Skip to main content

الفَصلُ الرَّابِع "البِرُّ العلاقاتِيّ"

(متَّى 5: 17- 48)

"لا تَظُنُّوا أنِّي جِئتُ لأنقُضَ النَّامُوسَ أوِ الأنبِياء. ما جِئتُ لأنقُضَ بل لأُكَمِّل. فإنِّي الحَقَّ الحَقَّ أقُولُ لكُم إلى أن تَزُولَ السَّماءُ والأرض لا يَزُولُ حَرفٌ واحِدٌ أو نُقطَةٌ واحِدَةٌ منَ النَّامُوس حتَّى يَكُونَ الكُلّ. فمَن نقضَ إحدَى هذه الوَصايا الصُّغرى وعلَّمَ النَّاسَ هكذا يُدعَى صَغيرَاً في مَلَكُوتِ السَّماوات. وأمَّا من عَمِلَ وعَلَّمَ، فهذا يُدعَى عَظيماً في مَلَكُوتِ السَّماوات. فإنِّي أقُولُ لكُم إنْ لم يَزِدْ بِرُّكُم على الكَتَبَةِ والفَرِِّيسيِّين، لن تَدخُلُوا ملكُوتَ السَّماوات." (متَّى 5: 17- 20)

نَقتَرِبُ الآنَ من أطوَلِ وأصعَبِ قِسمٍ منَ المَوعِظَةِ على الجَبل (متَّى 5: 17- 48). يبدأُ المقطَعُ بتصريحٍ قَويٍّ يُقَدِّمُهُ يسُوعُ عن نظرَتِهِ لنامُوس اللهِ والبِرِّ الشَّخصِيّ. يعتَقِدُ البَعضُ خاطِئين أنَّ يسُوعَ كانَ يُناقِضُ مُوسَى في هذه الأعداد. ولهذا يسألُون، "لماذا علينا أن نقرَأَ العهدَ القَديم، إن كانَ يسُوعُ قد جعلَهُ لاغِياً؟" ولكنَّ يسُوع لم يُبطِلْ العهدَ القَديم. ولم يُناقِض مُوسى في هذه الأعداد. بل كانَ يُواجِهُ تعليمَ الكَتَبَة والفَرِّيسيِّين.

عندما أشارَ يسُوعُ إلى "النَّامُوس والأنبِياء،" قصدَ ما نُسمِّيهِ "العهد القَديم." كانَ يَقُولُ لتلاميذِهِ ما جَوهَرُ مَعناهُ: "كُلُّ شَيءٍ أُعَلِّمُكُم إيَّاهُ يُوجَدُ في كَلِمَةِ الله، ولكن ما أُعلِّمُكُم إيَّاهُ هُوَ في صِراعٍ مُباشَرٍ معَ ما يُعَلِّمُكُم إيَّاهُ قادَتُكُم الدِّينيُّون." لقد كانَ يقُولُ دائماً لتلاميذِهِ: "عندما تَنزِلُونَ لتَكُونُوا معَ الجُمُوع، إذا أردتُم أن تَكُونُوا جُزءاً من حَلِّي، عليكُم أن تفهَمُوا كيفَ تُطَبِّقُونَ كَلِمَةَ اللهِ على حياةِ النَّاس."

يبدأُ بإعلانِ كَونِهِ لم يأتِ ليُبطِلَ نامُوسَ اللهِ، وأنَّ كُلَّ ما كانَ يُعَلِّمُهُ كانَ في إنسِجامٍ كامِلٍ إتماماً لنامُوسِ الله. في الأعدادِ الثَّمانِيَة والعِشرين التالِية، سوفَ يُفَسِّرُ جُملَتَهُ الإفتِتاحِيَّة عن الإختِلافات بينَ نظرتِهِ لكلمةِ الله وبينَ تعليم الكَتبة والفَرِّيسيِّين. جَوهَرُ هذا الإختِلاف مُرَكَّزٌ من خلالِ تصريحِ يسُوع بأنَّهُ جاءَ ليُكَمِّلَ نامُوسَ الله، وأنَّ كُلَّ حَرفٍ من كلمات النَّامُوس العِبريَّة سوفَ تُتَمَّمُ من خلالِ تعليمِهِ.

سوفَ ينعَتُ الرَّسُولُ بُولُس هذا الإختِلاف بأنَّهُ "رُوح النَّامُوس" ضِدَّ "حرف النَّامُوس." (2كُورنثُوس 3: 6). يكتُبُ بُولُس أنَّ رُوحَ النَّامُوس يُحيِي، ولكنَّ حَرفَ النَّامُوسِ يقتُل. رُوحُ النَّامُوسِ يُحيِي، لأنَّ رُوحَ النَّامُوسِ هو محبَّة. رُوحُ النَّامُوسِ يُذَكِّرُنا بأنَّ كُلَّ نامُوس اللهِ – أو كَلِمة الله – كان قد وُلِدَ في قَلبِ محبَّةِ اللهِ للإنسان. كانَ يسُوعُ يُرَكِّزُ دائماً على هذا الأمر.

لقد حقَّقَ يسُوعُ قصدَ النَّامُوس، أو كلمة الله، بتفسيرِهِ وتطبيقِهِ لِرُوحِ النَّامُوس بإستِمرار. طَريقَةٌ أُخرى للتَّعبيرِ عن هذا الأمر، هي أنَّهُ مرَّرَ نامُوس الله من خلالِ عدَسَةِ محبَّةِ الله، قبلَ أن يُطَبِّقَ نامُوسَ اللهِ على حَياةِ شعبِ الله. الكَتَبَةُ والفَرِّيسيُّونَ إمَّا أنَّهُم لم يَعرِفُوا أنَّهُم سيَفعَلُونَ هذا، أو أنَّهُم نَسوا أنَّ نامُوسَ اللهِ أُعطِيَ لخيرِ شَعبِ الله. لقد أضَرُّوا شعبَ اللهِ بواسِطَةِ الطَّريقة الخالِيَة منَ الشَّفَقة التي بها طَبَّقُوا حرفَ النَّامُوسِ أو كلمة اللهِ على حياةِ شَعبِ الله.

أعلَنَ يسُوعُ أنَّ البِرَّ الشَّخصِي، أو الحَياة المٍُستَقيمَة التي يعيشُها تلاميذُهُ ينبَغي أن تزيدَ على بِرِّ الكَتبَة والفَرِّيسيِّين. لقد حَذَّرَ أنَّهُ إن قامَ أيُّ تلميذٍ من تلاميذِهِ بكسرِ وصِيَّةٍ واحِدَةٍ على الأقَلّ من وَصايا الله، وعلَّمَ الآخرين أن يفعَلُوا هكذا، سيَكُونُ الأصغَرَ في ملكُوتِ السَّماوات. وأعلَنَ أنَّهُ إن لم يعمَلْ تلاميذُهُ ويُعَلِّمُوا بِوصايا النَّامُوس، لن يَكُونُوا عُظماءَ في الملكوتُ الذي كانَ يُقدِّمُهُ ويُعَلِّمُ بهِ.

بينما كانَ يسُوعُ يُطَبِّقُ التَّطويبات في ما تبقَّى من تعليمِهِ (5: 17- 7: 27)، قارَنَ بينَ البِرِّ الذي علَّمَ بهِ وطالَبَ بهِ تلاميذَهُ، معَ البِرِّ المُزَيَّف عندَ رِجالِ الدِّين المُرائِين. "بِرُّ" الكَتَبَةِ والفَرِّيسيِّينَ كانَ خارِجيَّاً، أمَّا بِرُّ التَّلاميذ فكانَ ينبَغي أن يَكُونَ داخِليَّاً. كانَ لدَى يسُوع حوارٌ معَ رجالِ الدِّين هؤُلاء لأنَّهُم شَدَّدُوا على الأشكالِ الخارِجيَّة للدِّيانَة، وتجاهَلُوا قَضايا القَلب الدَّاخِليَّة (مَرقُس 7: 8، 15).

كانَ بِرُّ الدِّيانَةِ الرَّسمِيَّة آنذاكَ مُجَرَّدَ بِرٍّ أُفُقِيّ. لقد شَدَّدَ رِجالُ الدِّين على مظاهِرِ الأُمُور، أي أن يظهَرُوا أمامَ النَّاسِ بأنَّهُم أبرار. كانَتِ القَضِيَّةُ مَظهَرَاً يضعُونَهُ لمنفَعَةِ النَّاس، لكَي ينظُرَ إليهِم الجَميعُ عندما يُعطُونَ، أو عندَما يُصَلُّون. ولكنَّ يسُوعَ يُعَلِّمُ تلاميذَهُ بما جوهَرُ معناهُ، "بِرُّكُم لا ينبَغي أن يَكُونَ أُفُقِيَّاً، بل ينبَغي أن يَكُونَ عَمُوديَّاً. ينبَغي أن يَكُونَ بِرَّاً أمامَ اللهِ ولأجلِهِ." لهذا علَّم تلاميذَهُ بأن لا يُمارِسُوا أعمالَهُم الصَّالِحَة أمامَ النَّاس (متَّى 6: 1)

البِرُّ الذي عَلَّمَهُ يَسُوعُ لتلاميذِهِ كانَ برَّاً كِتابِيَّاً، أمَّا بِرُّ القادَة الدِّينيِّين فكانَ بمُعظَمِهِ بِرَّاً تقليديَّاً. بِرُّ الفَرِّيسيِّين غالباً لم يَكُنْ مَبنِيَّاً على أساسِ كلمةِ اللهِ، وعندما كانَ كِتابِيَّاً، لَم يَكُنْ يعتَمِدُ على تفسيرٍ صحيحٍ للكتابِ المُقَدَّس.

يُلَخِّصُ يَسُوعُ الفرقَ بينَ البِرِّ الذي علَّمَ بهِ وبرّ رجال الدِّين اليَهُود، عندما نَعتَهُم بالمُرائِين. كانت هذه هي الكلمة اليُونانِيَّة التي يستَخدِمُونَها للتَّعبيرِ عن الوَجهِ المُزَيَّف أو القِناع الذي كانَ يَلبَسُهُ المُمَثِّلُونَ في المَسرَحِيَّات اليُونانِيَّة، والتِي كانت جزءاً لا يتجزَّأُ منَ الأمبراطُوريَّةِ اليُونانِيَّةِ العالميَّة التي كانت قبلَ الأمبراطُوريَّةِ الرُّومانِيَّة. عندما إختارَ يسُوعُ تلكَ الكَلِمة كوَصفِهِ المُفَضَّل لرجال الدِّين اليَهُود في زَمانِهِ، كانَ يُعلِنُ أنَّ بِرَّهُم كانَ مُرائِياً بينَما كانَ بِرُّ تلاميذِهِ حقيقيَّاً.

عندما نفهَمُ ما كانَ يسُوعُ يَقُولُهُ في هذه الأعداد عن الأسفار المُقدَّسة وعن البِرّ، سنُدرِكُ لماذا كانَ دائماً في صِراعٍ معَ الكَتَبَةِ والفَرِّيسيِّين. سوفَ نُعطِي مُقدِّمَةً أيضاً لهذا المقطَعِ الطَّويل الصَّعب الذي نحنُ بِصَدَدِهِ.

في هذه الأعداد الثَّمانِية والعِشرين، ستّ مرَّات سوفَ نسمَعُ يسُوعَ يَقُولُ أمراً كالتَّالِي: "قِيلَ لكُم،" أو "لقد عَلَّمُوكُم لوقتٍ طَويلٍ بالتَّالي، ولكن إسمَعُوا الآنَ ما تُعَلِّمُكُم بهِ كلمَةُ الله." سوفَ يُشيرُ يسُوعُ سِتَّ مَرَّاتٍ إلى تعليمِ رِجالِ الدِّين، ومن ثَمَّ يُعطِي يَسُوعُ تعليمَهُ.

هُناكَ أوقاتٌ لا يُوافِقُ فيها يسُوعُ على الطَّريقة التي فَسَّرَ بها رِجالُ الدِّين وطَبَّقُوا نامُوسَ الله. وسوفَ يُكَمِّلُ نامُوسَ اللهِ بتعليمِ رُوحِ النَّامُوس. أحياناً يُخالِفُ يسُوعُ مُباشَرَةً تعليمَ التَّلمُود التَّقليدِيّ، الذي لم يَتِمَّ تعليمُهُ في كَلِمَةِ الله. متَّى ومَرقُس كِلاهُما يَصِفانِ يسُوعَ وهُوَ في خِضَمِّ مُواجَهَة عَدائِيَّةٍ معَ رجال الدِّين اليَهُود، لأنَّهُم وضَعُوا تقليدَهُم في مَوقِعِ سُلطَةٍ يتَفَوَّقُ على نامُوسِ الله. (متَّى 15: 3- 6؛ مَرقُس 7: 9- 13)

ونحنُ نضَعُ هذه الأُمُور في مُخَيِّلَتِنا، دَعُونا ننظُرُ إلى التَّعاليم السِّتَّة للكَتَبَة والفَرِّيسيِّين، التي تحدَّاها يسُوعُ صَراحَةً، والتي كانت تتعلَّقُ بالتَّالي: 


أخوكَ

"قَد سَمِعتُم أنَّهُ قِيلَ لِلقُدَماءِ لا تَقتُلْ. ومَن قَتَلَ يَكُونُ مُستَوجِبَ الحُكم. وأمَّا أنا فأقُولُ لكُم إنَّ كُلَّ من يَغضَبُ على أخيهِ باطِلاً يَكُونُ مُستَوجِبَ الحُكمِ. ومن قالَ لأخيهِ رَقا يَكُونُ مُستَوجِبَ المَجمع. ومن قالَ يا أحمَق يكُونُ مُستَوجِبَ نارَ جَهَنَّم. فإن قَدَّمتَ قُربانَكَ إلى المَذبَح وهُناكَ تَذَكَّرتَ أنَّ لأخيكَ شَيئاً عليكَ، فاترُكْ هُناكَ قُربانَكَ قُدَّامَ المَذبَح واذهَبْ أوَّلاً إصطَلِحْ مع أخيكَ. وحينئذٍ تعالَ وقَدِّمْ قُربانَكَ. (متَّى 5: 21- 24)

تُوجَدُ كَلِمتانِ عبرَ الكتابِ المُقدَّس، تُلَخِّصانِ الحقيقَة التي يُعَلِّمُها اللهُ لِشَعبِهِ. هاتَانِ الكَلِمتان هُما: "اللهُ أوَّلاً‍!" في هذا المقطَع، لدينا إستِثناءٌ على هذا التَّشديد. فعندَما يُظهِرُ لنا يسُوعُ كيفَ نُطَبِّقُ التَّطويبات على أخينا، وعلى المُؤمنينَ الآخرين، يُعَلِّمُ قائِلاً: "أوَّلاً .. أخُوكَ، ثُمَّ الله."

يَضَعُ يسُوعُ تشديداً كبيراً على الأهمِّيَّةِ البالِغَة لعلاقتِنا معَ المُؤمنينَ الآخرين. فهُوَ يُعَلِّمُ ما جَوهَرُهُ أنَّ علينا أن نُطَبِّقَ التَّطويبَتَين الخامِسَة والسَّادِسَة للتِّلميذِ الرَّحيم – الذي ليسَ لديهِ في قَلبِهِ إلا محبَّة الله – على أُولئِكَ الذين نعبُدُ معَهُم، نعيشُ ونخدُمُ المسيح. فلَيسَ مَسمُوحاً لنا حتَّى بأن نقتَرِبَ منَ اللهِ بالعِبادَةِ الفَردِيَّة، إن كانَ يُوجَدُ ما يُعكِّرُ صَفوَ علاقَتِنا معَ الذي يُسمِّيهِ يسُوع "أخينا."

فلقد علَّمَ يسُوعُ في مكانٍ آخر أنَّنا إذا كُنَّا نحنُ الأخ الذي لديهِ شَيءٌ ضِدَّ الآخر، علينا أن نتصالَحَ معَ أخينا (مَرقُس 11: 25). وهُوَ يُعَلِّمُ أيضاً بهذا المبدأ الرُّوحِيّ في إطارِ المُجتَمَعِ الرُّوحِيّ للكنيسة (متَّى 18: 15- 17).

سَمِعتُ مَرَّةً مُديرَ مُؤَسَّسَةٍ إرسالِيَّةٍ كَبيرَة يُخبِرُ بِضعَ مِئاتٍ من مُرسَليهِ قائِلاً: "لن نستَطيعَ أن نربَحَ العالَم إن كُنَّا نخسَرُ بعضُنا بعضاً!" ثُمَّ أظهرَ لهُم كتاباً غريباً. العُنوانُ المَكتُوبُ على الغلافِ الخارِجِيِّ لهذا الكتاب كانَ: أعظَمُ مُشكِلَةٍ أمامَ المُرسَلين. وعندما فتحَ الكِتابَ، كانَ مكتُوباً في داخِلِهِ كلِمَتانِ فقط: "المُرسَلُونَ الآخرون."

لَرُبَّما كانَ هذا هُوَ الثِّقلُ الضَّاغِطُ على قَلبِ المسيح عندما أعطَى هذا التَّعليم القَويّ عن الأهمِّيَّةِ البالِغة التي ينبَغي أن يُولِيَها المُؤمِنُونَ لبناءِ علاقاتِ محبَّةٍ والحفاظِ عَلَيها.

علَّمَ القادَةُ الدِّينيُّونَ آنذاكَ أنَّهُ طالَما أنَّكَ لم تقتُلْ أحداً، أو لم تُؤذِ أخاكَ جسديَّاً، فإنَّ علاقَتَكَ معَ أخيكَ مقبُولَةٌ أمامَ الله. يَذهَبُ يسُوعُ إلى مَصدَرِ الصِّراعِ العدائِيّ بينَ شَخصَينِ من شَعبِ الله، بمُعالَجَةِ الغَضَب الذي يُسَبِّبُ هذه الخلافات. ويُعَلِّمُ أنَّ الغَضَبَ والشُّعُورَ بالإشمِئزاز تجاهَ الإخوَةِ والأخوات ينبَغي أن يُعالَجَ إذا أرَدنا أن تَكُونَ لدَينا علاقة معَ أخينا المُؤمن بشكلٍ مقبُولٍ أمامَ الله


عَدُوُّكَ

كُنْ مُراضِياً لِخَصمِكَ سَريعاً ما دُمتَ مَعَهُ في الطَّريق. لِئلا يُسَلِّمَكَ الخَصمُ إلى القاضِي ويُسَلِّمَكَ القاضِي إلى الشُّرطِيّ فتُلقَى في السِّجن. الحَقَّ أقُولُ لكَ لا تَخرُجُ من هُناكَ حتَّى تُوفِيَ الفَلسَ الأخير. (متَّى 5: 25، 26)

في الأعدادِ الأخيرَةِ من هذا الإصحاح، سيُظهِرُ لنا يسُوعُ كيفَ نُطَبِّقُ التَّطويبات على أعدائِنا. هذا "العَدُوّ" هُوَ ما يُمكِنُنا تَسمِيَتُهُ "مُنافِسُنا". فنَحنُ نَعيشُ في عالَمٍ مَليءٍ بالمُنافَسَة. عندما نَقُومُ بأعمالٍ معَ بعضِ النَّاس، عادةً هُم دائماً يحصَلُونَ على المال، ونحنُ نحصَلُ على الخُبرَة. هذا العَدُوُّ هُوَ عادَةً واحِدٌ من هؤُلاء المُصَمِّمِينَ على أن يختَلِسُوا حُصَّتَنا منَ المال، ويمنَحُونَنا الخُبرَة.

أحياناً تُصبِحُ علاقَتُنا معَ هؤُلاء الأعداء عدائِيَّةً لدَرَجَةٍ كبيرَة، فيُصَمِّمُونَ على مُقاضاتِنا، أو حتَّى على زَجِّنا في السِّجن. التَّطويبَةُ التي يُريدُنا يسُوعُ أن نُطَبِّقَها على أعدائِنا ومُنافِسينا، هي بالتأكيد، "طُوبَى لِصانِعي السَّلام." فالتَّلاميذُ معَ التَّطويبتَين السَّابِعة والثَّامِنَة، لا يَغضَبُونَ ولا يُصَفُّونَ حساباتِهم عندَما يُبَرهِنُ مُنافِسُوهُم الحقيقَةَ المُرَّة أنَّهُم لا يُريدُونَ لهُم الخَير.

رُغمَ أنَّنا لا نَستطيعُ السَّيطَرَةَ على ما يفعَلُهُ هذا العَدُوُّ أو المُنافِس، تلميذُ المسيحِ يقبَلُ بمِسؤوليَّةِ الحِرصِ على عَدَمِ كَونِهِ سبب النِّزاع معَ مُنافِسيه. كتبَ بُولُس يَقُولُ أنَّهُ فيما يتعلَّقُ بِمَسؤُوليَّتِنا، علينا أن نعيشَ في سَلامٍ معَ كُلِّ النَّاس (رُومية 12: 18). فمَسؤُوليَّتُنا في هذه العلاقات لها نُقطَةٌ تبدَأُ بها، ولها نُقطَةٌ أُخرى عندَها تنتَهي. وليسَ بإمكانِنا السَّيطَرَة – ولهذا فنحنُ غيرُ مَسؤُولينَ – عمَّا سيَفعَلُهُ مُنافِسُنا أو عَدُوُّنا. 


النِّساء

"قَد سَمِعتُم أنَّهُ قِيلَ لِلقُدَماءِ لا تَزنِ. وأمَّا أنا فأقُولُ لكُم إنَّ كُلَّ من ينظُرُ إلى إمرأَةٍ ليَشتَهِيَها فقد زَنَى بها في قَلبِهِ. فإن كانَت عينُكَ اليُمنَى تعثُرُكَ فاقلَعْها وألقِها عنكَ. لأنَّهُ خَيرٌ لكَ أن يَهلِكَ أحدُ أعضائِكَ ولا يُلقَى جَسَدُكَ كُلُّهُ في جَهَنَّم. وإن كانَت يَدُكَ اليُمنَى تُعثِرُكَ فاقطَعْها وألقِها عنك. لأنَّهُ خَيرُ لكَ أن يهلِكَ أحَدُ أعضائِكَ ولا يُلقَى جسَدُكَ كُلُّهُ في جَهَنَّم." (متَّى 5: 27- 30)

بما أنَّ هذا التَّعليم كانَ مُوَجَّهاً للِرِّجال، بإمكانِنا الإفتِراض أنَّ هذه الخُلَوة كانَت مُخَصَّصَةً للرِّجال. منَ الواضِحِ أنَّ هذا التَّعليم يُطَبَّقُ أيضاً على النِّساء التَّقِيَّات، اللَّواتِي يُرِدنَ أن يَكُنَّ ملحَاً ونُوراً من أجلِ يسُوع المسيح. تفسيرُ وتطبيقُ هذا هُوَ أنَّ هذا التَّعليم ينطَبِقُ على علاقاتِنا معَ الجِنسِ الآخر.

كما فعلَ معَ القَتلِ والغَضَب، هُنا أيضاً يرجِعُ يسُوعُ إلى مَصدَرِ خَطِيَّةِ الزِّنَى. فهُو لَم يُعَلِّمْ أنَّ الشَّهوَةَ، أو ما وصَفَهُ بإقتِرافِ الزِّنى في قُلُوبِنا، لم يُعَلِّمْ بأنَّهُ خَطِيَّةٌ مُساوِيَةٌ للزَّنى بذاتِ الفِعلِ حرفِيَّاً. بل كانَ قَصدُهُ القَول أنَّنا إذا أرَدنا فعلاً أن نَكُونَ جُزءاً من حَلِّهِ ومن جَوابِهِ، وأن يَكُونَ لدَينا تأثيرُ المِلحِ والنُّور، علينا أن نتعلَّمَ أن نُسَيطِرَ على أهوائِنا الجِنسيَّة.

فإذا لم نُرِدْ أن نقتَرِفَ خَطِيَّةَ الزِّنى، علينا أن نربَحَ المعرَكَةَ بمُواجَهَةِ القَضايا التي تَقُودُ إلى الزِّنى، أي التَّفكيرُ بشَهوَة، والغَرَقُ في أفكارِ الزِّنى. يُعطينا يَعقُوبُ أخُو الرَّب تحليلاً مُفَصَّلاً لما هي الخَطيَّة، في رِسالَتِهِ في العهدِ الجديد. كتبَ يَقُولُ أنَّ النَّظرَةَ تَتبَعُها الشَّهوة. والشَّهوَةُ تَقُودُ إلى التَّجرِبَة، التي تنتُجُ عنها الخَطيَّة، والخَطِيَّةُ دائماً تَقُودُ إلى مائِدَةِ العواقِب التي يَصِفُها الكِتابُ المُقدَّسُ "بالمَوت." (يَعقُوب 1: 13- 15، رُومية 6: 23)

يَسُوعُ وأخُوهُ يعقُوب يُعَلِّمانِنا أنَّهُ منَ الأسهَلِ أن ننتَصِرَ على الخَطِيَّةِ الجِنسيَّة قبلَ أن نسمَحَ لِنُفُوسِنا بأن ننظُرَ نظرَةً ثانِيَة، مُتَساهِلينَ معَ الأفكارِ غير الطَّاهِرَة ومُراعِينَ الشَّهوة. علينا أن نُحَقِِّقَ الإنتِصار قبَلَ أن تَقُودَنا الشَّهوَةُ إلى تجرِبَةِ المُواجَهَة. لقد علَّمَ يسُوعُ أنَّهُ على تلاميذِهِ أن يُصَلُّوا يوميَّاً لكي يتجنَّبُوا التَّجارِب. (متَّى 6: 13)

تعليمُ يسُوع عن إقتِلاعِ عَينِنا اليُمنَى أو عن قطعِ يَدنا اليُمنَى، لا ينبَغي أن يُطَبَّقَ حَرفِيَّاً. فَرُوحُ هذا التَّعليم هُوَ أنَّهُ إن كانَ ما ننظُرُ إليهِ يَقُودُنا إلى الخَطيَّة، علينا أن نَكُفَّ عنِ النَّظَر. وحدَهُ الرَّبُّ يعلَمُ الخطيَّةَ التي تأخُذُ مدَاها في العالَمِ اليَوم، بسببِ إستِمرارِ النَّاس بالنَّظَر إلى الصُّوَر والأفلامِ الخَلاعيَّة التي تُثيرُ شهوتَهُم الجِنسيَّة.

وبالطَّريقَةِ ذاتِها، يُعَلِّمُ يسُوعُ أنَّنا إن كانَ ما نعمَلُهُ بأيدِينا يَقودُنا للخَطيَّة، علينا أن نتوقَّفَ عن القِيامِ بهذا العمل. في مكانٍ آخر يتكلَّمُ عن الأقدام، والتَّطبيقُ هُوَ أنَّهُ إن كانَت أقدامُنا تَقُودُنا إلى الخطيَّة، فعلَينا أن نتوقَّفَ عنِ الذَّهابِ إلى ذلكَ المكان. (متَّى 18: 8). 


زوجَتُكَ

وقيلَ من طَلَّقَ إمرَأَتَهُ فَليُعطِها كتابَ طَلاق. وأمَّا أنا فأَقُولُ لكُم إنَّ مَن طَلَّقَ إمرأَتُه إلا لِعِلَّةِ الزِّنَى يجعَلُها تَزنِي. ومن يتزوَّجُ مُطَلَّقَةً فإنَّهُ يَزنِي." (متَّى 5: 31، 32)

كُلُّ تعليمِ يسُوع على رأسِ هذا الجَبَل ينبَغي أن يُفَسَّرَ ويُطَبَّقَ بتذَكُّرِ الإطار الذي فيهِِ أُعطِيَ هذا التَّعليم. ستراتيجيَّةُ يسُوع هي بتدريبِ تلاميذ سيُرسَلُونَ ليَكُونَ لهُم تأثيرُ الملح والنُّور على النَّاس الغارِقينَ في مشاكِلِهِم عندَ سفحِ الجَبَل. علينا أن نتذَكَّرَ أنَّ الجُمُوعَ تُمَثِّلُ الضَّالِّينَ في هذا العالم.

كتبَ سُليمانُ يَقُولُ أنَّ الأولادَ هُم مثل السِّهام، ووالديهم مثل القَوس الذي منهُ تنطَلِقُ هذه السِّهامُ إلى الحياة (مزمُور 127: 3- 5). تعتَمِدُ القِيَمُ، القَصدُ والوُجهَةُ في حياةِ الأولادِ على القَوسِ الذي أطلَقهم إلى الحياة. اليوم، يُحاوِلُ الشَّيطانُ حولَ العالم أن يقطَعَ وتَرَ هذا القَوس. الطَّلاقُ والإنفِصالُ أصبَحا مَرَضاً مُعدِياً في الكثيرِ من الحضارات. في هذا المقطَع، يُعَلِّمُ يسُوعُ أنَّنا إذا إردنا أن نَكُونَ جُزءاً من حَلِّ يسُوع وجوابِهِ، علينا أن نُطَبِّقَ مواقِفَهُ المُبارَكَة على علاقَتِنا معَ زوجاتِنا.

هذا مِثالٌ عن حيثُ كانَ الفَرِّيسيُّونَ والكَتَبَة يقتَبِسُونَ من مُوسى، ولكنَّ يسُوعَ لم يُوافِق معَ تفسيراتِهِم وتطبيقاتِهم لما كانَ يُعَلِّمُ بهِ مُوسى. مُوسى أوصَى أنَّهُ إذا طَلَّقَ رَجُلٌ زَوجَتَهُ، "فَليُعطِها كِتابَ طَلاق." (تثنِيَة 24: 1- 4)

بينما أشارَ يسُوعُ إلى هؤُلاء القادَة أنفُسِهم في مُناسَبَةٍ أُخرى، سمحَ مُوسَى أن يُعطَى كِتابُ طَلاقٍ كتنازُلٍ أو تَسوِيَة، بسببِ قساوَةِ قُلُوبِهِم (متَّى 19: 7، 8). فإذا رَجَعنا إلى مَرحَلَةِ العهدِ القَديم منَ التَّاريخِ العِبري، كانَ القادَةُ الرُّوحيُّونَ اليَهود يُفَسِّرُونَ مُوسَى ليعنِيَ أنَّهُ إذا كانَ رَجُلٌ مُستاءً من زوجَتهِ لأكثرِ من سَبَب، كانَ بإمكانِهِ أن يُطَلِّقَها وأن يتخلَّى عنها بِبَساطة. لم يَكُنْ مَطلُوباً منَ الرَّجُل أن يُبَرِّرَ أمامَ زوجَتِهِ أو أمامَ أيِّ أحَدٍ آخر لماذا طَلَّقَها. فلقد كانَ بإمكانِهِ أن يُلَمِّحَ إلى كَونِها غيرَ أمينَةٍ لهُ.

لهذا أمرَ مُوسى أنَّهُ، "إذا طَلَّقتَ زوجَتَكَ، عليكَ أن تُعطِيَها كتابَ طَلاق." كتابُ الطَّلاقِ هذا كانَ يذكُرُ سببَ الطَّلاق، ويُطالِبُ الزَّوجَ بنفقَةٍ للإهتِمامِ بزوجَتِهِ التي طَلَّقها. بما أنَّ الزَّوَجَة كانت بالكادِ تقوى على العَيش في المُجتَمَعِ اليَهُودِيّ بِدُونِ زوج، كانَ مُوسى يُحاوِلُ حِمايَةَ النِّساءِ بطَلَبِهِ كتابَ الطَّلاقِ هذا.

يسُوعُ لم يَكُنْ يُعَلِّمُ أنَّ الطَّلاقَ مقبُولٌ. فاللهُ يكرَهُ الطَّلاق (ملاخِي 2: 16). بل كانَ يسُوعُ يُعَلِّمُ أنَّهُ إن كانَ هُناكَ سَبَبٌ للطَّلاق، فعلى تلاميذِهِ أن يَكُونُوا أبراراً حتَّى في هذا الأمر. (للمَزيدِ عن هذا المَوضُوع، أنظُرْ الكُتَيِّبات 6، 7، و13 حولَ الزَّواج و العائِلة وعن 1 و2 كُورنثُوس.) 


كَلِمَتُكَ

"أيضاً سَمِعتُم أنَّهُ قِيلَ للقُدَماءِ لا تحنَثُ بَل أوفِ للرَّبِّ أقسامَكَ. وأمَّا أنا فأَقُولُ لكُم لا تَحلِفُوا البَتَّةَ. لا بالسَّماءِ لأنَّها كُرسِيُّ الله. ولا بالأرضِ لأنَّها مَوطِئُ قَدَمَيهِ. ولا بأُورشَليم لأنَّها مَدينَةُ الملكِ العظيم. ولا تَحلِفْ برأسِكَ لأنَّكَ لا تَقدِرُ أن تجعَلَ شعرَةً واحِدَةً بيضاءَ أو سوداء. بل لِيَكُن كلامُكُم نَعَم نَعَم ولا لا. وما زادَ على ذلكَ فهُوَ منَ الشِّرِّير." (متَّى 5: 33- 37)

ها نحنُ الآن نَرجِعُ إلى تعليمٍ للقادَةِ الرُوحيِّين اليَهُود، الذي لم يَكُنْ في نامُوسِ الله. ففي تقليدِهِم، كانَ لدَيهِم نظامٌ مُعقَّد فيما يتعلَّقُ بالأقسامِ التي كانت مُلزِمة والأقسام التي لم تَكُن مُلزِمَة (متَّى 23: 16). كانُوا يَقُولُون، "أُقسِمُ بالهَيكَل،" أو "أُقسِمُ بِذَهَبِ الهَيكَل." أو "أُقسِمُ بالمَذبَح،" أو "أُقسِمُ بالذَّبيحَةِ التي على المَذبَح." كانُوا يُقسِمُونَ بالسَّماءِ أو يُقسِمُونَ بالأرض، أو بأُورشَليم.

أُولئِكَ الذين كانُوا في حلقتِهم الضَّيقَة كانُوا يعلَمُونَ متى كانت هذه الأقسَام مُلزِمَة ومتى لم تَكُن مُلزِمَة. الأشخاصُ الأبرياء الذين لم يَفهَمُوا هذه التَّمييزاتِ المُعقَّدَة، سيُصدَمُونَ إذا إكتَشَفُوا أنَّ ما فَهِمُوا أنَّهُ إتِّفاقٌ عَلَنِيٌّ مُلزِم لم يَكُنْ مُلزِماً بتاتاً.

كانَ هذا النِّظامُ مُعَقَّداً لِدَرَجَةِ كَونِهِ عَبَثِيَّاً ومدعاةً للسُّخرِيَة. وكانَ هذا مُتناقِضاً تماماً معَ الوَصِيَّةِ القائِلَة بأنَّنا علينا أن لا نَشهَدَ بالزُّورِ أبداً. فلا عَجَب أنَّ يسُوعَ أزالَ كُلَّ هذا التَّعليم العَبَثِي، معَ تصريحِهِ الشُّجاع القائِل أن كُلَّ ما زادَ على النَّعم واللاَّ كانَ منَ الشِّرِّير! رُوحُ هذا التَّعليم هُوَ أنَّ تلاميذَهُ يَنبَغي أن يُعرَفُوا كَرِجالِ الكَلِمَة ورجال كلمَتِهِم. 


الأشرار

"سَمِعتُم أنَّهُ قِيلَ عَينٌ بِعَينٍ وسِنٌّ بِسِنّ. وأمَّا أنا فأقُولُ لكُم لا تُقاوِمُوا الشَّرَّ. بل من لطَمَكَ على خَدِّكَ الأيمَن فحَوِّلْ لهُ الآخرَ أيضاً. ومن أرادَ أن يُخاصِمَكَ ويأخُذَ ثوبَكَ فاترُكْ لهُ الرِّداء أيضاً. ومن سَخَّرَكَ مِيلاً واحِداً فاذهَبْ معَهُ إثنَين. مَنْ سألَكَ فأَعطِهِ. ومَن أرادَ أن يقتَرِضَ منكَ فلا تَرُدَّهُ." (متَّى 5: 38- 42)

هُنا نَجِدُ يسُوعَ يختَلِفُ مُجَدَّداً معَ الكَتَبَة والفَرِّيسيِّين في الطَّريقة التي بها فَسَّرُوا وطَبَّقُوا نامُوسَ مُوسى. هؤلاء القادة الدِّينيُّون كانُوا يُعَلِّمُون، "العَينُ بالعَينِ والسِّنُّ بالسِّنّ." بإمكانِكُم أن تَجِدُوا هذا في سفرِ الخُرُوج، اللاوِيِّين، والتَّثنِيَة. ولكنَّ يسُوعَ يُعلِنُ ما معناهُ، "أنا لا أُوافِقُ معَ رُوحِ النَّامُوس الذي فيهِ يُعَلِّمُونَ "العَينُ بالعَينِ والسِّنُّ بالسِّنّ."

وكما فعَلَ عندما سمَحَ بكتابِ الطَّلاقِ ذاك، عندما أوصَى مُوسى بالقَول، عينٌ بِعَينٍ وسِنٌّ بِسِنّ،" كانَ يَضَعُ حُدُوداً للقُلُوبِ القاسِيَة لشَعبٍ صُلبِ الرَّقَبَة. وكانَ يَحُدُّ من رَغبَتِهِم الجامِحَة بالإنتِقام. فإذا كَسرَ أحدُهُم سنَّ الآخر، كانَ مَوقِفُ الآخر يَقُول، "أُريدُ أن أكسِرَ عُنُقَهُ." وإذا فقأَ أحدُهُم عَينَ الآخر، كانَ موقِفُ الآخر يَقولُ، "سأقطَعُ رأسَهُ."

لَم تَكُنْ هذه عدالَةٌ بل رغبَةٌ جامِحَةٌ بالإنتِقام. العدالَةُ تكُونُ: العَينُ بالعَينِ والسِّنُّ بالسِّنّ. هذا غالِباً ما يكُونُ رُوحُ الرَّغبَة التي تُحرِّكُ المُحاكَمات القَضائِيَّة. لهذا تكلَّمَ يسُوعُ عن كيفيَّةِ تطبيقِ تطويباتِهِ عندَما نُؤخَذُ إلى المحكَمَةِ للمُقاضاة. عندما نَسمَعُ في بلادٍ مثل أميركا، عن أُناسٍ يُقدِّمُونَ شكاوى بملايين الدُّولارات، منَ الواضِحِ أنَّ هؤُلاء النَّاس يذهَبُونَ بعيداً جدَّاً أكثَرَ من مُجَرَّدِ العدالَة؛ إنَّهُم يُطالِبُونَ بالإنتِقام بهدَفِ الرَّبحِ الأنانِيّ. كيفَ يُمكِنُ لهذا أن يُؤَثِّرَ على حياتِنا، على محاكِمنا، وعلى أنظِمَتِنا القَضائِيَّة في حضارَتِنا، إذا أخذنا تعليمَ يسُوع على مَحمَلِ الجَدّ؟

كانَ يسُوعُ يُتَمِّمُ ويذهَبُ إلى ما هُوَ أبعَد من رُوحِ نامُوسِ مُوسى عندما علَّمَ قائِلاً، "وأمَّا أنا فأقُولُ لكُم لا تُقاوِمُوا الشَّرّ." إنَّهُ يُعَلِّقُ على هذا التَّصريح، ومنَ الواضِحِ أنَّهُ يُطَبِّقُ التَّطويبات على صانِعي السَّلام المُضطَّهَدِين، عندما يُعَلِّمُ تلاميذَهُ أن يُحَوِّلُوا الخدَّ الآخر، وأن يُعطُوا الرِّداءَ عندَما يُقاضُونَ لأجلِ الثَّوب، وأن يذهبُوا المِيلَ الآخر، وأن يُعطُوا بِسخاءٍ ولا يَرفُضُوا أن يُقرِضُوا إنساناً يطلُبُ مُساعدَتَهُم. ماذا كانَ يُعَلِّمُ يسُوعُ في هذا المقطع الصَّعب؟

عندما سأَلتُ رَجُلَ أعمالٍ عمَّا هي الحال عندما يعمَلُ في سُوقِ الأعمالِ المليئة بالمُنافَسَة، أجابَ، "لا نأخُذُ أسرى، ونقتُلُ جرحانا!" هُناكَ بَيتٌ شعرٍ في قَصيدَةٍ يَقُولُ، "كُلُّ الطَّبيعَةِ حمراءُ في أسنانِها وبَراثِنِها."

يُمكِنُ للحَياةِ أن تَكُونَ كَصِراعِ ذِئابٍ من شدَّةِ المُنافَسَةِ، لا بَل كَسِباقِ جُرذان. ولكنَّ الحَياةَ ستَكُونُ فقط صِراعَ ذِئابٍ وسباقَ جُرذان، إذا كُنَّا نحنُ نتصرَّفُ كَذِئابٍ وكَجُرذان. كانَ يسُوعُ يُعَلِّمُ أنَّهُ إذا عاشَ تلاميذُهُ مواقِفَهُ الثَّمانِية المُبارَكة، في تعاطِيهم معَ النَّاسِ في هذا العالم، سيُظهِرُونَ لأهلِ هذا العالم أنَّهُ لا يَنبَغي أن تَكُونَ الأُمُورُ هكذا.

في تلكَ الأيَّام، كانَ بإمكانِ الرُّومان المُنتَصِرين أن يأمُرُوا يَهُودِيَّاً أن يحمِلَ حِملَهُم لمسافَةِ كيلومترين. وكانَ عليهِم أن يُطيعُوا عندما يُؤمَرُونَ بأن يفعَلُوا ذلكَ، ولكن لم يَكُن عليهِم أن يُذعِنُوا بموقِفٍ رَديء. يُعَلِّمُ يسُوعُ بما معناهُ، "إذا ألزَمُوكَ بالسَّيرِ معَهُم لكيلومترٍ واحدٍ، إذهَب إثنَين. في الجيل الأوَّلِ منَ الكنيسة، بعضُ المُتَجَدِّدينَ المُبَكَِّرين كانُوا جُنُوداً رُوماناً وأصبَحُوا مُؤمنينَ، بسببِ تقوى وأمانة تلاميذ يسُوع الذين عاشُوا التَّطويبات في تعاطيهم معَ المُحَتلِّين الرُّومان. 


عَدُوُّكَ

"سَمِعتُم أنَّهُ قِيلَ تُحِبُّ قَريبَكَ وتُبغِضُ عَدُوَّك. وأمَّا أنا فأقُولُ لكُم أحِبُّوا أعداءَكُم. بارِكُوا لاعِنيكُم. أحسِنُوا إلى مُبغِضِيكُم. وصَلُّوا لأجلِ الذينَ يُسيئُونَ إليكُم ويطرُدُونَكُم. لِكَي تَكُونُوا أبناءَ أبيكُم الذي في السَّماوات. فإنَّهُ يُشرِقُ شَمسَهُ على الأشرارِ والصَّالِحين، ويمطُرُ على الأبرارِ والظَّالِمين. لأنَّهُ إن أحبَبتُم الذين يُحِبُّونَكُم فأيُّ أجرٍ لكُم. أليسَ العَشَّارُونَ أيضاً يفعَلُونَ ذلكَ. وإن سَلَّمتُم على إخوتِكُم فقط فأيَّ فضلٍ تصنَعُون. أليسَ العَشَّارُونَ أيضاً يفعَلُونَ هكذا. فكُونُوا أنتُم كامِلين كما أنَّ أباكُم الذي في السَّماواتِ هُوَ كامِل." (متَّى 5: 43- 48).

أعتَقِدُ أنَّ هذه الأعداد السِّتَّة هي الأعدادُ الأكثَرُ صُعُوبَةً في تعاليمِ يسُوع تفسيراً وتطبيقاً. فالكَنيسةُ لم تتَّفقْ يوماً على ما تعنيهِ هذه الأعداد، أو كيفَ يُمكِنُ تطبيقُها. فهِيَ تُعلِّمُ بمُستَوىً أخلاقِيٍّ رَفيعٍ جِدَّاً لم يَسبُقْ لهذا العالم أن يَعرِفَهُ.

لِلمَرَّةِ السَّادِسَة في هذا الإصحاح، يبدَأُ يسُوعُ تعليماً بالإشارَةِ إلى ما كانَ يُعَلِّمُ بهِ رجالُ الدِّين اليَهُود. هذه المَرَّة، علَّمَ يسُوعُ قائِلاً: "سَمِعتُم أنَّهُ قِيلَ، تُحِبُّ قَريبكَ وتُبغِضُ عَدُوَّك." نِصفُ هذا كانَ من مُوسى، والنِّصفُ الآخَرُ من تقليدِ اليَهُود. مُوسى أمرَ قائِلاً، "تُحِبُّ قَريبَكَ" (لاوِيِّين 19: 18)، ولكنَّهُ لم يأمُرْ أبداً، "تُبغِضُ عَدُوَّكَ." في سفرِ المزامير، نَجِدُ داوُد، الذي كانَ رَجُلاً بِحَسَبِ قَلبِ الله، يُخبِرُنا أنَّهُ أبغضَ أعداءَ الله. ولكنَّنا لا نرى وَصِيَّةً في كَلِمَةِ اللهِ بأن نُبغِضَ أعداءَنا.

خلالَ قِراءَتِنا للأعدادِ الأحد عشَر الأخيرة من هذا الإصحاح، منَ المُهمِّ جداً لنا أن نتذكَّرَ أنَّ هذا التَّعليم في "الخُلوة المَسيحيَّة الأُولى" لم يُعطَ لأُولئكَ الذين كانُوا قابِعينَ عندَ سَفحِ الجَبل. بل أعطى يسُوعُ هذا التَّعليم لأُولئكَ الذين كانُوا يَقُولُون بِحُضُورِهِم هُناكَ على الجَبَل، أنَّهُم كانُوا تلاميذَ ليَسُوع المسيح. حقيقَةُ كَونِهم مَدعُوِّين "تلاميذ" تعني أنَّهُ كانَ لدَيهم مُستَوَىً عالٍ منَ الإلتِزام بِيَسُوع، عندما أظهَرُوا ذلكَ في تلكَ الخُلوَة.

هذا هُوَ جَوهَرُ الإلتِزامِ الكامِل الذي طالَبَ بهِ يسُوعُ تلاميذَهُ: "إذا أردتُم أن تَتبَعُوني، ولكن لم تَكُونُوا مُستَعِدِّينَ أن تحمِلُوا صَليبَكُم وتَمُوتُوا لأجلِي، لا تَقدِرُونَ أن تَكُونوا لي تلاميذ. وإن لمَ تُريدُوا أن تَضَعُوني أوَّلاً، قبلَ كُلِّ النَّاسِ الآخرينَ في حياتِكُم – قبلَ الزَّوج، الزَّوجَة، الأبَ، الأُمّ، الأولاد، الوالِدَين – لا تَقدِرُونَ أن تَكُونُوا لي تلاميذ. وإن لم تَكُونُ راغَبينَ بأن تَتخَلُّوا عن كُلِّ مُلكِيَّة، لن يُمكِنَكُم أن تَكُونُوا تلاميذِي." (لُوقا 14: 25- 35).

أُولئِكَ الذين حَضَرُوا هذه الخُلوَة إتَّخَذُوا هذه الإلتِزاماتِ تجاهَ يسُوع. فلقد أخبَرُوا يسُوعَ أنَّهُم مُستَعِدُّونَ أن يحمِلُوا صَليبَهُم وأن يتبَعُوا يسُوع. ولَرُبَّما كانُوا قد رأوا الضَّحَايا المساكين للصَّلب الرُّومانِيّ، وهُم يحمِلُونَ صلبانَهُم إلى مكانِ صَلبِهِم. وعرَفُوا معنى هذه الإستِعارَة الرَّهيبَة. عندما أعطَى يسُوعُ التَّعليمَ في هذه الأعداد السِّتَّة، كانَ يُخبِرُهُم بِبساطَة لماذا، أينَ وكيفَ ينبَغي أن يحمِلُوا هذا الصَّليب خلالَ إتِّباعِهِم لهُ.

تعليمُ يسُوع هذا يُقَدِّمُ التَّحدِّي للطَّريقَة التي تعاطَى بها هؤُلاء القادَة الدِّينيُّون في تفسيرِهِم وتطبيقِهِم لنامُوسِ مُوسى. هل تَذكُرُونَ السُّؤال الذي طُرِحَ من قِبَلِ تلميذٍ للنَّامُوس، الأمرُ الذي أدَّى إلى إعطاءِ يسُوع لمَثَل السَّامِري الصَّالِح؟ كانَ ذلكَ السُّؤال، "من هُوَ قَريبِي؟" (لُوقا 10: 29) كانَ هذا سُؤالاً عميقاً جدَّاً لأنَّ الأخلاقَ التَّقليديَّة، التي علَّمَها الكَتَبَةُ والفَرِّيسيُّون، كانَت أنَّ قريبَكَ هُوَ أخُوكَ اليَهُودِيّ، أمَّا كُلُّ شَخصٍ غير يَهُودِيّ في العالم، فكانَ عَدُوَّك. ومن ثَمَّ أُعطِيَ هذا التَّطبيق: أحبِبْ قَريبَكَ اليَهُودِيّ، ولكن أَبْغِضْ كُلَّ الباقِين.

تأكَّدُوا من أن تُلاحِظُوا أنَّ الدِّافِعَ لمَحَبَّةِ أعدائِنا هُو: "لِكَي تَكُونُوا أبناءَ أبيكُم الذي في السَّماوات." هذه هي البَرَكَة التي وعدَ بها يسُوعُ أُولئِكَ الذين عاشُوا تطويبَتيهِ السَّابِعَة والثَّامِنَة كصانِعي سلامٍ مُضطَّهَدِين.

هُناكَ على الأقَل مبدَأٌ آخر عَنِ الإلتِزام الذي ينبَغي أن يَكُونَ في مَوقِعِهِ الصَّحيح، إذا أردنا أن نأخُذَ تعليمَ يسُوع هذا على محمَلِ الجَدّ. إذا قَرأنا هذه الأعداد وقُلنا، "إذا فَعَلنا هذا، سَنَخسَرُ كُلَّ شَيء،" عندَها لن يَعنيَ هذا التَّعليمُ شَيئاً بالنِّسبَةِ لنا. علينا أن نُدرِكَ أنَّ المُحافَظَة على بَقائِنا ليسَ قِمَّةَ الأخلاقِ لدَى تلميذِ يسُوع المسيح.

لقد فَهِمَ الرَّسُولُ بُولُس إلتِزامَ التَّلامِيذ عندَما كتبَ يَقُولُ، "معَ المَسيحِ صُلِبتُ فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ؛ فما أحياهُ الآنَ في الجَسد فإنَّما أحياهُ في الإيمان، إيمانِ إبنِ الله الذي أحَبَّني وأسلَمَ نفسَهُ لأجلِي." (غلاطية 2: 20).

ماذا يعني أن نُصلَبَ معَ المسيح؟ يعني أن نَكُونَ راغبينَ بأن نحملَ صَليبَنا ونتبَعَهُ. عندما واجَهَ يسُوعُ صَليبَهُ الخاصّ بهِ، قالَ: "إن لم تقَعْ حبَّةُ الحِنطَةِ في الأرضِ وتَمُت فهي تبقَى وحدَها، ولكن إن ماتَت تأتي بِثَمَرٍ كَثير." ثُمَّ صَلَّى قائِلاً: "أيُّها الآب، الآن نفسي قدِ إضطَّرَبَت. وماذا أقُول؟ أيُّها الآب نَجِّني من هذه السَّاعَة؟ ولكن لأجلِ هذا أتيتُ إلى هذه السَّاعَة." ولقد صَلَّى أيضاً، "أيُّها الآبُ، مَجِّد إسمَكَ." فأجابَهُ صَوتٌ منَ السَّماءِ بما مَعناهُ،: "لقد فعلتُ هذا سابِقاً، وسأفعَلُهُ مُجَدَّداً." (يُوحَنَّا 12: 23- 28) في إطارِ أزَمَتِهِ، أمرَ يسُوعُ تلاميذَهُ أن يَنضَمُّوا معَهُ في قُبُولِهِم للإلتِزامِ الكامِل الذي قدَّمَ لهُم مِثالاً عنهُ عندما واجَهَ صَليبَهُ (يُوحنَّا 12: 25، 26).

حَضَّ أحدُ الرُّعاةِ الأتقِياء كُلَّ تلميذٍ ليَسُوع المسيح أن يُصَلِّيَ هذه الصَّلاة: "أيُّها الآبُ، مَجِّد نفسَكَ وأرسِلْ لي الفاتُورَة. فأنا مُستَعِدٌّ لأيِّ شَيءٍ تُريدُهُ يا رَبّ. فقط مَجِّدْ نفسَكَ!" فقط عندَما نلتَقي بِرَبِّنا في الصَّلاةِ التي صلاها تحتَ ظِلالِ صليبِهِ، فقط عندَها سنفهَمُ ونقبَلُ ونُطَبِّقُ أعلى مُستَوىً حضارِي سبقَ لهذا العالم وسَمِعَ بهِ.

خِلالَ الحُرُوب المُقدَّسة، كانَ فرنسيس الأسيزي يُداوِي عَدُوَّاً مُحارِباً تُركِيَّاً جُرِحَ في المَعرَكَة. فقالَ لهُ أحدُ المُحارِبينَ الصَّليبيِّين الذي كانَ مُجتازاً بِقُربِهِ، "إذا تعافَى هذا التُّركِيُّ يا فرنسيس، سوفَ يقتُلُكَ!" فأجابَ فرنسيس، "حسناً، ولكنَّهُ سيكُونُ قد عرفَ ما هي المحبَّةُ الإلهيَّة، قبلَ أن يقتُلَني!"

لاحِظُوا كيفَ ختمَ يسُوعُ تعليمَهُ: "فَكُونُوا أنتُم كامِلينَ كما أنَّ أباكُم الذي في السَّماواتِ هُوَ كامِل." (متَّى 5: 48) كَلِمَة "كامِل" لا تَعني الكمال المُنَزَّه عنِ الخَطيَّة. بل تعني، "كُونُوا ناضجين، تامِّينَ، كما خلقَكُم اللهُ لِتَكُونُوا." إن كانَت كَلِمَة "كامِل" تُزعِجُكُم، أنسُوا كَلِمَة "كامِل" وإحذِفُوها من بدايَةِ ونهايَةِ هذا العدد. كتَلخِيصٍ لِكُلِّ تعليمِهِ عن رُوحِ النَّامُوس، يُعَلِّمُ يسُوعُ أنَّهُ علينا أن نَكُونَ مثلَ أبينا السَّماوِي." يُعَلِّمُ يسُوعُ أنَّنا كأولادِ اللهِ علينا أن نَكُونَ مثل اللهِ أبينا. فكيفَ هُوَ أبُونا السَّماوِي؟

يُعَلِّمُ الرَّسُول بُولُس الأزواجَ أن يُحِبُّوا زوجاتِهِم، كما أحَبَّ المسيحُ الكنيسةَ وأسلَمَ نفسَهُ لأَجلِها." (أفسُس 5: 25) عندما عَلَّمَ بُولُس هؤُلاء الأزواج ليُحِبُّوا، كما أحَبَّ المسيحُ الكَنيسَةَ، وأن يُعطُوا كما أعطَى ويُعطي، كانَ بُولُس يُعَلِّمُ بالفِعل الشَّيءَ نفسَهُ الذي كانَ يسُوعُ يُعَلِّمُ بهِ هُنا: علَينا أن نَكُونَ كما هُوَ المسيح. فهل هذا مُمكِنٌ؟

ما هُوَ التَّعليمُ الأكثَر ديناميكيَّة في العهدِ الجديد؟ بالنِّسبَةِ لي، إنَّهُ التَّالي: "المسيحُ فيكُم رجاءُ المَجد." كتبَ بُولُس ما معناهُ: "لقد أُقِمتُ من اللهِ لأُشارِكَ سِرَّاً معَ الكنيسة. وهذا السِّرّ هُوَ بِبٍَساطَة التَّالِي، أنَّ المسيحَ فيكُم هُوَ رَجاؤُكُم الوحيد. (كُولوسي 1: 27).

هذا التَّعليمُ الأخلاقِيُّ ليَسُوع المسيح هُوَ مُستَحيلٌ تماماً – لا بَل هُوَ مدعاةٌ للسُّخرِيَة – إلا إذا كانت هذه المُعجِزة العظيمة في مَوقِعها الصَّحيح: "المسيحُ فيكُم، وأنتُم في المسيح،" و، "معاً معَهُ." ولكنَّ التَّعليمَ الأكثَر ديناميكيَّةً في العهدِ الجديد هُوَ في مكانِهِ الصَّحيح! فبإمكانِنا أخذ هذ التَّعليم على محمَلِ الجَدّ، لنتجرَّأَ ونُجيبَ على هذه الأسئِلَة: "ماذا قالَ يسُوع؟ وماذا قصدَ يسُوع؟ وماذا يعني هذا لنا؟"

العددُ الأعمَقُ في هذا المقطَعِ المَهُوب من كَلِمَةِ الله، يُناسِبُ ستراتيجيَّة وهدف مُهِمَّة يسُوع، بينما كانَ يعقُدُ هذه الخُلوة. طرحَ يسُوعُ السُّؤالَ التَّالِي: "ماذا تعمَلُونَ أكثَرَ منَ الآخرين؟"

كما أشَرتُ سابِقاً، ينبَغي أن يَكُونَ المِلحُ مُختَلِفاً عنِ اللحم الذي سيُفرَكُ بهِ، إن كانَ سيحفَظُ هذا اللحم منَ الفَساد. تقُولُ إحدَى التَّرجَمات: "إذا أحبَبتُم فقط الذين يُحِبُّونَكُم، فايُّ فضلٍ تصنَعُون؟" (متَّى 5: 46) المعنى المقصُود هُوَ أنَّهُ لا يتطلَّبُ الأمرُ نعمَةً لنُحِبَّ أُولئِكَ الذين يُحِبُّونَنا، ولكن محبَّةَ أعدائِنا تتطلَّبُ نعمَةً خارِقَةً للطَّبيعَة.

المقطَعُ الصَّعبُ – وهُوَ بالحقيقَة هذا الإصحاح بكامِلهِ – يتحدَّانا بالسُّؤال التَّالِي: "هل يُوجَدُ شَيءٌ في حياتِنا الذي يُمكِنُ أن يُفَسَّرَ فقط بالسِّرِّ الرُّوحي أنَّ رَبَّنا المُقام يسُوع المسيح يحيا في قُلُوبِنا؟"

  • عدد الزيارات: 13612