الفصلُ الرَّابِع "أحداثٌ هامَّةٌ في حياةِ المسيح" - تجرِبَة يسوع
تجرِبَة يسوع
في الإصحاحِ الرابِع من إنجيلِ متَّى، نقرَأُ أنَّ معمُوديَّة يسوع أُلحِقَت بحَدَثٍ مُهِمٍّ آخر. إقتادَهُ الرُّوحُ إلى البَرِّيَّة حيثُ كانت لهُ مُواجَهَةٌ معَ الشيطان، بعدَ أن قضى أربعينَ يوماً في الصَّوم، حيثُ جُرِّبَ ثلاثَ مرَّات. أوَّلاً جاءَ إليهِ المُجرِّبُ وقالَ، "إن كُنتَ إبنَ الله، فقُلْ لهذه الحِجارة أن تَصيرَ خُبزاً." فأجابَ يسوع، "مكتُوب، ليسَ بالخُبزِ وحدَهُ يحيا الإنسان، بل بِكُلِّ كَلِمَةٍ تخرُجُ من فَمِ الله." لقد كانت الكلمَةُ التي نطَقَ بها يسوع والمُسجَّلَة في الأناجيل المُتشابِهَة النَّظرة، "مكتُوبٌ." (متَّى 4: 4)
التجرِبَةُ الثانِيَة حدَثَت عندما جرَّبَ إبليس يسوع بأن يقفُزَ من أعلى مكانٍ في هيكَلِ سُليمان. "إن كُنتَ إبنَ الله،" قالَ الشيطان، "فاطرَحْ نفسَكَ إلى أسفَل. لأنَّهُ مكتُوبٌ أنَّهُ يُوصِي ملائِكتَهُ بِكَ. فعلى أيادِيهِم يحمِلُونَكَ لِكَي لا تصدِمَ بِحَجَرٍ رِجلَك." (متى 4: 6) هُنا نجِدُ الشيطانَ يقتَبِسُ آياتٍ من الكِتابِ المقدَّس. فهُوَ يعرِفُ هذا الكِتاب جيِّداً، وهُوَ يُحِبُّ أن يُغيظَ المُؤمِنين بذكرِهِ لهُم آياتٍ تدينُهم أو تُخيفُهم.
كانَ يسُوعُ سيُعلِنُ قريباً أنَّهُ اللهُ في جَسَدٍ إنسانيّ. فكَيفَ كانَ يُمكِنُ لأيٍّ كانَ أن يُؤمِنَ بهكذا تصريح؟ هُنا نرى الشيطان يقتَرِح أن يستَخدِمَ يسوعُ قِواهُ الخارِقة للطبيعة لكَي يُبرهِنَ إدِّعاءَهُ. ولكنَّ يسوع أجابَ الشيطان، "مكتُوبٌ أيضاً، لا تُجرِّبِ الربَّ إلهكَ." (متى 4: 7)
التجرِبَةُ الثالِثَةُ ليَسُوع هي عندما أراهُ الشيطانُ كُلَّ ممالِكَ العالم ومَجدَها. وقالَ لهُ "أُعطيكَ هذه جميعَها إن خَرَرتَ وسجدتَ لي." ولكنَّ يسوعَ أجابَهُ، "إذهَبْ يا شيطان. لأنَّهُ مكتُوبٌ للرَّبِّ إلهِكَ تسجُد وإيَّاهُ وحدَهُ تعبُد." (متى 4: 8- 10)
ما هي دَلالَةُ تجرِبَةِ يسُوع في البَرِّيَّة؟ أوَّلاً، أعتَقِدُ أنَّهُ لو كانت هُناكَ أيَّة طريقَة للشَّيطان لكَي يتجنَّبَ هذه المُواجَهة، لكانَ تجنَّبَها. نحتاجُ أن نفهَمَ أنَّ رُوحَ الله كانَ يقودُ يسوع المسيح لكَي يتواجَهَ معَ الشيطان في بِدايَةِ خدمتِهِ العَلَنيَّة. وإذا تكلَّمنا مجازِيَّاً، "هذا هُوَ الأخُ الأكبَر – يسُوع" الذي يُسوَّي حِسابات أخيهِ الأصغَر –آدَم،" والذي كانَ الشيطانُ قد أغراهُ وأسقطَهُ في جنَّةِ عدَن. إنَّ تجرِبَةَ يسوع الأُولى هي بجَوهَرِها التجربة ذاتَها التي واجَهَها آدَم وحَوَّاء في جنَّةِ عَدَن.
كما لاحظنا سابِقاً، أجابَ يسوعُ على تكرار تجرِبَةِ جنَّة عدَن بالإقتِباس من كلمةِ الله: "مكتُوبٌ ليسَ بالخُبزِ وحدَهُ يحيا الإنسان بل بِكُلِّ كَلِمَةٍ تخرُجُ من فَمِ الله." (متى 4: 4) في جنَّة عدَن، طرحَ الشيطانُ السؤالَ التالي، "أحقَّاً قالَ الله؟" فأجابَ آدَم وحَوَّاء بما معناه، "نعم هذا ما قالَهُ اللهُ." فأجابَ الشيطانُ بما معناهُ، "حسناً، إنَّ ما قالَهُ اللهُ ليسَ صحيحاً." فبعدَ أن شكَّكَ بقضيَّةِ ما إذا كانَ اللهُ قد تكلَّمَ بأيِّ شيءٍ بتاتاً، شكَّكَ بعدَ ذلكَ بكَلِمَةِ الله وتحدَّاها وعصا عليها.
هل يبدو هذا لكَ مألُوفاً. إبليس لم يتوقَّف عن طَرحِ هذا النَّوع من الأسئِلة عبرَ تاريخِ شعب الله المُطوَّل. إنَّ كُلاً من هذه التجارِب هي أيضاً وصفٌ لتجارِب الخطيَّة التي نُواجِهُها اليوم. وهذا أيضاً تعريفٌ للخطيَّة. فالخطيَّةُ هي ما نعمَلُهُ أو لا نعمَلُهُ حيالَ ما نعلَم أن اللهَ قالَهُ.
الحقيقَةُ الهامَّةُ التي يتجاوَبُ معَها في هذه التَّجرِبَة الأُولى هي أنَّنا إذا أردنا أن نعيشَ، فإنَّ كلمةَ الله سوفَ تُرينا كيفَ نعيش. فبِمقدارِ ما نفهَمُ الكِتابَ المقدَّس، بمِقدارِ ما سنفهَمُ الحياة. وبمِقدارِ ما نفهَمُ الحياة، بِمقدارِ ما سنفهَمُ الكتابَ المقدَّس ونقدُرُهُ حقَّ قدرِهِ. فالكِتابُ المُقدَّسُ والحياة يُلقِيانِ الأضواءَ على بعضِهما البَعض. فالقصدُ من الكِتابِ المقدَّس هو أن نعرِفَ كيفَ نعيش.
في جنَّةِ عَدَن، كانَ جوهَرُ التجرِبَةِ أن تضعَ حاجاتِكَ المادِّيَّة أوَّلاً، وأن تضَعَ ما يُريدُكَ اللهُ أن تعمَلَهُ ثانِيَاً. بِكَلِماتٍ أُخرى، فسِّر كَلِمَةَ اللهِ على ضوء حاجاتِكَ الجسديَّة. لقد أرادَهُم اللهُ أن يُفسِّرُوا حاجاتِهِم الجسديَّة على ضوءِ كَلِمتِهِ لهُم. بمعنىً آخر، كانت التجرِبَةُ، "حاجَاتُكَ أوَّلاً، وكلمةُ اللهِ ثانِيَاً."
عندما جُرِّبَ يسوعُ بأن يُحوِّلَ الحجاَرةَ خُبزاً، كانت التجرِبَةُ، "لقد كُنتَ صائِماً لمُدَّةِ أربَعينَ يوماً. فاستخدِم قِواكَ الخارِقة للطبيعة لكَي تضعَ حاجاتِكَ المادِّيَّة أوَّلاً، وكلمة الله ومشيئتَهُ ثانِياً. فكانَ جوابُ المسيح، "كَلِمَةُ اللهِ أوَّلاً، والحاجاتُ ثانِيَاً."
يُمكِنُ إيجازُ رِسالَةِ الكتابِ المقدَّس بكَلِمتَين هُما: "اللهُ أوَّلاً." إنَّ أجوِبَة يسوع على التجارِب الثلاث يُمكِنُ تَلخِيصُها بهاتَين الكلمتَين أيضاً. تذكَّرْ أنَّ التجرِبَة ليسَت خطيَّة. بل كيفيَّة تجاوُبِنا معَ التجربِة هي إمَّا غلبَة أو خطيَّة. إنَّ تجاوُبَنا معَ التجربِة اليوم ينبَغي أن يكونَ تطبيقاً لهاتَين الكلمتَين أيضاً – "اللهُ أوَّلاً."
في التَّجرِبَةِ الثانِيَة، إقتَبَسَ الشيطانُ من كَلِمَةِ اللهِ وإقتَرَحَ أن يُبرهِنَ يسوعُ أنَّهُ إبن الله بأن يقفُزَ من أعلى مكانٍ في هيكَلِ سُليمان. كانت الفِكرَةُ أنَّهُ عندما سيُنقَذُ عجائِبيَّاً من قفزَتِهِ، كانَ سيُبرهِنُ أنَّهُ إبن الله.
هُنا أيضاً أجابَ يسوعُ بالإقتِباسِ من كَلِمَةِ الله، مُشيراً إلى الشيطان، أنَّ اللهَ قالَ أنَّهُ علينا أن لا نُجرِّبَهُ. هُناكَ فرقٌ دَقيقٌ بينَ أن نضعَ جزَّةَ الصوف، كما فعلَ جِدعَون، وبينَ أن نُجرِّبَ الله (قُضاة 6: 37، 38). عندما ننضَمُّ في صُفوفِ "جامِعَةِ الإيمان" – قابِلِينَ التحدِّي بأن نُصبِحَ أتباعَ المسيح، لا يَحِقُّ لنا أن نُخضِعَ اللهَ للإمتِحان. بل هُوَ من لهُ الحقُّ بأن يمتَحِنَنا ساعَةَ يشاء، وليسَ نحنُ من لنا الحقُّ بإمتِحانِ اللهِ.
المرَّةُ الثالِثة التي جرَّبَ فيها الشيطانُ يسوع، عرضَ عليهِ أن يُعطِيَهُ كُلَّ ممالِكِ العالَم، إذا سجدَ يسوعُ لهُ وعبدَهُ. هُنا أيضاً، أجابَ ربُّنا من مقطَعٍ من كَلِمَةِ الله ينسجِمُ معَ جوابِهِ على التجرِبَةِ الأُولى. "مكتُوبٌ، للرَّبِّ إلهِكَ تسجُد وإيَّاهُ وحدَهُ تعبُد." إنَّ جوهَر ما تعنيهِ هذه الكلمات هُو، "اللهُ أوَّلاً،" الأمرُ الذي عُبِّرَ عنهُ كالتالي: "إيَّاهُ وحدَهُ." (متى 4: 10)
إنَّ التطبيقات الشخصيَّة على حياتي وحياتِكَ لهذه التجارِب الثلاث التي اجتازَها يسوع هي واضِحَةٌ جداً. التطبيقُ الأوَّل هُوَ: "اللهُ أوَّلاً!" أوَّلاً كلمةُ الله ثُمَّ حاجاتُنا. إعبَدُوا الله وإيَّاهُ وحدَهُ. جميعُنا نجتازُ في أوقاتٍ نُجرَّبُ فيها أن نستَغنِي عنِ الإيمان بأن نضعَ اللهَ أمامَ الإمتِحان، ناسِينَ أنَّ اللهَ هو الذي ينبَغي أن يضعنا أمامَ الإمتِحان.
بعدَ أن رفضَ يسُوعُ مَشُورَة الشيطان للمرَّةِ الثالِثة، نقرَأُ أنَّ الشيطانَ غادَرَ يسُوعَ "إلى حِين." إنَّ هذه الكلمات تعني أنَّهُ كانَ هُناكَ هُجومٌ شيطانِيٌّ قَويٌّ، مُستَمِرٌّ، ولا يتراجَع ضِدَّ المُخلِّص، عندما عاشَ آخِرَ ثلاث سنوات من حَياتِه. يَصِحُّ هذا خاصَّةً عندما إقتَرَبَ يسُوعُ من الأُسبُوعِ الأخِير الذي فيهِ ماتَ وقامَ من الموت من أجلِ خلاصِنا.
يتساءَلُ البعضُ ما إذا كانَ من المُمكِن أن يسقُطَ يسُوعُ في إحدى تجارِبِ إبليس. ولكن عندما كانَ يسوعُ يُجرَّبُ في البَرِّيَّة، هل كانَ اللهُ يتطلَّعُ من شُرفَةِ السماء، حابِساً أنفاسَهُ، مُتسائِلاً، "هل سينتَصِرُ إبني على التجربة؟" هل تظُنُّ أنَّ الأمرَ كانَ كذلك؟ أُؤكِّدُ لكَ أنَّ اللهَ عرفَ أنَّ إبنَهُ لن يكُونَ مثل آدَم ويستسلِم لهذه التجارِب. فعِندَما جُرِّبَ في البرِّيَّة، كانَ من المُستَحيل أن يسقُطَ يسوعُ أمامَها.
فلِماذا جُرِّبَ إذاً؟ كانَ من المُهمِّ بِنَظَرِ الله أن يُبرهِنَ لنا، في بِدايَةِ حياةِ وخِدمَةِ مُخلِّصِنا، أنَّهُ لا يُمكِن أن يسقُطَ. أحدُ آخِرِ الأعداد في الكتابِ المقدَّس يقولُ عن يسوع المسيح: "وللقادِر أن يحفَظَكُم غَير عاثِرين وأن يُوقِفَكُم أمامَ مجدِهِ بِلا عَيبٍ في الإبتِهاج..." (يهُوَّذا 24). إن كانَ المسيحُ الذي جُرِّبَ ولم يسقُطْ يحيا فينا، هل بإمكانِهِ أن يحفظَنا من السُّقُوط؟ بالطبع يستطيعُ. إذا وثِقنا بهِ ومَشَينا معَهُ، سيحفَظُنا من السُّقُوط.
لقد أظهَرَ لنا يسُوعُ بالطريقَةِ التي واجَهَ بها تجارِبَهُ، كيفَ ينبَغي علينا أن نُواجِهَ تجارِبَ إبليس اليوم. الشيطانُ لا يتعَب ولا يَكِلُّ مُحاوِلاً أن يقُولَ لكُلِّ واحدٍ منَّا: "ضَعْ الحاجات المادِّيَّة أوَّلاً والرُّوحِيَّة ثانِيَاً. ضَع أيَّ شيءٍ أوَّلاً في حَياتِكَ قبلَ الله."
إنَّ العدُوَّ الأكبَر للأحسَن غالِباً ما يكُونُ الحَسَن. بِهذهِ الطريقة يُجرِّدُنا الشيطانُ من الأحسَن الذي يُعدِّهُ اللهُ لنا. فهُوَ يُجرِّبُنا بأن نعمَلَ الحَسن لكَي نكتَفِيَ ونُقصِّرَ عن الأحسَن الذي يُريدُهُ الله لنا. ولأنَّ اللهَ يُحبُّنا، ويعرِفُ أنَّنا متى نضعُهُ أوَّلاً سيُعطينا أحسن ما عِندَهُ، لِهذا فهُوَ يُريدُنا أن نضعَهُ أولاً وأن نهزِمَ تجارِبَ الشيطان.
- عدد الزيارات: 9498