Skip to main content

خُلاصَة وتطبيق شَخصِيّ

أُشارِكُ معَكُم هذا المَثَل من علمِ النَّفس، لكَي أضعَ تعليمَ يسُوع وبُولُس وآخرينَ منَ الكتابِ المُقدَّس، في الإطارِ الصَّحيح. بينما تقرَأُونَ هذه الرِّسالَة من بُولُس إلى أهلِ رُومية، فَكِّرُوا بِحياتِكُم وكأنَّها دائِرة. تصوَّرُوا أنَّ هذه الدائِرَة التي تُمَثِّلُ حياتَكُم، مملوءَةٌ بإشاراتٍ إيجابِيَّة فقط. سيُشيرُ هذا إلى ما كانَ يُعَلِّمُهُ يسُوعُ عندَما قالَ أنَّهُ ينبَغي أن نتمتَّعَ بذهنٍ بَسيطٍ، إذا أردنا أن نتمتَّعَ بِحياةٍ مملُوءَةٍ بالنُّورِ والسَّعادَة. ستُشيرُ هذه الدَّائِرَة أيضاً إلى المَوضُوع الذي علَّمَ عنهُ بُولُس من خلالِ هذه المبادِئ أو النَّوامِيس الرُّوحيَّة الأربَعة.

الآن تصَوَّرُوا أنَّ هذه الدَّائِرَة فيها علاماتٌ إيجابِيَّةٌ وأُخرى سَلبِيَّة، معَ خَطٍّ يفصِلُ الدَّائِرَةَ من نِصفِها، فاصِلاً بينَ العلاماتِ الإيجابِيَّة والسَّلبِيَّة. العلاماتُ الإيجابِيَّة ترمُزُ لنامُوسِ الله، أو كلمَةِ الله. بكلماتٍ أُخرى، العلامات الإيجابِيَّة تُشيرُ إلى ما تُؤمِنُونَ أنَّها معايير الحياة المُستقيمَة، بناءً على تعليمِ كَلِمَةِ الله. ثُمَّ عليكُم أن تُدرِكُوا أنَّ العلاماتِ السَّلبِيَّة تُشيرُ إلى تصرُّفِكُم، الذي لا يَكُونُ على المُستَوى الذي تتطلَّبُهُ وتُمَثِّلُهُ العلاماتُ الإيجابِيَّة.

الدَّائِرَةُ المَقسُومَة تُشيرُ إلى إعتِرافِ بُولُس الصَّادِق – وهُوَ فَرِّيسيٌّ منَ الفَرِّيسيِّين – في الإصحاحِ السَّابِع من هذه الرِّسالَة. العَقلُ المُنقَسِم، أو الرُّؤيا الرُّوحيَّة المُزدَوِجَة، هُوَ الوصفُ الذي يُطلِقُهُ بُولُس على نفسِهِ بالقَول: "الإنسانُ الشَّقِيّ."

الأمراضُ النفسيَّة الجسديَّة،  Psychosomaticهي مرضٌ في الجَسد، أي Soma باليُونانِيَّة، عندما يَكُونُ سَبَبُ المرَضِ كامِناً في العقلِ أو في النَّفس، أي Psyche. أحدُ أسبَاب المرض النفسي الجسدي الرَّئيسة والنَّمُوذَجيَّة، هُوَ الشُّعُورُ بالذَّنب. أحدُ أكثر أسباب الشُّعُور بالذَّنب شُيُوعاً وإنتِشاراً عندَ المُؤمنين، هُوَ التَّحلِّي بمعيارٍ لما نَعرِفُ أنَّهُ طريقَةُ العيش المُستقيم (أي نامُوس الله)، في صراعٍ أو نزاعٍ معَ حياتِنا اليَومِيَّة، عندَما تَكُونُ الطَّريقَةُ التي نَعيشُ بها ليسَت على مُستَوى معيار الله للعيشِ المُستقيم.

أحدُ أتقَى الرِّجالِ الذين عاشُوا على الإطلاق، كانَ الرَّجُل الذي وصفَهُ اللهُ القَديرُ بأنَّهُ "رَجُلٌ بِحَسَبِ قلبِي، الذي يعمَلُ مَشيئَتي." (1صَمُوئيل 13: 14؛ أعمال 13: 22). هذا الرَّجل أظهَرَ لنا أكثَرَ من أيِّ إنسانٍ آخر، بإستِثناءِ مُوسى، ماهيَّةَ العِبادَة وكيفيَّتَها. ولكنَّ كَلمَةَ اللهِ تُخبِرُنا بكامِلِ الحقيقة: أنَّهُ إرتَكبَ خَطيئَةً شَنيعة! فلقدِ إرتَكبَ خَطِيَّةَ الزِّنَى، الخيانَة، القَتل، ولمُدَّةِ سنَةٍ كامِلَة حاوَلَ أن يُستِّرَ على هذه الخطايا الرَّديئة. لا بُدَّ أنَّ تلكَ السَّنَة كانت أكثر سني حياةِ داوُد حُزناً وكآبَةً. تأمَّلُوا بهذه الكلمات التي كتبَها داوُد، والتي تَصِفُ كيفَ أثَّرَ الشُّعُورُ الرهيب بالذَنب الذي إختَبَرَهُ، كيفَ أثَّرَ عليهِ جسديَّاً، عاطفيَّاً، ورُوحيَّاً. وأنا أقتَبِسُ من تصريحٍ مألُوفٍ جدَّاً في الكتابِ المُقدَّس: "طُوبَى لِلذي غُفِرَ إثمُهُ وسُتِرَتْ خَطِيَّتُهُ. طُوبَى لِرَجُلٍ لا يَحسِبُ لهُ الرَّبُّ خَطيَّة، ولا في رُوحِهِ غِشٌّ. لَمَّا سَكَتُّ بَلِيَتْ عِظامِي من زَفيري اليَومَ كُلَّهُ. لأنَّ يَدَكَ ثَقُلَت عليَّ نهاراً ولَيلاً. تحوَّلَت رُطُوبَتي إلى يُبُوسَةِ القَيظ. أعتَرِفُ لكَ بِخَطِيَّتي ولا أكتُمُ إثمِي. قُلتُ أعتَرِفُ للرَّبِّ بِذَنبي وأنتَ رَفعتَ آثامَ خَطِيَّتِي." (مزمُور 32: 1- 5)

تتوازَى كَلِماتُ داوُد الصَّادِقَة هذه معَ كَلماتِ بُولُس. ولقد أعطَتْنا مِثالاً منَ العهدِ القَديم لنَضَعَهُ إلى جانِبِ إعتِرافِ بُولُس. الإعتِرافاتُ الصَّادِقة التي قدَّمَها هذانِ الرَّجُلانِ التَّقيَّان تُوفِّرُ لنا مِثالاً مَهُوباً. يُسَمِّي بُولُس نفسَهُ بالإنسانِ الشَّقِيّ.

الآن، تصَوَّرُوا دائِرَةً مليئَةً فقط بالعلاماتِ السَّلبيَّة. يُشيرُ هذا إلى حياةِ شَخصٍ لم يحظَى بأيِّ نُورٍ، ولا بِأيِّ تعليمٍ بَتَاتاً عن نامُوسِ أو عن كَلِمَةِ الله. هكذا أشخاص وصفَهُم يسُوعُ بأنَّهُم أولئكَ الذين لا نُورَ لدَيهِم، ولذلكَ لا معرِفَةَ عنِ الخطيَّة (يُوحَنَّا 9: 40 و41؛ 15: 22). بالنِّسبَةِ ليسُوع، الخَطيَّةُ هي الرَّفضُ والتَّقصيرُ عنِ العَيشِ بِحَسَبِ النُّور.

أعداءٌ في الإصحاحَاتِ الأُولى من هذه الرِّسالَة تحضُّنا على أن نطرَحَ السُّؤال إن كانَ يُوجَدُ هكذا إنسان (1: 20). ولكن، إن كانَ يُوجَدُ هكذا إنسان، لما كانت ستَكُونُ هُناكَ خطيَّة، ولما كانَ سيكُونُ هُناكَ شعُورٌ بالذَّنبِ، ولما كانَ سيشعُرُ هكذا إنسانٌ بالقَرحَةِ في المِعدَة ولا بأوجاعِ الرَّأسِ والجسد.

بينما تقرأُونَ الإصحاحِ السَّادِس من رِسالَةِ رُومية، تأمَّلُوا بهذا الإنسان الذي تمتَّعَ  بذهنِيَّةٍ بَسيطَةٍ ولكن خاطِئة، كما يُشارُ إليها بدائِرَةٍ ذات علاماتٍ ناقِصَة. هذا الشَّخصُ لن يَكُونَ عَديمَ الأخلاق، لأنَّهُ لا يملِكُ مَعاييرَ للأخلاقِيَّات. اليوم يُسَمِّي البعضُ هذه الحالَة باللا-أخلاقِيَّ، الذي يقصُدُونَ بهِ عدم وُجُود مُطلَقاتٍ أخلاقِيَّة أو معاييرَ مُطلقَة لما هُوَ صوابٌ وخطأ. منَ الواضِحِ أنَّ أُولئكَ الذين يُؤمِنُونَ بنامُوسِ الله، يُؤمِنُونَ أيضاً بالمُطلَقاتِ الأخلاقيَّة، أو بمعيارٍ مُطلَقٍ لما هُوَ صوابٌ وخطأ.

خلالَ كتابَتِهِ للإصحاحِ السَّادِس من هذه الرِّسالَة، التَّشديدُ القَويُّ الذي يَقُومُ بهِ بُولُس، هُوَ أنَّ أُولئكَ الذينَ تبرَّرُوا بالإيمان، ولديهِم وُصُولٌ إلى النِّعمة، ويُؤمنُونَ بكلمَةِ الله، عليهم ألا يُشَارَ إليهِم بتاتاً بهذه الدَّائِرة ذاتِ العلاماتِ السَّلبِيَّة فقط. بكلماتٍ أُخرى، الخطيَّة ينبَغي ألا تَسُودَ علينا بتاتاً.

بينما تقرأُونَ هذا الإعتِرافِ الصَّادِق الذي يُشارِكُنا بهِِ بُولُس، تأمَّلُوا بتلكَ الدَّائِرَة التي تحتَوي على علاماتٍ سَلبِيَّة وإيجابِيَّة معاً، والتي يفصِلُ بينها خَطٌّ مَرسُومٌ في وسطِ الدَّائِرَة. كانت تُوجَدٌ أُغنِيَةٌ شَعبِيَّةٌ عندما كُنتُ لا أزالُ شابَّاً مُراهِقاً، التي كانت تَقُولُ: "تَمَسَّكُوا بالواجِباتِ الإيجابِيَّة، وتخلُّوا عنِ السَّلبِيَّة؛ رَكِّزُوا على الإيجاِبيَّات، ولا تتورَّطُوا معَ السَّيد "بين ما بَين!" إنَّ بُولُس الذي نلتَقيهِ في الإصحاحِ السَّابِع من هذه الرِّسالَة، هُوَ السَّيِّد "بين ما بَين" الذي تمَّ وصفُهُ أعلاهُ بتلكَ الأُغنِيَة السَّاخِرَة. الأمرُ البالِغُ الأهمِّيَّة، هُوَ أنَّ السيِّد "بين ما بَين" هذا، تمَّ وصفُهُ بإسهابٍ من قِبَلِ يسُوع، داوُد، إيليَّا، يُوحَنَّا، يعقُوب، وبُولُس في خاتِمَةِ إعتِرافِهِ بأنَّهُ "الإنسان الشَّقِيّ." (رُومية 7: 24).

عندما تقرأُونَ الإصحاحَ الثَّامِن من هذه الرِّسالَة، تصَوَّرُوا دائِرَةً تحتَوي على علاماتٍ إيجابيَّة فقط. فإنَّ تلكَ الدَّائِرَة ستُمثِّلُ العقلَ البَسيط، والحياةَ المَليئَة بالنُّور والسَّعادَة كما علَّمَ عنها يسُوع. وسوفَ يكُونُ ذلكَ التطبيقَ والطَّاعَةَ المَطلُوبَينِ من داوُد والرُّسُل والأنبياء. دائِرَةٌ مَليئَةٌ بالعَلاماتِ الإيجابِيَّة، ستُمَثِّلُ أيضاً تطبيقَ المبدَأِ أو النَّامُوس الرُّوحيِّ الثَّالِث كما يُقدِّمُهُ بُولُس، والذي يُعطِي الخاطِئَ المُبَرَّر الدِّيناميكيَّةَ لطاعَةِ نامُوسِ اللهِ وللتَّغلُّبِ على نامُوسِ الخَطيَّةِ والمَوت.

إنَّ مبدَأَ أو نامُوسَ الذِّهنيَّة هُوَ بِبساطَةٍ الخَيَارُ الواعِي الذي لدينا لنُطَبِّقَ المبدأَ الرُّوحِيَّ الثَّالِثَ للرَّسُول بُولُس. على خِلافِ عالِمِ النَّفس الذي ليسَ لدَيهِ أيَّةُ دِينامِيكيَّة يُقَدِّمُها لأُولئكَ الذينَ الجِدار الذي يجعَلُهُم مُتَقَلقِلي الرَّأي وأشقِياء، يُقدِّمُ بُولُس نامُوسَ رُوحِ الحَياة في المسيح يسُوع، الذي بإمكانِهِ التَّغلُّب على نامُوسِ الخَطيَّةِ والمَوت.

إقرأُوا هذه الأعداد مُجدَّداً، وبينما تفعَلُونَ هذا، لاحِظُوا أنَّهُ يُشَدِّدُ على الحقيقَةِ المُطلَقَة أنَّهُ بِدُونِ دينامِيكيَّة رُوحِ الله، ليسَ فقط أنَّنا لا نستَطيعُ أن نربَحَ المعرَكَةَ معَ الخطيَّة؛ فإذا لم يَكُن لدَينا الرُّوح القُدُس، فنحنُ حتَّى لا ننتَمي للمسيحِ ولا لِله. ولكن إن كُنَّا ننتَمِي للمسيحِ، سيكُونُ لَدَينا الرُّوح، وسيَكُونُ لدَينا الوعدُ بأنّهُ سيُعطِي حياةً لأجسادِنا المائِتَة:

"وأمَّا أنتُم فَلَستُم في الجَسد بَل في الرُّوح، إن كانَ رُوحُ اللهِ ساكِناً فيكُم. ولكن إن كانَ أحَدٌ ليسَ لهُ رُوحُ المسيح فذلكَ ليسَ لهُ. وإن كانَ المسيحُ فيكُم فالجَسَدُ مَيِّتٌ بِسَبَبِ الخَطيَّة، وأمَّا الرُّوحُ فحياةٌ بِسَبَبِ البِرّ. وإن كانَ رُوحُ الذي أقامَ يسُوعَ منَ الأمواتِ ساكِناً فيكُم، فالذي أقامَ المسيحَ منَ الأمواتِ سيُحيِي أجسادَكُم المائِتَة أيضاً بِرُوحِه السَّاكِن فيكُم." (رُومية 8: 9- 11)

إنَّهُ يُوجِزُ ما كان قد كتَبَهُ عن مبادِئِهِ أو نوامِيسِه الرُّوحيَّة الأربَعة بهذه الأعداد: "فإذاً أيُّها الإخوة نحنُ مَديُونُونَ لَيسَ لِلجَسَد لِنَعيشَ حسبَ الجَسَد. لأنَّهُ إن عِشتُم حسبَ الجَسَد فسَتَمُوتُون. ولكن إن كُنتُم بالرُّوحِ تُمِيتُونَ أعمالَ الجَسد فسَتَحيَون. (12، 13).


التَّطبيقُ الشَّخصِيّ: أينَ أنتَ؟

ما أوضَحتُهُ بإستِعاراتِ هذه الدَّوائِر، هُوَ الرِّسالَةُ الجَوهَريَّة منَ الإصحاحِ السَّادِس، السَّابِع، والأعداد الثلاثَة عشر الأُولى منَ الإصحاحِ الثَّامِن من هذه التُّحفَة اللاهُوتيَّة. في أيٍّ من هاتَينِ الدَّائِرَتَين تِجدُ نفسَكَ؟ هل تَجِدُ نفسَكَ في الدَّائِرَةِ التي تُشيرُ إلى الحقيقَةِ التي يُعَلِّمُ بها بُولُس في الإصحاحِ السَّادِس؟ وهل أنتَ خالٍ من أيَّةِ علاماتٍ إيجابِيَّة في ذهنِيَّتِكَ؟ إن كانَ هذا هُوَ المكانُ الذي تَقِفُ فيهِ، تحتاجُ أن تسمَعَ وتفهَمَ وتُؤمِنَ بالإنجيل الذي أعلنَهُ بُولُس صراحَةً في رُوما، والذي يُقَدِّمُهُ بجمالٍ وتنظِيمٍ وشُمُولِيَّة في هذه التُّحفَة اللاهُوتيَّة.

هل تَجِدُ نفسَكَ في تلكَ الدَّائِرَة التي تحتَوي على علاماتٍ إيجابيَّة وسَلبِيَّة معاً؟ عندَها عليكَ أن تتَحرَّكَ إلى الدَّائِرَة التي تحتَوي فقط على علاماتٍ إيجابِيَّة. بكلماتٍ أُخرى، إن كُنتَ لا  تُريدُ أن تَكُونَ ذلكَ الإنسان الشَّقِيّ، عليكَ أن تَجِدَ نفسَكَ والحلَّ لِشقاوَتِكَ، بالإنتِقالِ إختِبارِيَّاً من الإصحاحِ السَّابِع إلى الإصحاحِ الثَّامِن من هذه الرِّسالَة.

  • عدد الزيارات: 6727