الفَصلُ الثَّالِث "سُلحُفاةٌ فَوقَ جِدارِ السِّياج"
(متَّى 5: 13- 16)
أتبَعَ يسُوعُ وصفَهُ للشَّخصِ المُقتَدي بالمسيح بأربَعِ إستِعاراتٍ تُظهِرُ لنا ما يحدُثُ عندما يُؤَثِّرُ هذا الشَّخصُ الذي يَصِفُهُ يسُوعُ على حضارَتِهِ الوَثَنِيَّة بواسِطَةِ تطويباتِ يسُوع. علَّمَ يسُوعُ قائِلاً: "أنتُم مِلحُ الأرض؛ ولكن إن فَسَدَ المِلحُ فبِماذا يُمَلَّح. لا يَصلُحُ بَعدُ لِشَيءٍ إلا لأَن يُطرَحَ خارِجاً ويُداسَ منَ النَّاس. أنتُم نُورُ العالم. لا يُمكِنُ أن تُخفَى مَدينَةٌ مَوضُوعَةٌ على جَبَل. ولا يُوقِدُونَ سِراجاً ويضَعُونَهُ تحتَ المِكيال بل على المَنارَة، فيُضِيءُ لجميعِ الذين في البيت. فليُضِئْ نُورُكُم هكذا قُدَّامَ النَّاس لِكَي يَرَوا أعمالَكُم الحَسنَة ويُمَجِّدُوا أباكُم الذي في السَّماوات." (متَّى 5: 13- 16)
ملحُ الأرض
بهذه الإستِعاراتِ الأربَع يبدَأُ يسُوعُ القسمَ التَّطبيقيّ من هذه العِظَة العَظيمة. الإستِعارَةُ الأُولى هي أنَّ التِّلميذَ الذي يتحلَّى بهذه المَواقِف هُوَ ملحُ الأرض. يَقُولُ النَّصُّ حَرفيَّاً في اللُّغَةِ الأصليَّة: "أنتُم وأنتُم وحدَكُم ملحُ الأرض."
إحدَى التَّفسيرات والتَّطبيقات لهذه الإستِعارَة، مَبنِيَّةٌ على حقيقَةِ أنَّهُ في أيَّامِ يسُوع لم يَكُنْ هُناكَ بَرَّادات. فالطَّريقَةُ الوَحيدَةُ التي إستِطاعَ النَّاسُ بها أن يحفَظُوا الأسماكَ واللُّحُوم منَ الفَساد، كانت بِفَركِها بالمَلح. وهكذا كانَ يسُوعُ يُطلِقُ تصريحاً عن تلاميذِهِ وعنِ العالم، قائِلاً أنَّ العالَمَ يفسُدُ كاللَّحمِ الفاسِد، وأنَّ تلاميذَهُ كانُوا الملحَ الذي إحتاجَهُ العالَمُ ليحفَظَ نفسَهُ منَ الفَساد الأخلاقِي. الطَّريقَةُ الوَحيدَةُ التي إستطاعَ بها تلاميذُهُ كانت أن "يُفرَكَ" أُولئِكَ التِّلاميذُ بأهلِ هذا العالم. تأثيرُ "ملح" الشَّخصيَّة المسيحيَّة سوفَ يحفَظُ العالَمَ عندها منَ الفَسادِ الأخلاقِيّ.
تفسيرٌ وتَطبيقٌ آخر لما قصَدَهُ يسُوعُ عندما إستَخدَمَ إستِعارَة "ملح الأرض"، مَبنِيٌّ على حَقيقَة كَونِ كلمة "أُجرَة" تَشتَقُّ أصلاً من كلمَتَي "أُجرَة مِلح." تَرجِعُ هاتان ِالكَلِمتانِ إلى أيَّامِ الأمبراطُوريَّةِ الرُّومانِيَّة. عرفَ الرُّومانُ أنَّهُ لا يُوجَدُ كائِنٌ حَيٌّ يقوى على العَيشِ بِدُونِ مِلح. لهذا حَرِصُوا على إبقاءِ ملح العالم تحتَ سيطَرَتِهِم. وكانُوا يدفَعُونَ أُجرَةَ العبيدِ بمُكَعَّباتٍ منَ المِلح.
وهكذا كانَ يسُوعُ يَقُولُ لتلاميذِهِ، "هؤُلاء النَّاس القابِعُونَ عندَ أسفَلِ الجَبَل، ليسَ لدَيهِم حياة. فإذا فَهِمتُم، آمنتُم، وطَبَّقتُم ما أبرزتُهُ لكُم من خلالِ هذه المواقِف الثَّمانِيَة الجميلة، عندَها سيَكُونُ لديكُم حياةٌ، وسَتَكُونُونَ المصدَر الذي منهُ سيَجِدُ النَّاسُ الحياةَ وسيُحافِظُونَ عليها ويستَخرِجُونَ منها الأفضَل. لِهذا، أنتُم الفُرصَةُ الوحيدَةُ التي سيحظَى بها هؤُلاء النَّاس ليَكتَشِفُوا الحياة."
وكما في كُلِّ إستِعاراتِ يسُوع المُوحى بها، تكثُرُ التَّطبيقاتُ العميقَة بينما تتأمَّلُونَ وتتفكَّرُونَ بها. فالمِلحُ يجعَلُ النَّاسَ يعطَشُونَ، والتِّلميذُ يجعَلُ النَّاسَ الدُّنيَوِيِّين يعطَشُونَ لما سبقَ وإكتَشَفَهُ هُو في المسيح. المِلحُ يزيدُ الألمَ عندَما يُوضَعُ في داخِلِ الجُروحِ المَفتُوحَة في حياةِ الخُطاة. بالطَّريقَةِ نفسِها، حياةُ تلميذ يسُوع تُثيرُ الألمَ عندما تُعاشُ كامِلَةً مُقَدَّسَةً إلى جانِبِ حياةِ الإنسانِ الخاطِئ. المِلحُ لهُ مفعُولٌ تطهيريٌّ تنظيفيّ، ولهُ عامِلٌ شِفائِيٌّ أيضاً، والتِّلميذُ الذي يَعيشُ التَّطويبات التي علَّمَها يسُوعُ لديهِ تلكَ التَّأثيرات الإيجابيَّة على حياةِ أُولئِكَ الذينَ يلتقيهِم ويتعرَّفُ بهِم في حياتِهِ.
ما هِي الحضَارَة؟ الحَضارَةُ هي كَلِمَةٌ تعني، "بهذه الطَّريقَة نعمَلُ الأُمُور." جاءَ يسُوعُ إلى العالم ليُغَيِّرَ الحَضارَةَ وليُعلِنَ الثَّورَةَ داخلَ الحضَارَة. ستراتيجيَّتُهُ المُتَعَمَّدَة كانت تغيير قُلُوبِ النَّاس ومن ثَمَّ إرسالِهِم إلى الحضاَرَةِ لإحداثِ ثورَةٍ داخِلها. هذه الإصحاحاتُ الثَّلاثَةُ من كلمةِ الله، تُسَجِّلُ تعليمَ يسُوع الذي قُصَدَ ويُقصَدُ بهِ اليَومَ أن يُحدِثَ ثَورَةً في العالم. هذه السَّتراتيجيَّة واضِحَةٌ إذا فَهِمنا ما قَصَدَهُ يسُوعُ عندما قالَ لتلاميذِهِ ما مَعناهُ: "أنتُم وأنتُم وحدَكُم ملحُ الأرض."
أحياناً يعيشُ المُؤمِنُونَ في نَوعٍ منَ الحِصن، يختَبِئُونَ فيهِ ليَهرُبُوا منَ العلاقاتِ معَ غَيرِ المُؤمنين. لا يُمكِنُ أن يَكُونَ لنا مفعُولُ وتأثيرُ الملح على أهلِ هذا العالم، إن بَقينا مُتَحَصِّنينَ داخِلَ "المملَحة." فقط عندَما تَكُونُ لدينا علاقاتٍ معَ أهلِ هذا العالَم سنتمكَّنُ من أن نُرِيَهُم مواقِفَ تلميذِ المسيح، بينما يُعطينا اللهُ النِّعمَةَ لنَعيشَ هذه المَواقِف.
عندَما صَلَّى يسُوعُ لأجلِ رُسُلِهِ، طلبَ منَ الآبِ السَّماوِيّ أن لا يأخُذَهُم من هذا العالم (يُوحَنَّا 17: 5) هُناكَ طريقَةٌ واحِدَةٌ على الأقَلّ ينشُرُ بها رَبُّنا المِلحَ في مُحيطِنا، هي الحقيقَةُ التي لا مَفَرَّ مِنها أنَّهُ علينا أن نعمَلَ لنُعيلَ أفرادَ عائِلاتِنا. هذا يُعطينا علاقاتٍ معَ النَّاسِ الضَّالِّين، الذين يتوجَّبُ علينا أن نُؤَثِّرَ عليهِم بمواقِفِنا المُتمثِّلَة بالمسيح. ولقد أكمَلَ يسُوعُ هذا أيضاً عبرَ تاريخِ الكنيسة من خلالِ الإضطِّهاد.
سَمِعتُ أحد قادَة الإرسالِيَّات يَقُولُ في مُواجَهَةٍ للمُرسَلينَ الذين كانُوا يعيشُونَ في ذهنِيَّةِ "الحِصن" في بَلدٍ مُعَيَّن، "المُرسَلُونَ يُشبِهُونَ الزِّبل. عندما يُكَوَّمُونَ فوقَ بعضِهِم البَعض، يُنتِجُونَ رائِحَةً كريهة. وعندَما يُنشَرُونَ على وَجهِ الأرض، يُصبِحُونَ نافِعين."
بِنعمَةِ الله، هل أنتَ ملحُ الأرض؟ وهل مُعجِزَةُ مَنحِ المسيحِ لكَ هذه المَواقِف، تُحدِثُ ثَورَةً داخِلَ النَّاس الذين تلتَقي بهِم؟ إن كُنتَ تَعتَرِفُ بِكَونِكَ تلميذاً ليسُوع المسيح، ولكنَّ هذه المُعجِزة لم تتحقَّقْ بعد في حياتِكَ، فلدَيكَ تحذِيرٌ جدِّيٌّ هُنا، هُوَ أنَّكَ بِحَسَبِ قَولِ يسُوع، لا تنفَعُ لِشَيء، بل ستُطرَحُ مثل الملح الفاسِد خارِجاً، لتُداسَ منَ النَّاس. يُعتَبَرُ هذا القَول من أقسَى الأقوال التي صَرَّحَ بها يسُوع.
هاتانِ الإستِعارَتانِ عن المِلح والنُّور، تَعنيِانِ أيضاً أنَّ تلاميذَ يسُوع قد تَغَيَّرُوا. فَفَركُ اللَّحمِ باللَّحمِ لن يحفَظَهُ مِنَ الفَساد. التِّلميذُ المُمَلَّحُ ينبَغي أن يَكُونَ مُختَلِفاً عنِ النَّاس الذين يُؤَثِّرُ فيهم. تطبيقٌ آخرَ لهذه الإستِعارَة هُوَ أنَّ التِّلميذَ المُمَلَّح يجعَلُ الآخرينَ يعطَشُونَ لما هُم وما لهُم في المسيح. فلِكَي يَكُونَ لنا هذا التَّأثيرُ المُغَيِّرُ على النَّاس، ينبَغي أن نتغَيَّرَ وأن نَكُونَ مُختَلِفين. ويسُوعُ سوفَ يطرَحُ على تلاميذِهِ السُّؤالَ التَّالي في نهايَةِ الإصحاح، قائِلاً ما معناهُ، "ما هُوَ المُختَلِفُ فيكُم عنِ الآخرين؟" (متَّى 5: 47) تطويباتُ يسُوع تُظهِرُ ذلكَ الإختِلاف وتُوفِّرُ جواباً على سُؤال يسُوع.
نُورُ العالَم
الإستِعارَةُ الثَّانِيَة تُقَدِّمُ أيضاً تَصريحاً عن تلميذِ المسيح وعنِ العالم. تَقُولُ الإستِعارَةُ ما معناهُ، "أنتُم وأنتُم وحدَكُم فقط نُور العالم." عندما بَكَى يسُوعُ على الجُمُوع، الشَّيءُ الذي حَرَّكَهُ ليُشفِقَ عليهم أكثَرَ من أيِّ شَيءٍ آخر هوَ أنَّهُم كانُوا كخِرافٍ لا راعي لها. (متَّى 9: 36) فلم يَكُونُوا يَعرِفُونَ شمالَهُم من يَمينِهِم. ولم يَكُنْ لدَيهِم نُور. فكما كانَ التَّلاميذُ المِلحَ الوحيد الذي يُعطِي حياةً، كانُوا أيضاً مصدَرَ النُّورِ الوحيد للجُموع.
في نهايَةِ السَّنواتِ الثَّلاث لخِدمَةِ المسيح العَلَنِيَّة، صَلَّى يسُوعُ صلاتَهُ كَرَئيسِ كهنتَنا الأعظَم، المُسجَّلَة في الإصحاحِ السَّابِع عشَر من إنجيلِ يُوحَنَّا. في تلكَ الصَّلاة، ذكَرَ يسُوعُ العالَم تسعَ عشرَةَ مرَّةً. لقد كانَ العالَمُ على قَلبِهِ. رُغمَ ذلكَ، صَلَّى قائِلاً، "لَستُ أسأَلُ من أجلِ العالم، بَل مِن أجلِ الذين أعطَيتَني لأنَّهُم لكَ. [العالَمُ لا يَعرِفُ، ولكنَّني أعطَيتُ تلاميذِي كلِمَتَكَ وهُم يَعرِفُون.]" (يُوحَنَّا 17: 9)
النُّورُ الوَحيدُ الذي لدَى هذا العالم سوفَ يأتي منَ تلاميذِ المسيح. فكما أنَّ المِلحَ لا يستطيعُ التَّأثيرَ على العالم طالَما لا يزالُ مُتَحصِّناً في المَملَحَة، كذلكَ ينبَغي على تلاميذِ المسيح أن يخرُجُوا إلى العالم حيثُ تسُودُ الظُّلمَة، ليَدَعَ النُّورَ الذي هُوَ نحنُ بنِعمَةِ الله، أن يَشُعَّ على تلكَ الظُّلمَة. إن كُنتَ المُؤمنُ الوَحيدُ في عائِلتِكَ، في عمَلِكَ، في حَيِّكَ، في قَريَتِكَ أو جامِعَتِكَ، تَذَكَّرْ أنَّ الشَّمعَةَ في الظُّلمَة لها قيمَةٌ أكبَر من شَمعَة بينَ خمسينَ شمعة أُخرى على منارَةً مُتَلألِئَة. فإن كُنتَ المُؤمِن الوَحيد في مُحيطِكَ، إعلَمْ أنَّكَ قد وُضِعتَ ستراتيجيَّاً في ذلكَ المكانِ المُظلِم، وأنتَ وحدَكَ، دُونَ غَيرِكَ، ستَكُونُ نُورَ العالم هُناك.
عندما أوصَى يسُوعُ، "فَليُضِيءْ نُورُكُم هكذا قُدَّامَ النَّاس لكَي يَرَوا أعمالَكُم الحَسنَة فيُمَجِّدُوا أباكُم الذي في السَّماوات،" كان يعرِفُ أنَّهُم سيُدرِكُونَ أنَّهُ لا بُدَّ أنَّهُ أضاءَ شمعَتَكَ، لأنَّكَ بِدُونِهِ ما كُنتَ ستقدِرُ أبداً بتاتاً أن تَكُونَ وأن تعمَلَ ما يُلاحِظُونَهُ في حياتِكَ. (متَّى 5: 16)
شَمعَةٌ على مَنَارَة
هذه إستِعارَةٌ إستِثنائِيَّةٌ عميقَة. يُعطينا يسُوعُ التَّفسيرَ والتَّطبيقَ الواضِحَين عندما يُشيرُ إلى أنَّهُ عندما تُضاءُ شَمعَةٌ في المنزِل، لا يضعُونَها تحتَ المِكيالِ بل على المنارَة. لهذا علينا أن لا نضَعَ شهادَتَنا تحتَ المكيالِ، حيثُ لا يبقَى لها تأثيرٌ على الظُّلمة.
منَ المُستَحيل على الشَّمعة أن تُنتِجَ نُوراً بِدُونِ أن تُنفِقَ نفسَها. الطَّريقَةُ الوحيدَةُ التي بها تستَطيعُ الشَّمعَةُ أن تُنقِذَ نفسَها، هي بأن تُطفِئَ الشَّمعَةُ ضَوءَها. يَقُولُ يسُوعُ ما معناهُ: "قبلَ أن تُصبِحُوا تلاميذِي، كُنتُم كشَمعَةٍ غيرِ مُضاءَة. ولكن الآن وقدِ إختَبَرتُم الأزَمَةَ المُتَضَمَّنَةَ في صَيرُورَةِ الإنسان مسيحيَّاً، فقد أُضِيئَت شَمعَتُكُم. أنا أنَرتُ حياتَكُم، وفي كُلِّ مَرَّةٍ أُضيءُ فيها شمعَةً، أختارُ منارَةً لأضعَ عليها هذه الشَّمعة بطريقَةٍ ستراتيجيَّة."
في نهايَةِ سنواتِ خدمتَهِ العلَنِيَّة الثَّلاث، قالَ يسُوعُ لرُسُلِهِ، "ليس أنتُم إختَرتُمُوني بل أن إختَرتُكُم، وأقمتُكُم لتأتُوا بِثَمَرٍ ويَدُومَ ثَمَرُكُم." (يُوحَنَّا 15: 16) الكَلِمَة اليُونانِيَّة المُترَجمَة "أقمتُكُم" تعني، "وضعتُكُم ستراتيجيَّاً." هذه كلِمَةٌ يُونانِيَّة تُوجَدُ ثلاثَ مرَّاتٍ فقط في الكتابِ المُقدَّس. كانَ يسوعُ يَقُولُ حرفِيَّاً ما معناهُ، "لقد إختَرتُكُم عمداً ووضعتُكُم ستراتيجيَّاً في مكانٍ لتَكُونُوا فيهِ مُثمِرين."
هل سبقَ ورأيتُم سُلحُفاةً على جدارِ سِياجٍ؟ إذا حَدَثَ ورأيتُم سُلحُلفاةً على ظهَرِ جِدار، سيَكُونُ هُناكَ أمرٌ أكيدٌ بالنِّسبَةِ لكُم، ألا وهُوَ أنَّ هذه السُّلحُفاة لم تَصِلْ إلى هُناكَ بِنَفسِها؛ بل وضعَها أحَدُهُم هُناك، لأنَّ السَّلاحِفَ لا تتسلَّقُ الجُدران؛ فكُلُّ مُؤمنٍ حقيقيٍّ تابِعٍ ليَسُوع المسيح، ينبَغي أن يَشعُرَ وكأنَّهُ سُلحُفاةٍ على ظهَرِ جِدار. علينا أن ننظُرَ حولَنا، ونُدرِكَ أينَ وُضِعنا ستراتيجيَّاً في هذا العالم، وبينما نُفَكِّرُ بِسُلحُفاةٍ على جدارٍ، علينا أن نقُولَ، "لا يُمكِنُ أن أكُونَ هُنا لو لَم يَضَعني المسيحُ في هذا المكان."
مَدينَةٌ على جَبَل
الإستِعارَةُ الرَّابِعَة هي: "لا يُمكِنُ أن تُخفَى مَدينَةٌ مَوضُوعَةٌ على جَبَل." (14) يُكَرِّرُ يسُوعُ هُنا، بهَدَفِ التَّشديد، تعليمَهُ أنَّنا عندَما تَكُونُ لدَينا التَّطويباتُ الثَّمانِي في حياتِنا، لن يَكُونَ بِوُسعِنا إخفاءَها كسِراجٍ تحتَ المِكيال. فلا يُوجَدُ بالواقِع ما يُسَمَّى تلميذ سِرِّيّ ليَسُوع المسيح. فيَسُوعُ جعلَ ذلكَ مُستَحيلاً عندما أرسَلَ تلاميذَهُ ليُعَمِّدُوا كُلَّ من يعتَرِفُ بأن يَكُونَ لهُ تلميذاً (متَّى 28: 18- 20).
يُعَلِّمُ يسُوعُ هُنا أنَّنا إن كُنَّا ملح الأرض ونُور العالم، فلن نَقدِرَ أن نُخفِيَ هذه الحقيقَة المُبارَكَة. لقد كانَ يسُوعُ في مُنتَهى الواقِعيَّة. ولقد أعطَى قيمَةً أكبَرَ بكثير للأداءِ العمليّ على الإعتِرافِ الشَّفَهِيّ. هذه الإستِعاراتُ الأربَعة تُشَدِّدُ على حقيقَةِ من نحنُ، أكثَر من ما نعتَرِفُ بأنَّنا نكُون. نحنُ ملحٌ، نُورٌ، سراجٌ ومدينَةٌ على جَبَل. يُخبِرُنا مرقُس في إنجيلِه أنَّ النَّاسَ كانُوا مُتَشَوِّقينَ ليكُونُوا معَ يسُوع، لدَرَجَةِ أنَّهُ توجَّبَ عليهِ أن يُنَظِّمَ وقتاً ليقضِيَهُ وحيداً معَ الله، لأنَّ من وما كانَهُ لم يَكُنْ مُمكِناً أن يُخفَى (مَرقُس 7: 24).
في التَّطويبات، أخبَرنا يسُوعُ أن ننظُرَ إلى الدَّاخِل. في هذه الإستِعارات، كانَ يَقُولُ لنا ما جَوهَرُ معناهُ، "الآن أنظُرُوا حولَكُم. أنظُرُوا إلى العالَمِ حولَكُم وتأمَّلُوا بالتَّحدِّي المقصُود عندما يتشكَّلُ ذلكَ الشَّخصُ في داخِلِكُم بنعمَةِ الله، بطريقَةٍ تُؤَثِّرُ على الحضارَةِ الفاسِدَة، الحضارة التي ليسَت لدَيها حياةٌ، والحَضارة التي تقبَعُ في غياهِبِ الظُّلمَة.
- عدد الزيارات: 10417