Skip to main content

عِنايَةُ الله

يُلحِقُ بُولُس هذه الأعداد الثَّلاثَة عن وُجهَةِ نظَرِ وتوصِيَةِ الصَّلاةِ العَظيمة، بإحدَى أسمَى وأجَلّ الكلمات التي سبقَ ودُوِّنَت في وَحِي الرُّوح القُدُس. تَذَكَّرُوا أنَّهُ لا يزالُ يُعالِجُ المَوضُوعَ الذي بدَأَهُ في العددِ الثَّانِي منَ الإصحاحِ الخامِس. فكيفَ يُمكِنُ لخُطاةٍ أُعلِنُوا أبراراً من قِبَلِ اللهِ، أن يعِيشُوا حياةً بارَّة؟ لقد شكَّلَ المُنتَصِرُونَ الأربَعة والمبادِئ الرُّوحيَّة الأربَعَة جوابَهُ على هذا السُّؤال. وها هُوَ الآن يُعطينا جوابَهُ الأعَظم، الأقوَى، الأكثَر إقناعاً وإلهاماً وفصاحَةً، على هذا السُّؤال، الذي يستَنتِجُ أنَّهُ بإمكانِنا أن نَكُونَ أعظَمَ من مُنتَصِرين، لا بَل بإمكانِنا أن نَكُونَ مُنتَصِرينَ فَوقَ العادَة!

إنَّ جَوهَرَ ذُروَةِ كتاباتِ بُولُس الرَّسُول المُلهِمَة، هي أنَّ إنتِصارَنا لَيسَ قَضِيَّةَ مَنْ وماذا نحنُ. فالإنتِصارُ الرُّوحِيُّ ليسَ قَضِيَّةَ ماذا نستَطيعُ أو لا نَستَطيعُ فعلُهُ. إنتِصارُنا ليسَت لهُ علاقَةٌ معَ ما نُريدُهُ. بل يَجدُ الإنتِصارُ الرُّوحِيُّ مصدَرَهُ وقُوَّتَهُ الدِّينامِيكيَّة في من وما هُوَ الله، وفيما يستطيعُ ويُريدُ فعلَهُ. إنَّهُ مصدَرُ إنتِصارِنا. وهُوَ القُوَّةُ الكامِنَةُ خلفَ إنتِصارِنا الآن وفي الدَّهرِ الآتِي. ومجدُهُ هُوَ هَدَفُ كُلّ ما يحدُثُ لنا – كَونَنا خُطاةً مُتَبرِّرِينَ للتَّقَوى.

عندما يختُمُ مقطَعَهُ التَّعليميّ عن هذه التُّحفَة، يستَخدِمُ مُجدَّداً عبارَة "كُلّ الأشياء." فهُوَ سيَكتُبُ من جَديد، "لأنَّ منهُ وبهِ ولَهُ كُلُّ الأشياء. لهُ المَجدُ إلى الأبد. آمِين." (رُومية 11: 36). هذا العدد سيأتي لاحِقاً، ولكن إذا قرأنا الأعداد الأربَعة الأخيرة منَ الإصحاحِ الحادِي عشَر، قبلَ أن نقرأَ هذا المقطَع الذي نحنُ بِصَدَدِهِ الآن، فإنَّ هذا سيَمنَحُنا وُجهَةَ نظَرٍ ستُسَاعِدُنا على فهمِ هذا المقطع الذي يُعتَبَرُ القِمَّةَ لكُلِّ الكتاباتِ المُوحى بها لهذا الرَّسُول الذي كتبَ نِصفَ العهدِ الجديد.

يبدَأُ بِالقَولِ أنَّهُ عندما قَرَّرَ اللهُ أن يُرسِلَ إبنَهُ إلى عالَمِنا لكي يستطيعَ أن يُعلِنَنا نحنُ الخُطاة أبراراً، تطلَّبَ الأمرُ لكي يُطَبِّقَ اللهُ هذه المُعجِزَة علينا، تطلَّبَهُ الأمرُ ثلاثَ مُعجِزاتٍ يمكنُهُ القِيام بها. وهُوَ يُخبِرُنا أيضاً أنَّنا بعدَ أن تبرَّرنا، سيَكُونُ هُناكَ بُعدٌ مُستَقبَلِيٌّ لحياتِنا المُستَقيمَة، التي تتطلَّبُ أيضاً مُعجِزَةً، وحدَهُ اللهُ يستَطيعُ إنجازَها.

كتبَ يَقُولُ: "لأنَّ الذين سبقَ فعَرَفَهُم سبقَ فَعَيَّنَهُم ليَكُونُوا مُشابِهينَ صُورَةَ إبنهِ، ليَكُونَ هُوَ بِكراً بَينَ إخوَةٍ كثيرين. والذي سبقَ فعَيَّنَهُم فهَؤُلاء دعاهُم أيضاً. والذين دعاهُم فهَؤُلاء بَرَّرَهُم أيضاً. والذين برَّرَهُم فهَؤُلاء مجَّدَهُم أيضاً." (رُومية 8: 29، 30).

المُعجِزَةُ الأُولى للعِنايَةِ الإلهيَّة في تبريرنا بالإيمان، هي أنَّ اللهَ عرفَ مُسبَقاً أُولئكَ الذينَ سيُعلِنُهُم أبراراً. عندما نُطَبِّقُ المعرِفَةَ المُسبَقَة على اللهِ، نُسمِّيها "العِلمُ بِكُلِّ شَيء." هذا يعني أنَّ اللهَ يعلَمُ بكُلِّ شَيء، ماضِياً، حاضِراً، ومُستَقبَلاً. واللهُ لا يتفاجَأُ بتاتاً بأيِّ شَيءٍ يحدُث. عندما سقَطَ الجنسُ البَشَرِيُّ في آدم، لم يتفاجأْ الله. ولم يتوجَّبْ عليهِ اللُّجُوء إلى خُطَّةٍ بديلَةٍ. بل كانَ فداءُ الإنسانِ السَّاقِط دائماً في خُطَّةِ الله.

كَونُ اللهِ عَلِمَ أنَّنا سنتبرَّرُ، لا يعني أنَّهُ إنتَهَكَ حُرِّيَّةَ إرادَةِ أُولئكَ الذينَ أُعلِنُوا أبراراً. كَون الله عَيَّنَ مُسبَقاً أُولئكَ الذين عرَفَهُم، لا يعني أنَّهُ إختَارَ أحدَهُم للسَّماءِ والآخَرُ لجَهَنَّم. فعندما نَصِلُ إلى الإصحاحِ التَّاسِع، سوفَ ندرُسُ مفهُومَ الإختِيار، الذي يُثيرُ هكذا أسئِلَة. التَّعليمُ هُنا هُوَ بِبَساطَةٍ أنَّ اللهَ عَيَّنَ مُسبَقاً خُطاةً مُبَرَّرِينَ ليَكُونُوا على صُورَةِ إبنِهِ.

عندما يَعِيشُ الذين أُعلِنُوا أبراراً بإستِقامَة، كيفَ سيعلَمُونَ ماذا يعني العَيشُ الصَّحيح؟ هذا واحِدٌ من عدَّةِ أهدافٍ لأجلِها أرسَلَ اللهُ إبنَهُ إلى هذا العالم. لقد عيَّنَ اللهُ مُسبَقاً، وحددَ مُسبَقاً أنَّ إبنَهُ سيَكُونُ الأوَّل بينَ كَثيرِينَ منَ الذين سيَكُونُونَ على صُورَتِهِ، لأنَّهُم سيُشابِهُونَ صُورَةَ إبنهِ كإخوَةٍ كثيرِين. لهذا نقرأُ أنَّهُ لا يَستَحي بأن يدعُوَهم إخوَةً لهُ (عبرانِيِّين 2: 11).

المُعجِزَةُ الثَّالِثَة التي ينبَغي أن تأتيَ منَ الله، لكي نَكُونَ مُشابِهينَ صُورَةَ إبنهِ، هي أنَّ أُولئكَ الذين سبقَ فعرَفَهُم وسبقَ فعيَّنَهُم، قد دعاهُم أيضاً. لقد سبقتُ وأَشَرتُ إلى أنَّ هذه واحِدَةٌ من كلِماتِ بُولُس المُفضَّلَة لوصفِ أتباعِ المسيح الذينَ يختَبِرُونَ الخلاص. فأن يكُونَ الإنسانُ مُتَبَرِّراً بالإيمان، وأن يَجِدَ وُصُولاً بالإيمانِ إلى النَّعمة، هُوَ أكثَرُ من مُجَرَّدِ قضيَّةٍ فِكريَّة. إنَّها دَعوَةٌ للتَّمتُّعِ بعلاقَةٍ معَ المسيحِ الحَيِّ المُقام (1كُورنثُوس 1: 9). فاللهُ يُريدُنا أن نعرِفَ إبنَهُ، وأن نُصبِحَ مُشابِهينَ لهُ.

هذه المُعجزاتُ الثَّلاثُ تُوفِّرُ الإطارَ للمَوضُوعِ الأساسيّ لهذه الرِّسالة: الذين سبقَ فعرَفَهُم وعَيَّنَهُم ودعاهُم، فهؤُلاء قد بَرَّرَهُم. ثُمَّ يَذهَبُ بُولُس إلى ما وراء هذه الحياة، ويتنبَّأُ عن مجالٍ حاضِرٍ ومُستَقبَلٍ لهذه المُعجِزَة. أُولئكَ الذين بَرَّرَهُم، هؤُلاء قد مجَّدَهُم أيضاً. هذا يُظهِرُ تلكَ المُعجِزات العظيمة التي وصفَها بُولُس بطريقَةٍ جميلَة للكُورنثِيِّين، عندما سيَقومُ اللهُ الذي أعطانا جسداً أرضِيَّاً لِنَعيشَ فيهِ هذه الحياة، بأعطائِنا جسداً رُوحيَّاً سماوِيَّاً لِنَحيَا في السَّماء.

ولكنَّ هذا العدد يُرينا أيضاً أنَّ إختِبارَ كَونِنا مُمَجَّدِينَ يبدَأُ عندما نتبرَّرُ بالإيمان، ونَصِلُ إلى نِعمَةِ الله. عندما تُغَيِّرُ نِعمَةُ اللهِ حياتَنا فنُصبِحُ خلائِقَ جديدَة، يُعطينا إنسانُنا الدَّاخِليُّ صُورَةً مُسبَقَةً عن الحالَةِ المُمَجَّدَة التي سنَختَبِرُها للأبديَّة.


أسئِلَة وأَجوِبَة

يطرَحُ بُولُس الآن سبعَةَ أسئِلَةٍ لها أجوِبَةٌ مُثِيرَةٌ لِلغَايَة: "فماذا نَقُولُ لِهذا؟ إن كانَ اللهُ معنا فمَن علينا. الذي لَم يُشفِقْ على إبنِهِ، بَل بَذَلَهُ لأجلِنا أجمَعين، كيفَ لا يَهَبُنا أيضاً معَهُ كُلَّ شَيء. مَن سَيَشتَكِي على مُختاري الله. اللهُ هُوَ الذي يُبَرِّرُ. من هُوَ الذي يَدين. المسيحُ هُوَ الذي ماتَ بَل بالحَرِيِّ قامَ أيضاً، الذي هُوَ عن يَمِينِ اللهِ الذي أيضاً يَشفَعُ فينا. من سَيفصِلُنا عن محبَّةِ المسيح؟ أشِدَّةٌ أم ضِيقٌ أمِ إضطِّهاد، أم جُوعٌ أم عُريٌ أم خَطَرٌ أم سَيف؟ كما هُوَ مكتُوبٌ إنَّنا من أجلِكَ نُمَاتُ كُلَّ النَّهار. قد حُسِبنا مثلَ غَنَمٍ للذَّبِح. ولكنَّنا في هذه جميعِها يعظُمُ إنتِصارُنا بالذي أحَبَّنا. فإنِّي مُتَيَقِّنٌ أنَّهُ لا مَوتَ ولا حياة، ولا ملائكَة ولا رُؤساء ولا قُوَّات ولا أُمُور حاضِرَة ولا مُستَقبَلَة. ولا عُلوَ ولا عُمقَ ولا خَليقَةَ أُخرى تَقدِرُ أن تفصِلَنا عن محبَّةِ اللهِ في المسيح يسُوع رَبِّنا." (رُومية 8: 31- 39).

أوَّلُ سُؤالٍ يُطرَحٌ من قِبَلِ بُولُس، يحُضُّنا على الإجابَةِ على إعلاناتِهِ المجيدة: ماذا نَقُولُ عن كُلِّ هذا؟ يبدو وكأنَّ هذا هُوَ جَوهَرُ السُّؤالِ الأوَّل. السُّؤالُ الثَّاني يُرينا ما يُؤمِنُ بهِ بُولُس. فإن كانَ اللهُ يدعُونا لنختَبِرَ هذه المُعجِزاتِ الخمس، وإن كانَ فداؤُنا النِّهائِي والكامِل يعتَمِدُ على اللهِ بدَلَ أن يعتَمِدَ علينا، فمن يستطيعُ أن يَقِفَ ضِدَّنا؟

السُّؤالُ الثَّالِثُ يُقدِّمُ مفهُوماً مُهِمَّاً في هذه المرحلة الهامَّة من هذه الرِّسالَة الرَّائِعة. فإن كانَ اللهُ المُحِبُّ قد أحَبَّنا لِدَرَجَةِ أنَّهُ أعطانا إبنَهُ، أوَلَن يمنَحنا مجَّاناً كُلَّ ما نحتاجُهُ لنَتبَعَ إبنَهُ، أي مُخَلِّصَنا ورَبَّنا يسُوع؟ لقد تفكَّرَ بُولُس مُسبَقاً بأنَّنا إذا كُنَّا قد تصالَحنا معَ الله بمَوتِ إبنِهِ، أوَلَن نخلُصَ أكثَرَ جدَّاً بحياةِ هذا الإبنِ الحَيّ المُقام؟ (رُومية 5: 10).

تأمَّلُوا بهذا السُّؤالِ الرَّابِع في إطارِ الدَّينُونَة التي كتبَ بُولُس عنها في الإصحاحِ الثَّانِي. من سيشتَكي على مُختارِي الله؟ بالطَّبعِ لن يَقُومَ اللهُ بِهذا، لأنَّ اللهَ هُوَ الذي يُعلِنُنا نحنُ الخُطاة مُبَرَّرِين. فلقد أخلى السَّماءَ وضحَّى بإبنِهِ ليُبَرِّرَنا. فلا يُمكِنُ أن يدينَنا.

السُّؤالُ الخامِسُ هَو، "من هُوَ الذي يَدين؟" تُوجَدُ فكرتانِ مُتَضَمِّنتانِ هُنا: يسُوع المسيحُ مُعَيَّنٌ من قِبَلِ اللهِ بأنَّهُ إستُودِعَ الدَّينُونَةَ بكامِلِها (يُوحَنَّا 5: 22).  لهذا فهُوَ مُؤَهَّلٌ ليَدِينَنا، ولكنَّهُ أعلنَ أنَّهُ لم يأتِ ليدينَ العالم، بل لِيَخلُصَ بهِ العالَمُ (يُوحَنَّا 3: 17). بما أنَّهُ دفعَ ثمنَ فدائِنا، فلن يدينَنا. بَل يسُوعُ جالِسٌ عن يمينِ الآبِ يشفَعُ فينا (عبرانِيين 7: 25؛ 1يُوحَنَّا 2: 1).

فكرَةٌ أُخرى مُتَضَمَّنَة هُنا، تُشيرُ إلى مُهِمَّةِ الشَّيطان. نقرأُ أنَّ الشَّيطانَ هُوَ المُشتَكي على الإخوة، وأنَّهُ يشتَكي عليهِم نهاراً ولَيلاً. عندما سيَتِمُّ القضاءُ عليهِ كَمُشتَكي، سوفَ يزدَهِرُ ملكُوتُ اللهِ بِقُوَّةٍ عظيمة (رُؤيا 12: 10، 11).

أحدُ مُفَسِّري الكتاب المُقدَّس المُفضَّلينَ عندي، والذي خدَمتُ معَهُ كمُساعِدِ قَسِّيسٍ عندما كُنتُ شابَّاً، فسَّرَ لي كلمة "مُبَرَّر،" التي تعني "مُعلَن بارَّاً،" بأنَّ المقصُود منها هُوَ "مُعلَن مُستَحِقَّاً." يُصارِعُ النَّاسُ ويخَتَبِرُونَ مُنازعاتٍ غريبَة، وهُم يُحاوِلُونَ إكتِسابَ بعض الإستِحقاق الذَّاتِي بإنجازِ الأعمالِ الصَّالِحة. رِسالَةُ هذه التُّحفَة اللاهُوتيَّة الرَّائِعة منَ الكتابِ المُقدَّس هي أنَّ اللهَ يُقدِّمُ لعالَمِ الخُطاةِ، إستِحقاقاً مُعلَناً لا يعتَمِدُ على أدائِهم الإيجابِي ولا السَّلبِيّ.

يكتُبُ بُولُس هُنا أيضاً أنَّهُ عندما يُعلِنُ اللهُ الإستِحقاق لخُطاةٍ يتمتَّعُونَ بالقَليلِ جدَّاً منَ الإستِحقاقِ الذَّاتِي، يَكُونُ الشَّيطانُ مُستَعِدَّاً لإعلانِ حقيقَةٍ مُناقِضَة لهذه – "عدَم الإستِحقاق ولا الجدارة." قد يَكُونُ هذا تطبيقاً بدلَ أن يَكُونَ تفسيراً، ولكن تأمَّلُوا بهذا العدد في المَرَّةِ التَّالِية التي تَشعُرُونَ فيها بالإدانَة، أو إذا قالَ لكُم أحَدُهُم أنَّكُم غَيرُ مُستَحِقِّين. تَذَكَّروا بأن تُقاوِمُوا المُشتَكي عندما تَذكُرُونَ وتُؤَكِّدُونَ الأخبارَ السَّارَّةَ أنَّ اللهَ نفسَهُ أعلَنَ إستِحقاقَكُم. الرُّوحُ القُدُسُ سوفَ يشهَدُ عندَها لأرواحِكُم أنَّكُم أولادُ اللهِ، وأنَّكُم مُستَحِقُّون.

إستِحقاقُكُم مضمُونٌ لأنَّهُ لَيسَ مَبنِيَّاً على قُدرَتِكُم على النَّجاح وعدَمِ السُّقُوط بتاتاً. هذا الإستِحقاقُ المُعلَن، مثل محبَّة المسيح غير المَشرُوطَة، لا يُكتَسَبُ بالأداءِ الإيجابِيّ، ولا يُفقَدُ بالأداءِ السَّلبِيّ. هذا ما تَعنيهِ نعمَةُ اللهِ ورحمَةُ اللهِ بأنَّهُ يُوجَدُ غُفرانٌ عندَ السُّقُوط. فاللهُ هُوَ الذي يُبَرِّر.

سُؤالُهُ السَّادِسُ وجوابُهُ على ذلكَ السُّؤال ينبَغي أن يُوفِّرَ تعزِيَةً كبيرَة لنا جميعاً. "من سَيفصِلُنا عن محبَّةِ المسيح؟" يُمَثِّلُ سُؤالُهُ السَّابِع لائِحَةً من تلكَ الأشياء التي نعتَقِدُ أنَّهُ بإمكانِها أن تفصِلَنا عن محبَّةِ رَبِّنا يسُوع المسيح الحَيّ المُقام منَ الموت. تأتي التَّعزِيَةُ عندما يُخبِرُنا بُولُس الرَّسُول أنَّهُ ولا شَيء من هذه الأشياء يُمكِنُ أن يفصِلَنا عن محبَّةِ الله في المسيح يسُوع رَبِّنا.

الحياةُ صَعبَةٌ! ولقد كانَ يسُوعُ والرَّسُولُ بُولُس واقِعيَّانِ إلى أبعَدِ الحُدُود  عن الضِّيق أو الألم الذي ينتُجُ عن إتِّباعِ المسيح الذي هُوَ مكروهٌ جدَّاً في هذا العالم (يُوحَنَّا 16: 33؛ أعمال 14: 6- 22). يَذكُرُ بُولُس الكثيرَ من هذه التَّحدِّياتِ الرَّهيبَة التي واجَهَها ويُواجِهها اليَوم تلاميذُ يسُوع المسيح. تحتَوي هذه اللائِحة على الضِّيق النَّاتِج عنِ الإضطِّهاد، إلى درجَةِ المَوتِ بالسَّيف. وجوابُهُ المُدهِش هُوَ أنَّهُ في هذه جميعِها يعظُمُ إنتِصارُنا، لأنَّ الحقيقَةَ هي أن لا شَيءَ يقدِرُ أن يفصِلَنا عن محبَّةِ الله!

يُخبِرُنا مَزمُورُ الرَّاعِي لداوُد أنَّ رحمَةَ أو محبَّةَ المسيح غير المَشرُوطَة، تتبَعُنا كُلَّ أيَّامِ حياتِنا، وتَكُونُ معنا في الحالَةِ الأبديَّة إلى أبدِ الآبدِين! (مَزمُور 23: 6). قد يكُونُ هذا ما قصدَهُ الرَّسُولُ بُولُس عندما أجابَ على سُؤالِهِ السَّابِع والأخير بالقَول: " فإنِّي مُتَيَقِّنٌ أنَّهُ لا مَوتَ ولا حياة، ولا ملائكَة ولا رُؤساء ولا قُوَّات ولا أُمُور حاضِرَة ولا مُستَقبَلَة. ولا عُلوَ ولا عُمقَ ولا خَليقَةَ أُخرى تَقدِرُ أن تفصِلَنا عن محبَّةِ اللهِ في المسيح يسُوع رَبِّنا." (رُومية 8: 38- 39).

هذا هُوَ تصريح بُولُس العظيم والمُلَخَّص حيثُ يَصِلُ بنا إلى قمَّةٍ مجيدَة من أسمى مقاطِعِ العهدِ الجديد، الذي بدأَهُ في العددِ الثَّانِي من الإصحاحِ الخامِس. فلقد عبَّرَ بالتَّفصيل كيفَ أنَّ الخاطِئَ الشِّرِّير، الذي كانَ عَدُوَّاً لله، ليسَ أنَّهُ يُعلَنُ مُستَحِقَّاً وجديراً فحَسب، بل وأيضاً يُصبِحُ لدَيهِ وُصُولٌ إلى النِّعمَة التي تُمَكِّنُهُ من عيشِ حياةٍ تمُجِّدُ الله.

المِفتاحُ الخِتامِيُّ لإنتِصارِ الخاطِئ الذي أُعلِنَ مُبَرَّراً بالإيمان، هُوَ محبَّة اللهِ في المسيح يسُوع رَبِّنا. مِفتاحُ الإنتِصارِ لا يأتي من داخِلِنا بل منَ اللهِ في المسيح. هذا هُوَ أساسُ التَّأكيدِ الشَّديد لهذا الرَّسُول.

لا يُوجَدُ شَيءٌ جديدٌ في هذا التَّصريح الختامِيّ العَظيم لبُولُس. إنَّهُ مُجَرَّدُ خاتِمَةٍ مُوجَزَةٍ لكُلِّ ما كانَ يُعَلِّمُ بهِ. يُعلِنُ بُولُس أنَّهُ مُتيقِّنٌ أنَّ المَوتَ لن يفصِلَنا عن محبَّةِ المسيح. فلقد كتبَ للكُورنثِيِّينَ يَقُولُ أنَّ الغِيابَ عنِ الجَسد هُوَ حُضُورٌ عندَ الرَّبّ (2كُورنثُوس 5: 6- 8) ولقد أعلنَ للفيلبِّين أنَّهُ بالنِّسبَةِ لهُ، الحياةُ هي المسيح، والمَوتُ هُوَ رِبحٌ، وأنَّهُ يُفضِّلُ أن يَمُوتَ ويكُونَ معَ المسيح (فيلبِّي 1: 20- 23). لذلكَ فالمَوتُ لن يَفصُلَنا ولن يفصُلَهُ عن محبَّةِ المسيح.

وهُوَ مُتَيَقِّنٌ أيضاًَ أن لا شَيءَ في هذه الحياة يقدِرُ أن يفصِلَنا عن محبَّةِ المسيح. فبُولُس كانَ عديمَ الخَوف بِوجهِ المَوت، لأنَّهُ آمنَ أنَّ الحياةَ بالنِّسبَةِ لهُ هي المسيح، والمَوتُ هُوَ رِبحٌ. لهذا فإنَّ تلاميذَ يسُوع المسيح الأتقياء، الذي يُؤِمُنونَ حقَّاً بِقِيَمِ الإنجيل الأبديَّة، ينبَغي أن لا يخافُوا أبداً منَ الموت.

ولكنَّ بعضَ المُؤمنين يخافُونَ الحياةَ أكثَر ممَّا يخافُونَ الموت. عندما نتمتَّعُ بِفَلسَفَةِ بُولُس عنِ الموت، لن نخافَ الموتَ لأنَّهُ رِبحٌ. وعلينا أيضاً أن نُدرِكَ أنَّنا لا نحتاجُ أن نخافَ الحياةَ أيضاً، إن كُنَّا نتمتَّعُ بِفَلسَفَتِهِ في الحياة، لأنَّ الحياةَ هي المسيح. بِحَسَبِ بُولُس لا يُوجَدُ شَيءٌ في المَوتِ ولا في هذه الحياة الذي يُمكِنُ أن يفصِلَنا عن محبَّةِ اللهِ في المسيح.

لقد كانَ بُولُس مُقتَنِعاً، وعَلَّمَ أنَّهُ يُوجَدُ بُعدٌ رُوحِيٌّ في الحياة، حيثُ تُؤَثِّرُ الملائِكَة وما أسمَاهُ بُولُس القُوَّات والسَّلاطين، إيجابِيَّاً وسَلبِيَّاً على حياتِنا. فلقد كَتَبَ إلى أهلِ أَفَسُس: "فإنَّ مُصارَعَتنا لَيسَت معَ دَمٍ ولَحم، بل معَ الرُّؤساء معَ السَّلاطين معَ وُلاةِ هذا العالم، على ظُلمَةِ هذا الدَّهر، معَ أجنادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ في السماويَّات." (أفسُس 6: 12). لقد كانَ مُقتَنِعاً كُلِّيَّاً بأنَّهُ لا أحَد من هذه القُوَّات الرُّوحِيَّة بإمكانِهِ أن يَفصِلَنا عن محبَّةِ اللهِ في المسيح.

لا يُوجَدُ شَيءٌ في ظُرُوفِنا الحاضِرَة، ولن يُوجَدَ شَيءٌ في حياتِنا المُستَقبَلِيَّة، يُمكِنُ أن يفصِلَنا عن هذه المحبَّة. ثُمَّ يذكُرُ بُولُس العُلوَّ والعُمق. هذه إشارَةٌ إلى تعليمِ بُولُس أنَّ يسُوعَ صَعِدَ إلى العلاء، ونزلَ إلى أقسامِ الأرضِ السُّفلى، حَيثُ أطلقَ المأسُورينَ في الحُرّيَّة، ووهبَ النَّاسَ عطايا (أفسُس 4: 8- 10).

إنَّ تشديدَ رِسالَةِ بُولُس للأفَسُسِيِّين يضعُ أمامَنا التَحدِّي لنَعيشَ في السَّماوِيَّات، أو في المُرتَفَعاتِ الرُّوحِيَّة حيثُ بإمكانِنا تملُّك كُلّ البَركات الرُّوحيَّة في المسيح (أفسُس 1: 3). تطبيقٌ عمليٌّ وتعبُّدِيٌّ آخر هُوَ المُرتَفَعات والمُنخَفَضات التي نختَبِرُها في حياتِنا. الوعدُ هُوَ أنَّهُ لا يُوجَدُ مُرتَفَعٌ أو مُنخَفَضٌ رُوحِيٌّ، الذي يُمكِنُ أن يَفصِلَنا عن محبَّةِ المسيح.

إنَّ إعلانَهُ الأخير هُوَ أنَّ "لا خليقَةَ أُخرى" تقدِرُ أن تُحَقِّقَ هذا الإنفِصال. الكلماتُ الأصليَّة تُلَمِّحُ إلى أنَّهُ يقصُدُ "لا خلقَ آخَر." في القَرنِ الحادِي والعِشرين، نسمَعُ عن تَخميناتٍ عن وُجُودِ حياةٍ على كواكِبَ أُخرى. منذُ مائة سنَة تقريباً، سُئِلَ أحدُ مشاهير عُلماء ِ الكتابِ المُقدَّس، "إذا كانَت تُوجَدٌ حياةٌ على المرِّيخ، فكيفَ سيخلُصُ سُكَّانُهُ؟" فأجابَ، "في البَدءِ خلقَ اللهُ السَّماءَ والمرِّيخ." ثُمَّ سيُخبِرُهُم الكتابُ المُقدَّسُ عن محبَّة وخلاص الله لأُولئكَ الذين يعيشُونَ على كَوكَبِ المرِّيخ.

كانَ بُولُس لَرُبَّما يُعلِنُ أنَّهُ إن كانت تُوجَدُ خليقَةٌ في مكانٍ ما في هذا العالم، لم يَعرِفْ عنها إلا القَليل، فتلكَ الخليقَة لن تقدِرَ على فصلِنا عن محبَّةِ الله في المسيحِ يسُوع.


تطبيقٌ شَخصِيّ

نحنُ خُطاةٌ غيرُ مُستَحقِّين، ولكن لدينا إستِحقاقٌ مُعلَنٌ بسببِ حياةِ وموتِ إبنِ الله. ولدينا وُصُولٌ إلى النِّعمَة التي تُمَكِّنُنا من العيشِ بإستِقامَةٍ وأن نُمَجِّدَ اللهَ الذي أعلَنَنا مُستَحِقِّين. أربعَةُ مُنتَصِرين يُظهِرُونَ للخُطاةِ المُبَرَّرِينَ كيفَ بإمكانِنا أن نملِكَ في الحياة. أربَعَةُ مبادِئ رُوحيَّة تُظهِرُ لنا كيفَ نُحَلِّقُ فوقَ نامُوسِ الخطيَّة وفوقَ عواقِبِهِ الوخيمة. ولدينا هذا الإعلانُ الجَليل عن تدخُّلِ اللهِ، الذي يعرِفُ ويُعَيِّنُ مُسبَقاً، يَدعُو، يُبَرِّرُ ويُمَجِّدُ الخُطاةَ غير المُستَحِقِّين، ليُصبِحُوا أعظَمَ من مُنتَصِرين في هذه الحياة وفي الدَّهرِ الآتي.

ثُمَّ يكتُبُ بُولُس أنَّهُ مُتيقِّنٌ أنَّ هذه اللائحة المُطَوَّلَة منَ المُعجِزات هي حقيقَةٌ مُطلَقَة! هل أنتَ مُتَيقِّنٌ من ذلكَ أيضاً؟ وهل أنتَ مُبَرَّرٌ بالإيمان، أم أنَّكَ لا تَزالُ تُحاوِلُ أن تُخَلِّصَ نفسَكَ بحفظِ النَّامُوس، الذي كانَ المقصُودُ منهُ أن يُحَطِّمَكَ، وأن يُغلِقَ فمَكَ، وأن يَدفَعَكَ لتعتَرِفَ بأنَّكَ تحتاجُ إلى مُخَلِّص ولا تستطيعُ أن تُخَلِّصَ نفسَكَ؟

هل أنتَ مُتَيَقِّنٌ أنَّ اللهَ الذي هُوَ مصدَرُ هذه المُعجِزة، سيَكُونُ أيضاً القُوَّة الكامنة خَلفَ هذه المُعجِزَة، وسوفَ يُكمِلُ العملَ الذي بدأَهُ عندما أعلَنَ أنَّكَ بارّ؟ إن كُنتَ كذلكَ، عليكَ أن تُؤمِنَ بما قرأتَهُ في الإصحاحاتِ الثَّمانِيَة الأُولى من هذه التُّحفَة اللاهُوتيَّة الرَّائِعَة. تجاوَبْ معَ دعوَةِ اللهِ هذه. تبرَّرْ بالإيمان. تمجَّدْ في هذه الحياة وفي الحياةِ الآتيَة.

أيُّها القارِئُ العَزيز، هذا ليس إلا الكُتَيِّب الثَّانِي من دراسَتِنا لرسالَةِ رُومية. إن كُنتَ لم تقرأْ بعد الكُتَيِّب الأوَّل، أُشَجِّعُكَ على أن تَكتُبَ إلينا وتطلُبَهُ منَّا، ولا تنسَ أن تطلُبَ الكُتَيِّب رقم 31، حيثُ سنُتابِعُ هذه الدِّراسَة الرَّائِعة. أيضاً، عندما تكتُبُ إلينا، نودُّ لو بإمكانِكَ أن تُخبِرَنا إن كُنتَ قد إختَبَرتَ الإيمانَ بالمسيح، أم ليسَ بعد. إن كُنتَ قد تبرَّرتَ بالإيمان، وإن كُنتَ قد وجدتَ النِّعمَةَ لتحيا العيشَ الصَّحيح، نَودُّ لو تُخبِرَنا كيفَ إستخدَمَ اللهُ هذه الدِّراساتِ من كلمتِهِ الحيَّة في حياتِكَ.

  • عدد الزيارات: 8640