أبعاد علمية في قوَّة الصلاة
لأولئك الذين يؤمنون بقوَّة الصلاة وفعاليتها، ليس هناك من شكٍّ على الإطلاق بأن تأثيرها وبُعدها الروحي العميق له إرتدادات إيجابية في الفرد وفي الجماعة أيضا. إلا أن للصلاة بُعدًا علميًّا
وافرًا بالإضافة إلى التأثير الروحي، إذ أكّد العِلم الحديث والعديد من العلماء فوائد الصلاة وتأثيرها في جسم الإنسان ووظائفه الفيزيولوجية الأساسية.
لقد أظهرت الأبحاث بدون أدنى شكٍ أن الإقتراب إلى الله بالصلاة وبروح الإيمان بشكل مستمر يُمكِّن الإنسان بأن يتمتَّع بصحة جيدة طويلة الأمد، كما أنه يجعله فرحًا مغبوطًا ويزيد من راحته ويُطيل من عمره. لقد صحَّ بذلك قول الحكيم في الكتاب المقدَّس: ’القلب الفرحان يجعل الوجه طلقًا، وبحزن القلب تنسحق الروح‘ (أم 15: 13).
ذكر أحد الأطباء في جامعة دووك الأمريكية مؤخرا أن الدراسات العلمية أثبتت أن الصلاة قد تستطيع أن تمنع المرض وأن تساهم بدور فعَّال في عملية الشفاء المتدرِّج. لذلك نرى أن التدُّين – وأقصد به التديُّن الحقيقي المُخلِص – والصلاة الواثقة يؤثِّران حتمًا بشكلٍ رئيسي في الحالة الجسمية والفكرية لدى الفرد بحيث أنه يتمتّع بالسلام الداخلي الذي بدوره يجعل الدورة الدموية وعملية التنفُّس وكذلك الوظائف الحيوية التي تعمل بشكل متجانس وإيجابي. في هذا الإطار أيضا، أظهر العلماء في جامعة بيترزبورغ الروسية أن البُعد الروحي للصلاة له صلة وثيقة بعمليات شفاء لم تكن ممكنة في الحالات الطبيعية لولا تأثيرات الصلاة النفسية والروحية، مما ينعكس إيجابًا في جسم المريض ووظائفه. هذا وأكّد الأطباء أن الصلاة تساهم بشكل أساسي في برمجة الغشاء الدماغي المعروف ’Cerebral Cortex‘ الذي هو مركز العواطف والإرادة وأخذ القرارات. هذا التأثير يُساهم بالسيطرة على الضغوطات المستمرّة التي يتعرّض إليها الإنسان يوميًا، مما يساعد في برمجة العواطف وردّات الفعل فتُصبح أكثر واقعية وهادئة وفاعلة.
هذه المظاهر من تأثيرات الصلاة تجعل الإنسان يشعر بالأمان والطمأنينة، فيغيب تأثير القلق المستمر الذي هو أحد المسبِّبات الرئيسية للأمراض الشائعة في المجتمعات الحديثة بسبب إفراز وتخزين هرمون الأدرنالين الناتج عن هذه الضغوطات الضّارة. ألم يقُل المرنِّم قديمًا: ’بسلامة أضطجع بل أيضا أنام، لأنك أنت يا رب منفردًا في طمأنينة تُسكِّنني‘ (مز 4: 8)، عندما حاصرته هموم الحياة ومصائب خطاياه الكثيرة! إن الراحة هي جزءٌ هام من حياة الإنسان، فمن الطبيعي بمكان أن يرتاح المرء بعد طول عناء وأن يستريح من أتعابه في نهاية المطاف. فالصلاة هي مصدر الراحة والطمأنينة التي يحتاجها كل إنسان في عالمنا المظطرب اليوم. وهذه الراحة بالذات تشكِّل العنصر الأبرز في الحفاظ على نضارة الحياة وروعتها.
نرى أن عالمنا اليوم هو في اضطراب وغليان ولا يهدأ بسبب الحروب والانشقاقات. ويقول الكتاب بروح النبوة أنه بالرغم من كل محاولات الإنسان أن يجد السلام، لن يستطيع أن يتمتّع بالسلام الحقيقي بعيدًا عن الله، فسلامهم واهمٌ وكاذب: ’لا سلام، قال الربّ للأشرار‘ (إش 48: 22). وإن كان السلام هو حقٌ للإنسان ولشعوب الأرض، فإن الخطية دمّرت الجسور مع الله ففقد الإنسان سلامه الحقيقي. أما خائفي الرب الذين يسكنون في حضرته يتمتّعون بسلام استثنائي رغم غليان العالم حولهم. من هذا المنطلق، نفهم أن السلام داخلي وليس خارجي، ينبع من داخل الحضرة الإلهية متّجهًا نحو الإنسان السالك بالكمال – ’حبيب الربّ يسكن لديه آمنًا. يستره طول النهار، وبين منكبيه يسكن‘ (تث 33: 12). وكيف لا يستطيع مَن يسكن لدى الرب والذي يقترب إليه بروح الصلاة ألا يتمتّع بالطمأنينة الحقيقية والسلام الدائم؟
الكثير من أمور هذا العالم تُقلِق الإنسان وتؤرِّق فكره فلا يستطيع أن يهدأ له بال. فيبدأ الإنسان بالتفكير والتخطيط كيما يتخطّى العقبات أمامه، فيقع دون أن يدري تحت ضغطٍ هائل يأسر حياته ويسلبها الراحة الحقيقية. يلفتني بعض الإعلانات التي نسمعها ونقرأها في كل يوم عن أن راحة البال هي في أن يكون للإنسان حسابٌ مصرفي مضمون، أو ضمان صحي طويل الأمد، أو وظيفة مرموقة تضمن الاستمرارية في الحياة اليومية. وهل هناك من أفضل من هذه المقومات كيما تكون حياة الفرد والجماعة في ضمان أكيد؟ هي بالفعل ضمانات أكيدة لكنها غير مضمونة – قد نخسر وظائفنا وضماننا الصحي وربما أموالنا التي اذخراها عبر السنين، فماذا نقول في راحة البال المفقودة والأرق المستمر. عرف المرنم في العهد القديم كيف يختبر راحة البال المضمونة بروح الصلاة عندما قال: ’أنا اضطجعت ونمت. استيقظت لأن الربّ يعضدني‘ (مز 3: 5). نرى أن حضور الرب يبعث السلام في داخل قلب الإنسان ويعطيه راحة البال المضمونة في كل المجالات، لكنه أيضا هو فريدٌ من نوعه ولا أحد يستطيع أن يحلّ مكانه. أما الابتعاد عن الرب قد يُسبِّبُ المرارة والحزن والاكتئاب.
يُعتبر الاكتئاب حالة منتشرة، يصاب بها ملايين من الناس المؤمنون والغير مؤمنون منهم على حد سواء. والذين يتعرضون للاكتئاب يعانون من أعراض متعددة مثل الحزن، الغضب، فقدان الأمل، الشعور بالإرهاق، وأعراض أخرى متعددة. ونجد أن المصابون بالاكتئاب قد يشعرون بعدم الأهمية أو حتى يفكرون في الانتحار أحيانًا مع فقدان الرغبة في فعل الأشياء التي كانوا عادة يستمتعون بفعلها. وعادة ما يكون الاكتئاب نتيجة لظروف الحياة الصعبة مثل فقدان الوظيفة أو وفاة شخص محبوب، أو الطلاق، أو التعرض لمشاكل نفسية نتيجة سوء المعاملة أو عدم الثقة بالنفس .الكتاب المقدس يوصينا بأن نمتلئ بالفرح والتسبيح – ’افرحوا في الربّ كل حين، وأقول أيضًا افرحوا‘ (في 4: 4)؛ ’وأيضًا سبِّحوا الربَّ يا جميع الأمم، وامدحوه يا جميع الشّعوب‘ (رو 15: 11)، فمن الواضح أن الله يرغب لنا أن نستمتع بحياة البهجة والفرح. وهذا شيء ليس سهل المنال لشخص يعاني من الاكتئاب، ولكن يجب على الشخص اللجوء للصلاة، قراءة الكتاب، دراسة الكتاب مع مجموعة من المؤمنين، الاعتراف، التسامح، والمشورة والله قادر على التدخل وتغيير الأحوال. ويجب علينا اتخاذ القرار بألا نركز على أنفسنا، بل على مَن هم حولنا وعلى احتياجاتهم. فالشعور بالاكتئاب يمكن أن يتحسَّن عندما يقوم الشخص بالتركيز على الرب يسوع المسيح والآخرين.
أما الإكتئاب المزمن فلا بد أن يقوم بتشخيصه طبيبٌ مختَّص. وعادة ما لا يكون نتيجة أحداث عصيبة في الحياة، ولا يمكن للشخص التحكم في الأعراض بإرادته. وبخلاف ما يعتقد الكثير من المسيحيون، فإن الاكتئاب المزمن لا يكون دائماً نتيجة لارتكاب الخطية. فمن الممكن أن يكون الاكتئاب حالة طبية تتطلب التدخل الطبي والعلاج. وبالطبع الله قادر على شفاء أي مرض. ويمكن للذين يعانون من الاكتئاب اتخاذ بعض الخطوات المساعدة. فيجب عليهم أن يستمروا في دراسة الكتاب وان كانوا لا يشعرون بالتشجيع. فيمكن لعواطفنا أن تضلنا، ولكن كلمة الله صامدة لا تتغيَّر. ولا بد أن نؤمن بالله وأن نلتجئ إليه بصورة أكبر في وقت الضيق والشدائد. فالكتاب يخبرنا أن الله لن يسمح لنا بالخوض في تجارب أكبر مما يمكننا تحمله – ’لم تصبكم تجربة إلا بشرية. ولكن الله أمين، الذي لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون، بل سيجعل مع التجربة أيضا المنفذ، لتستطيعوا أن تحتملوا‘ (1 كو 10: 13). وبالرغم من أن الاكتئاب نفسه ليس بخطيئة، فتعاملنا معه هو الذي يحدد ذلك، فالإنسان مسئول عن تصرفاته حتى في وقت الشدة، وان كان ذلك مسئولية الاتجاه للعلاج وعدم الإهمال في صحتنا النفسية – ’فلُنقدِّم به في كل حين لله ذبيحة التسبيح، أي ثمر شفاه معترفة باسمه‘ (عب 13: 15).
في الصلاة والإقتراب إلى الله قوّة شفاء وتأثيرٌ فيزيولوجي كبير وتغيير نفسي عميقٌ جدا. أظهرت إحدى الدراسات الحديثة أن الصلاة وحضور الإجتماعات الروحية بشكل مستمر والمشاركة في النشاطات الدينية المتنوعة تُقلِّل من خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم المرافق للقلق وتُحسِّن من أداء الدورة الدمويَّة وبالتالي الوقاية من أمراض تصلُّب الشرايين. إذا، من المنطق القول بأن معظم الأمراض البشرية لها أسبابها من القلق الفكري والضغط النفسي المستمر – فالراحة والصلاة يوفِّران عوامل إيجابية قد تساهم في إحلال التوازن الجسمي والحفاظ عليه من التأثيرات السلبيّة المتنوعة – ’ونحن نعلم إن كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبُّون الله الذين هم مدعوون حسب قصده‘ (رو 8: 28).
- عدد الزيارات: 9160