رُومية الإصحاح الثَّامِن: الإنتِصار!
مبدآانِ رُوحِيَّانِ إضافِيَّان لِبُولُس الرَّسُول
إذ ننتَقِلُ منَ الإصحاحِ السَّابِع إلى الإصحاحِ الثَّامِن من هذه الرِّسالَة، أُذَكِّرُكُم أنَّهُ عندما كتبَ بُولُس هذه الرِّسالَة، لم تَكُنْ مُقَسَّمَةً إلى إصحاحاتٍ وأعداد. غالِباً ما تَحدُثُ تقسيماتُ الإصحاحاتِ في مُنتَصَفِ تصريحٍ عميق، وهذه هي الحالُ هُنا حيثُ يكتُبُ بُولُس وحيثُ يُقاطِعُ تقسيمُ الإصحاحِ المَنطِقَ المُوحَى بهِ لما كانَ يُعَلِّمُهُ بُولُس.
لاحِظُوا وُجُودَ الكلمة المُهِمَّة "إذاً" في بدايَةِ الإصحاحِ الثَّامِن من هذه التُّحفَة اللاهُوتيَّة. عندما تُفَكِّرُونَ بِسَبَبِ وُجُودِ هذه الكلمة هُناك، عليكُم أن تُدرِكُوا أنَّ هذه الكلمة تَربِطُ بين ما كانَ بُولُس على وشَكِ أن يُعَلِّمَهُ في الإصحاحِ الثَّامِن، معَ ما كانَ يُعَلِّمُهُ سابِقاً. منَ الواضِحِ أنَّ التَّعليمَ الذي سيُقدِّمُهُ في الإصحاحِ الثَّامِن سيُتابِعُ ما قدَّمَهُ سابِقاً في الإسِتعاراتِ التي بدأَ بها الإصحاحَ السَّابِع، بِطَريقَةٍ شفَّافَةٍ صادِقَة، يفسَحُ لنا المجال للنَّظَرِ إلى دفتَرِ يومِيَّاتِهِ الرُّوحيَّة بِخُصُوصِ صراعاتِهِ الشَّخصِيَة معَ الخَطيَّة، الأمرُ الذي جاءَ لاحِقاً لهذه الإستِعارات خاصَّةً الكَلِماتِ الأخيرة التي كانَ يكتُبُها عندما بدأَ الإصحاح 8.
أيضاً فَتِّشُوا عنِ المبدأين الرُّوحِيَّين الثَّالِث والرَّابِع، من خلالِ سماحِ بُولُس لنا قراءَةَ المزيد من دفتر يوميَّاتِهِ الرُّوحيَّة: "إذاً لا شَيءَ من الدَّينُونَةِ الآن على الذي هُم في المسيح يسُوع، السَّالِكِينَ ليسَ حسبَ الجَسد بَل حسبَ الرُّوح. لأنَّ نامُوسَ رُوحِ الحياة في المسيح يَسُوع قد أعتَقَني من نامُوسِ الخَطيَّةِ والمَوت. لأنَّهُ ما كانَ النَّامُوسُ عاجِزاً عنهُ فيما كانَ ضَعيفاً بالجَسد، فاللهُ إذ أرسَلَ إبنَهُ في شِبهِ جسدِ الخَطيَّة، دان الخَطيَّةَ في الجَسد. لِكَي يَتِمَّ حُكمُ النَّامُوسِ فينا نحنُ السَّالِكِينَ ليسَ حسبَ الجَسد، بل حَسَبَ الرُّوح.
"فإنَّ الذينَ هُم حَسَبَ الجَسَد فَبِما لِلجَسَدِ يَهتَمُّونَ، ولكنَّ الذين هُم حَسَبَ الرُّوح فَبِما لِلرُّوحِ. لأنَّ إهتِمامَ الجَسَدِ هُوَ موتٌ ولكنَّ إهتِمامَ الرُّوحِ هُوَ حَياةٌ وسَلام. لأنَّ إهتِمامَ الجَسَد هُوَ عَداوَةٌ لله إذ لَيسَ هُوَ خاضِعاً لنامُوسِ اللهِ لأنَّهُ أيضاً لا يَستَطيعُ. فالذينَ هُم في الجَسَد لا يَستَطيعُونَ أن يُرضُوا اللهَ.
"وأمَّا أنتُم فَلَستُم في الجَسَد بَلْ في الرُّوح إن كانَ رُوحُ اللهِ ساكِناً فيكُم. ولكن إن كانَ أحدٌ ليسَ لهُ رُوحُ المسيح فذلكَ ليسَ لهُ. وإن كانَ المَسيحُ فيكُم فالجَسَدُ مَيِّتٌ بِسَبَبِ الخَطيَّة، وأمَّا الرُّوحُ فَحياةٌ بِسَبَبِ البِرّ. وإن كانَ رُوحُ الذي أقامَ يسُوعَ من الأمواتِ ساكِناً فيكُم، فالذي أقامَ المسيحَ من الأموات سُيحيِي أجسادَكُم المائِتَة أيضاً بِرُوحِهِ السَّاكِن فيكُم.
"فإذاً أيُّها الإخوة نحنُ مَديُونُونَ لَيسَ لِلجَسَد لِنَعيشَ حَسَبَ الجَسَد. لأنَّهُ إن عِشتُم حسبَ الجَسد فسَتَمُوتُون. ولكن إن كُنتُم بالرُّوحِ تُمِيتُونَ أعمالَ الجَسدَ فسَتَحيَون." (رُومية 8: 1- 13)
المبدأُ الرُّوحِيُّ الثَّالِث: نامُوس رُوح الحَياة في المسيحِ يسُوع
هُناكَ ثلاثُ حقائِق هامَّة في الجُملَةِ الإفتِتاحِيَّة منَ هذا الإصحاحِ الثَّامِن. فإذا رَجَعنا إلى ما بدأَ بُولُس بتعليمِهِ في العددِ السَّابِع عشَر منَ الإصحاحِ الأوَّل، فإنَّ كلمة "إذاً" تُقَدِّمُ للخُلاصةِ التي تَقُولُ بأنَّهُ لا دَينُونَة الآن على الذِينَ هُم في المسيحِ يسُوع، السَّالِكِينَ ليسَ بِحَسَبِ طبيعَتِهِم البَشَريَّة، بِدُونِ مُساعَدَةٍ منَ الله، بل بِحَسَبِ الرُّوح. لقد علَّمَ كُلٌّ من يسُوع وبُولُس أنَّ الذين لا يُؤمِنُونَ سيُدانُونَ لأنَّهُم لم يُؤمِنُوا (يُوحَنَّا 3: 18). وعَلَّما كِلاهُما أيضاً أنَّ الإيمان – بِعَمَلِ إبنِ اللهِ المُتَمَّم من أجلِ الخلاص – يُزيلُ الدَّينُونَةَ الأبديَّة.
سيُظهِرُ بُولُس لاحِقاً في هذا الإصحاح أنَّ المسيحَ الحَيَّ المُقام لا يَدينُنا عندما نفشَلُ أو نُقَصِّرُ عن مِقياسِ تمجيدِ اللهِ في كُلِّ فكرَةٍ، كَلِمَةٍ، أو عمَل. إنَّهُ أبانا السَّماوِيّ الكامِل، ونقرأُ أنَّهُ مثل كُلّ أب صالِح، يُشفِقُ على أولادِهِ ويذكُرُ أنَّنا تُرابٌ (مزمُور 103: 14).
هل بإمكانِكُم أن تَتَصَوَّرُوا أباً أرضِيَّاً يُعَلِّمُ طفلَهُ المَشِي، وهُوَ ينتَهِرُ أو حتَّى يُعاقِبُ طفلَهُ عندَما يتعثَّرُ أو يسقُطُ خلالَ تعلُّمِهِ المَشي؟ لقد قامَ يسُوعُ بهذه المُقارَنة نفسِها عندما علَّمَ أنَّنا إذا تَعَلَّمنا كيفَ نُعطي أشياءَ صالِحَة لأطفالِنا، فعلينا أن نُدرِكَ أنَّ أبانا السَّماوِيّ سيُعطينا حتماً الرُّوحَ القُدُس وعلاقَةً معَ إلهِنا، عندما نطلُبُ منهُ ذلكَ (لُوقا 11: 11- 13). فهكذا آبٌ سماوِيٌّ صالِح لن يدينَنا عندَما نسقُط.
يُعَلِّمُ بُولُس حقيقَةً ثانِيَةً هامَّة عندما يُوافِقُ معَ قولِ يعقُوب أنَّ "الإيمان يعمَل" و "الإيمان يمشِي." (يعقُوب 2: 14- 26). فالإيمانُ وحدهُ يستَطيعُ أن يُخَلِّص، ولكنَّ الإيمانَ الذي يُخَلِّص لا يبقى وحدَهُ أبداً. وأُولئكَ الذين لن يُدانُوا لأنَّهُم مُتَبَرِّرُونَ بالإيمان، يُصادِقُونَ على إيمانِهِم بإظهارِ كَونِهِم لا يَسيرُونَ بِحَسَبِ الجَسَد بَل بِحَسَبِ الرُّوح. هُناكَ فرقٌ بينَ السُّلُوكِ بِحَسَبِ الجَسد وبينَ كَونِ الإنسان في الجَسد. فالسُّلُوك بِحَسَبِ الجَسد هُوَ خَيَارٌ قد يتَّخِذُهُ أشخاصٌ رُوحِيُّون. أمَّا كَونُ الإنسان في الجَسَد فهُوَ حالَةُ الإنسان غير الرُّوحِيّ أو الطَّبِيعيّ، بِدُونِ أيَّةِ علاقَةٍ معَ الله، والذي لا يَستَطيعُ أن يفهَمَ الأُمُورَ الرُّوحِيَّة (1كُورنثُوس 2: 14).
حقيقَةٌ ثالِثَة يُعَلِّمُها بُولُس في هذا التّصريح الإفتِتاحِيّ نَجِدُها في هاتَينِ الكَلِمَتَينِ اللَّتَينِ يستخدِمُهُما بُولُس حوالي مائَتي مرَّة في العهدِ الجديد. إحدَى الطُّرُق المُفضَّلَة عندَ بُولُس لوصفِ الخُطاة المُبَرَّرِين الذين إكتَشَفُوا هذا المبدأ الرُّوحِيّ الثَّالِث، هُو بالقَول أنَّهُم "في المسيح." بهذا التَّحديد يقصُدُ بُولُس أنَّهُم في المسيح، كما يَكُونُ الغُصنُ في الكَرمة، أو ثابِتاً في الكرمة، التي منها تَستَمِدُّ الحياةَ التي تُمَكِّنُ هذه الأغصان منَ الإِثمَار (يُوحَنَّا 15: 1- 16).
ثُمَّ يُقدِّمُ بُولُس مبدَأَهُ الرُّوحِيَّ الثَّالِث، عندما يكتُبُ قائِلاً: "نامُوس رُوح الحياة في المسيح يسُوع قد أعتَقَني من نامُوسِ الخَطِيَّةِ والمَوت." عندما يُخبِرُنا ماذا بإمكانِ هذا المبدأ أن يعمَلَ، يرجِعُ إلى مبدَئِهِ الثَّانِي، وهذه المرَّة يُضيفُ كَلِمَتَينِ على ذلكَ المبدأ. يُسَمِّيهِ "نامُوس الخَطيَّة والمَوت." يَربِطُ هذا الأمرُ بينَ مبادِئ بُولُس الرُّوحيَّة الأربَعة، وبينَ الفاتِحينَ الأربَعة الذينَ قدَّمَهُم في الإصحاحِ الخامِس. أتَذكُرُونَ الملك خَطِيَّة والمَلِك مَوت؟ فعاقِبَةُ المَوتِ دائماً تتبَعُ الخَطيَّة.
وتماماً كما كانَ الفاتِحَانِ الأوَّلانِ يُمَثِّلانِ الأخبارَ السَّيِّئة، والفاتِح الثَّالِث والرَّابِع يُمَثِّلانِ الأخبارَ السَّارَّة، هكذا أيضاً المبدآانِ الرُّوحِيَّانَ الأوَّلانِ يُمَثِّلانِ الأخبارَ السَّيِّئَة، والمبدأ الثَّالِث والرَّابِع يُمَثِّلانِ الأخبارَ السَّارَّة. الأخبارُ السَّارَّةُ عن هذا المبدأ أو النَّامُوس الرُّوحِيّ الثَّالِث هي أنَّهُ يُحَرِّرُنا من نامُوسِ الخَطِيَّةِ والمَوت. تَصَوَّرْ طائِرَةً تجارِيَّةً ضخمَة تهدُرُ على مَدرَجِ الإقلاع إلى أن تَصِلَ إلى السُّرعَةِ الكافِيَة فتُقلِعُ عنِ المَدرَجِ مُرتَفِعَةً كالمَصعَد، حامِلَةً على متنِها حوالي 375 راكِباً وعدَّة أطنان منَ الحقائِب والمعدَّات، ثُمَّ تُحَلِّقُ إلى إرتِفاعٍ يُناهِزُ العشرَة آلاف مِتراً.
ذاتَ مَرَّة، كُنتُ أُلقِي عِظَةً عن المبدأ الرُّوحِيّ الثَّالِث، وإستَخدَمتُ هذا الإيضاح. وإعتَرَفتُ أنَّني لم تَكُنْ لدَيَّ أيَّة فكرة عن كيفَ ترتَفِعُ الطَّائِرَةُ النَّفَّاثَةُ في السَّماء، رُغمَ أنَّني سافَرتُ فيها عدَّةَ مرَّاتٍ. فجاءَ بروفسور في الفيزياء، وكانَ رَجُلاً تقيَّاً وقد سَمِعَ عِظَتي، وشرَحَ لي لاحِقاً بكُلِّ أناةٍ كيفَ يحدُثُ هذا الأمر.
كانَ تفسيرُهُ يعني أنَّهُ عندما تهدُرُ الطَّائِرَةُ الضَّخمَةُ على مدرَجِ المطار، يدفَعُها زُخمُ مُحَرِّكاتِها للُوصُولِ إلى سُرعَةٍ يتفوَّقُ معها قانُونُ الطَّيران النَّفَّاث المعروف بِ Aerodynamics، أي قانُون الدَّفع النَّفَّاث على قانُونِ الجاذِبيَّة. وعندما يتفوَّقُ قانُونُ الدَّفعِ النَّفَّاث على قانونِ الجاذِبيَّة، ترتَفِعُ الطَّائِرَةُ في السَّماءِ وتُحَلِّقُ إلى إرتِفاعِ عشرة آلاف متراً، وتجتازُ آلافَ الكِيلومترات، إلى أن تَصِلَ إلى غايَتِها المَنشُودة.
الآن تأمَّلُوا بهذا المبدأِ أو النَّامُوسِ الرُّوحِيِّ الثَّانِي، نامُوس الخَطيَّة والمَوت، وأنظُرُوا إليهِ على أساس أنَّهُ قانُونُ "الجاذِبيَّة الرُّوحِيّة،" الذي يشُدُّ بنا إلى أسفَل، ولا يسمَحُ لنا بالتَّحليقِ رُوحيَّاً. عندَما يُقَدِّمُ بُولُس مبدأَهُ الرُّوحيّ الثَّالِث، يكتُبُ قائِلاً أنَّ نامُوسَ رُوحِ الحياةِ في المسيح يسُوع هُوَ أشبَهُ بقانُونِ الدَّفعِ النَّفَّاث رُوحيَّاً، الذي يَرفَعُنا ويجعَلُنا نُحَلِّقُ فوقَ سُلطَةِ وعواقِبِ نامُوسِ الخَطيَّةِ والمَوت.
الأخبارُ السَّارَّةُ من هذا المبدأ أوِ النَّامُوسِ الرُّوحيِّ الثَّالِث، تُشَكِّلُ جزءاً من العهدِ الجديد منذُ كتابَتِهِ. ألا يتوجَّبُ علينا إذاً أن نتوقَّعَ من كُلِّ المُؤمنينَ المُبَرَّرِينَ أن يُحَلِّقُوا فوقَ نامُوس ِوعواقِبِ الخطيَّة؟ ما هُوَ الإختبارُ الواقِعيُّ للكَثيرِ منَ الخُطاةِ الذين تبرَّرُوا بالإيمانِ ويُواظِبُونَ على حُضُورِ كنائِسِنا؟
إستِناداً إلى مُلاحَظاتِ شخصٍ إستَمَرَّ في خدمَةِ رعايَةِ الكنائِس كَقَسِّيسٍ لأكثَرِ من نِصفِ قَرن، أنا مُقتَنِعٌ أنَّ الجوابَ الصَّادِق والبَسيط على هذا السُّؤال هُوَ أنَّ الكثيرِينَ منَّا، في مُعظَمِ الأحيان، نُشبِهُ طائِرَةً ضخمَةً تقبَعُ على مَدرَجِ مَطارِ الحياة، وهِي مُزَوَّدَةٌ بمُحَرِّكاتٍ ضَخمَة قادِرة على حَملِها وجعلِها تتغلَّبُ على قانُونِ الجاذِبيَّة الرُّوحيَّة، ولكنَّ هذه الطَّائِرَة تبقَى تهدُرُ وتهدُرُ وتهدُرُ بِضَجيجٍ عالٍ لعشرينَ، ثلاثِينَ، أربَعين عاماً، أو لنهايَةِ حياتِنا، بدُونِ أن ترتَفِعَ قَيدَ أُنمُلَةٍ واحِدَةٍ عنِ المدرَج! فلماذا نحنُ لا نُحَلِّقُ فوقَ كُلِّ ما هُوَ مُمَثَّلٌ بنامُوسِ الخَطيَّةِ و المَوت، رُغمَ كَونِ كِلفَةِ التَّحليق الباهِظَة قد سُدِّدَ ثَمنُها بالكامِل؟
المبدأُ الرُّوحِيُّ الرَّابِع: مبدأُ "الذّهنيَّة" أو طريقَةِ التَّفكير
نحنُ بِبَساطَةٍ لا نعرِفُ كيفَ نُطَبِّقُ نعمَةَ الله – أو هذا المبدأ الرُّوحيّ الثَّالِث، إن كُنَّا لا نفهَمُ المبدأَ الرُّوحِيَّ الرَّابِع الذي وضَعَهُ هذا الرَّسُولُ العَظيم. فَتِّشُوا عن هذا المبدأ الرُّوحِيّ الرَّابِع بينما تقرَأُونَ هذه الأعداد مُجَدَّداً: "فإنَّ الذين هُم حَسَبَ الجَسَد فَبِما لِلجَسَدِ يَهتَمُّون، ولكنَّ الذينَ حَسَبَ الرُّوح فَبِما لِلرُّوح. لأنَّ إهتِمامَ الجَسَد هُوَ مَوتٌ ولكنَّ إهتمامَ الرُّوح هوَ حياةٌ وسلام. لأنَّ إهتِمامَ الجَسَد هُوَ عَداوَةٌ لله، إذ ليسَ هُوَ خاضِعاً لِنامُوسِ الله لأنَّهُ أيضاً لا يَستَطيع. فالذين هُم في الجَسَد لا يَستَطيعُونَ أن يُرضُوا الله." (رُومية 7: 5- 8).
مَفهُوم الذِّهنيَّة، أو طريقَة التَّفكير، بالِغُ الأهمِّيَّةِ بالنِّسبَةِ للأبطالِ الرِّياضِيِّين وللفِرَق الرِّياضِيَّة. فغالِباً ما تفشَلُ أفضَلُ الفِرَق الرِّياضِيَّة بالفَوزِ بكأسِ الألعابِ الأولمبيَّة الذَّهبِيّ. الفِرَقُ التي تَفُوزُ أو الأفرادُ الذين يَفُوزُون، هُم أولئكَ الذين يتمتَّعُونَ بأفضَلِ ذِهنِيَّة.
الدِّبلُوماسِيُّون الذين لدَيهم تحدِّياتٍ صَعبة يُواجِهُونَها، من تجنُّبِ الحَرب بإقناعِ القُوَى العُظمى بأنَّ السَّلامَ أفضَلُ من الحَرب، عليهِم أن يُطَوِّرُوا ذهنِيَّةً صَحيحَة قبلَ أن يدخُلُوا في مُفاوضاتِهِم الصَّعبَة. مُدراءُ المَبيعات، الأطِبَّاءُ الذين يُجرُونَ عمليَّاتٍ جِراحِيَّة تُقَرِّرُ مَوتَ أو حياة المريض، وآخرُونَ ينتَمُونَ لكُلِّ مهنَةٍ أو تِجارَةٍ أو عمَلٍ، ويسلُكُونَ في الحياةِ، ينبَغي أن يَكُونَ لدَيهِم ذهنِيَّة صَحيحَة لكَي ينجَحُوا.
بالتَّأكِيد، مهما كانت الذِّهنيَّة أو طريقَة التَّفكير عمليَّةً لِلغايَة، ولكن ليسَ لها مكانٌ في إنتِصارِنا على الخَطيَّة – أم يا تُرى سيَكُونُ لها مكانٌ؟ في المقطَعِ الذي إقتَبَسنا منهُ أعلاهُ، بينما يُخبِرُنا عنِ المبدأ الرُّوحِيّ الرَّابِع، الذي هُوَ الجزءُ الخَطِر من إنتِصارِنا على سُلطَةِ الخطيَّة، يُشيرُ بُولُس خمسَ مرَّاتٍ إلى الذهنيَّة أو طريقَةِ التَّفكير.
هل أعلَنَ نامُوسُ اللهِ نامُوسَ الخَطيَّة في حياتِكَ؟ وهل إكتَشَفتَ الأخبارَ السَّارَّة المُعجِزيَّة عن نامُوسِ رُوحِ الحياة في المسيح يسُوع؟ وهل تُحَلِّقُ فوقَ سُلطَةِ الخطيَّة؟ وهل تنتَصِرُ على قانُون "الجاذِبيَّة الرُّوحيّ" بواسِطَةِ "قُوَّةَ الدَّفع النَّفَّاثَة الرُّوحِيَّة؟" أم أنَّكَ لا تزالُ تَتسابَقُ معَ "مُحَرِّكاتِ طيرانِكَ" الرُّوحِيَّة على مدرَجِ الحياة، بِدُونِ أن تتوصَّلَ إلى الإقلاعِ رُوحيَّاً؟ إن كانَ جوابُكَ على هذا السُّؤال هُوَ "نعم"، فأنتَ بِحاجَةٍ ماسَّةٍ إلى هذا المبدأ الرُّوحِيِّ الرَّابِع منَ الرَّسُول بُولُس: نامُوس الذِّهنيَّة.
بِحَسَبِ بُولُس، عندما يَكُونُ لدَينا نامُوس رُوح الحياة في المسيح يسُوع مُتَوفِّراً لنا، بسببِ كَونِ المسيحِ الحَيِّ المُقام يحيا فينا، يَكُونُ لدَينا خَيارَان: بإمكانِنا أن نختارَ أن نَحيا ونَسلُكَ بِحَسَبِ الجَسَد (أي طبيعتنا البَشَريَّة بِدُونِ مُساعَدَةِ الله)، أو بإمكانِنا أن نختارَ أن نحيا ونسلُك بِخُضُوعٍ لسَيطَرَةِ الرُّوحِ القُدُس (غلاطية 5: 16- 23).
كتبَ بُولُس يَقولُ لاحِقاً أنَّهُ ليسَ في الجَسدِ بل في الرُّوح، وأضافَ هذا التَّحذير: إن كانَ الرُّوحُ لا يسكُنُ فينا، لا نَكُونُ لهُ ولا نَكُونُ ننتَمِي لله. هذا ليسَ التَّعليمَ نفسَهُ كالعَيشِ بِحَسَبِ الجسد، والسُّلوك في الجَسَد، أو جعل الذِّهنيَّة بِحَسَبِ الجَسَد.
يقسِمُ بُولُس العائِلَة الإنسانِيَّة بِكامِلِها إلى مَجمُوعَتَين: الأشخاص الرُّوحِيِّين والأشخاص غير الرُّوحِيِّين. الشَّخصُ الذي لا يزالُ في الجَسد، هُوَ الإنسان غير الرُّوحِيّ أو الإنسان الطَّبيعيّ الذي يتكلَّمُ عنهُ بُولُس عندما يُخاطِبُ الكُورنثُوسِيِّين. بِحَسَبِ بُولُس، هذا الإنسان الطَّبيعيّ لا يَستطيعُ أن يستوعِبَ المفاهِيم الرُّوحيَّة؛ فهِيَ جهالَةٌ بالنِّسبَةِ لهُ، لأنَّ الأشخاصَ الرُّوحِيِّينَ وحدَهُم يستَطيعُون أن يَفهَمُوا الحقيقَةَ الرُّوحِيَّة (1كُورنُثُوس 2: 9- 16).
عندما يكتُبُ هذا الرَّسُولُ عن العيش بِحَسَبِ الجَسد، يقصُدُ شيئَاً مُختَلِفاً تماماً عمَّا يُعَلِّمُ بهِ عندما يستَخدِمُ العِبارَة "في الجَسَد." يُعلِنُ بُولُس هُنا أنَّ أُولئكَ الأشخاص الرُّوحِيِّين، الذين يختارُونَ بأن يَعِيشُوا بِحَسَبِ الجَسَد، يُرَكِّزُونَ أفكارَهُم على الجَسَد كخَيارٍ طَوعِيّ، وأُولئكَ الأشخاصُ الرُّوحِيُّون الذين يختارُونَ أن يعيشُوا بِحَسَبِ الرُّوح، يُرَكِّزُونَ أفكارَهُم على الرُّوح كخيارٍ طَوعِيٍّ عاقِلِ.
يُعلِنُ بُولُس أنَّهُ حتَّى الأشخاص الرُّوحِيِّين، الذي إتَّخَذُوا هذا الإلتِزام بأن يَكُونُوا أتباعَ المسيح، لا يَستَطيعُونَ أن يُرضُوا اللهَ عندما يعيشُونَ بِحَسَب ِالجَسَد. وهُوَ يُضيفُ أنَّ الأشخاصَ الرُّوحِيِّين سيكتَشِفُونَ أيضاً أنَّنا عندما نُرَكِّزُ أذهانَنا على الجَسد، سوف نجدُ أنَّ الخَطِيَّةَ دائماً تلقَى عقابَها أو أُجرتَها. وهذه الأُجرة هي تلكَ المائِدَة منَ العواقِب السَّلبِيَّة الوخيمة التي يصِفُها بكَونِها "المَوت." (رُومية 6: 23؛ 8: 2) ولا يَقصُدُ بُولُس بالمَوتِ المَوتَ الحَرفِيّ أو الأبديّ، بل المَوت بمعنَى الإنفِصال عنِ الله، والإنفِصال عن تلكَ النَّوعيَّة منَ الحياة التي تنتُجُ عن معرِفَةِ الله (يُوحَنَّا 17: 3).
الأشخاصُ الرُّوحِيُّون لدَيهم خَيارٌ لا يَملِكُهُ الأشخاصُ غَيرُ الرُّوحِيِّين. فأن نُرَكِّزَ ذِهنَنا على الرُّوح، يُؤَدِّي إلى حياةٍ رُوحيَّة – الأمرُ الذي يَصِفُهُ بُولُس بكَونِهِ "الحياة الفَيَّاضَة، أو حياة أفضَل." (يُوحَنَّا 10: 10). الرَّسُول يُوحَنَّا لَخَّصَ هذه الحقيقَة عندما كتبَ: "هذه هي الشَّهادَة: أنَّ اللهَ أعطانا حياةً أبديَّةً، وهذه الحياة هي في إبنهِ. الذي لهُ الإبن لهُ الحياة، والذي ليسَ لهُ إبنُ اللهِ ليسَت لهُ الحياة." (1يُوحَنَّا 5: 11، 12).
علَّمَ يسُوعُ أنَّهُ إن كانَ ذِهنُنا بَسيطاً، أو سَليماً، فجسَدُنا كُلُّهُ سيُكُونُ مُنيراً، ولكن إن لم يَكُنْ ذِهنُنا بَسيطاً، فجسدُنا كُلُّهُ سيَكُونُ مُظلِماً. بِحَسَبِ يسُوع، الفَرقُ بينَ الحياةِ المملُوءَة بالنُّور (أي السَّعادَة) وبينَ الحياة المملوءَة بالظُّلمَة (أي عدَم السَّعادَة)، يكمُنُ في الطَّريقَة التي ننظُرُ بها إلى الأُمُور (متَّى 6: 22، 23). لقد كانَ يسُوعُ يُصدِرُ تحذيراً صارِماً ضِدَّ ما يُمكِنُ تسمِيَتُهُ "الإنفِصام الرُّوحِيّ في الشَّخصِيَّة"، أو "الرُّؤية الرُّوحِيَّة المُزدَوِجَة." نقرأُ في يعقُوب 1: 8 أنَّ رَجُلاً ذُو رأيين هُوَ مُتَقَلقِلٌ في جَميعِ طُرُقِهِ، وهُوَ مُتَرَدِّد، مُشَكِّكٌ، لا يُعتَمَدُ عليهِ، وغير مُتأكِّد من كُلِّ ما يُفَكِّرُ بهِ، وما يشعُرُ بهِ وما يُقَرِّرُهُ. يُصدِرُ بُولُس هذا النَّوع نفسَهُ منَ التَّحذير في الإصحاحِ السَّادِس، السَّابِع والثَّامِن من رِسالَتِهِ إلى أهلِ رُومية.
يسُوع، بُولُس، وباقي الرُّسُول والأنبياء، وَصَفُوا هذه الذّهنيَّة الرُّوحيَّة غير السَّليمَة بعدَّةِ طُرُقٍ بَليغَة. النَّبِيُّ إيليَّا تحدَّى شعبَ اللهِ في زمانِهِ قائِلاً: "إلى متَى تُعَرِّجُونَ بينَ الفِرقَتَين؟ إن كانَ الرَّبُّ هُوَ الله فإتبَعُوه." (1ملُوك 18: 21).
ولقد سجَّلَ الرَّسُول يُوحَنَّا رِسالَةً مفتُوحَةً منَ المسيحِ الحَيِّ المُقام إلى كنيسةِ أَفَسُس. كانَ يأخُذُ الوحيُ بآخِرِ سفرٍ من أسفارِ العهدِ الجديد، منَ المسيح المُقام، بينما كانَ مَنفِيَّاً بِسَبَبِ إيمانِهِ على جَزيرَةِ بطمُس. وكانَ يَقُولُ جَوهَرُ الرِّسالَة: "كُنتُ أوَدُّكَ أن تَكُونَ حارَّاً. ولكن إن لمَ تَكُنْ حارَّاً، فكُنْ بارِداً. ومهما فعلتَ، لا تَكُنْ فاتِراً. فهذا يجعَلُني أشعُرُ بالغَثَيانِ في مِعدَتي، وبأن أرغَبَ بأن أتقيَّأَكَ من فَمي." (رُؤيا 3: 15- 16).
ولقد كانَ يعقُوب، إلى جانِبِ بُطرُس وبُولُس، واحداً من عُظماءِ القادَة في الجيلِ الأوَّل من كنيسةِ العَهدِ الجَديد، ولقد علَّمَ المُؤمنينَ أن يطلُبُوا الحِكمَةَ منَ اللهِ عندما يَصِلُونَ إلى مرحَلَةٍ لا يعلَمُون فيها ماذا يفعَلُون. وكجزءٍ حيويٍّ من ذلكَ التَّحريض، شَجَّعَهُم يعقُوب، كما يُشَجِّعُنا نحنُ اليوم، على أن لا نتقلَّبَ بإيمانِنا، عندما يطلُبُونَ حِكمَةً منَ الله. فلا يُفتَرَضُ بنا أن نَكُونَ كمَوجِ البَحر، حيثُ تتقاذَفُنا الأمواجُ يمنَةً ويَسرَة. ولقد أسمى هذه المُشكلة التي تكلَّمَ عنها يسُوع وبُولُس وإيليَّا ويُوحَنَّا، بِقولِهِ: "رَجُلٌ ذُو رأيين، هُوَ مُتَقَلقِلٌ في جميعِ طُرُقِهِ."
التَّطبيقُ الشَّخصِيّ
سَمِعتُ مرَّةً عالِمَ نَفسٍ عِلمانِيّ يُسمِّي هذه المُشكِلَة، "أقسامُ المنطِق الضَّيِّقَة". فهُوَ يقُولُ لنا أن ننظُرَ إلى عُقُولِنا وكأنَّها حلقَة. في داخِلِ هذه الحلقَة لدَينا فِكرَة، التي هي فِكرَة إيجاِبيَّة، كأن أقُول: لَدَيَّ إيمانٌ، ولن أقلَقَ بِشأنِ أيِّ أمر. ثُمَّ لدينا فِكرة أُخرى، التي هي صِراعٌ مُباشَر معَ فِكرَتِنا الأُولى. عندما تتصادَمُ هاتانِ الفِكرتانِ في عُقُولِنا، تُسَبِّبانِ قَرحَةً في المِعدَة، وإرتِفاعاً في ضَغطِ الدَّم، بالإضافَةِ إلى مشاكِلَ صِحِّيَّة أُخرى، التي تُواجِهُنا معَ الحقيقَةِ التي لن نتمكَّنَ من إنكارِها، وهي أنَّنا قَلِقُونَ لا بل أنَّنا نتراكَضُ بِهَلَعٍ وخوف!
لِكَي نَعيشَ معَ هذه الأفكارِ المُتناقِضَة، نبني جداراً خَيالِيَّاً في وسطِ عُقُولِنا، ونعِزلُ هذه الأفكار في قِسمَين ضَيِّقَين منَ المَنطِق. وبينما نقلَقُ، لا نَسمَحُ لِنُفُوسِنا بأن نُفَكِّرَ بأنَّهُ لدينا إيمان. بل نَقُولُ لِنُفُوسِنا ولجميعِ الآخرين أنَّنا لا نَقلَقُ حيالَ أيِّ أمرٍ، لأنَّ لدينا إيمانٌ.
عندما نُؤَكِّدُ إيمانَنا ونَقُولُ لِنُفُوسِنا أنَّنا لا نَقلَقُ حيالَ أيِّ أمر، لا نَسمَحُ لفِكرَةِ إعتِرافِنا بأنَّ لدينا أعراض جسديَّة مَرَضِيَّة، الأمرُ الذي يجعُلُ نُكرانَ هذا القَلق مُستَحيلاً علينا. عندَها، يُمكِنُ لعَقلِنا بأن يُشارَ إليهِ بحلَقَةٍ معَ إشاراتٍ سَلبِيَّة وإيجابِيَّة، مُنفَصِلَة كُلٌّ منها عن الأُخرى بخَطٍّ صَغير – أي ذاكَ الجدار الخَيالِيّ في عُقُولِنا – الذي نرسُمُهُ وسطَ تلكَ الدَّائِرَة.
ويُضيفُ هذا البروفسُّور أنَّ كُلَّ فِكرَةٍ لدَينا تمُرُّ عبرَ خزَّاناتِ الذَّاكِرَة اللاواعِيَة، وتخلُقُ مُستَودَعاً منَ النِّزاع والصِّراع، الذي عادَةً ما يتسبَّبُ بعوارِضَ جسديَّة، التي هي بالتَّحديد رسائِل يُوجِّهُها عقلُنا اللاواعِي إلى عَقلِنا الواعي، بأنَّهُ منَ الأفضَل لنا أن نَجِدَ حلُولاً لهذه المشاكِل.
ثُمَ يُشَجِّعُ أُولئكَ الذين كانُوا يتدرَّبُونَ ليُصبِحُوا مُرشِدِين ليُزِيلُوا بِعنايَةٍ ذلكَ الجدار الخَيالِيّ الذي كانَ يفصِلُ ويعزِلُ الأفكارَ المُتضارِبَة عندَ الذين كانُوا يُقدِّمُونَ لهُم الإرشاد. ويُحَذِّرُهُم من أنَّ الاشخاصَ المُتَدَيِّين يحتاجُونَ إلى هذا النَّوع منَ الإرشادِ والمُعالَجة، أكثَر من أيِّ شَخصٍ آخر، لأنَّ الكَثرينَ منهُم لدَيهِم تعايير سامِيَة جدَّاً وغير واقِعيَّة عنِ الإستِقامَةِ، التي لا يَقدِرُونَ على العَيشِ عَلى مُستَواها في حياتِهِم اليَوميَّة. ويختُمُ مُحاضَرَتَهُ بإعلانٍ أنَّ أُولئكَ الذينَ يُعَلِّمُونَ تلكَ المُطلَقاتِ الأخلاقِيَّة، يجعَلُونَ الناس مرضَى عقلِيَّاً.
علَّمَ يسُوعُ أنَّ كَلِمَةَ اللهِ هي حَقٌّ، وأنَّنا علينا أن نقرَأَ كلِمَةَ اللهِ باحِثينَ عنِ الحَقّ. وعلاوَةً على ذلكَ، علينا أن نتَّخِذَ الإلتزام بأنَّنا عندما نَكتَشِفُ الحقّ في كَلِمَةِ الله، سنُطَبِّقُ هذا الحقّ على حَياتِنا الشَّخصِيَّة (يُوحَنَّا 17: 17؛ 7: 17؛ 13: 17). هذه النَّظرَة التي عبَّرَ عنها الرَّبُّ يسُوع، شكَّلَت وصاغَت كُلِّيَّاً وجذرِيَّاً نظرَتي إلى كلمةِ الله. لقد إكتَشَفتُ – وسوفَ تكتَشِفُونَ أنتُم أيضاً – أنَّ هذه هي الطَّريقَة لنُبرهِنَ أنَّ كَلِمَةَ اللهِ هي مُوحاةٌ.
علَّمَ يسُوعُ أيضاً أنَّ كَلِمَتَهُ هي مثل الخمر الذي لم يختَمِرْ بعد. ولقد حذَّرَ من أنَّهُ إذا سُكِبَ خَمرُ تعليمِهِ في قِربَةٍ جِلديَّةٍ قديمَة، وتخمَّرَ هذا الخمرُ، فسوفَ يتمدَّدُ ويُشكِّلُ ضغطاً كبيراً على جِلدِ القِربَة. وإذا لم يتحمَّلْ جلدُ القِربَةِ ضغطَ الخمرِ المُتخمِّر، فإنَّ هذه القِربَة سوفَ تتمدَّدُ وتنفَجِر. هذا سيَعني أيضاً أنَّ النَّبِيذ سوفَ يُتلَفُ ويضيع (لُوقا 5: 37، 38).
كانَ يَسُوعُ يُحَذِّرُ أُولئكَ الذين سَمِعُوا تعليمَهُ من أنَّهُ إذا لم يقبَلُوا كَلِمَةَ اللهِ معَ الإلتِزامِ بتطبيقِ وطاعَةِ الحقّ الذي كانَ يُعلِّمُهُ، فإنَّ كلِمَتَهُ سوفَ تُدَمِّرُ عقُولَهُم. لقد شارَكتُ هذا المَثَل الذي قدَّمَهُ يسُوعُ، معَ بروفسُّور علم النَّفس. فكانَ جَوابُهُ، "هل تُخبِرُونَ النَّاسَ في كَنائِسِكُم عمَّا علَّمَهُ يسُوعُ في هذا المَثَل؟" فأكَّدتُ لهُ أنَّ هذا هُوَ ما نفعَلُهُ. لقد شارَكتُ هذا المَثل ليسُوع لحوالي عشرة عقُود منَ الزَّمن، وليسَ فقط في كنيستِي، بل وأيضاً معَ عدَّةِ عُلماءِ نفسٍ يُؤمِنُونَ أنَّ أُولئكَ الذين يُعَلِّمُونَ كلمَةَ اللهِ، يجعَلُونَ النَّاسَ مرضَى نفسِيَّاً.
خلالَ إكتِشاف وطاعَة الحقّ الذي إكتشَفتُهُ في كَلِمَةِ اللهِ منذُ 1949، إستَنتَجتُ أنَّ الكتابَ المُقدَّس هُوَ بِجُملَتِهِ حقٌّ مُطلَق. ولكن، هُناكَ حقٌّ مُعلَن وحقٌّ مُكتَشَف. عندما يرى المُرشِدُونَ، القُضاةُ، الأطِبَّاء وآخرُونَ، عندما يَرونَ المئات منَ النَّاس في عَمَلِهِم، يكتَشِفُونَ الحَقَّ في حياةِ هؤُلاء الذين يلتَقُونَ بهِم في عملِهِم، سوفَ يكتَشِفُونَ أنَّ الكِتابَ المُقدَّس أخبَرَ مُسبَقاً بما إكتَشَفُوهُ، وأنَّ الكِتابَ المُقدَّس عَبَّرَ عن ذلكَ بطريقَةٍ أفضَل. بإمكانِنا القَول أنَّ الكتابَ المُقدَّس صحيحٌ لأنَّهُ مُوحَىً بهِ. بإمكانِنا أيضاً القَول أنَّ الكتابَ المُقدَّس مُوحىً بهِ لأنَّ الحقَّ الذي نَجِدُهُ فيهِ هَوَ حقٌّ مُطلَق.
- عدد الزيارات: 9723