الباب العشرون: في الأسرار السبعة
إن لفظة سرّ كانت تستعمل عند القدماء كثيراً من دون حصرٍ. على أنهم كانوا يقصدون بها غالباً الدلالة على طقسٍ أو احتفالٍ مقدس. فهكذا كان أوغسطينوس يدعو التقسيم على الشياطين سراً[363] وكذلك الملح الذي كان يُعطَى للموعوظين أيضاً[364] وهكذا مجمع قرطاجنة المنعقد سنة 397 يسمّي هذا الملح سرَّاً[365] وكبريانوس يذكر الأسرار التي في الصلاة الربانية[366] وفضلاً عن أن القدماء لم يوضحوا جيداً ما هي الطقوس والاحتفالات التي يجب أن تسمى أسراراً كان أيضاً غير مفهومٍ ما هو المراد بالسرّ. فحصل اختلاف عظيم من هذا القبيل وبقي الحال هكذا من دون توضيح معنى هذه اللفظة إلى عصر لمبرد في القرن الثاني عشر[367] ثم تحدَّد السر من هوغو فكتور[368] ومن بعض المعاصرين لهُ بأنهُ علامةٌ للنعمة وواسطة لمنحها.
وهذا كان المراد بلفظة السر عند الجمهور إلى القرن السادس عشر. وحينئذٍ رفض هذا الرأي أولئك الذين يتّخذون كلام الله دستوراً وحيداً لإيمانهم وأعمالهم وعلَّموا أن السر هو سنَّةٌ مرسومة من المسيح بها يشار بعلاماتٍ ظاهرة إلى الفوائد والنعمة التي أوجدها لنا المسيح وبها تُختَم تلك الفوائد للمؤمنين. وإن مفعول الأسرار ليس قائماً بها أو بالشخص الذي يخدمها ولكنه متوقّفٌ على بركة المسيح وعمل روحه في الذين يتناولونها بإيمانٍ.
فنرى أن التعليم بأن الأسرار تصدر النعمة بقوة قائمة بها أو بالكاهن الذي يخدمها سواءٌ كان للمتناول إيمانٌ أم لم يكن له لم يُقبَل تعليماً كنسياً حتى القرن الثاني عشر. والمجمع الذي حكم أولاً بأن هذا هو مضمون السر كان مجمع فلورنسا سنة 1439[369] ثم تثبت حكمهُ من المجمع التريدنتيني في القرن السادس عشر[370].
وأما عدد الأسرار فكان أيضاً غير محدود. فمن القرن الثامن إلى القرن العاشر لم يكن إلا أربعة فقط وهي الأفخارستيا والمعمودية والتثبيت والرسامة[371] والأسقف أوثون من بمبارج هو أول من علّم بالسبعة الأسرار وذلك للباميرانيين سنة 1124[372] ثم بطرس لمبرد وغراثيان اللذان ظهرا بعدهُ عيَّنا العدد سبعة[373] وتوما أكوينا عضد هذا الرأي وأوضحهُ بأجلى بيان ولكن مع أن هؤلاء العلماء المشاهير كانوا يذهبون إلى ذلك لم يكن عدد الأسرار تثبَّت بالتمام. لأن كثيرين اعترضوا على العدد المذكور ومن جملتهم إسكندر هالس العالم الشهير الذي يقول[374] إذا كانت الأسرار سبعة لماذا لم ينشئ الرب يسوع إلا سرَّين فقط أي المعمودية والأفخارستيا حسبما رسمت مشيئته. ثم يتقدّم مبرهناً أنه لا يوجد غير هذين السرين وأن لا حاجة إلى غيرهما. وأخيراً مجمع فلورنسا حكم بأنه يجب أن يكون عدد الأسرار سبعة وهذا أول حكم من الكنيسة في هذا المعنى. ومجمع تريدنتينيا الذي انعقد بعد ذلك بمئة سنة ثبَّت هذا الحكم. وبراهين ذلك توجد في الأماكن المشار إليها في الحاشية على الوجه السابق.
فنرى مما ذُكر أن التعليم الكنسي عن ماهية الأسرار وعددها المتمسّك به الآن لم يثبت بالتمام حتى القرن الخامس عشر.
ولا حاجة إلى زيادة شرح في هذا البحث لأننا لا نقدر أن نتحقق نفس الوقت الذي فيه كل واحد من هذه الأسرار السبعة دُعي سراً. غير أن المعمودية وعشية الرب قد حُسِب كل منهما سراً من البداءة وذلك عند جميع طوائف المسيحيين وقد اتّضح أن السبعة الأسرار لم تكن قد قُبِلَت قبل القرن الثاني عشر. لأنه إلى ذلك الوقت لم يكن عدد الأسرار قد تحدد من أحد المجامع أو بسلطان ما كنسي. وقبل تعيين عدد السبعة بجملة سنين قد أُضيف إلى المعمودية وعشية الرب التثبيت والرسامة. وأما المسحة الأخيرة والزيجة والتوبة فربما أُضيفت في القرن الثاني عشر. ولكن هذا الرأي لم يكن مقبولاً عند الجميع لأن حكم المجمع بكونها أسراراً لم يكن قبل القرن الخامس عشر.
[363] - أوغسطينوس موعظة 83.
[364] - أوغسطينوس في استحقاقات الخطايا كتاب 2 راس 26.
[365] - مجمع قرطاجنة فصل 3 قانون 5.
[366] - كبريانوس عن الصلاة الربانية وجه 142.
[367] - متن جسلر مجلد 2 وجه 339.
[368] - هوغو فكتور عن الأسرار كتاب 2 قسم 15 رأس 3.
[369] - انظر قوانين مجمع فلورنسا في الأسرار.
[370] - قوانين مجمع ترنت عن الأسرار بوجه العموم قانون 1 إلى 13.
[371] - سيجل مجلد 2 وجه 8.
[372] - حياة القديس أوثون لكانيسيوس مجلد 3 جزء 2 وجه 61 إلى آخره.
[373] - بطرس لمبرد كتاب 4 خطاب 1 إلى 42.
[374] - إسكندر هالس قسم 4 بحث 8 قضية 2 فصل 3.
- عدد الزيارات: 4242