إصحاح 1، آية 13
13-"صرة المر حبيبي لي بين ثديي يبيت"
قال أحد خدام الرب الأفاضل "ان كانت الفرس في مركبات فرعون تشير إلى الرغبة في الخدمة الاختيارية، والناردين يشير إلى السجود والتعبد أفلا تكون صرة المر إشارة إلى الشهادة المستمرة للرب يسوه؟" ان النفس التي اتكأت على مائدته وتلذذت بأطايبه با بالحري ابتهجت بطلعته البهية ففاضت ينابيعها بالسجود والتعبد له لا بد ان تحمل في كل حين رائحة المر الذكية في كل مكان وفي كل وسط توجد فيه "شكرا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين وظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان. لأننا رائحة المسيح الذكية لله"(2كو2: 14و 15) ويجب ان نتثبت تماما من هذه الحقيقة وهي أننا لا نستطيع ان نكون شهودا أمناء له ما لم نكن أولا في حالة الشركة معه والتلذذ والشبع بع والتعبد له، فالشهادة الصحيحة له يجب ان يسبقها الشركة معه والسجود له ". . . كهنوتا مقدسا لتقديم ذبائح روحية. . . (ثم) كهنوت ملوكي أمة مقدسة شعب اقتناء لكي تخبروا بفضائل الذي دعاكم من الظلمة إلى نوره العجيب"(1بط2: 5و 9) فالتخبير بفضائله (أي الشهادة له) يجب ان يسبقه الوجود في الأقداس الشركة معه وتقديم ذبائح روحية له، وهذا أمر بديهي، إذ كيف يتسنى لي ان أؤدي شهادة صادقة وصحيحة لشخص ليست لي شركة معه وعلاقة به، فإذا ما أغفلنا الشركة الشخصية فان كل خدماتنا تصبح واهية غير مثمرة.
هبنا يا سيدنا ان نكون أمامك وفي محضرك كل حين. هبنا ان نكون دائما في شركة صادقة وصحيحة معك حتى تكون لنا شهادة صادقة ومثمرة لمجدك.
* * *
ان في وصف العريس بأنه "صرة المر" إشارة إلى أنه "رجل أوجاع ومختبر الحزن" (أش53: 3) نعم لقد كان سيدنا وربنا يسوع رجل الآلام في حياته وفي مماته، وللمر علاقة به من بدأ حياته وإلى ختامها، فبعد ولادته أتى المجوس مقدمين له الهدايا ومن بينها المر. وعند موته، وهو فوق الصليب، لما قال "أنا عطشان" أعطوه خلا ممزوجا بمرارة، وما أعمق هذا التعبير "صرة المر" فكان كل أنواع الآلام والأحزان قد اختبرها، تبارك اسمه في حياته وفي موته أيضا "مجربا في كل شيء مثلنا بلا خطية"(عب4: 15) والعروس قد أدركت هذه الحقيقة فزادها ذلك تعلقا به لذا تقول عنه "صرة المر حبيبي لي" أي ان هذا الحبيب هو حبيبها وهي قد امتلكته. قد يحسب الغير ذلك مغالاة منها، ولكنها لا تبالي بل بجرأة مقدسة وتقول "حبيبي لي" وما دام لي وأنا قد امتلكته فأني سأحتفظ به كصرة المر ولا أجد مكانا يليق له لأضعه فيه سوى قلبي وأحشائي لذا.
"بين ثديي يبيت"
هذا هو المكان الوحيد اللائق له والذي يلذ لي ان أضعه فيه. ان كلمة يبيت بمعنى "يستريح كل الليل ( * ) وهل يستطيع الرب يسوع رجل الآلام ان يجد راحته في ليل هذا العالم المظلم إلا في قلوب المؤمنين؟ وهل هناك سعادة تعادل سعادة النفس التي يجد المسيح راحته في أحشائها "ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم"(أف3: 17) ولا يوجد أثمن من هذا الاختبار _ أعني التمتع بحلول المسيح _ صرة المر أو بالحري يسوع المرفوض من العالم _ في قلوبنا. والقلب "منه مخارج الحياة" فمتى ملأ المسيح قلوبنا فلا بد ان يهيمن على كياننا بجملته فتصبح إرادته إرادتنا ونظرته نظرتنا. هو يرى ويتكلم ويسمع فينا، أو بالحري "نحيا لا نحن بل المسيح يحيا فينا" فهلا نفتح قلوبنا ونسلمها له ليبيت فيها؟ أنه تبارك اسمه لن يرضى بأقل من ذلك "يا ابني أعطني قلبك" فمهما حاولنا ان نعطيه أثمن ما لدينا فهو لا يرضى بغير القلب بديلا، فالقلب وليس سواه هو مكان راحته وهناك يبيت.
ولا يستطيع العريس المبارك ان يأخذ مكانه في القلب إذا كان شيء سواه مكان فيه. وعبثا نحاول الجمع بين العريس المبارك وأي معبود آخر. لا يمكن للعريس ان يبيت بين ثديي العروس إلا إذا كانت تعزل شهواتها العالمية "من بين ثدييها"(هو2: 2) ان عريسنا طاهر ونقي وقدوس ولا يمكن ان يجد راحته إلا في قلوب طاهرة ونقية "طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله".
لنمتحن أنفسنا أيها الأحباء، ولنسأل بكل إخلاص "هل للمسيح مكانه في أحشائنا؟" أليس من المحزن والمؤلم لقلب الرب سيدنا وعريسنا ان يخاطب الكثيرين من المؤمنين في هذه الأيام الأخيرة _ أيام لاودوكية _ قائلا "هأنذا واقف على الباب وأقرع"؟ وأي شيء وجدناه أثمن وأغلى منه حتى أدخلنا إلى قلوبنا بدل من الرب الحبيب الذي يقرع كغريب قائلا "هأنذا واقف على الباب وأقرع ان سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي"(رؤ3: 20) هيا أيا عروس الرب استيقظي وأصغي إلى صوت عريسك الحبيب. تطهري من كل شيء سواه، وافتحي قلبك له لكي يبيت بين ثدييك فيهنأ بك وأنت تهنأين به هناء لن تجديه في أي شيء سواه.
مسيحي قلبي يملك نفسي له بجملتي
منشأ حب ورجا سروري ترسي بهجتي
* * *
ولنلاحظ أيضا ان في قول العريس "يبيت" (أي يستريح كل الليل" إشارة إلى العلاقة الروحية التي ستكون للبقية التقية مع الرب يهوه عريسها وقت اجتيازها في تدريبات ذلك الليل (ضيق يعقوب) وذلك قبل ظهوره لها "كشمس البر"، أما نحن فأننا نتوقعه "ككوكب الصبح المنير" ولكنه إذ يظهر بعد ذلك لعروسه الأرضية كشمس البر فان نوره سيملأ المسكونة بأسرها فرحا وتسبيحا.
ان الرب يسوع، سيرى وسيعرف من الخليقة بأسرها أنه هو "ملك المجد" وذلك عندما يملك عليها ملكه الألفي السعيد، وسيعرف الجميع أيضا ان لقبه الملكي كتب مرة على الصليب، ولا يوجد شيء سيكون له تأثيره على عواطف وقلوب البقية التقية من الشعب الأرضي عند اجتيازهم في الآلام المريرة والمروعة أكثر من إدراكهم بان مسياهم _ مسيح الله المعبر عنه هنا "بصرة المر" قد اشترك معهم في آلامهم بل بالحري تقدمهم فيها "في كل ضيقهم تضايق"(أش63: 9)، وأنه من فرط محبته حمل أحزانهم وتحمل أوجاعهم، وأنه جرح لأجل معاصيهم. نعم أنه عجيب ومؤثر للغاية ان عمانوئيل. يهوه المخلص، والرب البار يتألم ويحتمل اللعنة لكي يضمن لشعبه البركة والغبطة. ولقد أفاض الروح في إعلان هذه الحقيقة "إذ سبق فشهد بالآلام التي للمسيح. . . "(1بط1: 11) وإذ تقبل البقية المتألمة شهادة الروح القدس هذه عندئذ يمتلئ قلبها بالمحبة للمسيا الذي رفضته وقتا طويلا، ويصير هو _ له المجد _ حبيبها الذي بين ثدييها يبيت. ان نور ذلك النهار البهيج لا يكون قد أشرق وقتئذ عليهم. إذ يكون الليل لم ينته بعد بالنسبة لهم كما بالنسبة لنا نحن الآن، ولكن في خلال ذلك الليل سيكون العريس موضوع محبة وإعزاز قلوبهم ككنـز ثمين وكصرة المر التي تفوق رائحتها الذكية كل الأطياب.
* * *
وما يقال عن علاقة البقية من شعب الرب الأرضي بالرب عريسها ألا يقال بالأحرى عنا نحن؟ ألسنا نعرفه "كصرة المر" برائحتها العطرية _ رائحة محبته التي تألمت لأجلنا؟ ألسنا نعرفه ونحبه لأنه هو "رجل الأوجاع"؟ ألم يصر فقيرا لأجلنا وقد أعلن محبته "الفائقة المعرفة" ببذل جسده وسفك دمه الثمين لأجلنا؟ ألم يحزن ويتألم أيضا لكي يستطيع ان يرثي لنا في أحزاننا وآلامنا؟ وكم هو حلو ان نتذكر بأنه اجتاز في هذه كلها حتى يأتي بنا إلى أقرب وأمتن علاقة معه. أنه _ تبارك اسمه لم يتألم فقط لأجل إتمام الكفارة، مع أنه عملها كاملة، والعروس عرفت ذلك تماما وقد حصلت بهذه المعرفة على سلام كامل، ولكنه تألم أيضا ليكون لها أقرب وأوثق علاقة معه وليتسنى لها ان تعرف محبته وتتمتع بها في مكان القرب منه والعلاقة معه.
هذا هو امتياز جميع المؤمنين _ القديسين المحبوبين ان يذكروا في كل حين (ولا سيما عندما يأكلون عشاء الرب) بأنه احتمل الموت حتى يتسنى لنا ان ندرك محبته التي أوصلتنا إلى أوثق صلة به. نعم أنه حمل خطايانا. تبارك اسمه العزيز من أجل ذلك. ولكن إذا انحصر تفكيرنا في هذه الناحية فقط فأننا لا نكون محصورين فيما كان أمامه وفي قلبه حينما مات لأجلنا _ لقد سار في ذلك الطريق ليمتلكنا لنفسه ولنتمتع نحن بهذا القرب العجيب.
وأنه لشبع قلب الرب ان يكون لآلامه الحبية مكانها في أحشائنا "بين ثديي" كل مدة الليل _ ليل غيابه ورفضه هنا، ولا شك في ان محبته التي تألمت لأجلنا سيكون لها مكانها اللائق بها في قلوب وأحشاء قديسيه ومفدييه طوال الأبدية التي لا تنتهي
* * *
ان صرة المر لن تفقد رائحتها العطرية المنعشة، فأنه بعد ان ينتهي الليل سيكون الرب له المجد موضوع المحبة والإعزاز في ملكه السعيد وكذا في يوم الله الأبدي.
وأنه لجميل وحسن جدا ان نتأمل مليا في محبة الرب وما تحمله من آلام ليس من ناحية حاجتنا كخطاة معوزين فقط، بل من ناحيته هو كمن كانت كل غايته ان يأتي بنا للوجود في أقرب علاقة به. وبذا يتسنى لمحبته ان تجري إلى قلوبنا حيث لا ذكر للخطية أو الخطايا. وقد كان الفصح رمزا إلى كيف ان الله بواسطة موت المسيح استطاع ان يفصل شعبه عن العالم ليكونوا خاصته ولمسرته، هذه هي طبيعة محبته غير المتغيرة "لما كان إسرائيل غلاما أحببته ومن مصر دعوت ابني"(هو11: 1) والفداء الذي هو الوسيلة لإتمام مسرته تعالى قد تم بواسطة آلام الحمل وموته، وذلك لكي تستطيع محبته ان تجد راحتها في مباركة من هم غرضها.
ونحن في أكلنا من عشاء الرب نذكر ذاك الذي وصل إلى أعمق الآلام حتى يتمم ما كان في قلب الله وفي قلبه هو، ولكي ننمو نحن أيضا في معرفة محبته الفائقة المعرفة، تلك المحبة التي أتت بنا إلى هذا القرب العجيب إليه، ولا ريب في ان غرض الروح القدس هو ان يقودنا إلى هذه الحالة السامية عندما يقدم لنا المسيح كصرة المر بين ثديي أولئك الذين يحبونه، وان كان الروح القدس يستعرض هذه الحقائق الثمينة أمامنا فعلينا ان ننعم النظر فيها ونصلي كثيرا حتى يزداد إدراكنا لها إدراكا صحيحا واختباريا، وان تقديرنا لمحبة المسيح وآلامه أنما يهيؤنا للآلام هنا، فلا ننتظر كرامة أو حياة لينة في هذا المشهد الذي نحن مدعوون فيه لنكون شركاء مسيح متألم.
( * ) He shall lie all night.
- عدد الزيارات: 3869