إصحاح 4، آية 12
12-"أختي العروس جنة مغلقة عين مقفلة ينبوع مختوم".
هنا يرسم العريس أخته العروس بصورة جديدة وجذابة، فهي ترى هنا كالجنة، وللجنة مكان خاص في فكر الله، فان أول شيء عمله تعالى بعد ما خلق الإنسان هو أنه غرس الجنة في عدن "وأنبت الرب الإله كل شجرة شهية لنظر وجيدة للأكل" وأعد نهرا ليسقي الجنة (تك2: 7-10) كما ان كل فكر الله جنة أخرى (فردوس الله الذي في وسطه شجرة الحياة)(رؤ2: 7) والرسول بولس وهو إنسان مثلنا اختطف كما نعلم إلى الفردوس، وقد صار أيضا بواسطة صعود المسيح إلى السماء ضمان لوجود أرواح جميع المؤمنين الراقدين في فردوس الله إلى ان يجمع المسيح كل قديسيه الراقدين والأحياء ليكونوا معه في المجد الأبدي، وان غاية الله هي ان يكون المؤمنون متمتعين بالوجود روحيا بهذه الحالة المباركة.
ان للجنة صفة خاصة لدى الله، ومع ان كل خليقته التي عملها كانت جميلة في عينيه، إذ رأى ان كل ما عمله "هو حسن جدا" ولكن لم يستلزم عمل الخليقة سوى ان يقول الله كلمة "وقال الله ليكن. . . فكان"(تك1: 3) "بالإيمان نفهم ان العالمين أتقنت بكلمة الله"(عب11: 3) ولكن مكتوب بأنه عندما عمل الله الجنة "وغرس الرب الإله جنة"(تك2: 8) أي ان الجنة كانت عمل يديه مبينا بذلك اهتمامه ومسرته بها، وفي هذا إشارة إلى ان قديسيه هم لمسرته ولمسرة قلب ابنه الحبيب.
* * *
ان العروس هي "جنة مغلقة عين مقفلة ينبوع مختوم" فهي له وحده دون سواه. أنها جنته، وهذا يجعلها جميلة في عينيه، وهذا ما يجب ان يراعيه المؤمن في حياته _ ان تكون حياته بجملتها للرب، فان جنته ليست حديقة عامة يستطيع ان يدخلها كل ما يشاء. أنها "مغلقة" لتكون له وحده، وأننا لا نستطيع ان نكون "كعذراء عفيفة للمسيح" إلا إذا كنا نحرص على الاحتفاظ بأنفسنا من مؤثرات هذا العالم.
* * *
عندما كان يموت شخص ما من إسرائيل في خيمته، فان كل إناء مفتوح ليس عليه سداد بعصابة يكون نجسا (عدد19: 15) وأننا موجودون في عالم ساده الموت الروحي وقد غشى فساده ورائحته النتية كل شيء، فلكي نكون طاهرين يجب ان نكون أواني محكمة القفل. نعم ما أحوجنا ولا سيما في أيام الارتداد هذه إلى ان يكون كل مسيحي حقيقي "مغلقا" و "مقفلا" و "مختوما" وان كان العالم يعتبرنا ضيقين، ولكن يا لها من كرامة بل وفرح يغمر نفوسنا إذ نحتفظ بكياننا للمسيح وحده! وهل ندم أي مسيحي في كل حياته وإلى نهايتها لأنه كان بجملته للمسيح؟ ولكن ما أكثر الذين حزنوا وندموا لأنهم لم يتفانوا في تكريس ذواتهم له. لقد توسل المرنم التائب إلى الله قائلا "أغسلني فأبيض أكثر من الثلج"(مز50) فهل لنا مثل هذه الرغبة الصادقة في الطهارة؟ لا بل ان قصد إلهنا من نحونا هو أسمى من ذلك، فأنه يريد من كل من له الرجاء بان يكون مثل المسيح عندما يراه كما هو، بان "يطهر نفسه كما هو طاهر"(1يو3: 3) وهذا ما يحفظنا من كل المؤثرات التي في هذا العالم .
ومتى سمونا إلى هذا المستوى فلا يكون مقياس حياتنا ما هو محلل أو محرم، وهذا ليس معناه التساهل مع الشر أو شبه شر، بل يكون هدفنا ما هو مرض ومسر للمسيح، وتكون غايتنا ان جنته تأتي بثمر المشبع والملذ لقلبه فنستطيع ان ندعوه ليدخل جنته ولنا اليقين بأنه سيجد سروره فينا.
* * *
"عين مقفلة" لا يستطيع ان يرتوي من مياهها إلا صاحبها الذي تعب فيه فأنه وان كانت غاية الرب ان المؤمن الذي قبل الروح القدس تجري من بطنه أنهار ماء حي لارواء الآخرين، إلا ان في حياة المؤمن وعلاقته السرية والباطنية بالرب ما هو للمسيح وحده _ له دون سواه، فللمسيح وحده عواطف السجود والتعبد والقلب المكرس. هذه هي مياه العين المقفلة المياه الغالية لديه كما كانت مياه بئر بيت لحم التي عند الباب له قيمتها الغالية لدى داود (2صم23).
* * *
"ينبوع مختوم" فالعروس بجملتها لعريسها وله وحده، وهي قانعة تماما بنصيبها في حبيبها، فالمسيح كفايته وهو ملء قلبها، وهي ينبوع مختوم له دون الآخرين، وعلى ينبوع الملك خاتمه الملكي، والمياه الحية لا تفيض من ذلك الينبوع إلا إليه، فليس لأجنبي ان يعبث بما قد ختمه الملك بخاتمه "ولكن أساس الله الراسخ قد ثبت إذ له هذا الختم. يعلم الرب الذين هم له ولتجنب الأثم كل من يسمي اسم المسيح"(2تي2: 19).
ان الكلمات "مغلقة. مقفلة. مختوم" من شأنها ان توحي بالضرورة إلى انفصال المؤمن عن العالم انفصالا مطلقا ومحددا فان المسيحي الحقيقي وان كان في العالم ولكنه ليس منه "ليسوا من العالم كما أني أنا لست من العالم"(يو17) ولا يمكن ان يرضى العريس أو ان يجد مسرته في عروسه بغير ذلك "اسمعي يا بنت وانظرن وأميلي أذنك وأنسي شعبك وبيت أبيك فيشتهي الملك حسنك لأنه هو سيدك فاسجدي له"(مز45) أنه واضح جليا ان العريس يريد ان تكون العروس كجنة مغلقة وعين مقفلة وينبوع مختوم فلا يكون لسواه _ لا لشبعها ولا لبيت أبيها مكان في قلبها وعواطفها. أنه يريدها ان تكون بجملتها له وحده وبذا تكون جميلة فيشتهي حسنها، وهي إذ تعترف به سيدا لها يفيض قلبها حبا وسجودا وتعبدا له، وهذا ما نراه فعلا في رفقة، فقد تركت الكل لأجل اسحق لقد نسيت شعبها وبيت أبيها وسارت في برية قاحلة بقلب ملئ بالمحبة والإخلاص لعريسها، وإذ رأته من بعيد نـزلت عن الجمل وتغطت بالبرقع دليل الخضوع والحياء لذا اشتهى اسحق حسنها وأحبها، وهكذا الكنيسة فأنه من واجبها بل بالحري امتيازها ان تحب عريسها وتتعبد له وتحيا مكرسة له كعذراء عفيفة. أفلا نصغي لكلمات الروح القدس فنحيا عمليا "كجنة مغلقة وعين مقفلة وينبوع مختوم"؟.
* * *
- عدد الزيارات: 3232