إصحاح 4، آية 6
6-"إلى ان يفيح النهار وتنهزم الظلال أذهب إلى جبل المر وإلى تل اللبان".
أنه عندما يفيح النهار وتنهزم الظلال سيصير كل القديسين مثل المسيح ومعه كل حين، أنهم سيلبسون صورة السماوي، ولكن يجب عليهم الآن ان يتمثلوا به ويتغيروا إلى صورته، وهذا ما يريده العريس من نحو عروسه، أنه يريدها ان تصحبه إلى "جبل المر وإلى تل اللبان" حيث يمكنها ان تمتلك الكثير من عطوره المقدسة التي له وليست لآخر سواه. هذه هي نفس دعوة الإنجيل لكل مسيحي حقيقي "ان كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله"(كو3: 1) فالمسيحي بالحق مدعو لان يتبع المسيح إلى جبل المر وإلى تل اللبان "فان سيرتنا نحن (أي الدولة التي صرنا تابعين لها) هي في السموات"(في3: 20) لقد أجلسنا في السماويات في المسيح يسوع وهناك نستطيع ان نستمتع برائحة المر واللبان.
* * *
ويحدثنا "جبل المر" أيضا عن محبة المسيح التي تجلت في آلامه حتى الموت _ موت الصليب، فهناك في الجلجثة قدموا له خلا ممزوجا بالمر، وليس شيء يستطيع ان يؤثر على القلب نظير التأمل في محبة المسيح المتألم، فلا البركات الممنوحة لنا ولا الأمجاد التي تنتظرنا تستطيع ان تهيمن على القلب والعواطف نظير محبة المسيح المعلنة في آلامه وصليبه، فأنه كالملك الممجد سوف "ينجي الفقير المستغيث والمسكين إذ لا معين له. . . ويخلص أنفس الفقراء"(مز72) ولكن كم يكون تعلق قلوب المساكين والفقراء به عندما يعلمون أنه "في كل ضيقهم تضايق"(أش53: 4)! لقد كان له المجد "رجل أوجاع ومختبر الحزن" والفصح في العلية، جثسيماني، والجلجثة ترسم أمامنا "جبل المر" وهو يقودنا إلى هناك لندرك أكثر فأكثر محبته التي أحبنا بها إلى المنتهى.
* * *
أما "تل اللبان" فأنه يرسم أمامنا خدمة ربنا يسوع المسيح رئيس الكهنة العظيم، فان أفكار الله الآب ومشورات نعمته من نحونا قد ذخرها لنا في قلب ابنه الحبيب _ الابن المبارك الذي قدس ذاته لأجلنا (يو17). ان ربنا يسوع دائم المشغولية بخاصته إذ هم في فكرة وأمام نظر عينيه في كل حين، وما أسمى أفكاره وأفكار أبيه من نحوهم! والأحجار الكريمة التي رصعت بها صدرة رئيس الكهنة كانت تمثل الأسباط الاثني عشر الذين نقشت أسماؤهم على تلك الأحجار الغالية والتي كانت ترى داخل الأقداس في لمعان باهر وجمال فائق معلنة أفكار النعمة الإلهية حيث لا أثر فيها لضعفات الشعب وفشله.
وأنه يلذ لربنا الحبيب ورأسنا المبارك ان يطلعنا على ما لنا في قلبه وفي قلب الآب، فجبل المر وتل اللبان يرسمان أمامنا السمو الذي أوصلنا إليه والذي يريد الرب ان ترقى إليه نفوسنا روحيا وذلك بالتفرس في محبته التي بينها في صلبه وموته، وأنه من امتيازنا ان نرقى ونسمو إلى جبل المر وتل اللبان قبل ان يفيح النهار وتنهزم الظلال فتفيض قلوبنا سجودا وتعبدا له _ السجود الذي تفوح رائحته العطرية، رائحة اللبان المنعش لقلب سيدنا الذي له كل المجد.
* * *
- عدد الزيارات: 3194