسوع (في3: 21). هذا الخلاص ليس موضوع كلامنا الآن. وهناك خلاص من الضيقات ومن المضايقين ومن المقاومات والتجارب. هذا هو ما نسميه خلاص كل يوم "إن كنا ونحن أعداء قد صولحنا مع الله.... فبالأولى كثيراً ونحن مصالحون نخلص بحياته" (رو5: 10).

لقد سبق الله وأعلن أنه لا يسمح بأن يكون للمذبح دَرَج "وإن صنعت لي مذبحاً من حجارة فلا تنبه منها منحوتة. إذا رفعت عليه إزميلك تدنسها، ولا تصعد بدرج إلى مذبحي كيلا تنكشف عورتك عليه" (خر20: 25و 26) فلاحظوا هذا: لا مهارة لليدين في العمل ولا تدرج خطوات للقدمين. هذا هو معنى رفع الإزميل أو الصعود بدرج وباللغة الرمزية معنى ذلك "قفوا وانظروا خلاص الرب" (خر14: 13). نعم ومذبح كهذا يتناسب كل التناسب مع لص مصلوب يستقبل الموت. وماذا كان يستطيع أن يعمل لو أن عملاً باليد أو أن خطوة بالرجل كان يتحتم عليه أن يُجريها. كل ما كان مطلوباً منه هو أن يلتفت إلى الرب. لقد أتت به خطاياه وجهاً لوجه أمام حمل الله على المذبح. ونور الحياة أيقظ ضميره، والمحبة جذبت قلبه، ودون أن ينتظر يوماً واحداً حتى يتحسن أدبياً صار بالإيمان مؤهلاً للفردوس وأُعطي الضمان الإلهي من فم الرب نفسه وفي الحال.

يسأل السائل: (أليس هناك ما يسمى التقديم المسيحي أو النمو؟) نعم، وشكراً لله إنه يوجد ما يسمى التقدم والنمو، لكننا نقول ونؤكد القول أنه لا يوجد نمو في أهليتنا للسماء ولا تدرج في خلاصنا من الدينونة العتيدة. مكتوب "يسوع الذي ينقذنا من الغضب الآتي" (1تس1: 10) وأيضاً "الذي أنقذنا من سلطان الظلمة ونقلنا إلى ملكوت ابن محبته (كو 1: 13).

خذوا مثالاً: نفترض أن رجلاً لا يعرف السباحة وسقط في قاع نهر عميق. وجاء إنسان نبيل يشق الطريق بسرعة ويخلع ملابسه ويلقيها على الشاطئ، ثم يرمي بنفسه إلى حيث الرجل الغريق يغوص ويطفو وهو يكافح الموج وينقذه من موت محقق ويخرج به سالماً ليتقبل المديح من الواقفين على جانبي النهر، وتنتهي التحيات والتشكرات، وينصرف هذا وذاك كل إلى حال سبيله. وإذا برجل ثالث كان يرقب كل ما حدث يتقابل مع هذا الرجل الذي نجا من قبضة الموت ويسأله قائلاً: "هل تعرف هذا الشخص الذي أنقذ حياتك؟" فيقول الرجل: "لقد ذكر اسمه لي، ولكني أحب أن أعرف الكثير عنه"- "هل تحب أن ألتقي معك لكي أحدثك عنه أكثر؟ إنه يتحلى بصفات عجيبة"

-"من فضلك، لا تتأخر عن أن تحدثني عنه. ليتك تأتي هذا اليوم إلى بيتي لنقضي ساعة في المساء".

ويقضي الشخصان الساعات الطويلة حول ذلك الشخص النبيل وعطفه وخلاصه الثمين وتتكرر المقابلة ويتكرر الحديث عن صفات وأخلاق ومحبة ذلك الإنسان النبيل. وبعد أيام جميلة وطويلة يعرف الرجل قدراً كبيراً من المعلومات عن شخص مُخلصه أكثر كثيراً جداً مما كان يعرف عنه يوم أن عرفه أول مرة. ولكن هل بازدياد المعرفة عن الشخص المُخلّص، كان هناك تدرج في عملية الإنقاذ نفسها؟ كلا ومع ذلك كان هناك فعلاً تدرج في المعرفة عن الشخص الذي خلَّص. هناك نمو في إدراك صفات وأخلاق هذا المخلص.

والآن لنطبق هذا المثل. لقد رأى ابن الله المبارك في سابق علمه إنه إن لم يتداخل لمصلحتنا فلا مفر من أن نغوص في أعماق الدينونة بسبب خطايانا. لا عيناً تشفق ولا ذراعاً تخلص. لكن المحبة في قلبه حركته لكي يموت، وفي ملء الزمان جاء لينقذ.

جاء من ملء مجده الإلهي

إلى أعماق لجج الجلجثة

لقد تعهد أمر خلاصنا، ومات عنا موت الصليب، وعلى رأسه عجَّت ميازيب الغضب، وكأس حكمنا شرب، حتى لم يبق فيها ولا قطرة واحدة. واكتفى العدل وتمجد الله بالذبيحة الكفارية، وبذلك العمل الكامل. وكل مذنب يؤمن به قد بُرّئ من الدينونة تماماً. لقد أُنقذ من الغضب الآتي، وأصبح بالإيمان ابناً لله (غل3: 26) ولأنه من أولاد الله يرسل الله روحه القدوس ليسكن في قلبه صارخاً أيها الآب (غل4: 6). ولاحظوا هذا: إننا لا نأخذ الروح القدس لكي نصير أبناء، بل "بما أنكم أبناء أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخاً يا أبا الآب" وبذلك تصير أجسادنا هيكلاً للروح القدس (1كو6: 19). والروح القدس يسكن فينا ختماً ليوم فداء الأجساد (أف4: 30، رو 8: 23).

إن الروح القدس لا يفتقدنا لمجرد الزيارة العابرة بل يأتي إلى قلوبنا ساكناً مالكاً "ماكث معكم ويكون فيكم" هذا هو الوعد الصادق في (يو14: 16). وما هو غرضه وعمله؟ ليشهد للمسيح. "هو يشهد لي" (يو15: 26) و"ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم" (يو16: 14).

وإليكم قصة رجل خدم الرب أكثر من خمسين عاماً. تجدد هذا الرجل في سنة 1813 وفي الكورة التي عاش فيها خدم الرب هذه السنين الطويلة قطع فيها حوالي 15 ألف ميل متجولاً، ومع ذلك فهذا الخادم لم يزد أهليته للسماء قيد أنملة في آخر حياته عما كانت عليه عندما قَبِل المسيح مُخلصاً له. عاش هذا الرجل إلى سن الخامسة والسبعين اختبر خلالها صعوبات وتجارب وتعلّم خلالها الشيء الكثير عن نفسه وعن مُخلّصه، ما لم يكن يعرفه في بدء إيمانه. لكن الدم وحده كان المؤهل الوحيد لحقه في السماء.

كان هو مؤهله ومُستنده في بداية الطريق وكان هو وحده أيضاً مؤهله ومستنده في نهايتها. أما نموه في النعمة في كل هذه المدة فكان يتوقف على درجة استعداده للسير في شركة الروح القدس. فإن كنت لا تستطيع أن تضيف شيئاً إلى قيمة دم المسيح فكذلك لا نستطيع أن نضيف شيئاً إلى أهليته للسماء. وطبعاً لو قضى هذا الرجل كل حياته بعد الإيمان في تصحيح أخطائه وتقويم سلوكه ما كانت له فرصة للنمو في معرفة سيده. وأليس هذا للأسف، هو الحال مع كثيرين، فإن سلوكنا يجعل الروح القدس حزيناً، فينشغل بتصحيح إعوجاجنا والتواء طرقنا بدلاً من أن تكون مسرته في إظهار أمجاد المسيح. وبذلك لا نتعجب إذا توقفنا عن النمو.

إذن بينما ينبغي أن يتدرج المؤمن في النمو في النعمة لكن هذا النمو ليس هو الخلاص من الدينونة التي تستحقها خطايانا.

ومن الجدير بالملاحظة أن الرسول بطرس لا يُحرّضنا فقط على النمو بل يُعرفنا أيضاً كيف ننمو. "كأطفال مولودين الآن اشتهوا اللبن العقلي العديم الغش لكي تنموا به" (1بط2: 2). فهل يسأل أحد عن كيف ننمو بالتغذي على لبن الكلمة؟ ذلك لأن الكلمة تتكلم عن المسيح "فتشوا الكتب... هي التي تشهد لي" (يو5: 39) وعلى ذلك فإن:

الروح القدس يشهد للمسيح

والكتب أيضاً تشهد للمسيح

كلاهما يستحضران المسيح أمام قلوبنا بل بالحري يستخدم الروح القدس الكلمة لاستحضار المسيح أمام قلوبنا وبذلك ننمو في النعمة وفي المعرفة الشخصية بالمسيح نفسه.

لكن مرة أخرى نعيد القول مؤكداً إنه لا تدرج في مسألة أمننا وخلاصنا. فالرجل الغريق وهو في الماء كان يحتاج إلى خلاص ولو لم يُنقذ لكان الهلاك من نصيبه، ولكنه خارج الماء وقدماه على الشاطئ هو خالص وفي أمان من الهلاك.

هكذا ونحن في خطايانا نحن غير مُخلّصين. أما ونحن خارج خطايانا بسبب دم المسيح الكريم نحن مخلّصون. ومن وقت إيماننا يتخذ الروح القدس مسكنه فينا. وأي شهادة أقوى من شهادة الروح بأننا مؤهلون لمحضر الله. أليست سكناه في أجسادنا أقوى من كل شهادة.

لكن لنتيقن هذا أن الروح القدس يسكن فينا ليس بسبب ما نحن عليه في ذواتنا بل بسبب قيمة الدم المبذول لأجلنا. كان الزيت قديماً (وهو رمز للروح القدس) يوضع على الدم (دم ذبيحة الإثم التي يُقدمها الأبرص المتطهر) وليس على جسده مباشرة (لا 14: 17).

  • عدد الزيارات: 3367