Skip to main content

الباب العاشر: في الصلاة لأجل الموتى

إن الصلاة لأجل الموتى مع أن الكتب المقدسة لا تعلِّم بها ابتدأت في القرون القديمة للديانة المسيحية. وكان البعض من الآباء يمدحون هذا الأمر والبعض منهم يشجبونه ومنهم من كانوا يمدحونها تارةً ويذمونها أخرى.

فإن ترتوليانوس قال أننا نقدم تقدمات كل سنة من أجل الموتى في أيام ميلادهم يريد بذلك أيام موتهم[253] وأوريجانوس يخبرنا أنهُ في أيامه كان المسيحيون يظنون أنه أمرٌ جائزٌ ومفيدٌ أن يذكروا القديسين في صلواتهم الجهارية. وأنهم يستفيدون بواسطة ذكر أفاضلهم[254] وكبريانوس يقول أنهُ كان من عادتهم في أيامه أن يقدموا قرابين وذبائح تذكاراً للشهداء ويتكلم عن الصلوات المقدمة لأجل أعضاء الكنيسة المتوفَّين[255] ويقول كيرللس أننا نصلي لأجل آبائنا وأساقفتنا الأطهار ولأجل جميع الذين رقدوا قبلنا ظانّين أنه يفيد أنفسهم كثيراً أن يُصلَّى لأجلهم[256] وكذلك فم الذهب عندما يتكلم عن موت الأشرار يوصي المسيحيين بالصلاة لأجلهم.

ولكن مع أن هذه الاصوات كانت تمدح هذه العادة كان كثيرون أيضاً ضدها. فإن كيرللس الذي يمدحها في العبارات السابقة من أقوالهِ يقول في الكتاب نفسهِ إني أعرف كثيرين يقولون ما هي المنفعة للنفس التي تخرج من هذا العالم بالخطايا أو بلا خطايا إذا ذكرتها في الصلاة. وكبريانوس أيضاً يشجبها بقوله متى انتقلنا من هنا لا يوجد مكان للتوبة ولا منفعة من أعمال الوفاء[257] وغريغوريوس النـزينـزي يرفض الاعتقاد بأن الموتى ينتفعون من صلاة الأحياء بقوله حينئذٍ باطلاً يجتهد الواحد في تسلية المحزونين. أما هنا (أي في هذه الحياة) فيمكن أن يجد الناس علاجاً وأما في ما بعد فلا يوجد شيء إلا الوثاقات والقس إكريوس أحد سكان أرمينية الصغرى قاوم جهاراً عادة الصلاة لأجل الموتى بناءً على أنها لا تفيد شيئاً[258] فإنه يقول لماذا تذكرون الموتى بعد وفاتهم. إذا كانت صلوات الأحياء تنفع بالحقيقة الذين في العالم الآخر فلا يحتاج أحدٌ إلى اقتناء التقوى أو التفاضل في الأعمال الصالحة. بل يكفيهِ أن يقتني بعض أصدقاء وهم يصلون لأجله لكي لا يتعذب في الحياة الآتية. وأمبروسيوس يقول أن الموت هو ميناء راحةٍ ولا يجعل حالتنا أردأ مما هي هنا ولكنه كما يجد كل إنسان هكذا يتركه للدينونة المزمعة[259] وكلام إيرونيموس أيضاً يشبه هذا إذ يقول ما دمنا في هذا العالم يمكننا أن نساعد بعضنا بعضاً إما بصلواتنا أو بمشورتنا. ولكن متى حضرنا أمام عرش دينونة المسيح فلا أيوب ولا دانيال ولا نوح يتشفعون بأحد. بل ينبغي لكل واحد أن يحمل حملهُ[260] وفجيلانتيوس قسيس برسيلانا نحو سنة 404 يقول ما دمنا أحياء يمكننا أن نصلي لأجل بعضنا ولكن بعد وفاتنا لا تُسمَع صلاة أحدٍ عن آخر.

فيظهر من ذلك أن أول من ذكر هذه الصلوات هو ترتوليانوس وذلك في القرن الثالث. والبعض من الآباء في القرنين الثالث والرابع أثبتوا هذه العادة مع أن غيرهم قاوموها. وقد كانت من المباحث التي كان المعلمون في تلك الأعصار مختلفين فيها ولا أحد يسألهم عن هذا الاختلاف. ولم يُجزَم بكونها تعليماً يجب التسليم له والعمل بموجبه من الجميع بل الذين لم يريدوا أن يقبلوها كان يُسمَح لهم برفضها.

ثم أن في كلام الله لا يوجد إثبات لهذه العادة. مع أن صلواتٍ كثيرة من صلوات شعب الله مذكورة في الكتب المقدسة لا يوجد بينها صلاة واحدة لأجل الموتى. وكذلك مع أن هذه الكتب تأمر مراراً كثيرة بالصلاة وتعيّن البركات التي يجب أن نطلبها لا تذكر قط الصلاة لأجل الموتى. وذلك برهانٌ قاطع على أن كلام الله لا يعضد هذه العادة. فلو كانت جائزة أو كان الموتى يستفيدون بالحقيقة من توسّلات الأحياء لماذا لا تشير الكتب المقدسة إليها أقل ما يكون مرة واحدة.

[253] - ترتوليانوس في إكليل المجاهدين رأس 3.

[254] - أوريجانوس كتاب 9 في رومية 12.

[255] - كبريانوس رسالة 37 إلى الإكليروس ورسالة 66.

[256] - تعليم مسيحي لكيرللس فصل 5 عدد 6.

[257] - كبريانوس إلى ديمتريوس فصل 16.

[258] - أبيفانوس في الهراطقة فصل 3.

[259] - أمبروسيوس عن خبر الموت رأس 4.

[260] - كتاب 3 تفسير غلاطية أصحاح 6.

  • عدد الزيارات: 4812