Skip to main content

يونان: الذي كانت ساقاه أسرع من عقله

سفر يونان

اختلفت الآراء بخصوص هرب يونان من وجه الربّ عندما دُعي ليُنادي على نينوى.

فمنهم من قال أنه كان جباناً خاف من قساوة الشعب المرسل إليه.

فمنهم من قال أنه كان شجاعاً خاطر بنفسه لأجل سلامة أمّته.

ومنهم من قال أنه كان يهودياً متعصّباً لم يشأ أن يتعامل مع الوثنيين عبدَة داجون.

قد لا نستطيع أن نجزم في السبب الحقيقي لفراره، لكننا نستطيع أن نؤكّد أنه كان في هربه عامداً متعمّداً:

فالربّ أمره أن يذهب شرقاً أما هو فذهب غرباً.

والربّ أمره أن يذهب براً أما هو فذهب بحراً.

والربّ أمره أن يذهب إلى نينوى أما هو فذهب إلى ترشيش.

والربّ أمره أن يذهب قريباً أما هو فذهب بعيداً.

فماذا كانت النتيجة؟ وما حدث بعد ذلك؟

أولاً: بالنسبة لنفسه:

1- هبوط. وكان هبوطه على نوعين:

هبوطاً روحياً. وقد ظهر هبوطه الروحيّ هذا أولاً بعصيانه الله. فالله قال له "قم اذهب.." (يونان 1:1) "فقام يونان..." ولكن بكلّ أسف لا لكي يذهب حسب أمر الربّ بل "قام يونان ليهرب.." (يونان 1: 3). ما أقبح هذه الخطية وما أمرّ نتائجها!

أبونا آدم سقط فيها فجلب على نفسه وغيره الويلات.

وأخونا يونان سقط فيها وجلب على نفسه وغيره الويلات.

وكم من مؤمن يسقط فيها ويجلب على نفسه وغيره الويلات.

فحذار يا أولاد الله!

ثم ظهر هبوطه أيضاً في عدم إيمانه. فأين الإيمان في هرب يونان؟!

"فقام يونان ليهرب.. من وجه الربّ".

فهل الله موجود في جتّ حافر فقط؟ (ملوك الثاني 14: 25)

أو هل الله موجود في فلسطين فقط؟

أو هل الله موجود في البرّ دون البحر؟

يظهر أن يونان نسي أو تناسى أن الله يملأ السموات والأرض. ويظهر أن يونان نسي أو تناسى المزمور 139: 7-10 الذي يقول:

" أين أذهب من روحك ومن وجهك أين أهرب؟

إن صعدت إلى السموات فأنتَ هناك

وإن فرشت في الهاوية فها أنتَ

أن أخذت جناحي الصبح وسكنت في أقاصي البحر

فهناك أيضاً تهديني يدك وتمسكني يمينك".

فهرب إنسان من وجه أي إنسان ممكن

وهرب إنسان من وجه أي جيش ممكن

وهرب إنسان من وجه أية حكومة ممكن

أما هرب إنسان من وجه الله ـ غير ممكن ومستحيل.

وظهر هبوطه أيضاً في نومه في جوف السفينة. أوَلم يكن لك برهان للا شعور واللامسؤولية؟ أوَلم يكن ذلك محاولةً لإسكات صوت الله في قلبه وضميره؟ وهل هناك حالة انحطاط روحيّ أدنى من الحالة التي وصل إليها يونان؟ نام.. وجاء الأشرار ليوقظوه (1: 6) يا للعار!

هبوطاً جغرافياً. وكان هبوطه هذا تدريجياً على فرار هبوطه الروحيّ الداخليّ.

فنـزل من جت حافر إلى يافا (1: 3)

ونـزل من يافا إلى السفينة (1: 3) ومن يعزم على الهرب من الربّ يوفر له الشيطان جميع وسائل النقل.

ونـزل من السفينة إلى جوف السفينة (1: 5)

ونـزل من جوف السفينة إلى جوف الحوت (1: 17)

ونـزل وهو في جوف الحوت إلى جوف البحر (2: 3)

ونـزل من جوف البحر إلى أسافل الجبال (2: 6)

2- قنوط. الهبوط ولّد فيه الفشل واليأس والقنوط.

فالله غير راضٍ عنه

والناس غير راضين عنه

ولا هو راضٍ عن نفسه

وهذه أصعب حالةٍ يمكن أن يصل إليها إنسان. لذلك عندما سأله البحارة عمّا ينبغي أن يفعلوه به شعر أنه صار "خَرْج كَبْ في البحر" فقال لهم: "خذوني واطرحوني في البحر...." (1: 12) بعبارة أخرى شعر، كما صرّح فيما بعد، أن موته خير من حياته (4: 3و8) وهكذا تمّ فيه قول الشاعر اللبناني:

والذي لا خير منه يرتجى إن عاش أو مات على حدّ سوى

ثانياً ـ بالنسبة للآخرين:

1- خسارة. كان ملاحو السفينة من الفينيقيين الذين عُرفوا منذ القديم بكونهم تجاراً وبحارةً ماهرين.

فلا غرابة إذاً إن كانت السفينة مملوءةً بالشحنات والأمتعة الثمينة. فلمّا حدث النوء العظيم ـ غير الاعتيادي ـ على إثر عاصفة مجنونة خاف جبابرة البحر وهرعوا إلى شحناتهم يطرحونها بما فيها إلى البحر غير آسفين عليها لعلّهم ينجون. لكنّ مجهوداتهم بائت بالفشل، وكانت خسارتهم فادحة جداً. كلّ هذا كان بسبب إنسانٍ يغطّ في نوم عميق اسمه يونان (1: 12).

2- خطر. إنه لمن المحزن حقاً أن يصبح المؤمن خطراً لا خيراً.

فوجود يونان كان بليّةً عليهم (1: 7)

ووجود يونان كان مصيبةً عليهم (1: 8)

فالسفينة كادت تنكسر

والركّاب كادوا يموتون

والملاّحون كادوا يهلكون

أضف إلى ذلك أنه، بهربه وإهماله، عرّض نينوى للانقلاب وأهلها للعقاب. ومن يدري؟ ربّما كان ذلك قصده أي أن يتخلّص من نينوى التي كانت شوكةً في جسد إسرائيل وخطراً عليها. ولكن شكراً لله لأنه لا يسر بموت الخاطي بل أن يرجع الخاطي عن طريقه ويحيا.

ثالثاً ـ بالنسبة لله:

1- نوء عظيم. وهل يسكت الله

عن المؤمن النائم؟

وعن المؤمن الفاتر؟

وعن المؤمن الهارب؟

كلا، وألف كلا. بل سيهزّه هزّاً عنيفاً … وسيزداد الهزّ عنفاً إلى أن يستفيق من سباته ويرجع إلى نفسه. هذا ما فعله الربّ بيونان:

أرسل

ريحاً عظيمة

ونوءاً عظيماً (1: 4 و 11 و13).

وهزّ لا السفينة فقط بل يونان وقلب يونان وكيان يونان. إن كنت أيّها القارئ في حالة أشبه بحالة يونان اسمع ما تقوله كلمة الربّ: "إنّها ساعة لنستيقظ من النوم..".

2- حوت عظيم.

لا أريد أن أتعرّض الآن إلى الناحية التي ترينا يونان في جوف الحوت 3 أيام و3 ليالي كصورة عن بقاء المسيح في جوف الأرض مدة مماثلة. بل أريد أن أنظر إليها من ناحية أخرى وهي أن الله أعدّ حوتاً عظيماً ليبتلع يونان وليُريه أنه ـ أي الله قادر أن يستغني عنه وعن خدماته لو أراد ذلك. فالخدمة امتياز بل شرف من الله لكلّ خادم مدعو منه، لأنّ الله لا يقبل أياً كان أن يكون خادماً له. فالذي يرفض هذا الامتياز سيرفضه الله من الخدمة لا من الخلاص. ألم يقل بولس: "أقمعُ جسدي واستعبده حتى بعد ما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضاً". والحقّ يقال أن كثيرين ممن لم يقدّروا هذا الامتياز استغنى الله عن خدماتهم. لكن شكراً للربّ. فمع أنه كان باستطاعته أن يرفض يونان نهائياً لكنه أعطاه..

3- فرصةً عظيمة: "ثمّ صار قول إلى يونان ثانيةً قائلاً: "قم اذهب إلى نينوى المدينة العظيمة..".

لكن متى؟

عندما اعترف للربّ (2: 7و8)

عندما تاب للربّ (2: 9)

عندما سلّم للربّ (2: 9)

أخي المؤمن! كلّ ما كُتب كُتب لأجل تعليمنا.. (رومية 15: 4)

وكل ما أصابهم هو لإنذارنا.. (كورنثوس الأولى 10: 11)

فاتّعظ واعتبر لئلاّ تقع في ما أنت بغنى عنه.

  • عدد الزيارات: 4724