Skip to main content

تفسيرالرسالة الثالثة

اَلشَّيْخُ، إِلَى غَايُسَ الْحَبِيبِ الَّذِي أَنَا أُحِبُّهُ بِالْحَقِّ. (العدد 1)

لا يقول "الرسول" بل "الشيخ" لا في الرسالة الثانية ولا في الرسالة الثالثة لأنه يكتب إلى أفراد "إلى غايس الحبيب" – هنا يظهر محبته لغايس فيقول "الحبيب الذي أنا أحبه بالحق" ولا يجد حرجاً في ذلك كما كان موقفه في الرسالة الثانية.

من هو غايس؟ وأين مكانه وفي أية كنيسة؟

عجيب أنه لا يذكر من هو ولا من أين هو ولا في أية كنيسة هو.

هل يكتب الرسالة إلى شخص غير معروف وفي مكان غير معروف وكنيسة غير معروفة؟ لا. لكن الروح القدس له حكمة سامية فهو يصوّر في هذه الرسالة صورة للكنيسة في الأيام الأخيرة ولا يهم الأسماء أو المكان.

الرسول يوحنا هو آخر الرسل الذين بقوا على قيد الحياة وابتدأ يرى شبح الكذاب قد ضد المسيح وتعاليمه فأعطانا في هذه الرسالة لا كلاماً لكن صورة عملية رسمها لنا. لم يشأ أن يقول لنا الاسم ولا المكان كأنه يقصد أن يقول:هذه ستكون صورة المسيحية بعد العصر الرسولي – هكذا ستكون مكونة بهذا التكوين الذي سنراه الآن.

عندما يذكر الإسم حكمة وعندما لا يذكر حكمة.

نعرف في الكاتب ثلاثة أشخاص باسم غايس وهذا هو الرابع. وغايس هذا الذي يكتب له الرسول يوحنا الآن ليس هو الشخص الأول ولا الثاني ولا الثالث.

غايس الأول – مذكور في أع 19: 29 وهو مكدوني من مكدونية وكان رفيق بولس في السفر وقد اعتدوا عليه في الهياج الذي عمله ديمتريوس إذ اختطفوا غايس وأرسترخس وهو مكدوني أيضاً لأنهما كانا مع بولس.

غايس الثاني – من دربة في مقاطعة ليكاونية. وهذا رافق بولس أيضاً في السفر وطبعاً هو خلاف غايس الأول لأن الأول مكدوني والثاني دربي أع 10: 4

غايس الثالث – من كورنثوس في أخائية وهو غير الاثنين السابقين. ولما كان بولس في كورنثوس عمّده لم يعمّد غير اثنين فقط وهما كريسبس وغايس (1 كو 1:14).

وغايس هذا بعد ما عمّده بولس وأسبح مسيحياً كان سخياً وكان مضيفاً للرسول وللكنيسة كلها (رو 16: 23) لأن الرسول كتب رسالة رومية وهو في كورنثوس ويقول لهم "يسلم عليكم غايس مضيفي ومضيف الكنيسة كلها".

غايس الرابع – هو هذا الذي كتب له الرسول يوحنا الرسالة الثالثة ولا نعرف من أين هو ولم يكن له اتصال بالرسول بولس لكن هو من أولاد يوحنا الرسول في الإيمان لأنه يقول "ليس لي فرح أعظم من هذا أن أسمع عن أولادي أنهم يسلكون بالحق". فهذا ولده الرسول في الإيمان أي تجدد على يديه وكان فرحاً به لأنه يسميه "غايس الحبيب الذي أنا أحبه بالحق "أو أحبه في الحق".

أَيُّهَا الْحَبِيبُ، فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرُومُ أَنْ تَكُونَ نَاجِحاً وَصَحِيحاً، كَمَا أَنَّ نَفْسَكَ نَاجِحَةٌ. (عدد 2)

"أيها الحبيب" – هذه العبارة مذكورة في هذه الرسالة أو في هذا الإصحاح ثلاث مرات:

في ع2 "أيها الحبيب في كل شيء أروم أن تكون ناجحاً".

في ع5 "أيها الحبيب أنت تفعل بالأمانة كل ما تصنعه إلى الأخوة".

في ع11 "أيها الحبيب لا تتمثل بالشر بل بالخير".

"أروم أن تكون ناجحاً وصحيحاً كما نفسك ناجحة" – أول شيء وأهم شيء أن تكون النفس ناجحة أي النجاح الروحي. لكن يظهر أن هذا الأخ كان مريضاً ضعيفاً في الجسد وعنده بعض أمراض مثل تيموثاوس. هل ممكن أن نقول: الصحة الجسدية لا تهم؟ لا. يقول الرسول بولس لتيموثاوس "لا تكن فيما بعد شرّاب ماء بل استعمل خمراً قليلاً من أجل معدتك وأسقامك الكثيرة" (1 تى 5: 23).

فصحة المؤمن تهم الرب لأننا نخدمه بهذا الجسد. يوجد أناس يتصنعون الارتفاع روحياً ويقولون ما دام الواحد في صحة روحية فالصحة الجسدية لا تهم‍ لكن هذا خطأ.

"أروم أن تكون ناجحاً وصحيحاً" – صحيحاً أي متمتعاً بالصحة. إن نجاح النفس هو فعلاً أول شيء وأهم شيء لكن ضروري أيضاً نجاح وصحة الجسد الذي به نخدم الرب.

لأَنِّي فَرِحْتُ جِدّاً إِذْ حَضَرَ إِخْوَةٌ وَشَهِدُوا بِالْحَقِّ الَّذِي فِيكَ، كَمَا أَنَّكَ تَسْلُكُ بِالْحَقِّ. (عدد 3)

حضر أخوة من عند غايس إلى الرسول يوحنا وشهدوا بالحق الذي فيه وبأنه يسلك بالحق أي أن الحق ساكن فيه وأنه يسلك بموجبه.

في الرسالة الثاني – يقول عن أولاد كيرية "أنا أحبهم بالحق" (ع1) ويقول فرحت جداً لأني وجدت من أولادك بعضاً سالكين في الحق" (ع4)

وفي هذه الرسالة الثالثة – يقول عن غايس "الحبيب الذي أنا أحبه بالحق" (ع1) ويقول "فرحت جداً إذ حضر أخوة وشهدوا بالحق الذي فيك كما أنك تسلك بالحق" السلوك بالحق يسبب الفرح الكثير.

لَيْسَ لِي فَرَحٌ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا: أَنْ أَسْمَعَ عَنْ أَوْلاَدِي أَنَّهُمْ يَسْلُكُونَ بِالْحَقِّ. (عدد 4)

في ع3 يقول "فرحت جداً" وفي ع4 يقول "ليس لي فرح أعظم من هذا..." – الخادم الأمين يفرح أعظم فرح عندما يجد المؤمنين سالكين بالحق.

يقول الرسول بولس "لأننا الآن نعيش إن ثبتم أنتم في الرب" _1 تس 2: 8) يعني لا أتلذذ بالحياة إلا لما أسمع أنكم ثابتون في الرب. إن كسب أي مكسب مادي لا يفرح به لكن أعظم فرح أن يسمع عن أولاده في الإيمان أنهم سالكون في الحق.

هذا فرح الرسول لكن الرب نفسه أيضاً يفرح. فرح الرسول مستمد من فرح الرب. السلوك في الحق أغلى شيء وأعظم شيء يفرّح قلوب المؤمنين وقلوب الخدام وقلب الرب نفسه.

ما أثمن الحق‍ يقول سليمان الحكيم "اقتن الحق ولا تبعه" (أم 23: 23). ممكن أن تضحي بأي شيء لكن لا تضحِّ بالحق.

أَيُّهَا الْحَبِيبُ، أَنْتَ تَفْعَلُ بِالأَمَانَةِ كُلَّ مَا تَصْنَعُهُ إِلَى الإِخْوَةِ وَإِلَى الْغُرَبَاءِ. (عدد 5)

الأمانة في الأصل تحمل معنيين: الأمانة والإيمان "إلى الأخوة وإلى الغرباء" في الأصل إلى الأخوة الغرباء – أخوة غرباء أي ليسوا من هذا المكان بل جاءوا من مكان آخر مسافرين.

لماذا جاءوا؟ لكي يخدموا الرب. من رسمهم ومن أرسلهم؟ الرب هو الذي أرسلهم. كم جنيهاً يأخذون كمرتب شهري؟ با يأخذون شيئاً. خرجوا من بلادهم وخرجوا من أشغالهم. من دعاهم ومن أعطاهم الموهبة؟ الرب – هذه هي صفة الخدام الأمناء.

لم يشأ أن يعرّفنا بهؤلاء الأشخاص لأنهم هنا مجرد نموذج للخدام. ليس عندهم تفويض من سلطة بشرية ولا رسامة رسمية لكن خرجوا بدعوة من الرب غير معتمدين على ماهية معينة ولا على مصدر بشري لكنهم يخدمون الرب بالإيمان.

هاتان صورتان أجمل من بعضهما:

أخ حبيب ومحبوب سالك بالحق. وخدام أمناء خرجوا لخدمة الرب بالإيمان. الأخ هو غايس الذي قبلهم ورحّب بهم وميّز الموهبة التي فيهم وميّز أن الرب هو الذي أرسلهم وقدّر الاسم الحسن الذي لأجله خرجوا وقبلهم وأضافهم لأنهم غرباء وأكرمهم لأنهم خدام الرب وشيّعهم أي زودهم بمصاريف السفر ومصاريف الإقامة في مكان آخر وكان مثل المؤمنين في فيلبي الذين شاركوا الرسول وسدّوا احتياجه.

الَّذِينَ شَهِدُوا بِمَحَبَّتِكَ أَمَامَ الْكَنِيسَةِ. الَّذِينَ تَفْعَلُ حَسَناً إِذَا شَيَّعْتَهُمْ كَمَا يَحِقُّ للهِ. (عدد 6)

هؤلاء الأخوة الغرباء ذهبوا إلى البلدة التي فيها الرسول وشهدوا في الكنيسة هناك بمحبة غايس أمام الكنيسة.

كلمة الكنيسة ترد في هذا الإصحاح ثلاث مرات:

المرة الأولى في ع6 "شهدوا بمحبتك أمام الكنيسة"

المرة الثانية في ع9 "كتبت إلى الكنيسة (في البلد التي فيها غايس)".

المرة الثالثة في ع10 "(ديوتريفس) يطرهم من الكنيسة".

إذاً توجد كنيسة وغايس فرد في الكنيسة. ويوجد خدام يأتون ويزورون الكنيسة ويخدمون. ويوجد أخوة مميزون كرماء يقبلونهم ويستضيفونهم وهنا أيضاً صورة جميلة لأخ شهد لمحبته أمام الكنيسة وهذا يذكرنا بفليمون الذي يقول عنه الرسول بولس: "لأن لنا فرحاً كثيراً وتعزية بسبب محبتك لأن أحشاء القديسين قد استراحت بك أيها الأخ" (فليمون 7).

لأَنَّهُمْ مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ خَرَجُوا وَهُمْ لاَ يَأْخُذُونَ شَيْئاً مِنَ الأُمَمِ. (عدد 7)

تركوا بلادهم وخرجوا وجاءوا يخدمون بعيداً عن بيوتهم وهم لا يأخذون شيئاً من الأمم. فيظهر أنهم يهود لا يقبلون شيئاً من الأمم أو بالحري من غير المؤمنين.

يقول الرسول في ع6 "الذين تفعل حسناً إذا شيعتهم كما يحق لله" وفي ع7 يقول "لأنهم من أجل اسمه (أي اسم المسيح) خرجوا" فالمسيح هو الله. المسيح والله واحد.

فَنَحْنُ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَقْبَلَ أَمْثَالَ هَؤُلاَءِ، لِكَيْ نَكُونَ عَامِلِينَ مَعَهُمْ بِالْحَقِّ. (عدد 8)

لاحظوا الجمال الأدبي الذي في كلمة الله. من الذي يقول "فنحن ينبغي لنا..."؟

الرسول يوحنا آخر رسول موجود على قيد الحياة وأعظم سلطة في الكنيسة يضع نفسه مع أفراد الكنيسة كلها قائلاً "نحن ينبغي لنا أن نقبل أمثال هؤلاء" – كان المنتظر أن الرسول يأمر ويقول يجب عليك يا غايس ويجب على المؤمنين عندك أن يقبلوهم – أمر بسلطان رسولي.

لكن شيء عجيب أنه لا يقول عن نفسه أنه رسول بل الشيخ. ويقول ينبغي أنا أقبلهم وأنتم تقبلونهم ويضع نفسه هو وغايس والمؤمنين على مستوى واحد.

"لكي نكون عاملين معهم بالحق" – عاملين مع الرسول الذي هو أعظم سلطة وفي أعظم خدمة. مع أن الرب وضع في الكنيسة أولاً رسلاً. لكن يقول عاملين معهم.

عاملين معهم بالحق أو في الأصل عاملين معهم مع الحق. الذين يساهمون في نفقات الإنجيل. الرسول بولس يقول شيئاً آخر في غلا6: 6 "ليشارك (هذا أمر) الذي يتعلم الكلمة المعلم في جميع الخيرات".

الرب أعطاك خيرات وهذا المعلم لا يأخذ شيئاً جزاء خدمته فأنت تعطيه خيرات أي تعطيه خدمات مالية وخدمات عينية. أنت عندك خزين في البيت تعطيه خزيناً.

نلاحظ يا أحبائي أنه يصور الحق كشخصية لأنه يقول بعد ذلك "مشهود له من الحق نفسه" (ع12) أي أن الحق يشهد له. وهنا يقول "عاملين مع لحق".

كَتَبْتُ إِلَى الْكَنِيسَةِ، وَلَكِنَّ دِيُوتْرِيفِسَ - الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الأَّوَلَ بَيْنَهُمْ - لاَ يَقْبَلُنَا. (عدد 9)

أين هذه الكتابة التي كتبها إلى الكنيسة؟ غير موجودة. هل توجد رسالة كتبها الرسول لهذه الكنيسة غير هذه؟ لا. نحن لا نعرف مكان هذه الكنيسة لكن هذا دليل على أن الرسل كتبوا كتابات (ليس بالوحي لكن بمواهبهم الخاصة) غير موجودة في الكتاب. أما الكتابات التي كتبوها بالوحي وقصد الله أن يعطينا إياها في الكتاب المقدس، فهي موجودة فيه.

كل الكتاب هو موحى به ونافع. كل ما قصد الروح القدس أن يكون نافعاً للكنيسة في كل تاريخها قد سجله لنا في الكتاب.

مثلاً في العهد القديم يوجد سفر نشيد الإنشاد. معنى هذا أنه توجد أنشاد كثيرة كتبها سليمان وأمثال كثيرة لكن الذي حفظ لنا في الكتاب بالوحي هو نشيد الإنشاد الذي موضوعه شخص الرب كالعريس. والأمثال النافعة لنا هي التي حفظت لنا ومسجلة في سفر الأمثال.

يقول الرسول بولس في رسالة كورنثوس الأولى "الأمور التي كتبتم لي عنها". إذا كتبوا له عن بعض الأشياء لكن الأشياء اللازمة للكنيسة التي لها صفة دائمة هي التي سجلت في الكتاب وحفظت لنا. "كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب... لكي يكون إنسان الله كاملاً..." (2 تى 2: 16).

"إن كان أحد يزيد على هذا يزيد الله عليه الضربات المكتوبة في هذا الكتاب وإن كان أحد يحذف الله نصيبه من أقوال كتاب هذه النبوة يحذف الله نصيبه من سفر الحياة" (رؤ 22: 18، 19).

ليس معنى هذا أن أواني الوحي لم يكتبوا خطابات وثم يُسألون من الآخرة وردّوا على الأسئلة. كتبوا بمواهبهم التي أعطاها لهم الرب لكن ليس بالوحي. أما الوحي فكامل ومفهوم وهو الذي حرّك أقلامهم فكتبوا الكتابات الموحى بها المسجلة في الكتاب وقد حفظها لنا الرب.

"كتبت إلى الكنيسة" – كتب الرسول يوحنا خطاباً للكنيسة لكن ديوتريفس أخذه وأخفاه.

ديوتريفس هذا شخصية جديدة دخلت وكان الرسول لا يزال في الكنيسة –سيادات ورياسات – غضب ديوتريفس كيف يكتب الرسول يوحنا للكنيسة وهو موجود كأنه يقول: عندما يكتب الرسول يجب أن يكتب لي أنا لأني أنا هنا صاحب السيادة في هذه الكنيسة. غضب ولم يحترم السلطان الرسولي لأنه كان يعظم نفسه.

"الذي يجب أن يكون الأول" – فكرة الأول هذه موجودة في الطبيعة البشرية وكانت موجودة في الرسل أنفسهم حتى في آخر حياة الرب على الأرض وهو ذاهب إلى جبل الزيتون ليصلي هناك وكانت نفسه حزينة جداً حتى الموت كانت بينهم مشاجرة من يكون أعظم.

ولم تكن هذه أول مرة لكن آخر مرة وهو ذاهب إلى الصليب (لو 22: 24) لكن قبل ذلك تقدموا إليه قائلين من هو أعظم في ملكوت السموات فدعا يسوع ولداً وأقامه في وسطهم وقال: إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السموات (مت 18: 1-3).

هذه الفكرة نهاهم الرب عنها ووبخم عليها. لكن بعد العصر الرسولي دخلت السلطة البشرية والسيادات في الكنيسة مع أن الرسول يوحنا يقول هنا في ع8 - "فنحن ينبغي لنا أن نقبل أمثال هؤلاء" واضعاً نفسه بين المؤمنين.

والرسول بطرس يقول في 1بط 5: 2 "ارعوا رعية الله التي بينكم" (الرعية بين الرعاة والرعاة بين الرعية) والرسول بولس يقول في أع 20: 28 "احترزوا إذاً لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها (وليس عليها) أساقفة لترعوا كنيسة الله".

والرب له المجد يقول للتلاميذ "ملوك الأمم يسودونهم والمتسلطون عليهم يدعون محسنين وأما أنتم فليس هكذا بل الكبير فيكم ليكن كالأصغر والمتقدم كالخادم" (لو 22: 24-26).

فيعد الصورة الجميلة صورة الخدام الأمناء الذين يخدمون بالحق ولا يقبلون شيئاً من الأمم بل يعيشون بالإيمان تأتي الصورة البشعة صورة السلطة البشرية ممثلة في بيوتريفس الذي يحب أن يكون الأول.

من هو الأول أيها الأحباء؟ هو الرب يسوع الذي قال "أنا هو الأول والآخر" (رؤ 1: 17). من هو المتقدم؟ الرب يسوع الذي يقول عنه الرسول بولس "لكي يكون هو متقدماً في كل شيء" (كو 1: 18). فالذي يريد أن يكون الأول يريد أن يغتصب مكان الرب. "لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم" (مت 18: 20) هل يكون في وسطهم كعضو كم كالرئيس؟ كالرئيس طبعاً. يقول الوحي في أش9: 6 "وتكون الرياسة على كتف" هل يكون الرب موجوداً في الوسط والرياسة على كتف شخص آخر؟ حاشا. فهذا مغتصب مكان الرب. ماذا يعمل هذا المغتصب المتسلط – بيوتريفس؟ لا يقبلنا لأنه لم يقبل الرسالة التي أرسلها الرسول بل أخذها منهم وأخفاها.

مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ إِذَا جِئْتُ فَسَأُذَكِّرُهُ بِأَعْمَالِهِ الَّتِي يَعْمَلُهَا، هَاذِراً عَلَيْنَا بِأَقْوَالٍ خَبِيثَةٍ. وَإِذْ هُوَ غَيْرُ مُكْتَفٍ بِهَذِهِ، لاَ يَقْبَلُ الإِخْوَةَ، وَيَمْنَعُ أَيْضاً الَّذِينَ يُرِيدُونَ، وَيَطْرُدُهُمْ مِنَ الْكَنِيسَةِ. (عدد 10)

كان ذلك الشخص يعمل أعمالاً رديئة وكان هاذراً على الرسول نفسه بأقول خبيثة ولا يقبل الخدام الأمناء الغرباء الذين جاءوا ليخدموا الرب بالحق ولا يعترف بهم ويقول من أعطاهم تفويضاً وأنا لم أرسل لهم ومن قال أننا في حاجة إليهم؟ أنا هنا وأنا الذي أعين الخدام، فهو لا يقبل الأخوة ويمنع الذين يريدون أن يقبلوهم ويطردهم من الكنيسة أي يعزلهم ويحرمهم.

فهذه هي السلطة التي يدعيها الأكليروس لنفسه ويقول أيضاً الذي يقبل هؤلاء الغير مرسومين منا يكون محروماً. والذي يدخل عند الجماعة التي ليس عندها رياسات يكون محروماً. فأولاً أخذ مركز السيادة وكان يتحكم في الأخوة، ولم يقبل الخدام. وثانياً كان يطرد الذين يقبلونهم ويحرمهم.

أَيُّهَا الْحَبِيبُ، لاَ تَتَمَثَّلْ بِالشَّرِّ بَلْ بِالْخَيْرِ، لأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ الْخَيْرَ هُوَ مِنَ اللهِ، وَمَنْ يَصْنَعُ الشَّرَّ فَلَمْ يُبْصِرِ اللهَ. (عدد 11)

يذكر الرسول هنا المبدأ الذي ذكره في الرسالة الأولى: إن كل من هو مولود من الله لا يفعل خطية. من يفعل خطية فهو من إبليس (1 يو3: 8، 9). "كونوا كارهين الشر ملتصقين بالخير" (رو 12: 9).

دِيمِتْرِيُوسُ مَشْهُودٌ لَهُ مِنَ الْجَمِيعِ وَمِنَ الْحَقِّ نَفْسِهِ، وَنَحْنُ أَيْضاً نَشْهَدُ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ شَهَادَتَنَا هِيَ صَادِقَةٌ. (عدد 12)

من هو ديمتريوس؟ غير معروف. يوجد ديمتريوس المذكور في سفر الأعمال الذي كان صانع تماثيل في أفسس وهو الذي أهاج المدينة ضد الرسول بولس.

لكن ديمتريوس هنا صورة للأمناء في الكنيسة. ستكون بقية أمينة في المستقبل من اليهود كما نعلم لكن الآن توجد بقية من المؤمنين حسب اختيار النعمة – أمناء في وسط الكنيسة.

رأينا ذلك الرديء المغتصب السيادة لكن هنا نجد أيضاً أناساً أمناء وهذا واحد منه – عينه للأمناء اسمه ديمتريوس.

يوجد جزء من الكنيسة تحت السيادة البشرية وجزء أمناء للرب. جزء يقبلون الخدام الأمناء وجزء لا يقبلونهم – هذا هو الحال بعد العصر الرسولي.

ديمتريوس يظهر هنا فجأة بلا مقدمات والرسول يعرفه وهو مشهود له بثلاث شهادات..

1-مشهود له من الجميع – هذه شهادة جماعية.

2-مشهود له من الحق – فالحق شخصية تشهد. المؤمن يشهد للحق والحق يشهد للمؤمن السالك بالحق.

3-ونحن أيضاً نشهد وأنتم تعلمون أن شهادتنا صادقة. شيء جميل أن يكون المؤمن مشهوداً له.

وَكَانَ لِي كَثِيرٌ لأَكْتُبَهُ، لَكِنَّنِي لَسْتُ أُرِيدُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكَ بِحِبْرٍ وَقَلَمٍ. (عدد 13)

ما دام عندك كثير لماذا لا تكتبه؟ هل يكتب من نفسه؟ كلا. إنه يكتب بالوحي بالروح القدس، والروح القدس قال له: تكتب هذا فقط وهو أطاع.

وَلَكِنَّنِي أَرْجُو أَنْ أَرَاكَ عَنْ قَرِيبٍ فَنَتَكَلَّمَ فَماً لِفَمٍ. (عدد 14)

يظهر الرسول هنا شوقه لأن يراهم ويتكلم معهم ولا بد أن غايس فرح بكلام الرسول أنه عازم على المجيء.

أراك: يراه وجهاً لوجه.

ويتكلم معه: فماً لفم.

سَلاَمٌ لَكَ. يُسَلِّمُ عَلَيْكَ الأَحِبَّاءُ. سَلِّمْ عَلَى الأَحِبَّاءِ بِأَسْمَائِهِمْ. (عدد 15)

وإلى أن أجيء سلام لك – أي تمتع بالسلام. "ويسلم عليك الأحباء" وأخيراً سلّم على الأحياء بأسمائهم تسليمات متبادلة. ألا يذكرنا هذا باليوم السعيد الذي سنرى فيه شخص الرب وجهاً لوجه؟

سنراه كما هو لأننا سنكون مثله. وسيأتي هذا اليوم سريعاً.

يقول يعقوب: مجيء الرب قد اقترب والرب نفسه قال أنا آت سريعاً. سيأتي هاتفاً بنفسه سينزل من السماء بهتاف لأنه سيأخذ له العروس وكم يكون فرحنا حينئذٍ، ونحن بدورنا نقول آمين تعال أيها الرب يسوع.

  • عدد الزيارات: 7382