الدرس التاسع: النبوات عن المسيح وإتمامها
يوجد اكثر من 200 نبوة في العهد القديم كتبت عن المسيح قبل حياته وقد تمت في مجيء الأول، وسندرس الآن بعضها. عاش النبي دانيال قبل مولد المسيح بأكثر من خمسمائة سنة، وقد وصف لنا بالضبط الوقت الذي فيه سيولد المسيح (دانيال 27-24:9)، اقرأ أيضا (لوقا 2،1). وأشعياء النبي - الذي عاش قبل دانيال - تنبأ عن المسيح بأنه سوف يولد من عذراء ويدعى اسمه عمانوئيل - أي "الله معنا". (أشعياء 14:7) قارن ذلك ب (متى 18:1-25). وتنبأ ميخا النبي عن بيت لحم التي على صغرها سوف تكون مسقط رأس المسيح (ميخا 2:5)، وقد تحقق ذلك ب (متى 1:2-6). كان المسيح عتيدا - بعد مولده بقليل -أن يهرب إلى بلاد مصر لمدة غير طويلة، ثم يعود لوطنه (هوشع 1:11)، ونرى ذلك في (متى 13:2-15).
قبل مولده بكثير ذكرت عدة أشياء مهمة عن خدمته التعليمية القصيرة على هذه الأرض. قبل أن يبدأ هذه الخدمة العلنية سيأتي قبله رجل يعد له الطريق (ملاخي 1:3)، قارن ذلك ب (متى 3:3). قد يبدو أمرا غريبا أن يقال مثل هذا القول عن رجل مولود في بيت لحم الصغيرة. ولكن الأمر الأشد غرابة هو القول الذي به يصف زكريا النبي الدخول الملوكي الذي دخله المسيح إلى مدينته بانتصار راكبا على حمار، ومع ذلك فزكريا يصور لنا مثل هذا الدخول الذي تم، في الواقع، بضع مئات من السنين بعد هذه النبوة (زكريا9:9)، اقرأ أيضا (متى 11:21).
أن تسليم المسيح عن طريق الخيانة ظل زمنا طويلا لغزا مبهما إذ كيف يمكن أن ينقلب أحد على المسيح المتواضع والمجلل في نفس الوقت بالهيبة والوقار؟ ولكن اللغز الأعظم هو إن عدة أنبياء من العهد القديم قد تنبأُوا، بوضوح ودقة، عن هذا الحدث قبل وقوعه بزمن طويل، (مزمور 9:41)، (زكريا 13،12:11)، قارن ذلك ب (يوحنا 21:13-30)، (متى 14:26 ،47،15-50، 3:27-8).
أن نبوات العهد القديم عن موت المسيح كثيرة، وقد قيلت قبل حصول هذا الحدث بمئات ومئات من السنين. وتنبأ عنه رجال يختلفون من حيث الزمان والمكان بل اللغة أيضا، وكانت هذه النبوات لملايين من البشر عبر العصور، موضوعا شيقا يعكفون على دراسته وتأمله. نقتصر في هذه الصفحات على ذكر القليل منها. قبل أن تستعمل "طريقة الصلب" لمعاقبة المجرمين صور لنا صاحب المزامير رجلا بارا مثقوب اليدين والرجلين، (مزمور 1:22-18)، واقرأ أيضا (مرقس 1:15-37). ورأى زكريا ، في رؤياه، شخصا يسأل المسيح: "ما هذه الجروح في يديك"؟ وكان الجواب الذي تنبأ به زكريا هذه الجروح "هي التي جرحت بها في بيت أحبائي"، (زكريا 6:13)، (يوحنا 21:13-30)، (مرقس 10:15-37).
في ذلك اليوم المشوب بالكآبة أطلق جمهور الشعب العنان للهزء والسخرية من المسيح وقالوا: "اتكل على الرب فلينجه. لينقذه لأنه سر به". (مزمور 8:22)، راجع أيضا (متى 43،42:27). ثم تكاد تجري الحوادث حرفيا كما جاءت في النبوة! نتفوا شعره، وبصقوا على وجهه، ثم علق على الصليب نتيجة لشدة بغض الناس له (مزمور 11:22-17)، (متى 26:27-50).
انفجر الماء من جنبه الطعين، ومن مسام جسمه المجهد، حتى أن لسانه لصق بحنكه (مزمور 15:22)، قارن ذلك ب (مرقس 1:15-37). عظامه عن مفاصلها انفصلت، وبدت كأنها تخرق الجلد (مزمور 13:22-17)، أيضا (مرقس 1:15-37). وتظاهر الرجال الأشرار بالرغبة في إخماد سعار غليله فحاولوا، في شـرهم وخبثهم، أن يـزيـدوا من عذابه فقدموا له خلا ممزوجا بمرارة (مزمور69: 21)، وقد تحقق ذلك في (متى 34:27). أما هو فلم يرد أن يشرب.
لم يدرك أتباع المسيح معنى الصلب تماما إلا بعد حدوثه. لما علق المسيح على الصليب وضع الله عليه، خطايا جميع الناس لكي يعتبر جميع الذين يؤمنون به ويضعون حياتهم بثقة بين يديه في نظر الله أبرارا مثل المسيح البار ذاته، (أشعياء 4:53-10،8 ،6-12)، ويتضح هذا في (1 بطرس 22:2-24). لقد كان المسيح، منذ الأزل، موضوع سرور الله. ومع ذلك، لما أخذ خطايا البشرية على نفسه اعرض الله عنه، لان الله أقدس من أن ينظر إلى الخطيئة. وذات الكلمات التي فاه بها المسيح في ساعات موته قد سجلت قبل ذلك بسبعة قرون بفم صاحب المزامير (مزمور 1:22)، (متى 46:27). من عادة القلب البشري انه يطفح بالحقد والنقمة على الناس الذين ينزلون به مثل هذا الظلم والجور، أما المسيح فقد كان جوابه صفحا عن المسيئين إليه وتشفـعا في ظالمـيه (أشعياء 12:53)، (لوقا 34:23). كان في حياته مثال المحبة، ويمكننا أن نقول إن تلك المحبة قد تجلت، في موته، تجليا أوضح وأكمل. في هذه الساعة المجللة بالقدسية انصرف الرجال، غير عابئين بتلك المحبة المجيدة، إلى الاقتراع على ثيابه (مزمور 18:22)، (لوقا 34:23).
اثنان آخران صلبا معه، جزاء لما اقترفاه من جرائم (أشعياء 12:53)، (لوقا 33،32:23). وقبل أن ينزل هذان عن صليبهما كُسرت سيقانهما، حسب العادة، للتّيقّن من موتهما. ولكن الجنود الذين تأكدوا بعد الفحص الدقيق أن المسيح قد مات فعلا، لم يكسروا واحدة من عظامه (مزمور 20:34)، (يوحنا 33:19-36).وأنزل عن الصليب ووضع، محاطا بالعناية والإكرام، في قبر كان يمتلكه رجل ثري (أشعياء 9:53)، (متى 57:27-60). وقام الجنود الرومان على حراسة قبره.
لقد مات! وليس ثمة أي مجال للشك في حقيقة موته! وهل يرضى الشعب الساخط الناقم بأقل من موته الأكيد؟ وعلى أي حال فان الله كان قد تكلم في العهد القديم أنه لن يسمح لقدوسه أن يرى فسادا أو أن يمسك بقيود الموت (مزمور 10:16)، راجع أيضا (أعمال 29:2-32). ولذلك فقد أقيم المسيح من القبر، وليس هذا فحسب بل أعطى كرسيا عن يمين الله وكرر الله التأكيد على أن المسيح هو "الرب" (مزمور 1:110،8:16)، (أعمال 33:2-36). وعلى كرسي العظمة هذا نال يسوع المسيح المكانة التي تنبأ عنها دانيال إذ رآه ملكا على جميع العالم (دانيال 14،13:7)، (أعمال 29:2-36). وفي يسوع المسيح سوف يتحقق الوعد الذي أعطى لداود بأن واحدا من أحفاده سوف يملك إلى الأبد على جميع الأرض (أشعياء 7:9)، (لوقا 33،32،30:1). وداود نفسه تكلم عن لاهوت ذلك العتيد أن يملك هكذا (مزمور 1:110)، ولكن من المحتمل انه، في تواضعه، لم يدرك أن ذلك الملك سيكون من ذريته. إلا أن قصة ودراما الفداء تفوقان حدود ما يمكن أن يتصوره عقل الإنسان!
وسواء تليت علينا وقائع هذه القصة بألحان فخمة تجلجلها جوقة من المغنيين أو سجلت على أوراق بكلمات ضعيفة ناقصة فان قلوبنا ما تزال تتأثر تأثرا عميقا وعجيبا حين نقرأ إحدى النبوات كالتي فاه بها أشعياء النبي قائلا:
"لأنه يولد لنا ولد ونعطي ابنا
وتكون الرياسة على كتفه
ويدعى اسمه عجيبا مشيرا إلها قديرا
أبا أبديا رئيس السلام" (أشعياء 6:9)
فهل تبينت الآن أن يسوع المسيح، قد اصبح بموته، الكفارة، القربان، الفداء والبديل. على الصليب سكب الدم الذي كان لا بد منه للتكفير عن الخطيئة. وجميع التفاصيل التي تتنبأ عنها الأنبياء في العهد القديم قد تمت بحذافيرها في موت يسوع المسيح.
كما أن الوعد الذي أعطى لإبراهيم "تتبارك فيك جميع قبائل الأرض” قد تحقق في يسوع المسيح، (تكون 3،2:12)، لان كل إنسان يستطيع، بواسطة صليب يسوع المسيح، أن يعتبر في نظر الله بارا(2 كورنثوس 21:5). وكل من يسأل الله غفرانا، على أساس ما عمله المسيح، فسوف تغفر له خطاياه. الكتاب المقدس يعلم صريحا: "إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم” (1 يوحنا 9:1).
تتبارك فيك
جميع
قبائل الأرض
تكون 2:12و3
- عدد الزيارات: 6717