زكّا: الرجل الرجل
لو 1: 1-10
عزيزي زكّا،
حين قرأتُ قصّتك في الأصحاح التاسع عشر من إنجيل لوقا أُعجبتُ بك أيّما إعجاب، لأنّك استعطت، وأنت القزم، أن تقوم بما يعجز عنه المردة الجبابرة. فالرجل لا يُقاس بقامته بل بكبر قلبه ونفسه المتوثّبة. فكم من طويل صعلوك وكم من قزمٍ جبّار لذا وجدت نفسي، من حيث لا أدري، وأنا أمسك بالقلم لأسطّر لك كلماتٍ قليلة أعبّر فيها عن تقديري وإعجابي بك وبالتالي لأبعث إليكَ بتحيّاتي وتهانيّ، وإليكَ الأسباب:
1- لأنّك فتحتَ أذنكَ المغلقة:
كنتَ لا تسمع قبلاً سوى رنين النقود المعدنية الذي كان عندك أحلى من أحلى موسيقى. فازدادت ثروتك وكثر مالك حتى أصبحتَ غنياً واتّخذتَ من المال رباً.. أضف إلى ذلك علمك ومركزك العالي كرئيس للعشارين. كلّها صمّت أُذنكَ عن سماع أيّ شيء. ولكن.. لمّا ترامت إليكَ أنباء يسوع الناصريّ الذي يحبّ العشارين (الذين أنت واحد منهم) والخطاة، فتحت أذنك ـ بل أذنيك ـ على مصراعيهما لتسمع عن ذلك الإنسان الذي يحبّ أمثالك. وهذا ما ولّد الرّغبة والشوق في قلبك لترى يسوع. كانت أمامك عقبات لكنّك ذللتها وهزئتَ بها لكونك رجل عزم وتصميم. فصعدت إلى جميزة لكي تراه. ومَن يصعد إلى جميزة لكي يرى يسوع يستحقّ أن يصعد إلى ما هو أعلى من الجميزة.. إلى السماء، وهذا ما فعله لك يسوع.
2- لأنّك فتحت بيتك المغلق:
إن الطع والبخل أشبه بتوأمي سيام. فالطمّاع بخيل والبخيل طمّاع (أرجو عدم المؤاخذة يا عزيزي إن كنتُ أذكّرك بالماضي لأنّ غرضي ليس إظهار عيوبك بل تعظيم النعمة المخلّصة). كنت تتمنّى أولاً أن لا يأتيك زائر أو ضيف لئلاّ تضطرّ أن تقوم بما يفرضه عليك واجب الضيافة، وهذا بالطبع يكلّف بعض المال. أما الآن، وقد طلب يسوع أن يشرّفك بزيارته السامية، أسرعتَ ونـزلتَ وقَبِلْتَه فرحاً. طوباكَ.. لأنّ ما رأيته ولمسته وعرفته لم يستطع ملوك الأرض أن يحصلوا على جزء يسير منه. ومن تلك الساعة ظلّ الباب مفتوحاً.. للكلّ على السواء.
أتمنّى لو كنت معك في ذلك اليوم.
3- لأنّك فتحت قلبك المغلق:
"فوقف زكّا وقال للربّ: ها أنا يا ربّ.." نعم "ربّ" وهل يستطيع أحد أن يقول "يسوع ربّ" إلاّ بالروح القدس؟ إنّ هذا الدليل واضح على أنّ يسوع لم يدخل إلى فحسب بل أيضاً إلى قلبكَ.. بالروح القدس. "الريح تهبّ حيث تشاء وتسمع صوتها لكنّك لا تعلم من أين تأتي ولا إلى أين تذهب. هكذا كلّ من وُلد من الروح" هذه توبةٌ صادقة وإيمان حقّ. فمن يفتح للربّ قلبه يفتح له الربّ سماءه، وذلك لأن لبابِ القلب وبابِ السماء قفلاً واحداً ومفتاحاً واحداً.
4- لأنّك فتحتَ جيبكَ المغلق:
ما أسماك أيّتها المسيحية! إنّك ديانة حيّة. والديانة الحيّة هي التي تصل إلى أعماق الجيوب كما إلى أعماق القلوب. ماذا فعلتَ يا صديقي؟ هل قدّمتَ عشر مالك؟ هل جلستَ وعددت ما كان يجب أن تقدّمه؟ كلا وألف كلا.. لأنّك حسبت أن كلّ العطايا والتقدمات تتضاءل أمام غنى يسوع الجزيل الذي تمتّعتَ به، فشتّان ما بين الخلاص والنحاس وما بين عطية الله وعطيّة الإنسان!!
قدّمت نصف أموالك للمساكين ورددت المسلوب بأكثر مما تفرضه عليك الشريعة الموسوية وهكذا أصبحتَ رجل التضحية والإحسان بالإضافة إلى كونك رجل التقوى والإيمان. لذلك أنت لست فيما بعد زكا القزم بل رجل الهمة والعزم. ولا أنتَ زكا القصير بل زكا البصير.
ختاماً لك مني ألف تحية..
المعجب بك
- عدد الزيارات: 4149