الصعوبة الثانية
"أريد أن أفعل الحسنى فأجد الشر حاضراً عندي"
من حال إلى حال أردأ- هذه صعوبة أخرى أمام النفس. ربما لا توجد غلطة أكثر شيوعاً من افتراض أن الخلاص معناه تحسن مستمر في حياة المؤمن الأدبية ونمو تدريجي من حسن إلى أحسن إلى أن يصبح المؤمن في النهاية مؤهلاً لحضرة الله وجاهزاً للسماء.
لكن الكتاب المقدس بصريح اللفظ يُعرفنا أن الخلاص هو بالإيمان بعمل المسيح وحده- بالعمل الذي تم وأكمل مرة واحدة وإلى الأبد على الصليب. يعرفنا الكتاب أن بطرس "امتلأ من الروح القدس" لما جاهر أمام حكام وشيوخ إسرائيل قائلاً "ليس بأحد غيره الخلاص لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أُعطي بين الناس به ينبغي أن تخلص" (أع4: 12).
وليس أكثر وضوحاً من أن الكتاب لا يستحضر أمامنا الروح القدس كمُخلّص لنا، لأن الروح القدس لم يتجسد ويموت لأجلنا. وإن كان المسيح بروح أزلي قدَّم نفسه لله بلا عيب (عب9: 14) إنه بعمل الروح القدس في نفوسنا شعرنا بحاجتنا إلى المسيح وإلى ذبيحته. وبالروح القدس تتيقظ النفس إلى ما صنعه المسيح لأجلها لكن عمل الروح القدس فينا ليس هو أساس السلام. "إذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح" ذلك لأنه هو "الذي أًسلم لأجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا" (رو4: 25). خذوا هذا المثال في كلمة "عطش" التي تستعمل كثيراً في الكتاب للتعبير عن حاجة الإنسان الخاطئ المسكين. يقول الكتاب "وقف يسوع ونادى قائلاً: إن عطش أحد فلُيقبل إليّ ويشرب" (يو 7: 37). فالطفل يدرك، إن طلبنا أن نتعلم من الأطفال، أن العطش شيء يتولد في داخلنا. فإذا أردنا الارتواء كان ذلك بمدد يأتي من خارجنا ويحصل الارتواء فعلاً بدخول هذا المدد إلى داخلنا ليطفئ العطش.
فإذا ما قُبلت شهادة كلمة الله عن موت المسيح وذلك بالإيمان، في نفس الخاطئ المتعب الضمير، فالنتيجة سلام في القلب. أنا في خطاياي كنت أستحق الموت والدينونة. لكن شهادة كلمة الله تقول أن المسيح قد شرب كأس الدينونة ومات بدلي. كانت خطاياي بلا عدد، لكن الله الذي يعرفها جميعها وضعها كلها على ابنه الحبيب بديلي وعليه وقعت دينونتها الكاملة. لقد كُشفت كل رداءتي ولم يُستر منها شيء. وكلها دِينت ولم يُستثن منها شيء "مجروح لأجل معاصينا" و"أسلم لأجل خطايانا" والله أقامه من يكون لنا سلام في النفس.
فليست هي مسألة "نمو من حسن إلى أحسن" وهذا النمو يكون من جانبنا، لأنه إن كان الله لا يُخلّصنا حتى يرانا أننا صرنا أهلاً لذلك، إذن فلا رجاء لنا. لكنه بدلاً من أن يطالبنا بالوصول إلى درجة معينة من الاستحقاق، رأى أن يُعلّمنا حقيقتين مخجلتين عن أنفسنا:
الأولى مذنوبيتنا
الثانية عجزنا
فينبغي أن نتعلم ليس فقط أننا مذنبون، عديمو البر، بل أيضاً أننا ضعفاء عن أن نكون ما نحاول أن نكون عليه.
إنه بعد محاولات التحسين المتكررة وبعد تصميمات للوصول إلى حالة أفضل، وصل كاتب الرسالة إلى أهل رومية إلى العدد السادس من الإصحاح الخامس وطبقها على نفسه: "لأن المسيح إذ كنا بعد ضعفاء، مات في الوقت المعين لأجل الفجار". هذه العبارة صادفت في نفسه قبولاً كما يصادف الماء قبولاً عند نفس عطشانة في أرض ناشفة ويابسة. كل تاريخه الماضي أقنعه بأنه كان "فاجراً"، وكل محاولاته وتصميماته أقنعته بأنه "ضعيف". لكن الآن يستطيع أن يقول:
الشهد أسقاني وعطشي أروي
بلغني المنى واللذة القصوى
نفسي التعوبة فرحانة نشوى
- عدد الزيارات: 3093