استفانوس: الذي امتلأ حتى فاض
أع 6 و 7
إنّ الصفة التي يتميّز بها استفانوس في هذين الفصلين هي كونه مملوءاً بالروح القدس (أعمال الرسل 6: 5 و 10 ؛ 7: 51 و55).
والمملوء بالروح هو المملوك بالروح. فكان بين يديّ الروح كالطين بين يديّ الفخاريّ. لذلك وقف من أجل الربّ وقفة البطل في خدمته وحياته ومماته. وهكذا استطاع التفوّق على غيره وإحراز الأوليّة من نواحٍ عدة: فكان أول شمّاس بين السبعة وكان أول شاهد يختم شهادته بدمه من أجل يسوع، وكان أيضاً أول شبيه بالمسيح في حياته ومماته معاً. من هنا نقدر أن نتبيّن أهمية وضرورة الامتلاء بالروح القدس لا للخدام وحدهم بل لكلّ المؤمنين بدون استثناء. فكلّ مؤمن له خدمة وله وزنات. وكلّ خدمةٍ تحتاج إلى أناسٍ مملوئين بروح الربّ للقيام بها بغضّ النظر عن نوعها. إنّ الخدمة التي اختير لأجلها استفانوس كانت خدمة بسيطة (خدمة موائد) ومع هذا فقد كان من المفروض فيه أن يكون مملوءاً بروح الله حتى يكون أهلاً للقيام بها. فالامتلاء ضرورة قصوى لجميع أولا الله. قال حنانيا لبولس الرسول عند تجديده: قد أرسلني الربّ يسوع.. لكي تُبصر وتمتلئ من الروح القدس (أعمال الرسل 9: 17) وقال بولس نفسه في رسالته إلى أهل أفسس 5: 18 "ولا تسكروا بالخمر. بل امتلئوا بالروح". ومتى امتلأ المؤمن بالروح الإلهي فإنه يتحوّل إلى رجلٍ آخر ولا بدّ أن تظهر ثمار الملء في حياته، وإليكَ بعضها:
المملوء بالروح هو:
1- مملوء بالإيمان (أعمال الرسل 6: 5 و8): الإيمان هو التلسكوب الذي بواسطته نرى ما لا يُرى (عبرانيين 11: 13) وهو العين التي تبدأ بالرؤية حيث تنتهي العين المجرّدة.
وعلى حدّ تعبير كاتب الرسالة إلى العبرانيين 11: 1 "الإيمان هو الثقة بما يُرجى والإيقان بأمورٍ لا تُرى". وهو (أي الإيمان) على أنواع ومقادير. فإما أن يكون قليلاً وضعيفاً كإيمان الأعمى الذي رأى الناس كأشجار يمشون، وإما أن يكون عظيماً وقوياً كإيمان استفانوس وبارتيماس وقائد المئة والمرأة الكنعانية. والله يتعامل مع الإنسان على أساس الإيمان. "فبدون إيمانٍ لا يمكن إرضاؤه" (عبرانيين 11: 6) وكلّما ازداد الإيمان قوّةً كلّما ازداد استخدام الربّ لنا: "وأما استفانوس فإذ كان مملوءاً إيماناً.. كان يصنع عجائب وآياتٍ عظيمة في الشعب" (أعمال الرسل 6: 8) وكلّما امتلأنا عجائب وآياتٍ عظيمة أدركنا أنّ كلمة "مستحيل" مفقودة من قاموس الإيمان.
فنحن بحاجةٍ إلى إيمان في خدمتنا (أعمال الرسل 3: 6، 6: 8) ونحن بحاجةٍ إلى إيمان في سيرنا مع الله (عبرانيين 11: 5). ونحن بحاجةٍ إلى إيمانٍ في صلواتنا (مرقس 11: 24، أعمال الرسل 12: 5 و12).
ونحن بحاجةٍ إلى إيمان في الأزمات (دانيال 3: 7، عبرانيين 11: 17..).
وبحسب إيماننا يكون لنا.
2- مملوء بالحكمة (أعمال الرسل 6: 10): لكلّ إنسان شيء من الحكمة، وهي التي تُعرف أحياناً بالحكمة الأرضيّة.
ليست هذه هي الحكمة التي نعنيها هنا. لأنّ حكمة الإنسان هي جهالة عند الله. إنّما الحكمة الحقيقية هي الحكمة النازلة من فوق التي هي من عند أبي الأنوار: هي حكمة سماوية. هي حكمة غير عادية. هي حكمة لا تستطيع حكمة هذا الدهر أن تقف في وجهها (أعمال الرسل 6: 10) هي حكمة نظير حكمة بولس الرسول (بطرس الثانية 3: 15) ودانيال (دانيال 1: 10، 2: 14 و23) ويوسف (تكوين 41: 39) وسليمان (أمثال 3: 5-12) وهذا النوع من الحكمة لا يمكن الحصول عليه إلاّ بالصلاة (يعقوب 1: 5) وبالامتلاء بروح الحكمة والمشورة والفهم (أشعياء 11: 3).
3- مملوء بالقوّة (أعمال الرسل 6: 8): نعم، لا قوّة بدون روح.
ألم يقل ربّنا "تنالون قوةً متى حلّ الروح القدس عليكم". بعبارةٍ أخرى المملوء بالروح هو رجلٌ بكلّ ما في الرجولة من معنى. فالله لا يتعامل مع أولاد بل مع رجال أقوياء (كورنثوس الأولى 16: 13) بغضّ النظر عن السنّ. فكم من ولدٍ رجل وكم من رجلٍ ولد. قال أرميا قديماً "إني ولد" بمعنى أنه صغير السنّ ولكنّ الله وجد فيه رجلاً فقال له: لا تقل إني ولد لأنّك إلى كل من أرسلك إليه تذهب وتتكلّم بكلّ ما آمرك به. لا تخف من وجوههم لأني معك لأنقذك يقول الربّ" (إرميا 1: 6-8). وقبل أم يمتلئ بطرس بالروح في يوم الخمسين كان ضعيفاً جباناً لكنّه حين امتلأ صار قوياً جباراً. فالله يريدنا أقوياء ذوي سلطان.
في أقوالنا
في أعمالنا
في سلوكنا
في تأثيرنا على الآخرين.
هل لك مثل هذه القوة؟
4- مملوء بالنور (أعمال الرسل 6: 15): كان وجه استفانوس كوجه ملاك.
وما الوجه سوى مرآة القلب. ما دام القلب مملوءاً بروح المسيح فلا غرابة إن اكتسب الوجه قبساً من نور المسيح. هذه الحالة لا يصل إليها إلاّ من يُعاشر الربّ عن كثب. فيكون أشبه شيء بالقمر الذي يعكس نور الشمس. هذا ما اختبره موسى في العهد القديم: بعد أن صعد إلى الله وأمضى وقتاً طويلاً معه أصبح وجهه لامعاً هو لم يكن يعلم. وهذه هي حقيقة الحال مع كلّ مملوءٍ بالروح القدس. فهو لا يُدرك مدى التغيير الذي يحصل معه ولكنّ الناس يرونه. فالذين كانوا في المجمع رأوا وجه استفانوس كوجه ملاك وهو لم يدرِ.
يُقال عن الصادو سندرسنغ أنّه ذهب مرةً إلى إنكلترا لحضور مؤتمر كزك. وقبل موعد انعقاد المؤتمر أحبّ أن يذهب لزيارة رئيس المؤتمر. ولما قرع الباب فتحت الخادمة له. وما أن رأته حتى تراجعت إلى الوراء. فسألها الصادو: هل سيّدكِ هنا؟ أنا الصادو سندرسنغ وأريد أن أراه. فركضت الفتاة إلى سيّدها وهي تلهث وقال له: يوجد رجلٌ يطلبكَ على الباب. فسألها سيّدها: ما اسمه؟ قال: لم أستطع أن أحفظ اسمه لأنّه صعب. فقال لها: وما هي هيئته؟ فأجابت: إنه شبيه بالمسيح.
عزيزي القارئ! هل يعرف الناس أنّك من أتباع يسوع في ما إذا نظروا إليك؟ أو إذا سمعوا كلامك؟ هل أنت شبيه سيّدك؟ (راجع أعمال الرسل 4: 13).
5- مملوء بالكتاب (أعمال الرسل 7): كان استفانوس ملماً بكتابه المقدس كلّ الإلمام.
لكنّه لم يكتفِ بمعرفته تلك بل استخدم الكتاب نفسه. والفصل السابع من سفر الأعمال شاهد على ذلك. فقد سرد بكلّ عناية ودقّةٍ وبشيءٍ من التفصيل ما حدث من أيام إبراهيم ـ إلى يعقوب ـ إلى يوسف ـ إلى موسى ـ إلى داود ـ إلى سليمان ـ إلى المسيح.
بعض الناس يفتخرون بأنّهم يعرفون الكثير من الكتاب المقدّس لكن بكلّ أسف لا يستخدمون ما يعرفون لا لمنفعة نفوسهم ولا لمنفعة الآخرين. فالواحد منهم يكون أشبه بالبحر الميت الذي يأخذ ولا يعطي ـ وما أكثر البحر الميتة.
يسوع استخدم الكتاب المقدّس في حربه ضدّ الشيطان.
بطرس استخدم الكتاب المقدّس حين أعلن الحقّ أمام اليهود في يوم الخمسين.
فيلبّس استخدم الكتاب المقدّس حين بشّر الوزير الحبشيّ وربحه إلى المسيح.
لذلك يجب علينا نحن أيضاً أن نستخدم الكتاب.
يقول الدكتور أوتري: "ليس الله جبراً أن يبارك كلمتك أنت. إنّما هو مجبر أن يبارك كلمته هو ". خذ الكتاب واستخدمه في كلّ وقت. فهو خير سلاح في وجه قوى الشرّ المضادة (عبرانيين 4: 12 و13).
6- مملوءٌ بالشّجاعة (أعمال الرسل 7: 51-53): لم يرهب استفانوس وجوه الناس لأنّه كان يدرك أنّ الحقّ بجانبه.
ومع كونه فرداً واحداً فكان يشعر أنه هو الأكثريّة وليس هم، ذلك لأنّ الربّ كان معه. فجاهر بالحقّ ولم يخشَ في إعلانه لومة لائمٍ. فأظهر لسامعيه أنّهم والمسيح على طرفي نقيض: يسوع هو "البارّ" أما هم: "قساة الرقاب" و"أعداء الروح القدس" و"قتلة المسيح". فهو من ناحية مل يتساهل مع الخطيّة ومن ناحيةٍ أخرى أعلن الحقّ بوضوحٍ وجلاء.
7- مملوءٌ بالرّجاء (أعمال الرسل 7: 55و 56): نظر استفانوس إلى ما حوله وإذا الأبواب كلّها موصدة في وجهه.
فتذكّر أن هناك باباً يبقى مفتوحاً لكلّ من فتح قلبه للربّ. "وأما هو فشخص إلى السماء.. وقال ها أنا أنظر السموات مفتوحة". وجّه ناظريه شطر السماء التي كان سينطلق إليها في غضون لحظات وهو غير خائف البتّة. كان مملوءاً رجاءً في المسيح لا في هذه الحياة فقط بل في الحياة الأخرى أيضاً. وكأنّ يسوع أراد أن يُكرّم من أكرمه فقام عن كرسيّ مجده وفتح أمام شهيده أبواب السموات بعد أن سُدّت من حوله أبواب النجاة. وبقي يسوع واقفاً لكي يرحّب بمن كان أميناً له حتى الممات (رؤيا 2: 10). ظنّ قاتلوه أنّ الموت هو أقسى ما يمكن أن يحكموا به عليه لكنّ استفانوس هزئ بالموت لأنّ سيّده كان قد داس الموت بموته وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل. فكان الموت في نظر استفانوس بداية البداية.
8- مملوءٌ بيسوع (أعمال الرسل 7: 57-60): إنّ وه الشّبه بين استفانوس ويسوع كثيرة جداً.
لذلك كان استفانوس صورةً مصغّرةً عن سيّده الذي أحبّه وعبده.
وإليكَ بعض نواحي الشبه بين الاثنين:
كلاهما كانا مملوئين من الروح (أعمال الرسل 6: 10؛10: 38).
كلاهما كانا من القوة (أعمال الرسل 6: 8؛ 10: 38).
كلاهما اتّهما بالتجديف (أعمال الرسل 6: 11و 13 ؛ مرقس 14: 64).
كلاهما ماتا خارج المدينة (أعمال الرسل 7: 58؛ عبرانيين 13: 12).
كلاهما شهد عليهما شهود زور (أعمال الرسل 6: 13؛ مرقس 14: 56و57).
كلاهما أثّرا على نفس عند موتهما (أعمال الرسل 7: 58؛ 8: 1-3؛ 9: 1-30؛ لوقا 23: 40-43).
كلاهما استودعا نفسيهما بين يديّ الله (أعمال الرسل 7: 59؛ لوقا 23: 46).
كلاهما صرخا بصوتٍ عظيم عند تسليم الروح (أعمال الرسل 7: 60؛ لوقا 23: 46).
كلاهما مزّق القتلة جسديهما لا قلبيهما فصليا لأجلهم (أعمال الرسل 7: 59؛ لوقا 23: 24).
كلاهما خلّصا بمماتهما أكثر من حياتهما (أعمال الرسل 8: 1و4؛ 11: 19-21؛ أشعياء 53: 11و12).
كلاهما دفنهما رجال أتقياء (أعمال الرسل 8: 2؛ يوحنا 19: 38-43).
غير أنّ السماء التي فُتحت في وجه استفانوس قد أغلقت في وجه الفادي إذ حجب الآب وجهه عنه بسبب خطايانا.
هذا هو قصد الله في حياة كلّ مؤمن: "لأنّ الذين سبق فعرفهم سبق فعيّنهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه" (رومية 8: 29).
وهذه هي ثمار الامتلاء بالروح. فإن أردتَ أن تأتي بثمار مماثلة ارفع قلبكَ للربّ وقل: يا إلهي أفرغني من ذاتي.. ! واملأني من ذاتك...
- عدد الزيارات: 8113