Skip to main content

الفصلُ الخامِس "أعظَم عِظة من عِظاتِ يسُوع" - التطويبات: مُلاحظاتٌ عامَّة

الصفحة 4 من 12: التطويبات: مُلاحظاتٌ عامَّة

التطويبات: مُلاحظاتٌ عامَّة

تُشكِّلُ التطويبات الثمانِيَة قَلبَ العِظة، وكُلُّ ما تبقَّى يُشكِّلُ تطبيقَ العظة. إنَّ أفضَلَ المُعلِّمينَ والوُعَّاظ يصرفُونَ القليلَ من الوقت في تقديمِهم للحقيقة التي يُريدُونَ تعليمَها، وجزءاً كبيراً من الوقت في توضيحِ وتطبيقِ هذه الحقيقة. في هذه العِظة، إتِّبعَ يسُوعُ هذا النموذج كونَهُ صرفَ القليلَ من وقتِهِ في تقديمِ الحقيقة التي علَّمَها، "التطويبات"، وصرف مُعظم وقتِهِ في توضِيحِ وتطبيقِ هذه التطويبات.

إنَّ قرينَةَ هذه العظة تُقدِّمُ لنا الأزمة الناتِجة عن صَيرُورَةِ الإنسان تابِعاً للمسيح، أو مسيحيَّاً. المواقِفُ الجَميلة تُظهِرُ كيفَ ينبَغي أن تكونَ شخصيَّةُ المسيحيّ الحقيقي. إنَّ الصُّورَ المجازِيَّة الأربَع التي تتبَعُ التطويبات – المِلح، النُّور، المدينة، والسِّراج – تَصِفُ التحدِّي الذي يبرُزُ عندما يُؤثِّرُ المسيحيُّ على الحضارَةِ العِلمانِيَّة. القَضِيَّةُ الجَوهَريَّةُ هي، "هل أنتَ جزءٌ من المُشكِلة، أم أنَّكَ جزءٌ من حَلِّ يسوع؟ هل أنتَ واحِدٌ من أجوبتِهِ أم أنَّكَ لا تزالُ تطرَحُ الأسئِلة؟"

هُناكَ "خطٌّ رُوحِيٌّ وَهمِيٌّ فاصِلٌ" بينَ التطويبَتين الرابِعة والخامِسة. عبرَ الكِتابِ المقدَّس هُناكَ نمُوذَجٌ يبرُزُ عندما يُجنِّدُ اللهُ قادَةً لعمَلِهِ. هؤُلاء القادَة لديهم ما نُسمِّيهِ "إختِباراتُ المجيء" إلى حضرةِ الله، و"إختِباراتُ الذهاب" من حضرةِ الله. عادَةً يكُونُ لديهم مجيءٌ مُؤثِّرٌ إلى حضرَةِ الله قبلَ أن يكُونَ لديهم ذهابٌ مُثمِرٌ من أجلِ الله. وهُم عادَةً ما يكُونُونَ عابِدين للهِ قبلَ أن يكُونُوا عامِلينَ من أجلِ الله. التطويباتُ الأربَع الأُولى تُمثِّلُ مواقِفَ الذين تمرَّسُوا في المجِيءٍ إلى الله، والتطويباتُ الأربَع الأخيرة تُبرِزُ المواقِفَ التي نحتاجُ أن نتعلَّمَها لِكَي نذهَبَ من أجلِ الله.

إنَّ المَوهِبَةَ يُمكِن أن تُطوَّرَ في الوِحدَة، ولكنَّ الشخصيَّةَ ينبَغي أن تُطوَّرَ في تيَّار الإنسانيَّة، أي بينما نكُونُ في علاقَةٍ معَ النَّاس. التطويباتُ الأربَع الأُولى تُطوَّرُ على قِمَّةِ الجَبل، أو في ما سيصِفُهُ يسُوعُ فيما بعد "إختِبارات المخدَع" معَ الله (متى 6: 6). بإمكانِنا أن نتعلَّمَ وأن نُعلِّمَ التطويبات الأربَع الأُولى في علاقتِنا الفرديَّة معَ الله، ولكنَّ التطويبات الأربَع الأخيرة ينبَغي أن تُتَعلَّمَ وأن تُطوَّرَ في علاقاتِنا معَ النَّاس.

تُقسَمُ التطويباتُ أيضاً إلى أربَعَةِ مجمُوعاتٍ من التطويبات المُزدَوِجَة: المساكينُ في الرُّوح الذين يَئِنُّون؛ الوُدعاء الذي يجُوعُون ويعطَشُونَ من أجلِ البِرّ؛ الرُّحَماء الذين يتمتَّعُونَ بِقَلبٍ نقِيٍّ، وصانِعي السلام الذين يُضطَّهَدُون. إنَّ كُلاً من هذه التطويبات المُزدوجة تُبرِزُ بصيرةً رُوحيَّةً يحتاجُ تلميذُ المسيح أن يتعلَّمَها قبلَ أن يُصبِحَ جزءاً من حلِّ المسيح ومن جوابِهِ.

التطويبتان الأُولى والثانِيَة تُعلِّمُ التلاميذ أن يقُولُوا: "ليسَتِ القضيَّةُ ما أستطيعُ أنا أن أعمَل، بل ما يستطيعُ هُوَ أن يعمَل،" أو "بِدُونِهِ لا أستطيعُ أن أعمَلَ شيئاً." التطويبتان التاليتان تُخرجُ الإعتِرافَ التالي من فمِ التلميذ: "ليسَ المُهِمُّ ما أُريدُهُ أنا، بل ما يُريدُهُ الرَّبُّ." الزوجُ الثالِثُ من التطويبات تُمثِّلانِ هذا السِّر الرُّوحي: "ليسَ المُهِمُّ من أو ما أنا، بل من وما هُوَ الرَّب." الزوجُ الرابِعُ من التطويبات تشهدانِ لنتائجِ هذه التطويبات والإعتِرافات: "لم يكُنِ المُهِمُّ ما عَمِلتُهُ أنا، بل ما عَمِلَهُ الرَّبُّ."

أخيراً، التطويباتُ هي مِثل تسلُّق الجَبَل. الأُولى تأخُذُنا في رِحلَةٍ قصيرَةٍ نحوَ الجبل، الثانِيَة تأخذُنا أبعد من الأُولى، والوداعَةُ تأخُذُنا إلى ثلاثة أرباع الطريق إلى الجبل، وجوعُنا وعَطَشُنا إلى البِرّ يصِلانِ بِنا إلى قِمَّةِ الجَبل. إنَّ هذه التطويبات "التسلُّقيَّة" هي تطويباتُ المجيء إلى محضَرِ الله.

كُلُّ خُلوة تصِلُ إلى نِهايتِها، وأولئكَ الذينَ يحضُرُونَها عليهِم أن يترُكُوا القِمَّةَ في النَّهايَة. إن تطويبات الذهاب تُحدِرُنا من أعلى الجبَل إلى أسفَل. عندما يمتَلِئُ تِلميذٌ بِبِرِّ الله، كيفَ يبدو؟ هل يبدُو مثل الفرِّيسيّ النامُوسي المملُوء بالبِرّ الذاتي؟ كَلا، فنحنُ نقرَأُ أنَّهُ سيكُونُ رحيماً، وذا قَلبٍ نَقِيّ. وصيرُورتُهُ رحيماً وذا قَلبٍ نَقِيّ تبدأُ بإحدارِهِ من قِمَّةِ الجبل إلى أسفل، ليكُونَ حَلَّ الله لمشاكِلِ الجُموع المُحتاجة. عندما يكُونُ التلميذُ صانِعَ سلام، ويُضطَّهَدُ من أجلِ ذلكَ، نعرِفُ أنَّهُ يَقِفُ عندَ أسفَلَ الجَبَل حيثُ تسودُ المشاكِل.

  • عدد الزيارات: 19013