أندراوس: الذي هتف مع أرخميدس: يوريكا
مر 1: 16-18
كان أندراوس اسماً على مسمى ـ (معنى اسمه: شجاع) ـ أي أنّه كان همّاماً مقداماً، لا يعرف له قرار ولا تهدأ له أفكار ما لم يبلغ غايته وهدفه. كان دأبه الجدّ والنشاط والعمل.
فلا كسل
ولا ملل
ولا فشل
كانت مهنته صيد السمك، لكنّه كان صيّاد نفوس من الطراز الأول. فلا غرابة إذاً إن كان شعب سكوتلندا قد اختاره ليكون قديس بلادهم. ولا غرابة إن اتّخذه المبشّرون مثالاً لهم في فنّ الإتيان بالآخرين إلى يسوع. ولا غرابة أيضاً إن أحبّه المؤمنون في كلّ عصر وجيل وتبنّوا أسلوبه في ربح النفوس.
هذه كانت موهبته
ولها كرّس همّته
1- وجد أخاه سمعان:
كان أندراوس، أخو سمعان بطرس، واحداً من الاثنين اللذين سمعا يوحنّا وتبعاه (يسوع). هذا وجد أولاً أخاه سمعان فقال له: قد وجدنا مسيّا. فجاء به إلى يسوع" (يوحنا 1: 40-42).
كان أندراوس، الأخ الأكبر لبطرس، من الشباب الذين تأثّروا بكرازة يوحنا المعمدان وبحملته التبشيرية. وفي أحد الأيام كان أندراوس واقفاً مع المعمدان فرآه يشير بسبّابته إلى يسوع ويقول "هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم". فما كان من أندراوس ـ مع زميل له ـ إلاّ أن انجذبا وراءه وسألاه "أين تمكث؟" فقال لهما "تعاليا وانظرا". فذهبا معه ومكثا عند اليوم كلّه.
نحن لا نعلم ما دار بينهم من حديث خلال تلك الساعات الطوال، ولكننا نعلم أنّ أندراوس اقتنع وآمن أن يسوع هو المسيح وراح يردّد في أعماق نفسه: "وجدتُ المسيح". ومن تلك اللحظة أصبح رجل المسيح على رؤوس الأشهاد. وكان أوّل عملٍ قام به في صباح اليوم التالي أنه ذهب إلى أخيه سمعان وقال له بملء فمه وقلبه "وجدنا مسيّا" وأتى به إلى يسوع. وكانت تلك المقابلة نقطة تحوّل في حياة سمعان:
غيّر المسيح اسمه
وغيّر المسيح "كسمه"
فلولا أندراوس لما كنّا عرفنا بطرس.
ما أشبه أندراوس هنا بأرخميدس الفيلسوف والعالِم الصقلّي. طلب منه الملك أن يؤكّد له في ما إذا كان تاجه مصنوعاً من الذهب الخالص أم لا. فمضى وشرع يفكّر في المسألة. وحسن عادته، دخل ذات يوم إلى الحمامات العامة، وهو يفكّر بالتاج. وفيما هو يستحمّ اكتشف القاعدة المعروفة باسمه ـ قاعدة أرخميدس. فاندفع إلى خارج عارياً وكان يهتف بأعلى صوته باليونانية: يوريكا يوريكا أي وجدت الحلّ..
أرخميدس قال: يوريكا
وأندراوس قال: يوريكا
أرخميدس وجد الحلّ
وأندراوس وجد حلّ الحلول ـ المسيح.
ثم وجد أخاه سمعان ـ للمسيح.
نعم لقد عرف من أين يبدأ ـ من بيته وأهله. وهذه كانت طريقة الربّ وما زالت.
لكنّ الأمر لم ينته عند هذا الحدّ. بل إننا نرى أندراوس فيما بعد يتنحّى ـ مع أنّه أكبر سناً من أخيه وعرف الربّ قبله ـ لكي يرى أخاه بارزاً ومقرّباً من المسيح (مع ابني زبدي) دون أن يكون له الامتياز نفسه. كان هذا محكّه، لكنّه أثبت عن كونه من المعدن الممتاز. فلم يعرف الحسد إلى قلبه سبيلاً، بل كان وديعاً ومتواضعاً كسيّده.
2- وجد الغلام:
"فرفع يسوع عينيه ونظر أن جمعاً كثيراً مقبلاً إليه فقال لفيلبّس: من أين نبتاع خبزاً ليأكل هؤلاء؟ وإنّما قال هذا ليمتحنه لأنه هو علم ما هو مزمع أن يفعل. أجابه فيلبّس لا يكفيهم خبزٌ بمئتي دينار ليأخذ كلّ واحد منهم شيئاً يسيراُ. قال له واحد من تلاميذه وهو أندراوس أخو سمعان بطرس: هنا غلامٌ معه خمسة أرغفة شعير وسمكتان". (يوحنا 6: 5-9).
شتّان ما بين أندراوس وفيلبّس. كلاهما رأيا الآلاف وحاجتهم الماسّة، وكلاهما كانان مع يسوع. غير أنّ الواحد منهما كان متفائلاً والآخر متشائماً. الأول كان ذا عمقٍ في نظرته والآخر سطحياً في نظرته. قام فيلبّس بعملية حسابية عادية فوجد أن الحلّ هو بحلّ صرّة النقود، وأنّ المسألة تتطلّب مئتي دينار على أقلّ تقدير. لكنّ حسابه كان بخلاف حساب الربّ فسقط في الامتحان ـ لأنّ المسيح قصد أن يمتحنه. أما لسان حال أندراوس فكان "سأعمل ما في وسعي وأترك الباقي للربّ". وهكذا كان: وجد أندراوس الغلام ومعه زاده المؤلّف من خمسة أرغفة شعير وسمكتين، وأتى به إلى يسوع. ومن هنا كانت نقطة الانطلاق في المعجزة التي حدثت. فكان أندراوس بَرَكة للغلام الذي تقابل مع يسوع ووضع ما عنده بين يديّ يسوع، وبَرَكة للآلاف التي أكلت فشبعت.
أندراوس أتى بهذا الولد إلى يسوع
هكذا يجب أن يفعل الآباء والأمّهات
هكذا يجب أن يفعل معلّمو مدرسة الأحد
يُقال أن أستاذاً في مدرسة ألمانية كان، كلّما دخل إلى صفّه في الصباح يرفع قبّعته محيّياً أولاد صفّه. ولمّا سُئل عن السبب أجاب "إنّكم لا تعلمون ماذا يصبح كلّ واحدٍ من هؤلاء في المستقبل". وكان على حقّ، لأنّ واحداً من الأولاد كان مارتن لوثر المصلح العظيم.
لم يكن أندراوس يعلم تماماً ما يفعله في ذلك اليوم، بإتيانه بالغلام إلى يسوع، أعان الربّ على إتمام معجزة عظيمة.
3- وجد اليونانيين:
"وكان أناسٌ يونانيون من الذين صعدوا ليسجدوا في العيد. فتقدّم هؤلاء إلى فيلبّس الذي من بيت صيدا وسألوه قائلين: يا سيّد نريد أن نرى يسوع. فأتى فيلبّس وقال لأندراوس ثم قال أندراوس وفيلبّس ليسوع". (يوحنا 12: 20-22).
قال البعض أن هؤلاء اليونانيين كانوا من الدخلاء على الديانة اليهودية. وهذا ما حدا بهم إلى الصعود إلى أورشليم ليسجدوا في العيد. وقال البعض الآخر أنهم كانوا من الأمم الجوّالين الباحثين عن الحقّ على اعتبار أنّ البحث والتنقيب والتدقيق من طبيعة اليونانيين. قال عنهم أحد القدماء "إنهم لا يرتاحون ولا يدعون غيرهم يرتاح".
إنّ ما يهمّنا هنا هو أنّ هؤلاء اليونانيين كانوا توّاقين لرؤية يسوع. وعبّروا عن رغبتهم تلك إلى فيلبّس ليكون واسطة التعارف في ما بينهم، ولكن فيلبّس تحوّل إلى أندراوس ليقوم بالمهمة. وهكذا تمّ اللّقاء.
لقد عرف أندراوس كيف يكون ودوداً وقريباً من الناس. وعرف كيف يُخاطب الناس ويكسب صداقتهم. وعرف أيضاً أنّ يسوع لا ينـزعج من أحد ولا يردّ طالباً، بل كان قلبه مفتوحاً للجميع. فأتى بالكثيرين إليه.
أتى بالكبار والصغار
أتى باليهود والأمم
أتى بالأفراد والجماعات
أتى بالقريبين والبعيدين
هنيئاً لك يا أندراوس!
كثّر الله من أمثالك.
- عدد الزيارات: 6555